مقالة فلسفية بلغة الكفاءات وفق الوضعية الإدماجية
الاشكالية الثانية .. آليات الفكر المنطقي
المشكلة الجزئية الثانية .. انطباق الفكر مع الواقع
حرر"ي" مقالا فلسفيا تتحدث فيه عن مايلي
01 . هل الاستدلال أفضل سبيل للوصول إلى المعرفة ؟
02 إذا كان الاستقراء جزء من الاستدلال فهل يكون أفضل طريقة للوقوف على الحقيقة ؟
المقدمة ومحاولة طرح المشكلة
إذا
كانت الفلسفة اليونانية قد انطلقت من تصور فلسفي يؤكد على الاستدلال
المنطقي الصوري أو حتى الرياضي فبعض الفلسفات الجديدة قد تطورت في فترة
الفلسفة الحديثة وغيرت من هذا التصور إلى مجال جديد يعرف بالاستقرائي
والملاحظ من الحوار أن كل طالبة قد اقتنعت بوجهة نظرها مستندة إلى انجازات
الفلاسفة ومن هنا يواجهنا السؤال ضمن هذه الوضعية المشكلة كالتالي ... هل الاستدلال أفضل سبيل للوصول إلى المعرفة أم الأمر تعدى إلى المجال الاستقرائي ؟
التحليل ومحاولة حل المشكلة
الجزء الأول .. الأطروحة .. الاستدلال أفضل سبيل للوصول إلى المعرفة
يرى
أنصار الأطروحة أن الاستدلال هو أفضل طريقة للوصول إلى الحقيقة وهذا ماكان
يعرف مع أرسطو بالاستدلال الأرسطي وتبين بأنه مفتاح المعرفة إدراكا
للجزئيات بشكل استنتاجي .
يبرهن
أنصار الأطروحة على أن الاستدلال من أعظم الطرق الاستناجية في الوصول إلى
الحقيقة بشكل غير مباشر ومن هنا ينطلق أرسطو إلى الاستدلال المنطقي وصاغه
في صورة قياس
ومثل ذلك .. إذا كان أ؛ و ب؛ وج هي كل أفراد الإنسان.. الجزئي
إذن كل إنسان يأكل ... العام
وعلى
هذا الأساس يصاغ الاستدلال وكان هذا رأي ديكارت الذي حدد معالم الاستدلال
في صورة أن كل مرحلة من مراحل الاستنتاج هي حلقة نصل بها إلى الحقيقة ولا
يوجد برهان غير الاستدلال الذي يحيط بجميع الجزئيات والنتائج البعيدة لا
تعرف إلا بالاستنتاج وهذا ما أكدت عليه" الطالبة الاولى " ويكون الأمر
مشروطا باستنتاجات منطقية وواقعية ومعلومة أي صحيحة وهذا ما ساعد على نقل
الاستدلال من صورته المنطقية إلى الاستنتاج الرياضي الذي يوضح هو كذلك
اليقين الرياضي الذي يعتمد على هذه الآلية للبرهنة على حقائقه كما يستبعد
أنصار الأطروحة الحدس الذي يكون مخادعا أي لا يخدم ما يريد أن يصل إليه
العقل وهكذا فالاستدلال عملية نعني بها كل ما يستنتج بصفة ضرورية من أشياء
أخرى معلومة علم اليقين ولا يبقى شيء من الريب في أن الاستدلال أوثق سبيل
للمعرفة وهو تصور يتولد من نور العقل واستنبط دعاة المنطق ذلك واستمروا
على نسق منطق أرسطو وظل ذلك معيارا للحقيقة .
وعليه يبقى الاستدلال صحيحا والرجوع إليه يمنح اليقين للمعرفة وصحته في حقائق مقدماته
وقد
ساهم الاستدلال في صياغة القوانين العلمية رغم الصورة التي أحاطت به .
وتبقى فكرة الصحة قائمة داخل الاستدلال ولا يمكن إنكارها .
يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية
اتخاذ
الاستدلال كمعيار للبرهنة واليقين يشكل بيانا لصحته ولكنه ليس صحيحا على
الدوام بل يجب النظر إلى ما تطرحه الحقائق من نتائج تجريبية فلا تبقى
حبيسة التحليل الاستناجي فقط .
