مقالة حول الأنظمة الاقتصادية:جدل بين الرأسمالية والاشتراكية.
الأسئلة:
-هل التنافس الحرّ كفيل بتحقيق الازدهار الاقتصادي؟
-هل الازدهار الاقتصادي مرهون بتحرير المبادرات الفردية؟
-هل تُحلّ مشكلة العمل بتقييد الملكية؟
-هل تُحلّ مشكلة العمل بتحرير الملكية؟
-هل تحقق الليبرالية العدالة الاجتماعية؟
- المقدمة:
تعتبر الرغبة في الحياة المحرّك الأساسي عند جميع الكائنات الحية خاصة
الإنسان والحيوان تدفعهم إلى الحركة داخل الوسط الطبيعي بحثا عن عناصر
البقاء وفي محاولة للاستفادة منه لكن حركة الإنسان قصدية, واعية, هادفة
هذه الخصائص مجتمعة تعرف في الفلسفة وعلم الاقتصاد بظاهرة الشغل الذي
يحيلنا إلى موضوع "الأنظمة الاقتصادية" فإذا علمنا أن الرأسمالية تعتمد
على التنافس الحرّ والاشتراكية تتبنى توجيه الاقتصاد فالمشكلة المطروحة:
هل يتحقق الازدهار في ظل الرأسمالية أم الاشتراكية؟
الرأي
الأول (الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن {شرط الازدهار الاقتصادي يتوقف على
مدى تطبيق النظام الرأسمالي في أرض الواقع} وهو نظام يحقق الرفاهية
المادية والعدالة الاجتماعية, ويهدف إلى ضمان "أكبر قدر من الربح المادي
مع أكبر قدر من الحرية" تعود الجذور الفلسفية للرأسمالية حسب عالم
الاجتماع "ماكس فيبر" إلى عاملين فلسفة التنوير التي دافعت عن حرية الفكر
والتصرف والبروتستانتية التي مجّدت العمل والحرية, هذه الأفكار تجلّت في
المذهب الفردي والذي من أكبر دعاته "آدم سميث" و"ستيوارت ميل" والرأسمالية
تقوم على مجموعة من الخصائص أهمها [الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وحقّ
التملّك] التي هي في نظرهم تشبع غريزة حبّ التملّك واعتبرها "جون
لوك" من الحقوق الطبيعية للإنسان وامتداد لغريزته وقال عنها "جون ستيوارت
ميل" {الملكية الخاصة تقليد قديم اتّبعه الناس وينبغي إتباعه لأنه يحقّق
منفعتهم}وترى الرأسمالية أن الاقتصاد ظاهرة طبيعية أساسه قانون العرض
والطلب الذي ينظّم حركة الأجور والأسعار ومنه ضرورة [عدم تدخّل الدولة في
الشؤون الاقتصادية] لأن تدخلها يتعارض مع أهمّ مبادئ هذا النظام وهو
الحرية وهي حقّ مقدّس لكل إنسان لا ينبغي التنازل عنه وتدخّلها يضر
بالاقتصاد لأنه يخلق عراقيل مختلف وهنا يظهر مبدأ [التنافس الحرّ] الذي هو
في نظرهم ضروري لخلق حركية في الفكر والإبداع وإلغاء التنافس يضعف
الاقتصاد قال عنه "باستيا" {إلغاء التنافس الحرّ معناه إلغاء العقل والفكر والإنسان} والتنافس يحقّق العدالة الاجتماعية وهذا ما أكّد عليه "آدم سميث" في كتابه [بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم] لأن المصلحة العامة متضمنة في المصلحة الخاصة فالرأسمالية قادرة على تحقيق الرفاهية المادية.
