5-الروضة
الشريفة:
جاء
في الصحيحين " ما بين بيتي ـ وفي رواية قبرى ـ ومنبري روضة من رياض الجنة "
المكان الذي ضم أعضاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل بقاع الأرض على
الإطلاق وكذلك ما جاوره: فالروضة هي روضة من رياض الجنة ومعنى
ذلك:
· أنها
تقطع من الأرض يوم القيامة وتوضع في الجنة؟.
- أو
أن من لازم العبادة فيها حصلت له روضة من رياض الجنة يوم
القيامة؟.
- أو
معنى ذلك أنها روضة في الدنيا للعلم والمعرفة حيث كان يقتبس ذلك من رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو فيها ثم تجعل يوم القيامة إحدى رياض الجنة فرياض الجنة حلق
الذكر.
وقد
وضع العثمانيون علامتها بجعل أساطينها بيضاء كما هو مشاهد
الآن.
آداب
الزيارة للرسول صلى الله عليه وسلم والجلوس في الروضة:
زيارة
قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة مشروعة من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى،
ومن أسباب استحقاق شفاعة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهي بعض الوفاء لحقه
علينا صلى الله عليه وسلم . والدليل على مشروعية زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
أمور عدة:
1- مشروعية
زيارة القبور عموماً، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم.
2- زيارة
الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لقبر النبي صلى الله عليه
وسلم.
3- ما
رواه أحمد رضي الله عنه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج يودع معاذ
بن جبل إلى اليمن قال له: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن
تمر بمسجدي هذا وقبري "، و (لعل) هنا للرجاء …بالإضافة
إلى كثير من الأحاديث والوقائع الدالة عليه.
وكيف
لا يخفق قلب المؤمن شوقاً وحباً وهياماً إلى مثواه للسلام عليه، وهو في قبره
يُخبَرُ بأعمال أمته فما وجد منها خيراً حمد الله عليه وما وجد منها غير ذلك استغفر
لهم صلى الله عليه وسلم.
يرد
السلام على من سلم عليه وتبلغه صلوات المؤمنين عليه ويسر بالمقبلين إليه
… كيف
لا تتلوع قلوبنا تلهفاً إلى مثواه وقد قال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ
ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ
الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء :
64].
لقد
جعل الله تعالى الدوم إلى حبيبه باباً من أوسع أبواب المغفرة وسبباً لاستحقاق
الرحمة.
آداب
الزيارة:
*يستحب
للزائر أن ينوي التقرب إلى الله بالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لفضل
ثواب الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم.
* يُستحب
أن يُكثر في طريقه إلى طيبة (المدينة المنورة) من الصلاة على الحبيب صلى الله عليه
وسلم، ولا سيما إذا بدت له معالم المدينة وأشجارها وأبنيتها، وأن يسأل الله تعالى
أن ينفعه بزيارته ويتقبلها منه.
*يستحب
الاغتسال قبل الدخول إلى مسجده صلى الله عليه وسلم للسلام عليه وأن ينظف نفسه،
ويلبس أحسن ثيابه ويتطَّيب.
* على
المرء أن يستشعر في قلبه أنه في أشرف بقاع الأرض بعد مكة.
* يُستحب
أن يقول عند دخول المسجد النبوي الشريف كما عند دخول المسجد الحرام: " أعوذ بالله
العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد الله،
واللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب
رحمتك".
والروضة
هي ما بين المنبر والقبر الشريف المحاط بالحجرة الشريف، وهي متميزة بسواريها ذات
الرخام الأبيض.
ويصلي
في الروضة سنة تحية المسجد، ويشكر الله تعالى على هذه النعمة ويسأله القبول، ثم
يأتي القبر الشريف حيث يثوي سيدنا وحبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقف مستقبلاً
القبر والقبلة خلفه، ناظراً إلى أسفل المواجهة الشريفة، غاض الطرف، ممتلىء القلب
وإجلالاً لمنزلة من هو في حضرته عليه الصلاة والسلام، ثم يسلِّم بصوت معتدل
قائلاً:
السلام
عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك
يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا
بشير، السلام عليك يا طهر، السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا نبي الأمة،
السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا خير
الخلائق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى آل بيتك
وأزواجك و ذريتك وأصحابك أجمعين، والسلام عليك وعلى سائر الأنبياء وجميع عباد الله
الصالحين.
