الأمير عبد القادر الجزائري
(1807-1883)
هو عبد القادر ابن الأمير محيي الدين الحسيني، يتصل نسبه بالإمام الحسين
بن علي ولد في 23 من رجب عام 1222هـ / مايو 1807م، وذلك بقرية "القيطنة"
بوادي الحمام من منطقة "وهران" بالمغر الأوسط أو الجزائر، ثم انتقل والده
إلى مدينة وهران، ولم يكن الوالد هملاً بين الناس، بل كان ممن لا يسكتون
على الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"،
وأدى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها
في رحلة طويلة، وكان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241هـ/ 1825م،
فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس
ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم
العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى
الجزائر من جديد عام 1828م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي
في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهم
"قيطنة"، ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة،
وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم
العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
المبايعة
فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء "وهران" عن زعيم
يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على "محيي
الدين الحسيني" وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل
قيادة الجهاد، ولما كان محيي الدين قد رضي بمسئولية القيادة العسكرية، فقد
التفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة انتصارات على العدو، وقد
كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح الوالد
أن يتقدم "عبد القادر" لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقبل الشاب تحمل هذه
المسئولية، وتمت البيعة، ولقبه والده بـ "ناصر الدين" واقترحوا عليه أن
يكون "سلطان" ولكنه اختار لقب "الأمير"، وبذلك خرج إلى الوجود الأمير عبد
القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسيني، وكان ذلك في 13 رجب 1248هـ/
نوفمبر 1832م.
ولقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة ودرس الفقه والحديث
فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو،
والسنوسية، والعقائد النفسية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان
في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة
والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، وعلى ذلك فإن الأمير الشاب
تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه المكانة.
دولة الأمير عبد القادر
وقد بادر الأمير عبد القادر بإعداد جيشه، ونزول الميدان ليحقق انتصارات
متلاحقة على الفرنسيين، وسعى في ذات الوقت إلى التأليف بين القبائل وفض
النزاعات بينها، وقد كانت بطولته في المعارك مثار الإعجاب من العدو
والصديق فقد رآه الجميع في موقعة "خنق النطاح" التي أصيبت ملابسه كلها
بالرصاص وقُتِل فرسه ومع ذلك استمر في القتال حتى حاز النصر على عدوه،
وأمام هذه البطولة اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي
ميشيل" في عام 1834، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد
القادر، وبذلك بدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها
ويطورها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ
فرنسي بقوله: "يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب،
دون أن يصيبه أذى!!".
ونجح الأمير في إحراز نصر على القا ئد الجديد في منطقة "وادي تفنه"
أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهد تافنة"
في عام 1837م.بعد أن كان نقض المعاهدة الأولي عن طريق هجوم قام به
الفرنسيون ، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو" يستعد بجيوش جديدة،
ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م .
لقب الأمير باسم "أبا ليلة وأبا نهار"، لكثرة تحركاته
وتنقلاته سعيا للم شمل القبائل واستطاع أن يحقق بعض الانتصارات، ولكن
فرنسا دعمت قواتها بسرعة، ولقد اضطر في النهاية إلى التفاوض مع القائد
الفرنسي "الجنرال لامور يسيار" علي الاستسلام بعد أن تقطعت به السبل في
المقاومة وبعد أن رفض الأسبان والإنجليز معاونته على أن يسمح له بالهجرة
إلى الإسكندرية أو عكا ومن أراد من أتباعه، وتلقى وعدًا زائفًا بذلك
فاستسلم في 23 ديسمبر 1847م، ورحل على ظهر إحدى البوارج الفرنسية، وإذا
بالأمير يجد نفسه بعد ثلاثة أيام في ميناء طولون ثم إلى إحدى السجون
الحربية الفرنسية، وهكذا انتهت دولة الأمير عبد القادر، وقد خاض الأمير
خلال هذه الفترة من حياته حوالي 40 معركة مع الفرنسيين والقبائل المتمردة
والسلطان المغربي.
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام
1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له
المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشئون
السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي
الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق،
حيث استانبول والسلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم
استقر به المقام في دمشق منذ عام 1856م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء
والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في
المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.
وفي عام 1276/1860 تتحرك شرارة الفتنة بين المسلمين والنصارى في منطقة
الشام، ويكون للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من النصارى، إذ
استضافهم في منازله.
و لقد وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300هـ/ 24 من مايو
1883 عن عمر يناهز 76 عامًا، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية.