السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته


الموضوع للدكتور مسعد زياد





أولا ــ مفهوم عملية التدريس : ــ

1 ـ مصطلح التدريس في الإطار التقليدي :

ما
يقوم به المعلم من نشاط ، لأجل نقل المعارف إلى عقول التلاميذ . ويتميز
دور المعلم هنا بالإيجابية ، ودور التلميذ بالسلبية في معظم الأحيان ،
بمعنى أن التلميذ غير مطالب بتوجيه الأسئلة ، أو إبداء الرأي ، لأن المعلم
هو المصدر الوحيد للمعرفة بالنسبة للتلميذ . إلا أن هذا المفهوم التقليدي
لعملية التدريس كان سائدا قديما ، أما اليوم فتغيرت المفاهيم وتبدلت
الظروف ، وغزا التطور العلمي كل مجالات الحياة ، مما أوجد مفهوما جديدا
للتدريس .


2 ـ مصطلح التدريس بمفهومه المعاصر :


إن التدريس المعاصر ـ بالإضافة لكونه علما تطبيقيا انتقائيا متطورا ـ هو
عملية تربوية هادفة وشاملة ، تأخذ في الاعتبار كافة العوامل المكونة
للتعلم والتعليم ، ويتعاون خلالها كل من المعلم والتلاميذ ، والإدارة
المدرسية ، والغرف الصفية ، والأسرة والمجتمع ، لتحقيق ما يسمى بالأهداف
التربوية ، والتدريس إلى جانب ذلك عملية تفاعل اجتماعي وسيلتها الفكر
والحواس والعاطفة واللغة .



والتدريس موقف يتميز بالتفاعل بين طرفين ، لكل منهما أدوار يمارسها من أجل
تحيق أهداف معينة ، ومعنى هذا أن التلميذ لم يعد سلبيا في موقفه ـ كما
لاحظنا في مصطلح التدريس التقليدي ـ إذ إنه يأتي إلى المدرسة مزودا بخبرات
عديدة ، كما أن لديه تساؤلات متنوعة نحتاج إلى إجابات . فالتلميذ يحتاج
إلى أن يتعلم كيف يتعلم ، وهو فى حاجة أيضا إلى تعلم مهارات القراءة
والاستماع ، والنقد ، وإصدار الأحكام .



فالموقف التدريسي يجب النظر إليه على نحو كلى ، باعتبار أنه يضم عوامل
عديدة تتمثل في : المعلم ، والتلاميذ ، والأهداف التي يرجى تحقيقها من
الدرس ، والمادة الدراسية ، والزمن المتاح ، والمكان المخصص للدرس ، وما
يستخدمه المعلم من طرق للتدريس ، إلى جانب العلاقة ـ التي ينبغي أن تكمن
وثيقة ـ بين المدرسة والبيت ، والمحيط الاجتماعي الذي ينتمي له التلميذ .




ثانيا ــ مظاهر تميز التدريس المعاصر عن قرينه التقليدي : ــ

يمتاز التدريس المعاصر عن التدريس التقليدي بعدة ميزات نجملها في الآتي :

1
ـ يعتبر التلميذ ـ لا المعلم ، أو المنهج ـ محور عملية التربية ، فعلى
أساس خصائصهم يتم تطوير الأهداف ، واختيار المادة الدراسية ، والأنشطة
التربوية ، وطرق التدريس ، والوسائل اللازمة لذلك . أما في التعليم
التقليدي فإن الأهداف تتحدد حسب رغبة المجتمع ، أو من ينوب عنه ، ثم يتم
اختيار المادة الدراسية ، والأنشطة ، والطرق المصاحبة لذلك ، ومن هنا ندرك
أن التعليم التقليدي يرتكز حول المعلم أو المنهج .


2
ـ التدريس المعاصر عملية شاملة ، تتولى تنظيم وموازنة كافة معطيات العملية
التربوية ، من معلم وتلاميذ ، ومنهج ، وبيئة مدرسية ، لتحقيق الأهداف
التعليمية ، دون تسلط واحدة على الأخرى ، أما في التدريس التقليدي فإن
العملية التربوية محصورة غالبا في المعلم والمنهج .


3
ـ التدريس المعاصر عملية إيجابية هادفة تتولى بناء المجتمع ، وتقدمه عن
طريق بناء الإنسان الصالح ، أو المتكامل فكرا وعاطفة وحركة ، بينما
التدريس التقليدي ـ على العموم ـ عملية اجتهادية تهتم بتعلم التلاميذ
لمادة المنهج ، أو ما يريده المعلم دون التحقق من فاعلية هذا التعلم ، أو
أثره على التلاميذ أو المجتمع .


4 ـ التدريس المعاصر عملية انتقائية ، تختار من المعلومات والأساليب ، والمبادئ ما يتناسب مع التلاميذ ومتطلبات روح العصر .

