الحديث
الثاني والثلاثون:
نفي
الضرر في الإسلام
عن
أبي سَعِيدٍ سَعْدِ بن سِنَانٍ الخُدْرِي رضي اللهُ عنه: أنَّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ".
حديث
حسن، رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهما مسنَداً .
أهمية
الحديث:
قال
أبو داود السِّجِسْتَاني :إنه من الأحاديث التي يدور الفقه
عليها.
المعنى
العام:
المنفي
هو الضرر لا العقوبة والقصاص:
المراد بالضرر في الحديث هو ما كان بغير حق، أما إدخال الأذى على أحد يستحقه - كمن
تعدى حدود الله تعالى فعوقب على جريمته، أو ظلم أحداً فعومل بالعدل وأوخذ على ظلمه
- فهو غير مراد في الحديث لأنه قصاص شرعه الله عز وجل.
بل
من نفي الضرر أن يُعَاقَبَ المجرم بِجُرمه ويؤخذ الجاني بجنايته، لأن في ذلك دفعاً
لضرر خطير عن الأفراد والمجتمعات.
لا
تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع: إن
الله تعالى لم يكلف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، كما أنه سبحانه لم ينههم عن شيء فيه
نفع لهم، ففيما أمرهم به عين صلاحهم في دينهم ودنياهم، وفيما نهاهم عنه عين فساد
معاشهم ومعادهم. قال تعالى: {قلْ أمرَ ربِّي بالقِسْطِ} [ الأعراف: 29]
وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ} [الأعراف: 33].
رفع
الحرج: من
نفي الضرر في الإسلام رفع الحرج عن المكلف، والتخفيف عنه عندما يوقعه ما كُلِّف به
في مشقة غير معتادة، ولا غرابة في ذلك فإن هذا الدين دينُ التيسير، قال الله
تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [ البقرة:
286].
ومن
أمثلة التخفيف عن المكلف عند حصول المشقة:
التيمم
للمريض وعند عسر الحصول على الماء.
الفطر
للمسافر والمريض [ انظر الفقه: باب التيمم والصيام ]
انظار
المدين المعسر: من استدان في مباح لِأَجَل ولم يتمكن من الوفاء، وجب على دائنه
تأخير مطالبته إلى حال يساره، قال تعالى:{وإن كان ذو عُسرةٍ فَنَظِرَةٌ
إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وقرر الفقهاء هنا أنه لا يُلزم بقضاء ما عليه مما
في خروجه من ملكه ضرر عليه، كثيابه ومسكنه وخادمه المحتاج إليه، وكذلك ما يحتاج
للتجارة بل ليحصل على نفقة نفسه وعياله.
مظاهر
الضرر:
قد يتجلى قصد الضرر في نوعين من التصرفات:
تصرفات
ليس للمكلف فيها غرض سوى إلحاق الضرر بغيره، وهذا النوع لا ريب في قبحه
وتحريمه.
تصرفات
يكون للمكلف فيها غرض صحيح مشروع، ولكن يرافق غرضه أو يترتب عليه إلحاق ضرر
بغيره.
الحديث
الثالث والثلاثون:
أُسُسُ
القضاء في الإسلام
عن
ابن عَبَّاسٍ رضي اللُه عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يُعْطَى
النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أموالَ قَوْمٍ ودِماءَهُمْ لَكِنْ
البَيِّنَةُ على المُدَّعِى والْيَمينُ على من أَنْكَرَ". حديث حسَنٌ، رَوَاهُ
الْبَيْهقي وغيرُهُ هكذا، وبَعْضُهُ في الصحِيحَين.
أهمية
الحديث:
قال
شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند
التنازع والخصام.
المعنى
العام:
سموُّ
التشريع الإسلامي:
الإسلام منهج متكامل للحياة، فيه العقيدة الصافية، والعبادة الخالصة، والأخلاق
الكريمة، والتشريع الرفيع، الذي يضمن لكل ذي حق حقه، ويصون لكل فرد دمه وماله
وعرضه، ولما كان القضاء هو المرجع والأساس في فصل المنازعات وإنهاء الخصومات،
والحكم الفصل في إظهار الحقوق وضمانها لأصحابها، وضع له الإسلام القواعد والضوابط
التي تمنع ذوي النفوس المريضة من التطاول والتسلط، وتحفظ الأمة من العبث والظلم،
وخير مثال على ذلك حديث الباب، الذي يشرط ظهور الحجج لصحة الدعوى ومضائها، ويقرر ما
هي حجة كل من المتداعيين المناسبة له، والتي يعتمد عليها القاضي في تعرف الحق
وإصدار الحكم على وفقه.
