بعد أن
تخيلت أنني ودعت مربع الأحزان والوحدة ها أنا أعود إليه وأنا أكثر ألما،
لقد أثارت الفتاة التي توفيت والدتها التي ـ كتبت مشكلتها في هذه الصفحة ـ
كوامن شجني وحزني فأنا قد تذوقت نفس كأس عذاب هذه الفتاة، لكن بمقدار
أكبر، لكنني رغم ذلك متماسك وقوي، كل الناس منذ هشون من قدرتي على تجاوز
الأمر، لقد تعبت حتى وصلت هذه المرحلة، بدأت مأساتي عندما سافرت مع زوجتي
وابنتي ذات الخمسة أعوام إلى مدينة يسكن فيها شقيقي الأكبر، لأحضر زواج
ابنته بدأت الرحلة وابنتي تملأ الحافلة سعادة وصخبا، وهى تضحك مع هذا
وتمزح مع طفلة أعجبتها. في تلك اللحظة كنت أشعر أنني في قمة السعادة
والإستقرار، صحيح أن زوجتي كانت تأخذ العلاج لتنجب مرة أخرى، لكن كل هذا
لم يكن يحبطني أبدا، فابنتي هي نوارة حياتي وبهجتها، أشكر ربي وأحمده
عليها ليلا ونهارا، لكن القدر كان يخبئ لي حرمانا لم أتخيله في أسوأ
كوابيسي، فجأة كالحلم رأيت شاحنة كبيرة تصطدم بالحافلة التي أنا في
مقدمتها، وفي لمحة بصر رأيت ساق ابنتي يطير في الهواء وأغمي عليّ بعدها
وصحوت بعد ذلك وأنا أصرخ باسم أميرتي ابنتي الحلوة وزوجتي وأنا أبحث حيث
وجدت نفسي في مستشفى، فطلب مني الطبيب أن أبحث في مصلحة حفظ الجثث، فأغمي
عليّ مرة أخرى وبعد أن أفقت ذهبت إلى المكان المطلوب لأجد الكابوس الأسود
ابنتي ميتة وساقها مقطوع قربها وزوجتي عبارة عن أشلاء مبعثرة، حاولت أن
أصرخ ولم أستطع بعدها الكلام لمدة طويلة قضيتها وأنا أسترجع منظر فلذة
كبدي وهي ميتة، ما يؤلمني أنني لم أمت معهم فأنا حي أتعذب بالذكرى
المؤلمة، لم أصب ولا بخدش صغير الصدمة فقط أفقدتني صوتي، عشت مع الحزن،
فقدت الرغبة في كل شيء، نسيت الإبتسامة تماما أصبحت رجل الدموع التي لا
تتوقف أبدا، وبعد ثلاثة أعوام ونصف رجعت لعملي وبدأت أزور الطبيب النفسي،
لكي يجعلني أتعايش قليلا مع الوضع وبحمد الله صرت أفضل.
لا
أنكر أنني لم أعد كالسابق نفس الشخص الضاحك دائما، لكنني بدأت أرجع قليلا
لحياتي السابقة، كل الناس كانوا يتوقعون أن أصاب بالجنون، لكن الله ألهمني
الصبر برحمته، لذلك أدعو لتلك الفتاة أن يمنحها الله السكينة والصبر،
فالحياة تحتاج للإيمان واليقين حتى يرتاح بهما قلب الإنسان، فبدونهما نصبح
ضعفاء منكسرين، شكرا سيدتي نور لإتاحتك لنا هذه الزاوية لنغسل أحزاننا
فيها، فالبوح علاج للإنسان وقراءة آلام الناس، تجعل الإنسان ينسى نفسه
ويتمنى أن تكون له القدرة السحرية على المساعدة، فشكرا لكم كثيرا على ما
تبذلونه من مساعدة لنا جميعا، إخواني القراء ادعوا بالرحمة لزهرتي الغائبة
ولزوجتي التي كانت نعم الزوجة.
أخوكم محمد