5
ـ التدريس المعاصر عملية اجتماعية تعاونية نشطة ، يساهم فيها المعلم
وأفراد التلاميذ ، كل حسب قدراته ، ومسؤولياته ، وحاجته الشخصية ، أما
التدريس التقليدي فيمثل عملية إلزامية مباشرة ، تبدأ بأوامر المعلم
ونواهيه ، وتنتهي بتنفيذ التلاميذ جميعا لهذه المتطلبات .




ثالثا ــ العوامل التي يعتمد عليها التدريس المعاصر :


التدريس بصفة عامة اصطلاح يدل على مرحلة عملية تتم بوساطتها ترجمة الأهداف
، والمعايير النظرية ، والأنشط التربوية ( المنهج ) إلى سلوك واقعي محسوس
، ولا يتوقف هذا التدريس على المعلم فقط ، بل يغطى أيضا كيفية الاستجابة
للموقف التعليمي وتنظيمه الذي يتكون في العادة من المنهج ، وغرفة الدراسة
، والتلاميذ .



من المنظور السابق تتحدد العوامل التي ترتكز عليها العملية التربوية
والتعليمية وهى : المعلم ـ التلاميذ ـ غرف الدراسة ـ الزمن المتاح لتنفيذ
الدرس ـ طرق التدريس التي على المعلم إتباعها عند شرح الدرس .




رابعا ــ أهمية مهنة التدريس : ــ


تعتبر مهنة التدريس من أشرف المهن التي يؤديها الإنسان عامة والمعلم خاصة
، إذ إن العاملين في هذا الميدان ـ وهم المعلمون ـ يتركون آثارا واضحة على
المجتمع كله ، وليس على أفراد منه فحسب ، كما هو الحال مع أصحاب المهن
الأخرى ، كالأطباء والمهندسين والمحامين والحرفيين ، فالمدرس عندما يدرس
في الفصل لا يدرس لطالب واحد فقط ، وإنما يدرس لعشرات الطلاب بل وللمئات
خلال اليوم الواحد ، والفرق واضح بين مهنة الطبيب ـ على سبيل المثال ـ
الذي يخص بعلاجه فردا واحدا من أفراد المجتمع ، بل ويعالج الجزء المعتل من
بدنه ، ولا يترك أثرا علميا على مريضه ، كما يفعل المعلم الذي يؤثر تأثيرا
كبيرا على عقول طلابه وشخصياتهم ، وكيفية نموها وتفتحها على حقائق الحياة
. وتعد عملية التدريس والتعلم الأساس والأسبق بين المهن الأخرى ، فالطبيب
والمهندس والمحامى والمحاسب والصيدلي وغيرهم لابد وأن يمروا تحت يد المعلم
، لأنهم من نتائج عمله وجهده وتدريبه في مراحل التعليم المختلفة . أضف إلى
ما سبق أن المعلم يحاول دائما من خلال مهنة التدريس أن يجدد ويبتكر ،
وينير عقول التلاميذ ، ويهذب طباعهم ، وأن يوضح الغامض ، ويكشف الستار عن
الخفي ، ويربط بين الماضي والحاضر ، ويخلق في نفوس الأجيال الناشئة الأمل
واليقين ، ويؤهلهم لبناء المجتمع الناجح القائم على فهم الحياة ومتطلباتها
.




خامسا ــ المبادئ العامة للتدريس المعاصر :


من خلال مفهوم التدريس المعاصر ومرتكزاته أوجز التربويون المبادئ العامة
التي يقوم عليها هذا النوع من التدريس والتي سنستعرض بعضا منها :


1 ـ يمثل التلميذ في التدريس المعاصر محور العملية التربوية ، دون المعلم أو المنهج أو المجتمع .

2
ـ تتلاءم مبادئ وإجراءات التدريس المعاصر لحالة التلاميذ الإدراكية ،
والعاطفية والجسمية ، فتختلف الأساليب المستخدمة في التدريب باختلاف نوعية
التلاميذ .


3
ـ يهدف التدريس المعاصر إلى تطوير القوى الإدراكية والعاطفية، والجسمية
والحركية للتلاميذ بصيغ متوازنة ، مراعيا أهمية كل منها لحياة الفرد
والمجتمع ، دون حصر اهتمامه لتنمية نوع واحد فقط من هذه القوى على حساب
الأخرى .


4 ـ يهدف التدريس المعاصر إلى تنمية كفايات التلاميذ وتأهيلهم للحاضر والمستقبل ، ولا يحصر نفسه في دراسة الماضي لذاته .

5
ـ يمثل التدريس المعاصر مهنة علمية مدروسة ، تبدأ بتحليل خصائص التلاميذ ،
وتحديد قدراتهم ، ثم تطوير الخطط التعليمية ، واختيار المسائل ، والأنشطة
والمواد التعليمية التي تستجيب لتلك الخصائص ومتطلباتها .



يبدأ التدريس المعاصر بما يملكه التلاميذ من خبرات ، وكفايات وخصائص ، تم
يتولى المعلم صقلها وتعديلها أو تطوير ما يلزم منها .