الحديث
الخامس والثلاثون:
أخُوَّةُ
الإِسلامِ وحُقوقُ المُسْلِم
عن
أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسوُل الله صلى الله عليه وسلم : "لا
تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبعْ
بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوَاناً، المُسْلمُ أَخُو
المُسْلمِ: لا يَظْلِمُهُ، ولا يَكْذِبُهُ، ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى ههُنا -
ويُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أن
يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمِ، كُلُّ المُسْلِمِ على الْمسْلِم حَرَامٌ: دَمُهُ
ومالُهُ وعِرْضُهُ" رواه مسلم.
أهمية
الحديث:
لا
يقتصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتأكيد الأخوة الإسلامية على رفعها كشعار،
بل يحيطها بأوامر ونواهٍ تجعلها حقيقة ملموسة بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا
الحديث اشتمل على أحكام كثيرة وفوائد عظيمة لبلوغ هذه الغاية الإسلامية النبيلة،
وحمايتها من كل عيب أو خلل حتى لا تصبح الأخوة كلاماً يهتف به الناس، وخيالاً
يحلمون به ولا يلمَسُون له في واقع حياتهم أي أثر، ولذلك قال النووي في " الأذكار"
عن هذا الحديث: وما أعظم نفعه، وما أكثر فوائده.
المعنى
العام:
النهي
عن الحسد:
تعريفه:
الحسد لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، وعودها إلى الحاسد أو إلى غيره. وهو
خُلُقٌ ذميم مركوز في طباع البشر، لأن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من
الفضائل.
حكمه:
أجمع الناس من المشرعين وغيرهم على تحريم الحسد وقبحه.
حكمة
تحريمه: أنه اعتراض على الله تعالى ومعاندة له، حيث أنعم على غيره، مع محاولته نقض
فعله تعالى وإزالة فضله.
أقسام
أهل الحسد:
قسم
يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل.
وقسم
آخر من الناس، إذا حسد غيره لم يبغ على المحسود بقول ولا
بفعل.
وقسم
ثالث إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان
إليه والدعاء له ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله
بمحنته، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما
يحب لنفسه.
النهي
عن النجش:
تعريفه:
تضمن الحديث النهي عن النجش، وهو أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه،
ولا رغبة له في شرائها، بل يقصد أن يضر غيره.
وحكمه:
حرام إجماعاً على العالم بالنهي، سواء كان بمواطأة البائع أم لا، لأنه غش وخديعة،
وهما محرمان، ولأنه ترك للنصح الواجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا
فليس منا"، وفي رواية:"من غشَّ ". [رواه مسلم].
أما
حكم عقد البيع من النجش: فقد
اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال: إنه فاسد، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من
أصحابه. وأكثر الفقهاء على أن البيع صحيح مطلقاً، إلا أن مالكاً وأحمد أثبتا
للمشتري الخيار إذا لم يعلم بالحال وغُبِنَ غبناً فاحشاً يخرج عن العادة، فإن اختار
المشتري حينئذ الفسخ فله ذلك، وإن أراد الإمساك فإنه يحط ما غبن به من
الثمن.
النهي
عن التباغض:
تعريفه:
البغض هو النفرة من الشيء لمعنى فيه مستقبح، ويرادفه الكراهة. وقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، فإن المسلمين إخوة
متحابون، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10].
حكمه:
وهو لغير الله حرام.
تحريم
ما يوقع العداوة والبغضاء:
حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، فحرم الخمر والميسر، قال
تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة: 91] وحَرَّم
الله المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورَخَّصَ في الكذب في
الإصلاح بين الناس.
النهي
عن التدابر: التدابر
هو المصارمة والهجران، وهو حرام إذا كان من أجل الأمور الدنيوية، وهو المراد بقوله
صلى الله عليه وسلم _ في البخاري ومسلم عن أبي أيوب _ "لا يَحِلُّ لمسلم أن
يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ
بالسلام".
أما
الهجران في الله، فيجوز أكثر من ثلاثة أيام إذا كان من أجل أمر ديني، وقد نص عليه
الإمام أحمد، ودليله قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا في عزوة تبوك، وأمر النبي صلى الله
عليه وسلم بهجرانهم خمسين يوماً، تأديباً لهم على تخلفهم، وخوفاً عليهم من النفاق.
تنظر القصة كاملة في السيرة.
كما
يجوز هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء والمبادئ الضالة. ويجوز هجران
الوالد لولده، والزوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديباً، وتجوز فيه الزيادة على
الثلاثة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه
شهراً.
النهي
عن البيع على البيع:
وقد ورد النهي عنه كثيراً في الحديث، وصورته أن يقول الرجل لمن اشترى سلعة في زمن
خيار المجلس أو خيار الشرط: افسخ لأبيعك خيراً منها بمثل ثمنها، أو مثلها بأنقص،
ومثل ذلك الشراء على الشراء، كأن يقول للبائع: افسخ البيع لأشتري منك بأكثر، وقد
أجمع العلماء على أن البيع على البيع والشراء على الشراء
حرام.
