خطة البحث :
المقدمة :
طرح الإشكالية :
المبحث الأول :مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الأول :تعريف الرقابة القضائية
المطلب الثاني :نشأة الرقابة القضائية
المطلب الثالث :تطبيقات الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المبحث الثاني :أنواع الرقابة القضائية
المطلب الأول :الرقابة القضائية عن طريق الدعوى
المطلب الثاني :الرقابة القضائية عن طريق الدفع
المطب الثالث :الرقابة القضائية عن طريق الأمر القضائي والحكم التقريري
المبحث الثالث:موقف الفقه من الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الأول :الآراء المؤيدة
المطلب الثاني :الآراء المعارضة
المطلب الثالث:موقف المؤسس الدستوري الجزائري من الرقابة القضائية
الخاتمة
المراجع
المقدمة :
تعد السلطة القضائية إحدى المؤسسات الدستورية التي تضمن الاستمرارية والاستقرار للنظام ككل، فهي التي تضمن فصل السلطات، وهي الحامية لحقوق الأفراد وحرياتهم ، وهي التي تعطي للقانون فاعليته وإلزامه، إذ بدون القضاء يبقى القانون عبارة عن قواعد نظرية لا تتمتع بالصفة الإلزامية الآمرة.
ونظراً لتقسيم المنظومة القانونية في الدولة لفروع عدة كالقوانين العامة (القانون الدستوري والإداري والمالي...) والقوانين الخاصة (القانون المدني والتجاري...) فإن هذا التقسيم تبعه تنظيم السلطة القضائية وتقسيمها إلى مؤسسات قضائية تختص كل واحدة منها بنظر وتفسير نوع معين من القوانين. وأصبح لكل نوع من أنواع هذه القوانين، قضاء متخصص كالقضاء العادي والقضاء الإداري والقضاء المالي والقضاء التجاري••• ثم القضاء الدستوري•
وهكذا أصبحت السلطة القضائية تضم فروعاً عدة من القضاء المتخصص، ويعد القضاء الدستوري من أهم فروع السلطة القضائية كونه يتعلق بمراقبة دستورية القوانين، هذه الدستورية التي تعد تأكيداً لسمو الدستور وتجسيداً لمبدأ تدرج القوانين.
ومن هنا نطرح الإشكالية التالية: ما المقصود بالرقابة القضائية على دستورية القوانين؟
المبحث الأول : مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الأول :تعريف الرقابة القضائية :
الرقابة القضائية على دستورية القوانين يقصد بها هي رقابة قانونية بالدرجة الأولى ، إذ أن هذه الرقابة تبحث مدي مشروعية القانون بالنسبة للدستور ، وبمعنى آخر تبحث ما إذا كانت السلطة المختصة بوضع القوانين قد سارت على الخطوط المرسومة لها ، أم حادت عنها ، ولما كان ذلك كذلك كان طبيعيا أن يعهد بإجراء هذه المطابقة إلى جهة قضائية فهي الأقدر من غيرها على البحث في دستورية القوانين .
أو يقصد بها تلك التي تتولى القيام بها هيئة قضائية لا تختص فقط بالنظر في مدى تطابق القرارات الإدارية للقانون ، وإنما تتعدى ذلك إلى مراقبة مدى مطابقة القانون للدستور.
المطلب الثاني نشأة الرقابة القضائية :
نشأة الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة منذ عام 1780م ،ففي ولاية نيوجرسي قررت إحدى المحاكم عدم دستورية القانون القاضي بتشكيل هيئة محلفين من ستة أعضاء ، وذلك لأن الدستور يفرض تشكيل تلك الهيئة من اثني عشرة عضوا وتوالت بعد ذلك أحكام المحاكم في أعمال رقابة الدستورية حتى صدور الدستور الاتحادي وأثيرت هذه المسألة أيضا أمام القضاء الفدرالي وذلك في قضية )ماربوري( ضد (ماديسون) و أصدرت الحكمة العليا في سنة 1803م حكمها معلنة أن للقضاء الحق في الرقابة على دستورية القوانين وترجع وقائع هذه القضية إلى عام 1800م حيث أجريت انتخابات أسفرت نتيجتها عن هزيمة الرئيس (جون أدمز ) المناصر لاتجاه تقوية السلطة المركزية أما (توماس جيفرسون) المؤيد لتدعيم سلطات الولايات المتحدة بتأييده للامركزية السياسية وخشي الاتحاديون بزعامة (جون أدمز) على مركزهم والمكاسب التي حصلوا عليها فعمدوا إلى تعيين إتباعهم وخاصة في القضاء لتأييد مركزهم وسياستهم بعد خروجهم وصدرت قرارات التعيين في منتصف ليلة اليوم السابق من تركه لمنصبه ، وفي ظل هذه الظروف لم يتمكن (ماربوري) وثلاثة من زملائه من تسلم قرارات التعين فرفعوا قضية طالبوا فيها المحكمة العليا بإصدار أمر قضائي إلى (ماديسون) وزير الداخلية الجديد بتسليم هؤلاء قرارات تعيينهم ، ومن ساعتها تقررت الرقابة القضائية على دستورية القوانين في أمريكا ومنها انتقلت إلى بلدان كثيرة.
المطلب الثالث : تطبيقات الرقابة القضائية على دستورية القوانين:
يخضع القانون العادي لقيود معينة سنها الدستور سواء كان ذلك فيما يتعلق بالشكل أو الاختصاص ، أو المحل ، فالدستور هو الذي يبين المراحل التي يمر بها القانون والهيئة التي تملك وضعه ، وإصداره ، والقيود الموضوعية التي يجب أن يقف عند حدودها ولا يتخطاها ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إذا كانت السلطة التشريعية لها سلطة تقدير أهداف التشريع إلا أن ذلك يجب أن لا يتخطي روح الدستور وإلا عد القانون في هذه الحالة مشوبا بعدم الدستورية ، وأوجه البطلان التي على أساسها تجعل القانون محل للإلغاء ،تنقسم إلى :
أولا: مخالفة القانون الشكلية للدستور:
وتتمثل هذه المخالفة إما في الخروج على قواعد الاختصاص ، أو في الخروج على الإجراءات الواجب إتباعها لصيرورة القانون ، وذلك كما يلي:
مخالفة قواعد الاختصاص :
إن صدور القانون من غير الجهة التي حددها الدستور يجعل القانون مشوبا بعدم الدستورية ، فإذا كان الدستور قد أسند مهمة التشريع للسلطة التشريعية فلا يجوز الخروج عن هذا الإسناد ، كما لا يجور التفويض فيه ما لم يرد نص صريح في الدستور يجيز ذلك ، وكذلك إذا كان الدستور قد أناط بالسلطة التنفيذية القيام بأعمال التنفيذ فلا يجوز لها التخلي عن هذه المهمة ، والقيام بسن التشريع ، إلا إذا أجاز لها الدستور ذلك أيضا ، وعلى ذلك فإن صدور القانون من سلطة غير مختصة بإصداره دستوريا يجعل هذا في دائرة عدم الدستورية لمخالفته لقواعد الاختصاص التي قررها الدستور.
مخالفة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في الدستور:
إن التشريع حتى يصير قانونا معمولا به يمر بإجراءات مرحلية ، فإذا صدر القانون دون المرور بالإجراءات الشكلية التي حددها الدستور يعتبر في هذه الحالة قانونا مشوبا بعدم الدستورية ، مثال ذلك صدور قانون دون حصوله على الأغلبية المنصوص عليها في الدستور .