جزاك
الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلى الله عليك وسلم كما ذكرك
ذاكر وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأطيب وأكمل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين. وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأشهد
أنك قد بلَّغتَ الرسالة وأدَّيت الأمانة ونصحتَ الأمة وجاهدت في الله حق
جهاده.
اللهم
آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن
يسأله السائلون، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آل
سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم،
وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على سيدنا
إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد
مجيد.
وهذه
الصيغة مستحبة وله الاقتصار على بعضها مما يحفظه وحبَّذا لو حفظ ما يقدر على حفظه
دون أن يقرأ من الورق كما يفعل بعض الناس…
ويبلِّغ
السلام من أوصاه بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: السلام عليك يا
رسول الله من فلان ابن فلان…
* وبعد
السلام يتأخر إلى اليمين قدر (50 سم) فيسلم على سيدنا أبي بكر الصدِّيق ويثني بما
هو أهله رضي الله عنه.
* ثم
يتأخر إلى اليمين قدر ذراع فيسلِّم على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويثني بما
هو أهله.
فإذا
انتهى تأخر فوقف مستقبلاً القبلة، حيث أمكنه من الروضة والأفضل إن تيسَّر بين القبر
والسارية، فيحمد الله تعالى ويمجده، ويدعو لنفسه ولوالديه وإخوانه وسائر
المسلمين.
* ليحرص
على الصلاة في الروضة فقد روى أبو هريرة أن رسول الله قال: " ما بين قبري ومنبري
روضة من رياض الجنة، ومنبري على الحوض ".
*لا
يجوز الطواف بالقبر النبوي الشريف، ويكره التمسح به أو بالمواجهة الشريفة والتقبيل،
بل الأدب أن يبتعد كما لو حضر أمام الرسول صلى الله وسلم في
حياته.
*ينبغي
أن يحرص على أن يصلي الصلوات كلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينوي
الاعتكاف فيه.
* يسن
الخروج إلى البقيع كل يوم، ولا سيما يوم الجمعة وذلك بعد أن يسلم على النبي صلى
الله عليه وسلم، ويقول عندما يصل إلى البقيع: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا
إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد اللهم اغفر لنا ولهم.
* يستحب
زيارة قبور شهداء أُحُد، ويبدأ بحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد
الشهداء.
ويستحب
استحباباً مؤكداً أن يأتي مسجد قباء، والأولى أن يأتيه يوم السبت . روى الترمذي
بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجد قباء كعمرة ".
ويسن
أن يأتي بئر أريس فيشرب من مائه ويتوضأ من (أُزيل بئر أريس دفعاً لبدَع بعض
الجهلة).
* ينبغي
أن يكون وهو في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مستحضراً شرف هذه المدينة وأن يتحلى
فيها بالأدب والخلق المطلوبين في ذلك المقام، ويسن أن يكثر من التصدق على فقراءها.
* فينبغي
عدم رفع الصوت وترك المشاحنات في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أدَّب الله
المسلمين في كتابه العزيز بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 2-3]. فقد نهت الآيتان القرآنيتان عن رفع الصوت
عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأوعدت من يرفع صوته عند رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم بأن الله يحبط عمله ويذهبه ولا يثيبه. وورد في تفسير الآية أن
ثابت بن قيس رضي الله عنه كان جهوري الصوت ولشدة خوفه من الله جلس في بيته وهو يبكي
وقال أنا صيِّتٌ (أي صوتي عالٍ) وأخشى إن بدر من علوّ صوت في حضرة النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم، فما أظن هذه الآية إلا نزلت فيّ.