قال
النووي: وهذا الصنيع في حالة البيع والشراء، صنع آثم، منهي
عنه.
أما
السوم على السوم: فهو أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع، وقبل أن يعقداه
يقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب: أنا أبيعك خيراً منها بأقل ثمناً،
فهو حرام كالبيع على البيع والشراء على الشراء، ولا فرق في هذا بين الكافر والمؤمن،
لأنه من باب الوفاء بالذمة والعهد.
والحكمة
في تحريم هذه الصورة ما فيها من الإيذاء والإضرار، وأما بيع المزايدة وهو البيع ممن
يزيد فليس من المنهي عنه، لأنه قبل الاتفاق والاستقرار، وثبت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عرض بعض السلع وكان يقول: "من يزيد ؟".
الأمر
بنشر التآخي:
يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنشر التآخي بين المسلمين فيقول: "وكونوا عباد الله
إخواناً "، أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً من ترك التحاسد والتناجش والتباغض
والتدابر وبيع بعضكم على بعض، وتعاملوا فيما بينكم معاملة الإخوة ومعاشرتهم في
المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب. ولا تنسوا أنكم
عباد الله، ومن صفة العبيد إطاعة أمر سيدهم بأن يكونوا كالإخوة متعاونين في إقامة
دينه وإظهار شعائره، وهذا لا يتم بغير ائتلاف القلوب وتراص الصفوف، قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ}[الأنفال: 62-63].
ولابد
في اكتساب الأخوة من أداء حقوق المسلم على المسلم، كالسلام عليه، وتشميته إذا عطس،
وعيادته إذا مرض، وتشييع جنازته، وإجابة دعوته، والنصح له.
ومما
يزيد الأخوة محبة ومودة الهدية والمصافحة، ففي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : "تهادَوا فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر" أي غشه
وحقده.
واجبات
المسلم نحو أخيه:
تحريم
ظلمه : فلا يُدخل عليه ضرراً في نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله بغير إذن شرعي، لأن
ذلك ظلم وقطيعة محرَّمة تنافي أخوة الإسلام.
تحريم
خذلانه: الخذلان للمسلم محرم شديد التحريم، لا سيما مع الاحتياج والاضطرار قال الله
تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ}[الأنفال: 72] وروى أبو داود: "ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك
فيه حرمته وينتقص من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب نصرته".
والخذلان
المحرم يكون دنيوياً، كأن يقدر على نصرة مظلوم ودفع ظالمه فلا يفعل. ويكون دينياً،
كأن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فلا يفعل.
تحريم
الكذب عليه أو تكذيبه: ومن حق المسلم على المسلم أن يصدق معه إذا حدثه، وأن يصدقه
إذا سمع حديثه، ومما يُخِلّ بالأمانة الإسلامية أن يخبره خلاف الواقع، أو يحدثه بما
يتنافى مع الحقيقة، وفي مسند الإمام أحمد عن النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله
عليه وسلم: "كَبُرَت خيانة أن تُحَدِّث أخاك حديثاً هو لك مُصَدِّقٌ وأنت به
كاذب".
تحريم
تحقيره: يحرم على المسلم أن يستصغر شأن أخيه المسلم وأن يضع من قدره، لأن الله
تعالى لما خلقه لم يحقره بل كرمه ورفعه وخاطبه وكلفه، فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية
في الكبرياء، وهو ذنب عظيم. والاحتقار ناشئ من الكبر.
التقوى
مقياس التفاضل وميزان الرجال: التقوى
هي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور، والله سبحانه وتعالى إنما يكرم
الإنسان بتقواه وحسن طاعته، لا بشخصه أو كثرة أمواله. فالناس يتفاوتون عند الله في
منازلهم حسب أعمالهم، وبمقدار ما لديهم من التقوى.
ومكان
التقوى: القلب، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ} [ الحج: 32]. وإذا كانت التقوى في القلوب فلا يطلع أحد على
حقيقتها إلا الله. كما أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع
في القلب من عظيم خشية الله ومراقبته.
فقد
يكون كثير ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراب من التقوى،
ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوء من التقوى، فيكون أكرم عند الله تعالى،
ولذلك كان التحقير جريمة كبرى، لأنه اختلال في ميزان التفاضل وظلم فادح في اعتبار
المظهر، وإسقاط التقوى التي بها يوزن الرجال.
حرمة
المسلم:
للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه، وهي مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها في
المجامع العظيمة، فإنه خطب بها في حجة الوداع: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم الثاني
من أيام التشريق وقال: "إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا ...".
وهذه
هي الحقوق الإنسانية العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم الآمن، حيث يشعر
المسلم بالطمأنينة على ماله، فلا يسطو عليه لص أو يغتصبه غاصب، والطمأنينة على
عرضه، فلا يعتدي عليه أحد، وحفاظاً على ذلك كله شرع الله تعالى القصاص في النفس
والأطراف، وشرع قطع اليد للسارق، والرجم أو الجلد للزاني
الأثيم.