ثانيا: المخالفة الموضوعية للدستور:
تتمثل هذه المخالفة في الموضوع الذي ينظمه القانون ، فقد يأتي القانون حائزا على الدستورية من الناحية الشكلية مستوفيا كل الإجراءات المحددة دستوريا ولكنه في موضوعه متعارض مع المواد الدستورية ، أو يتعارض مع روح الدستور مثال ذلك ما نص عليه الدستور المصري من أن :"التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة ". المادة 20 من الدستور المصري الصادر في 11 سبتمبر 1971م فإذا جاء قانون و ألغى مجانية التعليم كان هذا مشوبا بعدم الدستورية ، مثله مثل الدستور الجزائري، وكذلك لابد أن لا يتعارض القانون مع مبادئ الدستور، و الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها فإذا كان على السلطة التشريعية أن تتوخى في كل أعمالها تحقيق المصلحة العامة فإن صدور تشريع معين لا يهدف إلى تحقيق هذه المصلحة يعد مشوبا بالبطلان ، فالقضاء الدستوري إذن يتعدى حدود المخالفة الواضحة إلى النظر في بواعث التشريع و ملائمته مع المبادئ العامة في الدستور.
المبحث الثاني : أنواع الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الأول: الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى :
إن هذه الرقابة ينص عليها الدستور صراحة وذلك بإسناد تلك المهمة إلى جهة قضائية يحددها في نصوصه ، فتنظر في صحة القوانين إذا ما طعن الأفراد في قانون معين عن طريق دعوى أصلية بعدم دستوريته ، فتصدر وفقا لدراستها للقانون حكما يثبت أو يلغي ما هو مخالف للدستور.
ونظرا لخطورة هذه الرقابة فإن الدساتير تحدد الجهة التي تخص بالنظر فيها ، فلا تترك الأمر لكل المحاكم ، بل تسنده إلى محكمة قضائية عليا مثل سويسرا في دستورها لسنة 1874م أو إلى محكمة دستورية خاصة كإيطاليا في دستورها لسنة 1947م .
وتتميز هذه الطريقة عن الرقابة عن طريق الدفع بكونها تعتبر وسيلة هجومية يستخدمها الفرد للقضاء على القانون قبل تطبيقه عليه ،مسندا في ذلك إلى حقه المستمد من الدستور في رفع تلك الدعوى .على أن هذا الحق وإن كان مستمدا أو مقررا في الدستور إلا أنه مقيد بشرط يتمثل في أن التطبيق هذا القانون سيمس بمصلحته أو يحتمل ذلك .
وعليه فإنه لا ينتظر حتى يطبق عليه ثم يرفع دعواه أمام القضاء ،فهنا نكون بحالة دفاعية ،وإنما له بمجرد صدوره أن يرفع دعواه أمام المحكمة المختصة إذا ما تبين له أن تطبيقه سيمس بمصالحه.
وبناء على دعوى صاحب الشأن ينظر القاضي في الأمر قصد التحقق من مدي مطابقة أو مخالفة ذلك القانون ، فإن اتضح له أنه مخالف حكم بإلغائه ،هذا الإلغاء يعتبر نهائيا ولا يحق الطعن فيه .
المطلب الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدفع:
إن هذا النوع من الرقابة لا ينص عليه الدستور ،وإنما يستمد من صفة الدستور فإذا كان جامدا ولم يمنع القضاء من ممارسة تلك الرقابة صراحة حق له ممارستها عن طريق الدفع والقول بغير ذلك يعني هدم فكرة مبدأ دستورية القوانين ووضع الدستور في نفس المرتبة مع القوانين الأخرى ،مما مما يتنافى جمود الدستور الذي يختلف عن القوانين الأخرى من حيث أنه المصدر الأساسي للقوانين.
والرقابة عن طريق الدفع أو الامتناع تقتصر على تطبيق القانون المطعون فيه إذا كان مخالفا للدستور دون إلغائه ، وبذلك يكون القضاء في هذه الحالة مخيرا بين الدستور والقانون العادي ، فيفصل الأول ويستبعد الثاني مما يحقق مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث لا يتدخل القضاء في اختصاص السلطة التشريعية بإلغاء القانون أو إصدار أمر إليها بذلك.
وقد ظهر هذا النوع من الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية على إثر صدور قانون من السلطة التشريعية بمقاطعة رود إزلندا Rhode Island سنة 1787م ،وكان مخالفا للدستور ،ونتج عن صدور ذلك الحكم عدم انتخاب أعضاء تلك المحكمة ،مما حدا بالمحاكم الأخرى إلى الإحجام عن النظر في دستورية القوانين .