فلما
افتقده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل يطلبه فلما جاء الطلب إلى أهله قالوا
ها هو في داخل بيته لم يرقأ له دمع منذ أيام فلما دخلوا عليه قال لهم إنه ما يظن
هذه الآية إلا نزلت فيه لأنه كان جهوري الصوت يرتفع صوته عند رسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطمأنه وبشره بالجنة كما
صرَّحت الآية بأن من يغض صوته عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد هيأ الله
قلبه واختاره للتقوى، وقد روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول: (لا ينبغي
رفع صوت على نبي حيَّاً ولا ميتاً) وكانت عائشة رضي الله عنها إذا سمعت صوت وتد أو
مسمار يدق في البيوت المجاورة ترسل إلى أهلها (لا تؤذوا رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم)، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا أراد أن يصنع مصراعي باب بيته
خرج إلى المناصع (أي الرومية) حتى لا يؤذي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بما
يحدث من صوت أو ضجيج.
إذ
يجب على الزائر والجالس في الروضة الشريفة التأدب بآداب القرآن والتخلق بما ندب
إليه حتى يسلم من إحباط العمل فإن سوء الأدب ورفع الصوت والمجادلة والمشاحنات
والمناقشات في هذا المكان منافية لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى
عليه وسلم فاحذر أيها الزائر واحذر أيها الجالس من مخالفة كتاب الله فإن ذلك يعرض
لسخط الله أعاذنا الله وجميع المسلمين من ذلك.
ويقول
العلماء: إنّ هذا الأدب معه صلى الله عليه و سلم كما كان واجباً في حياته هكذا هو
واجب بجوار قبره الشريف في مسجده صلى الله عليه و سلم و هكذا ينبغي التَّأدب في
مجالس الحديث الشريف وقراءته وسماعه.
يحرم
صيد المدينة المنورة وشجرها.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين لابتيها حرام " واللابتان هما
الحرتان.
* إذا
أراد العودة إلى وطنه استحب أن يصلي في المسجد النبوي ركعتين، ويدعو بعدها بما أحب
ثم يأتي القبر الشريف ويعيد السلام والدعاء على النحو الذي فعل عند قدومه ثم يقول:
اللهم
لا تجعل هذا آخر العهد بحرم رسولك صلى الله عليه وسلم، ويسر لي العودة إلى الحرمين
سبيلاً سهلاً، وارزقني العفو العافية في الدنيا والآخرة، وردنا سالمين
غانمين.
6-
الصُّــفَّة
وموقعُهَا:
وكانت
الصفة مأموي الغرباء من المهاجرين الذين لا مأوى لهم في المدينة فيقل عددهم حيناً،
ويكثر أحياناً حتى يبلغ ستمائة صحابي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجالسهم ويأنس
بهم ويناديهم إلى طعامه ويشركهم في شرابه فكانوا معدودين في عياله.
وكان
الصحابة رضي الله عنهم يأخذ الواحد منهم الاثنين والثلاثة من أهل الصفة فيطعمهم في
بيته كما كانوا يأتون بأقناء الرطب ويعلقونها في السقف الصفة ليأكلوا منها فذهب
المنافقون ليفعلوا مثل فعلهم رياء فصاروا يأتون بأقناء الحشف والرطب الرديء فأنزل
الله تعالى فيهم قوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ
وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ..} [البقرة: 267] ومن أشهر
أهل الصفة المنقطعين فيها أبو هريرة رضي الله عنه وهذا الانقطاع مكنه من تلقي
الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عن نفسه عندما سمع الناس
يقولون أكثر أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما أنتم يا معشر
المهاجرين فقد شغلتكم التجارة وأما أنتم يا معشر الأنصار فقد شغلتكم الحقول
والمزارع وأما أنا فقد لازمت رسول الله صلى تعالى الله عليه وسلم على ملء بطني فكنت
أتعلم من العلم فكيف تقولون أكثر أبو هريرة أكثر أبو هريرة؟.