ومن
كمال الحفاظ على حرمة المسلم عدم إخافته أو ترويعه، ففي سنن أبي داود : أخذ بعض
الصحابة حَبْلَ آخرَ ففزع، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يُرَوع
مسلماً "، وروى أحمد وأبو داود والترمذي: " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً ولا
جاداً ". وفي البخاري ومسلم: "لا يتناجى اثنان دون الثالث فإنه يُحزنه" وفي رواية:
"فإن ذلك يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن".
الحديث
السادس والثلاثون:
جَوَامع
الخَيْرِ
عن
أبي هُرَيْرَة رضي اللهُ عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((
مَنْ
نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ
كُرْبَةً من كُرَبِ يوْمِ القيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ
عليه في الدنْيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كانَ الْعَبْدُ في
عَونِ أخيهِ. ومَنْ سلك طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ له بِهِ
طَرِيقاً إلى الجنَّةِ.
وَمَا
اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ
ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلا نَزَلَتْ عليهمُ السَّكِينَةُ، وغَشِيَتْهُمُ
الرَّحْمَةُ، وحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَه . وَمَنْ
بَطَّأ بِه عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ)).
رَواه
بهذا اللَّفظ مسلم.
المعنى
العام:
1- المسلمون
جسد واحد: إن أفراد مجتمع الإيمان والإسلام أعضاء من جسد واحد، يتحسس كل منهم مشاعر
الآخرين وتنبعث فيه أحاسيسهم، فيشاركهم أفراحهم وأحزانهم.
2- فالحياة
ملأى بالمتاعب والأكدار، وكثيراً ما يتعرض المسلم لما يوقعه في غم وهم وضيق وضنك،
مما يتوجب على المسلمين أن يخلصوه منه، ومن ذلك:
أ-
نصرته وتخليصه من الظلم: كما
قال صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله،
أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره ؟ قال: تحجزه، أو تمنعه،
من الظلم فإن ذلك نصره " متفق عليه.
ولا
سيما إذا كان الظلم الذي يوقع عليه بسبب دينه وتمسكه بإسلامه، من قبل قوم كافرين أو
فاسقين مارقين . قال تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ
النَّصْرُ}[الأنفال: 72].
ب-
إقراضه المال إن احتاج إلى المال: قد يقع المسلم في ضائقة مالية، فيحتاج إلى
النفقة في حوائجه الأصلية من طعام وشراب ومسكن وعلاج ونحو ذلك، فينبغي على المسلمين
أن يسارعوا لمعونته، وعلى الأقل أن يقرضوه المال قرضاً حسناً، بدل أن يتخذوا عوزه
وسيلة لتثمير أموالهم، وزيادتها، كما هو الحال في مجتمعات الربا والاستغلال. قال
تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا}[ المزمل: 20].
وقال
صلى الله عليه وسلم: " من أقرض مسلماً درهماً مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدّق
به " رواه ابن حبان . بل قد يفوق أجرُ القرض أجرَ الصدقة، حسب حال المقترض والمتصدق
عليه.
3-كُرَب
يوم القيامة والخلاص منها:قال صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله الأولين والآخرين
في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس منهم، فيبلغ الناس من
الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما بلغكم،
ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم ". خرجاه بمعناه في الصحيحين.
وفي
خضم هذه الأهوال يتدارك المؤمن عدل الله عز وجل، فيكافئه على صنيعه في الدنيا، إذ
كان يسعى في تفريج كربات المؤمن، فيفرج عنه أضعاف أضعاف ما أزال عنهم من غم وكرب:
" من
نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ".
4- التيسير
على المعسر:
الذي أثقلته الديون وعجز عن وفائها ويكون التيسير عليه
بأمرين:
إما
بمساعدته لوفاء دينه، أو بالحطِّ عنه من دينه.
5- ستر
المسلم:
إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، ودليل على أن الإيمان لم يستقر في
قلب ذلك الإنسان الذي همه أن يُنَقِّب عن مساوىء الناس ليعلنها بين الملأ. روى
الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: " يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى
قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه
المسلم تتبع الله عورته. ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ". أي منزله
الذي ينزل فيه.
6-الستر
على من وقع في معصية:
إذا اطلع المسلم على زلة المسلم، فهل يسترها عليه أم يعلنها؟ فإن هذا يختلف باختلاف
أعمال الناس، والناس في هذا على حالتين:
1-من
كان مستور الحال:
أي لا يعرف بين الناس بشيء من المعاصي، فمثل هذا إذا وقعت منه هفوة أو زلة وجب
الستر عليه، ولا يجوز كشف حاله ولا التحدث بما وقع منه، لأن ذلك غيبة محرمة، وإشاعة
للفاحشة.