نقد(مناقشة):
لا شك أن الرأسمالية قد قسّمت المجتمع الواحد إلى طبقتين طبقة ملك وأخرى
لا تملك وتجسّد بذلك استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
الرأي الثاني (نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن {الرفاهية المادية تتحقق في ظل النظام الاشتراكي}الذي
بنظرهم يحقق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد
والاشتراكية{أيديولوجية اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية تمجّد الروح الجماعية}تعود
هذه الأفكار إلى مجموعة من الفلاسفة منهم"كارل ماركس" الذي رأى أن
الرأسمالية تحمل بذور فنائها بداخلها حيث تزداد الفجوة باستمرار بين
الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج وطبقة البروليتاريا (الكادحة)
ويفسّر ماركس هذا التناقض قائلاُ {الذين يعملون لا يغتنون والذين يغتنون
لا يعملون} هذا التناقض يولد مشاعر الحقد والكراهية فتحدث ثورة الفقراء
على الأغنياء عندها تسقط الرأسمالية وتحل محلّها الاشتراكية التي تعتمد
على مجموعة من الخصائص منها [الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج] التي ذكرها
"فلاديمير
لينين" في بيان الحزب الاشتراكي السوفياتي فقال {الاشتراكية نظام اجتماعي
لا طبقي له شكل واحد الملكية العامة لوسائل الإنتاج} وهنا تظهر الحاجة إلى
تدخّل الدولة في الشؤون الاقتصادية أو ما يسمى "توجيه الاقتصاد" من
خلال المخططات حيث يصبح العمال محور العملية الاقتصادية ويتجسّد بذلك شعار
|من كلٍّ حب مقدرته ولكلٍّ حب حاجته|وبذلك تتحقق العدالة الاجتماعية لأن
الاشتراكية كما قال "انجلز" {نشأت من صرخة الألم لمحاربة استغلال الإنسان
لأخيه الإنسان}.
نقد (مناقشة): الاشتراكية كان
مآلها السقوط في عصرنا هذا بسبب التواكل وغياب روح المبادرة والإبداع وهذه
أكبر سلبيات النظام.التركيب: إن النظام الاقتصادي الفعال الذي يجمع بين
المبادئ والغايات والوسائل فلا ينظر إلى الاقتصاد نظرة مادية فقط دون
مراعاة الضوابط الأخلاقية كما فعلت الرأسمالية كما قال عنها "جوريس" {إنها
ترمز إلى سياسة الثعلب الحرّ في الخمّ الحرّ} بل لابدّ من السعي إلى تحقيق
تكامل بين الروح والمادة وهذه هي فلسفة الاقتصاد في الإسلام فالبيع مقترن
بالأخلاق لــ"قوله تعالى" {أَحَلَّ الله البَيعَ وحَرَّمَ الرِبَا} والملكية
ثلاثية الأبعاد [الله, الإنسان, المجتمع] والزكاة تطهير للنفس ومواساة
للفقراء لــ"قوله تعالى"{وفِي أَموَالِهِم حَقٌّ للسَائِلِ والمَحرُوم}
هذه الاعتبارات الأخلاقية والروحية تدفعنا إلى تجاوز الرأسمالية
والاشتراكية والدفاع عن الممارسة الاقتصادية في الإسلام. الخاتمة:وفي
الأخير يمكن القول أن الشغل ظاهرة إنسانية قديمة كان عنوانا للشقاء
والعبودية في الفلسفات القديمة وتحوّل تحت تأثير "فلاسفة العصر الحديث"
إلى مصدر للتحرر وبناء شخصية الإنسان, وظاهرة الشغل ترتبط بإشكالات كثيرة
منها إشكالية الأنظمة الاقتصادية التي تطرقنا إليها في مقالنا هذا من خلال
تتبع أفكار المذهب الرأسمالي الذي اعتبر الحرية جوهر العملية وكذا المذهب
الاشتراكي الذي مجّد الروح الجماعية ومن منطلق أن الاقتصاد الفعال هو الذي
يربط الممارسة الاقتصادية بالمبادئ الأخلاقية
نستنتج:يتحقق الازدهار الاقتصادي عندما تتكامل النظرة الأخلاقية مع الأبعاد المادية.