السؤال :
قلبت الحرب العالمية الثانية موازين القوى ووضعت أسس معادلة جديدة للعلاقات الدولية .
المطلوب :
ناقش ذلك مبرزا أهم الأسس وأثارها على بلدان العالم الثالث . دورة 1987
الإجابة :
المقدمة :
مثل القوى المؤثرة في العلاقات الدولية قبل الحرب العالمية الثانية ثمانية
دول كبرى إلا أن الحرب الكونية الثانية أخلطت أوراق المعادلة والقوى
الفاعلة ثم أعادت ترتيبها ففي الوقت الذي احتلت بعض الدول الريادة تراجعت
أخرى عن مكانتها القيادية .
أ / الوضع الدولي والقوى العالمية :إن التدمير
الشامل الذي شهدته أوربا ساهم إلى حد كبير في فقدانها مكانتها التي تراجعت
فاسحة المجال لانتقال الزعامة العالمية لأول مرة خارج أوربا لصالح الاتحاد
السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية ، وقد تعززت مكانة البلدين نظرا
لدورهما في الحرب العالمية الثانية حيث كان لدورهما العامل الأساسي والحاسم
في مجرى الحرب ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ساهم الجيش الأحمر في تحرير
أوربا الشرقية والوسطى كما شارك في هزيمة اليابان في منشوريا هذا الدور
اكسب الاتحاد السوفياتي هيبة ومكانة سياسية وعسكرية هامة في حين ساهمت
القوات الأمريكية في تطهير شمال إفريقيا من قوات دول المحور تمهيدا لتحرير
جنوب أوربا بين 1943- 1944 ثم الإنزال النورماندي عام 1944 شمال فرنسا
وتحريرها إلى جانب تحرير الأراضي المنخفضة وهزم ألمانيا وما ان انتهت الحرب
حتى تبوأ البَلَدَان زعامة العالم ، وتراجعت مكانة الإمبراطوريات القديمة
والحديثة خاصة فرنسا وبريطانيا ، وهكذا مثل طرفي المعادلة الجديدة الاتحاد
السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية .
ب/ الأسس الجديدة للعلاقات الدولية :
1/ عودة الصراع الإيديولوجي بين المعسكرين :
لقد انهار التحالف الكبير الذي عقد عام 1942( واشنطن ) ضد دول المحور لمجرد
زوال الخطر المشترك والمتمثل في ألمانيا وحلفائها ، وعاد الخلاف والصراع
بين الاتحاد السوفياتي الشيوعي والغرب الرأسمالي الذي كانت تقوده الولايات
المتحدة ، وفي ظل هذا الصراع سعى العملاقان على تحقيق مصالحهما وتوسيع
دائرة نفوذهما في أوربا وخارج أوربا ، إذ بعد نزول الستار الحديدي في أوربا
وانقسامها إلى شرقية شيوعية وغربية رأسمالية يفصلها خط طول 11 0 شرقا
انتقل الصراع والانقسام إلى آسيا وإفريقيا وهكذا ما إن انتهت حرب كونية
مدمرة قادت العملاقين إلى التسابق نحو التسلح وامتلاك أسلحة الدمار وحدوث
أزمات دولية غذتها أنانية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي
كما ساهم صراعهما في ظهور تكتلات اقتصادية وعسكرية . لذا كان لعودة الصراع
بين المعسكرين الأثر البالغ في مستقبل العلاقات الدولية التي تميزت بالتوتر
لدرجة عالية ، منها تهديد السلام العالمي بحرب نووية في أكثر من مرة .
2/ ظهور النزعة التوسعية والاستعمار الأوربي الجديد :
تخلصت دول العالم الثالث نتيجة حركة التحرر الوطني من الاستعمار الأوربي
بعد الحرب العالمية الثانية لتصطدم بنزعة جديدة للتوسع والبحث عن مناطق
النفوذ والتي مثلتها طبيعة الصراع بين المعسكرين بحيث تطور مفهوم الاستعمار
ليظهر في شكل جديد متنوع الأساليب مثل الشركات الاحتكارية والتعاون
والمؤسسات الدولية والهيئات الديبلوماسية والثقافية مستخدما في ذلك عددا من
الضغوطات كالتبعية السياسية والاقتصادية .
3/ هيئة الأمم المتحدة :بعد الفشل الذريع لعصبة الأمم البائدة عمل
الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية على إنشاء هيئة الأمم المتحدة
محاولين تجنب أسباب فشل العصبة فوفروا لها أسباب القوة والفاعلية لإعطاء
الهيئة الوليدة بعدا عالميا ، إذ تضمن ميثاقها مبادئ وأهداف إنسانية وأصبحت
الإطار الذي تحل فيه الخلافات الدولية ووسيلة للتعاون من اجل رفاهية
الشعوب إلا أن نفوذها بقي محدودا ونشاطها ظل مرهونا بإرادة الدول الكبرى
خاصة الأعضاء الدائمين في المجلس الأمني وهذا ما أعاق دور الهيئة الأممية
فتواصلت معاناة الأمم المتحدة خاصة في ظل الحرب الباردة ورغم ذلك فإن هيئة
الأمم قد نجحت في معالجة كثير من المشكلات الدولية بطرق سلمية .
آثار ذلك على العالم الثالث :
1/ تحول بلدان العالم الثالث إلى ميدان صراع بين المعسكرين مما أدى على
ظهور صراع مسلح في كوريا ( 1950-1953 ) والهند الصينية ( 1954- 1973 ) .
2/ تعرض العالم الثالث إلى تنافس العملاقين من اجل الهيمنة على ثرواته وإخضاعه لدائرة نفوذه .
3/ عدم الاستقرار السياسي في دول العالم الثالث وعرقلة تطوره وازدهاره .
4/ انتشار القواعد العسكرية في أراضيه وضغوطات المعسكرين لضم دوله في أحلاف عسكرية هدفها قمع حركات التحرر وحماية مصالحها .
5/ تبلور الوعي السياسي لدى دول العالم الثالث والتي تكتلت في مؤتمر
باندونغ لتدافع عن كيانها ولتبحث لها عن مكان تحت الشمس ولترفض ان ترفض ان
تكون ميدانا للصراع بين المعسكرين .
الخاتمة :إن متاعب الحرب العالمية الثانية كانت
السبب الأساسي في تراجع مكانة الاستعمار القديم مما سمح للولايات المتحدة
والاتحاد السوفياتي بتزعمها العالم وهو ما أدخلها في حالة صراع من اجل
تحقيق مصالح ونفوذ على حساب دول العالم الثالث التي أصبحت ميدانا لهذا
الصراع وإذا كانت الآثار المترتبة عليه سلبية بوجه عام فإن وعيها بخطورة
الصراع ودفاعها عن مصالحها ورفضها ان تكون طرفا في الصراع أو ميدانا له
لدليل على إيجابية الآثار بوجه خاص ومحدود على العالم الثالث
__________________