2- من
كان مشتهراً بالمعصية، مستعلناً بها بين الناس:
من لا يبالي بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه، فهذا فاجر مستعلن بفسقه، فلا غيبة
له، بل يندب كشف حالة للناس، وربما يجب، حتى يتوقوه ويحذروا شره، وإن اشتد فسقه،
ولم يرتدع من الناس، وجب رفع الحالة إلى ولي الأمر حتى يؤدبه بما يترتب على فسقه من
عقوبة شرعية، لأن الستر عليه يجعله وأمثاله يطمعون في مزيد من المخالفة، فيعيثون في
الأرض فساداً، ويجرون على الأمة الشر المستطير.
7- الشفاعة
لمن وقعت منه معصية:
إذا وقعت من المسلم زلة، وكان مستور الحال، معروفاً بين الناس بالاستقامة والصلاح،
ندب للناس أن يستروه ولا يعزروه على ما صدر منه، وأن يشفعوا له ويتوسطوا له لدى من
تتعلق زلته به إن كانت تتعلق بأحد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي
الهيئات عثراتهم " رواه أبو داود. أي تغاضوا عن زلات من عرفوا بالاستقامة
والرشد.
8- التعاون
بين المسلمين وعون الله عز وجل لهم:
إن المجتمع لن يكون سوياً قويماً، ولن يكون قوياً متماسكاً إلا إذا قام على أساس من
التعاون والتضامن والتكافل فيما بين أفراده، فسعى كل منهم في حاجة غيره، بنفسه
وماله وجاهه، حتى يشعر الجميع أنهم كالجسد الواحد، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " متفق عليه.
ولا
شك أن أعظم ثمرة يجنيها المسلم من إعانته لأخيه هي ذاك العون والمدد من الله تبارك
وتعالى: " والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه " [رواه مسلم ].وكيف لا ولا
حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل؟ وهو سبحانه المحرك الحقيقي لهذا الكون، وهو
المعطي والمانع، ومنه الصحة والمرض، ومنه القوة والضعف، والغنى
والفقر.
9- طريق
الجنة: إن
الإسلام شرط النجاة عند الله عز وجل، والإسلام لا يقوم ولا يكون إلا بالعلم، فلا
طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم، فهو الذي يدل على الله سبحانه
من أقرب طريق، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة، فلا عجب إذن أن
يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم طريق الجنة، ويبين أن كل طريق يسلكه
المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة: "من سلك طريقاً يلتمس
فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" وليس أدل على ما نقول من أن الله تعالى
جعل فاتحة الوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمراً بالعلم وبوسائل العلم،
وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك
أسرار الخلق، وإشارة إلى حقائق علمية ثابتة، فقال سبحانه:{اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ اإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ
يَعْلَمْ} [ العلق:1-5 ].
10- حكم
طلب العلم في الإسلام:
أ-
فرض عين: يتوجب
على كل مسلم طلبه، وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته:
لتسلم
عقيدته، وتصح عبادته وتستقيم معاملته على وفق شرع الله عز وجل. وهو المراد بقوله
صلى الله عليه وسلم: " طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم " رواه ابن ماجه. أي: ذكراً
كان أو أنثى .
ب-
فرض كفاية:
يتوجب على المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين، وإن
لم يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في علوم الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً،
والتخصص في كل علم تحتاج إليه الجماعة المسلمة من علوم كونية، لتحفظ كيانها، وتقيم
دعائم دولة الحق والعدل على الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب.
وإنما
يرث العلم النبوي العلماء العاملون المخلصون: " إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا
ديناراً، وإنما ورثوا العلم " رواه الترمذي وغيره. فهم علائم الحق ومنارات الهدى
التي تهتدي بها الأمة في مسالك حياتها، وتقتدي بهم وتسير وراءهم في شدائدها
وأزماتها.
فما
دام العلم باقياً في الأمة فالناس في هدى وخير، وحضارة ورقي، واستقامة وعدل. وإنما
يبقى العلم ببقاء حَمَلَته العلماء، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا من بين ظهرانَي
الناس اختلت الأمور، وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة، وسلكت مسالك الضلال، وانحدرت
في مهاوي الرذيلة والفساد، وألقت بنفسها إلى الضياع والدمار. وصدق رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذيقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن
يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً،
فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " متفق عليه.
11- التحذير
من ترك العمل بالعلم: علمنا
أن العلماء هم منار الهدى في الأمة، فإذا فقدوا ضلت الأمة طريقها السوي، والأشد
سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف هؤلاء عن الطريق التي أمرهم الله تعالى ورسوله صلى
الله عليه وسلم بسلوكها، فلا يعلموا بعلمهم الذي ورثوه عن الجناب النبوي، فيخالف
فعلهم قولهم، ويكونوا قدوة سيئة للأمة في معصية الله عز وجل وترك طاعته.