وقد
صور لنا أبو هريرة رضي الله عنه ما كان أهل الصفة يصبرون عليه من الجوع وشدة الحال
في قصة وقعت له في يوم من الأيام: قال أبو هريرة رضي الله عنه إنه كان يمضي عليه
اليوم واليومان لم يذق طعاماً وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع وجلس يوماً في طريق
الذين يخرجون من المسجد لعل أحداً منهم يكشف ما به من الجوع فمر عليه الصديق فسأله
أبو هريرة عن معنى آية من كتاب الله وقال ما سألته إلا لكي ينتبه لحالي فمر ولم
ينتبه بعد أن أجابه عن معنى الآية ثم مر عمر بن الخطاب كذلك، فلما مر رسول الله صلى
الله عليه وسلم نظر إلى أبي هريرة وابتسم حين رآه وعرف ما في وجهه من الجوع ثم قال
يا أبا هريرة فقال أبا هريرة لبيك يا رسول الله.
فقال:
الحق. فتبعه ودخل معه في بيته فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لبناً في قدح
فقال من أين هذا اللبن؟ فقالوا أهداه لك فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا
أبا هريرة فقال لبيك يا رسول الله فقال اذهب فادع أهل الصفة فقال أبو هريرة في نفسه
وما يغني هذا اللبن عن أهل الصفة وضعف أمله في إصابة ما يتقوى به من ذلك اللبن.
فلما دعاهم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشر سقيهم فضعف أمله أكثر لأن ساقي
القوم آخرهم شرباً فسقى الجميع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعزم على كل واحد شرب
بأن يزيد حتى يشبع فيقول أبو هريرة في نفسه ليته لم يعزم حتى يصل إلي ولو الشيء
اليسير حتى شبع أهل الصفة جميعاً وكان عددهم في هذه الحادثة يبلغ ثلاثمائة رجل حتى
وصل اللبن إلى أبي هريرة رضي الله عنه ولم ينقص شيئاً فتبسم النبي صلى الله عليه
وسلم يا أبا هريرة بقيت أنا وأنت فاقعد واشرب فقعد أبو هريرة وشرب حتى روى فما زال
النبي صلى الله عليه وسلم يعزم عليه بأن يشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق
ما أجد مسلكاً للبن في بطني ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وسمى الله وشرب
الفضلة.
إن
هذا التكثير للطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي تكرر معجزة له مرات ومرات
في غزوة الخندق وغزوة تبوك وغزوة الحديبية وفي السمن الذي أهدته له أم سليم وفي
قربة الماء التي زود بها نفراً من أصحابه في سرية فكانوا إذا جاعوا صبوا من القربة
فوجدوا اللبن والزبد وإذا عطشوا صبوا منها فوجدوا الماء العزب فإذا ترى فيما عليه
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من تواضع في العيش؟ إنه اختيار للآخرة على
الأولى.
ويقول
أبو هريرة رضي الله عنه: لقد رأيت معي في الصفة ما يزيد على ثلاثمائة ثم رأيت بعد
ذلك كل واحد منهم والياً أو أميراً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك حين
مر بهم يوماً ورأى ما هم عليه.
7-
مسجد
قباء:
إن
منطقة قباء هي أول منطقة سكن فيها المهاجرون بعد قدومهم من مكة المكرمة وذلك بعد
انتشار الإسلام في المدينة بعد بيعتي العقبة ودعوة الأنصار للنبي صلى الله عليه
وسلم للهجرة إليهم وتعهدهم بحمايته بما يحمون به نساءهم وأبناءهم، فعند ذلك بدأ
أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يهاجرون إلى المدينة وكان من أولهم خروجاً
إليها عبد الله بن أم مكتوم رضي اللَّه وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي رضي الله
عنه وقيل إنه أول من يأخذ كتابه بيمينه وبالعكس أخوه الأسود بن عبد الأسد فإنه قيل
إنه أول من يأخذ كتابه بشماله.
