رياح اقتلعت اشجار الدنيا.. وعواصف دمرت منازلها.. وأمواج لم تعرف السكون منذ زمن.. وورود ذبلت.. وأوراق تميل إلى الإصفرار.. فأصبح للهدوء ضجيج مزعج.. وللكلام سهام قاتلة.. وفي الهواء سموم مميتة.. وفي المياه صفاء مصطنع.. وفي الحياة موت مؤلم.. وفي الوجود نكران للذات.. وفي القلب مكان للخيانة.. وللضمير أشكال متعددة.. وللصدق درجات.. وللكذب ألوان.. ووضعت الأخلاق على رف الحياة الذي أصبح ممتلئاً.. ومازالت الأقنعة هي السلعة الوحيدة التي تروج عن نفسها دون تكلفة.. اختلفت الدنيا بما فيها ولم يسلم الإنسان الذي تغير قبل كل شيء.. تعددت فيه الصفات.. منها قبيح ومنها مايضرب به المثل لروعته.. وأصبحت الأحرف من غير نقاط.. والكلمات بلا معنى.. والعبارات بلافواصل فاندمجت واختلطت إلى أن أصبحت بحاجة إلى من يستوعبها أو بالأصح إلى من يستطيع ترجمتها ترجمة صحيحة..
فليس غريبا أن تكون مع من لايملكون قلوباً رحيمة في نفس المكان.. وتبعدك الأميال الدنيوية عن من يملكون القلوب التي تمتلئ بالإحساس مسافات ليست بالقليلة.. وليس عجيباً أن تسمى صاحب مبدأ في هذا الزمن ولاتنفذه لا بل وتطالب بتنفيذه وتنسى أن تبدأ بنفسك أولا..
ولايدعو للإستغراب في هذا الكون أن تكون من أنصار رأي لاتعرف له معنى او مدلولاً..
هي الدنيا التي تحمل بداخلها أصنافاً وأشكالاً وألواناً مختلفة.. هي الدنيا التي يفتخر أبناؤها بصفات تخجل من نفسها كونها صاحبة الصفة..
هي الدنيا.. نعم هي ذاتها التي نعيشها.. هي تلك صاحبة الصفات المتناقضة.. هي التي كان بها الخير والشر يختلفان ..هي التي كانت تحمل بين أبنائها حبا طاهرا.. وطيبة أخلاق بلا مقابل.. هي نفسها التي كانت تعرف للصداقة معنى جميلاً وللوجود قيمة كبيرة.. نعم هي الدنيا.. هي التي يقتل الإنسان فيها بلا رحمة ودون أدنى إحساس من إخوانها وجيرانها.. هي التي يشرد فيها الأطفال وتقتل فيها الأمهات.. هي نفسها التي أصبح الشخص ينظر إلى القتل والموت والدمار وهو يتناول وجبته دون أن يؤثر شيئاً عليه فليس باليد حيلة كما يقولون.. هي ذاتها التي فيها ينام الشخص وجاره يعاني من جوع لايعلم به إلا رب الكون والبشر ..
الدنيا.. قد شوهها من سكنها وقتل بهجتها من تمسك بها ظنا منه أنه لن يموت يوما..
ومع كل ذلك.. وبالرغم من أي تشوهات حدثت.. لابد أن هناك ملحاً للحياة يداوي تلك التشوهات.. ويعيدها مثلما كانت سابقاً..
لابد أن يكون لأنها ببساطة هي الدنيا..
دنياي.. ودنياك.. ودنيانا جميعاً.. أسعد الله من فيها وهداهم للخير وعمر قلوبهم بالمحبة الصادقة..