7
ـ يهدف التدريس المعاصر كعملية إيجابية مكافِئة إلى نجاح التلاميذ بإشباع
رغباتهم ، وتحقيق طموحاتهم ، لا معاقبتهم نفسيا أو جسديا أو تربويا بالفشل
والرسوب كما هي الحال في الممارسات التعليمية والتعلمية التقليدية .


8 ـ يرعى التدريس المعاصر مبدأ التفرد في مداخلاته وممارساته حيث يوظف بهذا الصدد المفاهيم التالية :

أ ـ معرفة خصائص أفراد التلاميذ الفكرية والجسمية والقيمية .

ب ـ توفر التجهيزات المدرسية وتنوعها .

ج ـ تنوع الأنشطة والخبرات التربوية التي تحفز التلاميذ إلى المشاركة ، والإقبال على التعليم .



د ـ استعمال المعلم لوسائل تعليمية متنوعة ، يقرر بوساطتها نوع ومقدار تعلم التلاميذ ، وفاعلية العملية التربوية بشكل عام .

هـ ـ تنوع أسئلة المعلم من حيث النوع والمستوى واللغة والأسلوب والموضوع من تلميذ لآخر .

و
ـ سماح المعلم للتلاميذ بأن يقوم كل منهم بالدور الذي يتوافق مع خصائصه
وقدراته ، ثم اختيار النشاط التربوي الذي يتلاءم مع هذه الخصائص والقدرات
.


سادسا ـ المعلم الكفء في التدريس المعاصر : ـ



* مفهوم جديد للمعلم :


كان المعلم ولا يزال العنصر الأساس في الموقف التعليمي ، وهو المهيمن على
مناخ الفصل الدراسي ، وما يحدث بداخله ، وهو المحرك لدوافع التلاميذ ،
والمشكل لاتجاهاتهم عن طريق أساليب التدريس المتنوعة ، وهو العامل الحاسم
في مدى فاعلية عملية التدريس ، رغم مستحدثات التربية ، وما تقدمه
التكنولوجيا المعاصرة من مبتكرات تستهدف تيسير العملية التعليمية برمتها ،
فالمعلم هو الذي ينظم الخبرات ويديرها وينفذها في اتجاه الأهداف المحددة
لكل منها . لذلك يجب أن تتوافر لدى المعلم خلفية واسعة وعميقة عن مجال
تخصصه ، إلى جانب تمكنه من حصيلة لا بأس بها من المعارف في المجالات
الحياتية الأخرى ، حتى يستطيع التلاميذ من خلال تفاعلهم معه أن يدركوا
علاقات الترابط بين مختلف المجالات العلمية ، وتكوين تصور عام عن فكرة
وحدة المعرفة وتكاملها .




* المعلم الكفء :

من المفهوم السابق يمكننا تحديد بعض الصفات الأساسية التي يجب أن تتوافر في المعلم الكفء وهى :

1 ـ الالتزام الفطري بقوانين ومتطلبات مهنة التدريس ، حيث يؤدى هذا الالتزام بالمعلم إلى إنتاج تعليم منتظم وهادف ومؤثر .

2
ـ أن يكون على درجة كبيرة من المرونة بحيث يستطيع الاستمرار في المهنة ،
فيكتسب المعارف والمهارات المختلفة التي يحتاجها في ممارسته لعملية
التدريس .


3 ـ أن يكون ذا شخصية قوية ، يتميز بالذكاء والموضوعية والعدل ، والحزم والحيوية ، والتعاون والميل الاجتماعي .

4 ـ أن يدرك أن الموقف التدريسي عبارة عن موقف تربوي ، لا بد أن يجرى فيه التفاعل المثمر بينه وبين تلاميذه .

5 ـ أن يكون مثقفا واسع الأفق ، لديه اهتمام بالقراءة ، وسعة الاطلاع ، ومتذوقا ناقدا .

6 ـ أن يتسم بالموضوعية والعدل في الحكم والمعاملة ، دون تحيز أو محاباة .

7
ـ أن يكون مثلا أعلى لتلاميذه ، فبشخصية المعلم تبنى شخصيات التلاميذ ،
لذلك ينبغي أن يكون المعلم أنموذجا يحتذى به للتصرف السليم في جميع
المواقف التي تعترضه .


7
ـ أن يمتلك القدرة على ضبط الفصل ، وشد انتباه التلاميذ لما يدرّس ، وحفظ
النظام داخل غرفة الدراسة ، وخلق مناخ مريح ، ومشجع على التعلم .


8
ـ الإلمام بأكثر من طريقة أو أسلوب لتنفيذ عملية التدريس . بل يجب أن
يستخدم أكثر من طريقة في شرح الدرس الواحد ، وذلك حسب نوع الدرس المطروح
للبحث والمناقشة .


9
ـ إلى جانب العديد من الصفات الشخصية المكملة لما ذكرنا ، كالصوت الواضح
المسموع ، والصدق والأمانة ، والمرح ودماثة الخلق ، والتواضع والتأدب في
الألفاظ ، والتزين بالمظهر العام ، وغيرها من الصفات الأخرى .




تم بحمد الله



إعـــداد

المشرف والمطور التربوي

الدكتور : مسعد محمد زياد