وأبو
سلمة هذا كان زوجاً لأم المؤمنين أم سلمة قبل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولما
أراد الخروج مهاجراً منع المشركون زوجته من الخروج معه ولم تخرج إلا بعد ذلك بمدة
وبعد جدال بين المشركين أنفسهم ، وقدم أبو سلمة المدينة بكرة وقدم عامر بن ربيعة
عشيًّا ثم بعد هؤلاء توجه مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة موفداً إليها
ليعلم الأنصار أمور الدين إذ كرهوا أن يكون إمامهم ومفقههم منهم كما طلبوا ذلك من
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم تتابعت هجرة الصحب الكرام رضي الله عنهم
حتى لم يبق من أعيانهم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا أبو بكر وعلي رضي
الله عنهما.
وكان
من هاجر من المسلمين يستقر بقباء عند بني عمرو بن عوف واتخذوا مكاناً يصلون فيه
بإمامه مصعب بن عمير رضي الله عنه فكان ذلك مكان مسجد قباء فيما بعد حين هاجر
المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة ونزل بقباء على كلثوم بن الهدم بعد
أن استقبله الأنصار مدججين بالسلاح وبعد أن تفاءل باسم أبي بردة الأسلمي وباسم
عشيرته وقال للصديق: برد أمرنا وسلمنا. وبعد أن تفائل بالاتجاه إلى اليمين وإلى
العالية.
وأسلم
أبو بردة هذا وآمن معه قومه بنو سهم وأعطى عمامته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم
ليجعلها على رأس عصا واتخذها أول لواء له صلى الله تعالى عليه
وسلم.
ونزل
صلى الله عليه وسلم حين قدم تحت ظل نخلة غربي مكان مسجد قباء فلم يميز الأنصار رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الصديق لأنهم لم يروه من قبل حتى لحقته الشمس
فقام الصديق يظلله بردائه فعرف الأنصار حينئذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
من الصديق، وقام ببناء مسجد قباء (أول مسجد أسس على التقوى) وهو أول مسجد
صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الجماعة جهراً وكانت قبلته إلى بيت
المقدس ، وقد حمل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الحجارة بنفسه في بناء هذا المسجد
، وإذا أراد أحد أصحابه أن يأخذ عنه الحجر قال خذ حجراً غيره، فوضع قبلته وجبريل
يريه القبلة المشرفة، وكان عبد الله بن رواحة يقول في أثناء بنائه:
أفلح
من يعــالج المساجـــدا
يقرأ
فيها قائمـــاً وقـاعــدا
ولا
يبيت الليـل عنه راقـــدا
وكلما
قال المساجدا - قاعدا - راقدا قال صلى الله تعالى عليه وسلم معه المساجدا - قاعدا
راقدا، ويوجد محراب صغير في صحن مسجد قباء يعتقد أنه في محل مبرك ناقته صلى الله
تعالى عليه وسلم حين قدم قباء.
فضل
الصلاة في مسجد قباء:
روى
الطبراني بسنده إلى سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
قال: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة "،
وورد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يزور قباء يوم السبت ويركب له، وصارت تلك
عادة أهل المدينة حيث يذهبون إلى مسجد قباء يوم السبت للصلاة فيه، حتى يومنا هذا
.وقد أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ
يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:
108].
فقال
لهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " ما الذي أحدثتم فيه فقد أحسن اللَّه
عليكم الثناء؟" فقالوا: إنا نجمع بين الحجارة والماء في
الطهارة.
بعض
ما ورد في فضل كل من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واقتداء الصحابة الكامل
بأقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم:
وعن
علي بن ربيعة قال: رأيت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه أُتي بدابة ، فلما وضع
رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال الحمد اللَّه {سُبْحانَ
الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى
رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 13-14]، ثم حمد اللَّه تعالى
ثلاثاً، وكبر ثلاثاً، ثم قال: سبحانك لا إلـه إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي - ثم
ضحك.
فقلت
له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟!!
فقال
رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك ،
فقلت له: مم ضحكت يا رسول الله؟.
فقال
صلى الله تعالى عليه وسلم: " يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال: رب اغفر
لي ، ويقول سبحانه: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري. رواه أصحاب السنن
والإمام أحمد واللفظ له. فانظروا إلى كيفية اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالنبي
صلى الله عليه وسلم حتى في الضحك عندما ركب الدابة !!.