وبعد إنشاء المحكمة الاتحادية العليا عرضت عليها قضية أثيرت فيها مسألة دستورية القوانين وكان ذلك سنة 1801م وهي قضية مار بوري ضد ماديسون.
غير أنه في حالة تعارض قانونين أو عدة قوانين فإن مهمة القاضي أولا هي البحث وتحديد القانون الواجب التطبيق ومادام الدستور هو القانون الأسمى المنظم للسلطات العامة الثلاث فإنه هو القانون الأسمى من تلك التي تسنها كل هيئة على حده ،نظرا لأن الدستور يلزم هذه الهيئات بالامتناع عن القيام بأي عمل لا يتفق مع نصوصه ، والقاضي ملزم بعدم تطبيق ما هو مخالف للدستور،لأن القاضي ينتمي إلى هيئة من الهيئات المنشأة بواسطة الدستور، وهذا الامتناع بعكس الحل في الرقابة عن طرق الدعوى الأصلية ، فالقاضي هنا لا يتدخل لإلغاء القانون المخالف للدستور وإنما يمتنع فقط عن تطبيقه دون الحكم بإلغائه .
وقد كان لقضية مار بوري ضد ماديسون ودور القاضي في معالجة المشاكل القانونية التي انطوت عليها الدعوى أثر عميق في اتجاه القضاء الأمريكي بحيث سارت المحاكم الأخرى على مسلك المحكمة الاتحادية العليا وأصبحت هي الأخرى تمارس الرقابة على دستورية القوانين .
وتتميز الرقابة القضائية عن طريق الدفع بلا مركزيتها وإن كانت المحكمة العليا هي الفاصل الحقيقي في مسألة الرقابة لكونها أعلى درجة ، فضلا عن إلزامية أحكامها للمحاكم الأخرى ، الأمر الذي يجعل أحكامها قريبة من الدعوى الأصلية ، لأن المشرع يبادر إلى إلغاء النص أو تعديله.
بوادر اختلاف الرقابة القضائية عن طريق الدفع من الرقابة القضائية الأصلية:
-أن الشخص في حالة الدفع ينتظر إلى أن يراد تطبيق القانون عليه فيدفع بعدم دستوريته ، أم في حالة الدعوى الأصلية فإنه لا ينتظر بل يطالب القضاء بإلغاء القانون بمجرد صدوره.
-عند فحص القانون في الرقابة القضائية عن طريق الدفع إذا اتضح للقاضي أنه غير دستوري فإنه لا يلغيه ، لكن لا يطبقه أيضا على القضية المعروضة عليه فيبقى القانون إلى حين صدور قانون آخر يلغيه في حين أن القاضي في حالة الدعوى الأصلية إذا بان له أن القانون مخالف للدستور فإنه لا يطبقه ويحكم بإلغائه.
-الحكم الصادر من القاضي نتيجة الدفع من أحد الخصوم لا يحوز حجية مطلقة إذ يجوز تطبيق ذلك القانون مرة أخرى من قبل نفس المحكمة أو محكمة أخرى ، بعكس الحال في الحكم الصادر نتيجة لدعوى أصلية فهنا يحوز حجة مطلقة وبالتالي تتقيد به كل المحاكم .
المطلب الثالث : الرقابة القضائية عن طريق الأمر القضائي والحكم التقريري:
إن طريقة الدفع بعدم دستورية القوانين ليست الإجراء الوحيد بل هناك وسيلتين أيضا يستطيع بموجبهما الأفراد الطعن في دستورية القوانين أمام المحكمة الأمريكية وهما الأمر القضائي والحكم التقريري.
