قال السيد أمير علي في كتاب )مختصر تاريخ العرب(: لقد شجع البويهيون الروح الأدبية وعضدوا مدرسة بغداد التي كان قد اضمحل شأنها في أثناء تدهور الخلافة، وحفروا الجداول وهيأوا للملاحة حتى مدينة شيراز، فأزالوا بذلك خطر الفيضانات الموسمية (الدورية) التي كانت تغمر المناطق كما شيد عز الدولة مستشفى فخماً وفتح عدة كليات في بغداد، ولعل أبرز المزايا:
1) إمتاز عهد آل بويه بالخصب العلمي والأدبي بتأثيرهم الخاص، أو بتأثير وزرائهم، ذلك إنهم استوزروا أبرع الكتاب وأبرزهم واعتمدوا عليهم في التخطيط وتدبير شؤون الحرب وأمور السياسة والإدارة والمال، وقد برز صيتهم في ميدان الأدب والفلسفة والعلم، فكان أثرهم في الحياة الفكرية قوياً جداً.
2) تطويرهم تجربة العمل السياسي والمسائل التي تتعلق بشؤون الانتخابات وتركيبة الجهاز الحاكم ومؤسساته، وهنا يقول الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه )العالم الإسلامي في العصر العباسي(: إن الخلفاء العباسيين تعرضوا (في عهد البويهيين) أقل للتغيير والتبديل أو لمهزلة الانتخاب الشكلي، فلم يستبدل الخلفاء بسرعة كما كان في العصر السابق، فقد حكم المطيع لله 29سنة (334-363) والطائع 18 سنة (831) والقادر 41 سنة (433هـ):
3) أظهر الحكام البويهيون على عكس من سبقهم من الأمراء والملوك التي انضوت في ظل حكم الخلافة العباسية المزيد من الاحترام والتنسيق مع سلطته العليا في المواقف والمحافل الرسمية، وكانوا أكثر اتباعاً للأصول والمجاملات من القادة العسكريين الذين سبقوهم.
على إن لهذه السياسة وجانبها الإيجابي كان له الأمر الواضح في لجوء المذاهب المتنازعة إلى المنطق والفلسفة وعلم الكلام لتأييد آرائها، فحدثت نهضة فكرية – علمية وكثرت التصانيف في المناظرات.
4) الاهتمام بالقطاع الاقتصادي، وخاصة مجالي الزراعة والري، حيث أمر الحكام البويهيون بحفر الجداول وهيئوها للملاحة، حتى مدينة شيرازي، وكانت الأنهار ببغداد قد دفنت مجاريها وعفيت رسومها، فأمر بحفرها من جديد وأقام القناطر والجسور وعملت عملاً محكماً، وحضر كثير من أهل البادية فزرعوا وعمروا البرية. وبنوا أسواقاً للبزازين (تجار الأقمشة).
5) العمل على نشر الأمن وتأمين الاستقرار في البلاد ورعاية مصالح عامة الناس وأمنهم، وقد تركز جهدهم في تطهير السبل من اللصوص، ومحو أثر قطاع الطرق، وإعادة النظام إلى صحراء جزيرة العرب وصحراء كرمان، بعدما كانت مخيفتان، وكان سكانهما يضعون الضرائب والأتاوات على قوافل الحج، فارتفعت وتحقق الأمن، وأقام للحجاج السواقي في الطرق واحتفرت الآبار وفجرت الينابيع، وأقيمت السور على مدينة الرسول محمد)صلى الله عليه و آله و سلم(.
6) رعاية الجانب الصحي وتشييد المراكز الصحية العديدة للناس، وفي عهد آل بويه شيد بيمارستاناً (مستشفى) كبيراً في بغداد، وصدرت الأوامر برعاية العجزة والمرضى وتقديم العون المادي والمعنوي لهم.
7) الاهتمام بجانب الخدمات الاجتماعية، فقد أمر الحكام البويهيون وبالخصوص عضد الدولة، الذي أمر بدرار الأرزاق على قوام المساجد والمؤذنين وأئمة الصلاة والقراء، وإقامة الجريات لمن يأوي إليها من الغرباء والضعفاء، وتجاوزت صدقاته أهل الإسلام إلى غير المسلمين، حيث أذن للوزير في عمارة المعابد لليهود والأديرة للنصارى وإعطاء الأموال لكل محتاج وإن لم يكن مسلماً.
ومن آثاره تجديد عمارة مشهد أمير المؤمنين علي)عليه السلام( وكان قد أوصى بدفنه فيه، فدفن بجواره.
|