ومن
ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّه توضأ في بيته
ثم خرج وقال لألزمنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا،
قال فجئت المسجد، فسـأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج، وَوَجَّه ههنا،
فخرجت على إثره أسأل -حتى دخل بئر أريس- أي: البستان الذي فيه بئر أريس -
فجلست عند الباب - وبابها من جريد - فتوضأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس، وتوسط قُفّها - يعني
حافتها -وكشف صلى الله عليه وسلم عن ساقيه- أي: تحت الركبة -
ودلاّهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب ، وقلت لأكوننّ بواب رسول
الله صلى اله عليه وسلم اليوم.
فجاء
أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك ، ثم ذهبت فقلت
يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن.
فقال
صلى الله عليه وسلم: " ائذن له وبشره بالجنة " فأقبلت حتى قلت لأبي بكر:
ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة .. فدخل أبو بكر فجلس عن يمين
رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القُفّ، ودَلّى رجليه في البئر، كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وكشف عن ساقيه.
قال
أبو موسى: ثم رجعت فجلست عند الباب ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد
الله بفلان خيراً - يريد أخاه - يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من
هذا؟ فقال عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره
بالجنة".
فجئت
فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فدخل فجلس مع النبي صلى
الله عليه وسلم في القُفّ عن يساره ودَلّى رجليه في البئر وكشف عن
ساقه.
ثم
رجعت فجلست عند الباب، فقلت: إن يرد الله بفلان - أي: بأخيه - خيراً يأت به
فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟، فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، فجئت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته.
فقال:
"ائذن له ويشره بالجنة على بلوى تصيبه ".
فقلت
له: أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك ، فدخل فوجد
القُفَّ - أي، جانب البئر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ملىء، فجلس
وجاهه - أي: أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشق الآخر- أي الجانب
الآخر.
قال
سعيد بن المسيب: فأوّلتها قبورهم. اهـ يعني سعيد وغيره- كما في رواية: كنا نتأولها
قبورهم.
ففهموا
من ذلك ترتيب وفياتهم، وترتيب قبورهم، وأن عثمان رضي الله عنه في الشق المواجه وهو
البقيع.
ومن
المعلوم أن عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى قبره في البقيع وهو
حي.
فلنتأمل
في اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسليمهم له، فلم يقل أحد منهم:
يا رسول الله لِمَ جلست ههنا بل اجلس ثَمّة تحت الشجر وظلاله أو نحو ذلك، بل فعلوا
مثل ما فعل، لأنهم موقنون أنه رسول الله، ما يفعل ذلك عبثاً ولا عن غفلة، بل عن
حكمة، ولحكمة تتجلى فيها أسرار نبوية دالة على أمور غيبية.
فهذه
هي المدينة المنورة التي ما ركب فيها الإمام مالك رحمه الله تعالى دابة قط وقد عاش
في المدينة المنورة عمره كله وكان يقول كيف أطأ بحافر دابةٍ أرضاً وطأها النبي صلى
الله عليه وسلم بقدميه الشريفتين، فلله درّك يا إمام، ولله درّ القائل:
رعى
الله أياماً تقضّت بطيبه
وحيا
ليالٍ ما عرفت لها قدرا
ليالي
وصالٍ لو تباع شريتها بروحي
ولكنها
لا تباع ولا تُشــرى
سألت
إلهي قبل موتي زيارة
إلى
الروضة الفيحاء والقبة الخضراء
وأدخل
من باب السلام مسلماً على
الهادي
المصطفى وأفرح ببشراه
وأقول
يا رسول الله جئتك قاصداً
فكن
لي شفيعاً يا أجل الورى قدرا
وليقرأ
هذه الأبيات كل واحد عاد من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم
يدرك حقيقة شعور قائل هذه الأبيات:
وآخر
دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين وعلى
آله وأصحابه أجمعين.