قال
صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم
عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه " رواه الترمذي
وقال: حديث حسن صحيح .
12- نشر
العلم:
لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه، قال تعالى:{ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة:
122].
وقال
صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلَّغ
أوعى من سامع" رواه الترمذي وغيره.
وخير
عمل يقوم به المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد موته: أن يعلم الناس
العلم الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله. قال عليه الصلاة والسلام: "
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو
ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وغيره.
13- الإخلاص
في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به: على
طالب العلموالعالم أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد من ذلك إلا
حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم العلم وتعليمه نيل منصب
أو مال أو سمعة أو جاه، أو ليقال عنه إنه عالم، أو ليتعالى بعلمه على خلق الله عز
وجل، ويجادل به أقرانه ويباريهم، فكل ذلك مذموم يحبط عمله، ويوقعه في سخط الله
تبارك وتعالى.
وروى
الترمذي وغيره: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به
وجوه الناس إليه، أدخله الله النار" .
14- " لا
أدري" نصف العلم: من
علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن لا يأنف طالب العلم من أن يقول: لا أدري،
فيما لا علم له به، وكثيراً ما كان العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب
عن بعضها بما يعلم، ويجيب عن أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم، لأنها
علامة على أن قائلها متثبت مما يقول.
15- ذكر
الله عز وجل:
إن ذكر الله عز وجل من أعظم العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل الإنسان على
التزام شرعه في كل شأن من شؤونه، ويشعره برقابة الله تعالى عليه فيكون له رقيب من
نفسه، فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع الله تعالى ومع الخلق، ولذا أُمِر المسلم بذكر
الله تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلا} [الأحزاب: 41-42]. أي صباحاً ومساءً، والمراد: في كل الأوقات.
16- خير
ذكر كتاب الله تعالى:
وخير ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم لما
فيه-إلى جانب الذكر- من بيان لشرع الله تعالى، وما يجب على المسلم التزامه، وما
ينبغي عليه اجتنابه.
17- عمارة
المساجد:
وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم إنما هي المساجد بيوت
الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر
إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف ونحوها، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا
عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ}[النور: 36-38].
18- عبادة
منفردة وشافع مشفع:
فتلاوة القرآن بذاتها عبادة مأمور بها، ويثاب عليها المسلم، وتكون وسيلة لنجاته يوم
القيامة ونيل مرضاة ربه جل وعلا، حيث يشفع القرآن لتاليه عند
ربه.
وروى
مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه
".
ولا
يقل فضل السماع للقرآن عن فضل تلاوته، بل إن الاستماع والإنصات لقراءته سبب لنيل
مغفرة الله تعالى ورحمته.
وروى
الأمام أحمد في مسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من استمع إلى آية من
كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة ".
19- نور
على نور: ويزداد
الأجر ويعظم الثواب ويكثر الفضل إذا ضم إلى التلاوة والاستماع والفهم والتدبير
والخشوع، فيجتمع نور على نور، ومكرمة إلى مكرمة. قال الله تعالى: {كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الأَلْبَابِ}[ ص: 29] .
20- "نزلت
عليهم السكينة":
وبهذه
السكينة يطمئن القلب، وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويستقر البال والفكر، وقال
تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[ الرعد:
28].
والخسارة
كل الخسارة لأولئك الذين خوت قلوبهم فغفلوا عن الله تعالى وذكره، فعاشوا في مقت
وكرب وضياع في دنياهم، وكان لهم الهلاك والخلود في جهنم في أخراهم، قال تعالى:
{وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه: 124].
وقال
سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزمر:22] .
21- "غشيتهم
الرحمة":
فطوبى
لهؤلاء الذين قربت منهم الرحمة فكانت تلاوتهم لكتاب الله عز وجل ومدارستهم له
عنواناً على أنهم من المحسنين: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 56].
22- "حفتهم
الملائكة":
فلما
كثر القارئون كثرت الملائكة حتى تُحيط بهم من كل جانب .
ولعل
خير ثمرة لهذه المكرمة أن يكون هؤلاء الملائكة سفراء بين عباد الرحمن هؤلاء وبين
خالقهم جل وعلا، يرفعون إليه سبحانه ما يقوم به هؤلاء المؤمنون من ذكر الله عز وجل
ومدارسة لكتابه، وما انطوت عليه نفوسهم من رغبة في نعيم الله عز وجل ورضوانه، ورهبة
من سخطه وإشفاق من عقابه، فيكون ذلك سبباً للمغفرة، وباباً للفوز والنجاة.
روى
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم:
"إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله
تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال:
فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك
ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال:
فيقول: وكيف لو رأوني ؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً
وأكثر تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألونني ؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل
رأوها ؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها ؟
قال: يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد حرصاً عليها وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة.
قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا
والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد
منها فراراً وأشد لها مخافة. قال فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال يقول ملك من
الملائكة : فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة؟ قال: هم الجلساء لا يشقى بهم
جليسهم ".
د-
"ذكَرَهم الله فيمن عنده": قال عز وجل: {فاذكُروني أذكرْكم واشكُروا لي
ولا تَكْفرون}[ البقرة: 152]. فإذا ذكر العبد المؤمن ربه، بتلاوة كتابه
وسماع آياته، قابله الله عز وجل على فعله من جنسه فذكره سبحانه في عليائه، وشتان ما
بين الذاكرين، ففي ذكر الله تعالى لعبده الرفعة، والمغفرة والرحمة، والقبول
والرضوان.
وخلاصة
القول: لقد
ربحت تجارة هؤلاء الذين أقبلوا على كتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً وتعلماً وعملاً
والتزاماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ
اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ
وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر: 29-30].
إنسانية
الإسلام وعدالته: التقوى والعمل الصالح طريق الوصول إلى الله عز وجل:
لقد
قرر الإسلام وحدة الإنسانية، ورسخ المساواة بين أفراد البشرية من حيث المولد،
فالجميع مخلوقون من نفس واحدة، ولا فرق بين أبيض وأسود، ولا فضل لعربي على أعجمي،
ولا امتياز لشريف على وضيع في أصل الخلقة والمنشأ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء: 1].
وكانت العدالة الإلهية في الإسلام حيث جعل التفاضل بين الناس بالعمل الصالح، وطريق
القرب من الله تعالى تقواه، دون النظر إلى من انحدر من الآباء: {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. فلا يضير الإنسان عند الله عز وجل ضعة
نسبه، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على
الأنساب.
ولذا
نجد القرآن الكريم يحذر الناس من أن يعتمدوا على الأنساب، فيأمر النبيَّ أن يبدأ
بتبليغ أهله فيقول له :{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
[الشعراء:214] ،ونجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ينادي فيقول:" يا فاطمة بنت محمد-
صلى الله عليه وسلم - سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً " متفق
عليه.
ولاية
الإيمان والعمل، لا ولاية الدم والنسب: لقد
كان الناس يتناصرون ويتولى بعضهم بعضاً بالعصبية والقرابة النسبية فجاء الإسلام
وجعل الصلة هي صلة الإيمان، والولاية هي ولاية الدين والعمل، {وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 71] .
ومما
يستفاد من الحديث:
1- أن
الجزاء عند اللهمن جنس ما قدم العبد من عمل، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء
التفريج التفريج، والعون بالعون، والستر بالستر، والتيسير بالتيسير: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:" أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله يوم القيامة من
ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق
المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمناً على عري كساه الله من خضر الجنة " رواه
الترمذي.
2- الإحسان
إلى الخلق طريق محبة الله عز وجل.
3- ما
ذكر من التنفيس وغيره عام في المسلم وغيره الذي لا يناصب المسلمين العداء، فالإحسان
إليه مطلوب، بل ربما تعدى ذلك لكل مخلوق ذي روح، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله
كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم.
وقال:"في
كل كبد رطبة أجر" متفق عليه.
4- الحذر
من تطرق الرياء في طلب العلم، لأن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في سائر الأعمال،
فينبغي تصحيح النية فيه والإخلاص كي لا يحبط الأجر ويضيع الجهد
.
5- طلب
العون من الله تعالى والتيسير، لأن الهداية بيده، ولا تكون طاعة إلا بتسهيله ولطفه،
ودون ذلك لا ينفع علم ولا غيره .
6- ملازمة
تلاوة القرآن والاجتماع لذلك، والإقبال على تفهمه وتعلمه والعمل به، وأن لا يترك
ليقرأ في بدء الاحتفالات والمناسبات، وفي المآتم وعلى
الأموات.
7- المبادرة
إلى التوبة والاستغفار والعمل الصالح، قال الله تعالى :{وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133-134] .
الحديث
السابع والثلاثون:
عَدلُ
اللهِ تَعالى وَفَضْلُهُ وقُدرتُه
عن
ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما يَرْويهِ عن
رَبِّهِ تَباركَ وتعالى قال: "إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ
بَيَّنَ : فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا كَتَبَها اللهُ عِنْدَهُ
حَسَنةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلها كَتَبَها اللهُ عنْدَهُ عَشْرَ
حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثيرَةٍ، وإن هَمَّ بسَيِّئَةٍ
فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبها اللهُ عنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإن هَمَّ بها
فَعَمِلها كَتَبَها اللهُ سيَئّةً واحِدَة". رواهُ البخاري ومُسلمٌ في صحيحيهما
بهذه الحروف.