الجزء الثاني .. نقيض الأطروحة .. الاستقراء أوثق سبيل للوصول إلى المعرفة
يرى
أنصار الأطروحة وهم أصحاب الاتجاه التجريبي أن الاستقراء هو أفضل الطرق
للوصول إلى الحقيقة التي يناشدها الإنسان والاستقراء هو العملية التي
ننتقل بمقتضاها من معرفة الحوادث الجزئية إلى الكلية .
يبرهن أنصار التجريب بزعامة فرنسيس بيكون أن الاستقراء التجريبي هو الأداة التي نصل بها إلى الحقيقة وأراد بيكون من وراء ذلك أن يتحقق من الواقع وذلك بعد النقد اللاذع الذي وجهه إلى منطق أرسطو الاستنتاجي ومن هنا تم تهذيب الاستقراء وجعله أهلا للبحث العلمي لمعاينة الواقع وذلك بشكل صادق ومعلوم ومثل ذلك ...
إذا
تحققنا أن بعض المعادن تتمدد بالحرارة ؛ كان بإمكاننا أن نستخلص من ذلك
قانونا عاما كل المعادن تتمدد بالحرارة وأول خطوة يخطوها الباحث في ميدان
الاستقراء كما يرى بيكون هي ملاحظة الحقائق ثم الكشف عن هذه الحقائق
لمشاهدة الطبيعة ثم استنتاج القانون على أن يقوم بتبويب الاستناجات في
لوحات الحضور ؛ الغياب وصولا البواقي
وهذا ما أقدم على تعديله الفيلسوف الانجليزي " جون ستوارت مل "
فالطريقة الاستقرائية الاولى ترى بالتلازم في الحضور وهي التي تربط بين
العلة والمعلول والعلة هي المسؤولة عن حدوث الظاهرة أما التلازم في الغياب
يكون بين العلة والمعلول في عدم وجود الظاهرة فعندما تختفي العلة يختفي
المعلول وأي شيء يطرأ على الظاهرة "العلة " يلقي بضلاله على المعلول أما
طريقة البواقي فتأكد على أن العلة لا تكون إلا لشيء واحد ولا تكون لشيء
مغاير وهكذا يكون الاستقراء لحالات كثيرة لا يشوبها شك وهكذا يكون
الاستقراء في مجال تصاعدي ضمن تجريب واقعي يصل بنا إلى الحقيقة .
وعلى الرغم من ذلك فقد أراد العلماء أن يصلوا بالحقيقة إلى مداها ويبقى هذا التصور دافعا للإبداع العلمي والفلسفي وهذا ما يراه البير انشطاين على انه بدون الاعتقاد أن هناك انسجما داخليا في عالمنا هذا فانه لا يقوم العلم "
وعلى هذا الأساس ينتهي الاستقراء إلى الوثوقية كما يقول برتراند راسل على الباحث أن يسلم بالاستقراء تسليما وان يبحث في جوانبه " إذن الاستقراء أوثق من الاستدلال
لا
يخلو هذا التصور في بعض حالاته من التصور الميتافيزيقي ويطرح ذلك مشكلا
فلسفيا ورغم الصلابة التي يتميز بها الاستقراء إلا انه لا يكفي لأدراك
الحقائق بحيث لا يكون الأمر مرتبطا بالتجريب دوما .
بعد
عرض الأطروحتين يتبين أن الاستدلال قاعدة فكرية صلبة أدت ما عليها ولا
تزال تقدم الأساس المعرفي والفكري للعلوم إلى جانب معاينة الواقع بفضل
الاستقراء التجريبي الذي يستنتج عبر الجزئيات تحقيقا للكليات بشكل تصاعدي
؛ ومهما يكن فالاستدلال والاستقراء آليتين استنتاجيتين الغرض منهما توضيح
الواقع وملامسته
يمكن
القول في الختام أن العملية الاستنتاجية قد أثبتت حقيقة الوصول إلى تفسير
الظواهر انطلاقا من استقرائها تجريبيا وكان الهدف هو تطوير المعرفة
العلمية كوصلة توصف بالذهاب والإياب بين الفكرة والحادثة أي من الاستدلال
إلى الاستقراء ويبقى المجال مفتوحا لما ستسفر عنه الأبحاث العلمية
والفلسفية اللاحقة