المعنى
العام:
تضمن
الحديث كتابة الحسنات والسيئات، والهم بالحسنة والسيئة، وفيما يلي الأنواع
الأربعة:
عمل
الحسنات: كل
حسنة عملها العبد المؤمن له بها عشر حسنات، وذلك لأنه لم يقف بها عند الهم والعزم،
بل أخرجها إلى ميدان العمل، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. وأما المضاعفة على العشر لمن شاء
الله أن يضاعف له، فدليله قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ
فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 261]. روى مسلم عن ابن مسعود قال:
"جاء رجل بناقة مخطومة فقال: يا رسول الله هذه في سبيل الله، فقال: لك بها يوم
القيامة سَبْعُ مِئَةِ ناقة".
ومضاعفة
الحسنات زيادة على العشر إنما تكون بحسب حسن الإسلام، وبحسب كمال الإخلاص، وبحسب
فضل العمل وإيقاعه في محله الملائم.
عمل
السيئات:
وكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة، قال تعالى: {وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الأنعام: 160]، لكن السيئة تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان أو المكان أو
الفاعل:
فالسيئة
أعظم تحريماً عند الله في الأشهر الحرم، لشرفها عند الله.
والخطيئة
في الحرم أعظم لشرف المكان.
والسيئة
من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله وقربه منه سبحانه
وتعالى.
الهم
بالحسنات:
ومعنى الهم الإرادة والقصد، والعزم والتصميم، لا مجرد الخاطر، فمن هم بحسنة كتبها
الله عنده حسنة واحدة، وذلك لأن الهم بالحسنة سبب وبداية إلى عملها، وسبب الخير
خير، وقد ورد تفسير الهم في حديث أبي هريرة عند مسلم "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة
فأنا أكتبها له حسنة".
الهم
بالسيئات:
وإذا هم العبد بسيئة ولم يعملها، كتبت له حسنة كاملة، وفي حديث البخاري "وإن تركها
من أجلي" وهذا يدل على أن ترك العمل مقيد بكونه لله تعالى، والتارك يستحق الحسنة
الكاملة، لأنه قصد عملاً صالحاً، وهو إرضاء الله تعالى بترك العمل السيء. أما من
ترك السيئة بعد الهم بها مخافة من المخلوقين أو مراءاة لهم، فإنه لا يستحق أن تكتب
له حسنة.
وقال
الخطابي: محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن
الإنسان لا يسمى تاركاً إلا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل
مانع، كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلاً فيجد الباب مغلقاً ويتعسر
فتحه.
أن
رحمة الله بعباده المؤمنين واسعة، ومغفرته شاملة، وعطاءه غير
محدود.
لا
يؤاخذ الله تعالى على حديث النفس والتفكير بالمعصية إلا إذا صدق ذلك العمل
والتنفيذ.
على
المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً، لعله يكتب له أجره وثوابه، ويروض نفسه على
فعله إذا تهيأت له الأسباب.
الإخلاص
في فعل الطاعة وترك المعصية هو الأساس في ترتب الثواب، وكلما عظم الإخلاص كلما
تضاعف الأجر وكثر الثواب.
الحديث
الثامن والثلاثون:
وَسائِلُ
القُربِ مِنَ اللهِ تعالى ونَيْلِ مَحَبَّتِه
عن
أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "إنَّ
الله تَعالَى قَال : مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا
تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ،
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ، فإذَا
أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ
بهِ، وَيَدَهُ الّتي يَبْطِشُ بهَا، وَرِجْلَهُ الّتي يَمْشي بِهُا، وَإنْ سَأَلِني
لأعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
المعنى
العام:
أولياء
الله تعالى:
هم خُلَّص عباده القائمون بطاعاته المخلصون له، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى في
كتابه الكريم بصفتين هم الإيمان والتقوى، فقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ}[يونس: 62-63]، فالركن الأول للولاية هو الإيمان بالله،
والركن الثاني لها هو التقوى، وهذا يفتح الباب واسعاً وفسيحاً أمام الناس ليدخلوا
إلى ساحة الولاية، ويتفيؤوا ظلال أمنها وطمأنينتها.
وأفضل
أولياء الله تعالى هما الأنبياء والرسل، المعصومون عن كل ذنب أو خطيئة، المؤيدون
بالمعجزات من عند الله سبحانه وتعالى، وأفضل الأولياء بعد الأنبياء والرسل أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ومن جاء بعدهم من القرون حتى أيامنا هذه ممن ينسب إلى الولاية، ولا يكون
ولياً لله حقاً إلا إذا تحقق في شخصه الإيمان والتقوى، واتبع رسول الله صلى الله
عليه وسلم واهتدى بهديه واقتدى به في أقواله وأفعاله.
الحديث
التاسع والثلاثون:
رَفْعُ
الحَرَجِ في الإِسلامِ
عَن
ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُما: أن رَسُوَل اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
"إنَّ الله تَجاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي: الْخَطَأَ، والنِّسْياَنَ، وَمَا
اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
المعنى
العام :
إن
من أتى بشيء مما نهى الله عنه، أو أخل بشيء مم