أولا : الرقابة عن طريق الأمر القضائي أو أوامر المنع:
ساد هذا النظام في إنجلترا وكانت تمارسه محكمة مستشار الملك لتصحيح أوضاع ظالمة، فيصدر المستشار أمرا قضائيا استنادا إلى مبادئ العدالة بتصليح ذلك الظلم ، وامتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء الاستعمار، وبعد الاستقلال استمر العمل به ،حيث اختصت المحكمة العليا والمحاكم الاتحادية بإصدار الأوامر القضائية عندما يتقدم أحد الأفراد إلى المحكمة طالبا منها وقف تنفيذ قانون من شأن تنفيذه المساس بمصلحته استنادا إلى أنه مخالف للدستور، عندها تنظر المحكمة في طلبه ، فإن اتضح لها أن القانون غير دستوري أصدرت أمرا إلى الموظف المختص بعدم تطبيقه وهو ملزم بذلك الأمر وإلا عد مرتكبا لجريمة تدعى بجريمة احتقار المحكمة.
ويتميز أسلوب الأمر القضائي عن طريق الدفع في أن الفرد يهاجم القانون للتحقق من دستوريته دون انتظار تطبيقه عليه ،وبذلك توفر هذه الطريقة للأفراد ضمانا أكثر بالمقارنة مع طريق الدفع.
ومع ذلك فإن النتائج التي ترتب عنها الأوامر القضائية ، قد أدت إلى تقليص دورها .ويبدو ذلك كالآتي:
-فقدت قيمتها في مجال الرقابة على دستورية القوانين نتيجة تحول المحكمة العليا الاتحادية في اتجاهها منذ سنة 1937م .
-التجاء المحاكم إلى طرق ملتوية تجنبا لإصدار أوامر قضائية والالتجاء إلى تفسيرات ملتوية بما يحقق الأهداف السياسية والاقتصادية .
-أنه ابتداء من سنة 1910م لم يعد في وسع القاضي الاتحادي المنفرد في المحكمة الإقليمية أن يصدر أوامر لمنع تنفيذ القوانين الصادرة في الولايات بحجة عدم دستوريتها.
وهذا النوع من الرقابة موجود حاليا في الهند والمكسيك.
ثانيا : الرقابة عن طريق الحكم التقريري:
ظهر هذا الأسلوب من الرقابة على دستورية القوانين أول الأمر سنة 1918م . ومفاد هذه الطريقة أن الفرد يلجأ للمحكمة طالبا منها إصدار حكم يقرر ما إذا كان القانون المراد تنفيذه عليه دستوري أم غير دستوري .
والنتيجة الأولى الناجمة عن هذا الطلب هي توقف الموظف المختص عن تطبيق القانون إلى أن تصدر المحكمة حكمها ، وعلى ضوئه يتخذ الموظف موقفه من القانون ،فإن كان دستوريا نفذه ، أما إذا كان غير ذلك فإنه يمتنع عن تنفيذه.
وتتميز الأحكام التقريرية بكونها ليست مرتبطة بدعوي أصلية كما في حالة الدفع وإنما ترفع استقلالها عن أية دعوى ، تختلف عن الأمر القضائي في كونها لا تشترط وجود ضرر وشيك يرغب الفرد تفاديه ،فضلا عن خلوها من عنصر الأمر بالتنفيذ ،ولا تعتمد على منازعة .
نخلص إلى أن الرقابة عن طريق الدفع تتميز بالمرونة ولا تخضع إلا نادرا للأهواء السياسية ، كما أنها لا تتعدى على اختصاصات السلطة التشريعية كما هو الحال في الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية ، ولا تتدخل المحكمة وتحكم بإلغاء القانون، فالرقابة عن طريق الدفع تقتصر على الامتناع عن تنفيذ القانون دون إلغائه.
المبحث الثالث : موقف الفقه من الرقابة على دستورية القوانين:
المطلب الأول: الآراء المؤيدة:
يرى الفقه المؤيد للرقابة أن هناك عددا من المبررات القانونية والسياسية التي تؤيد ضرورة وجود رقابة على دستورية القوانين ، لعل أهمها الآتي:
-إن وظيفة القاضي تتمثل في تطبيق القانون الذي تختلف قواعده من حيث الدرجة مع إمكانية حدوث تضارب بينها ،فيكون القاضي عندها مضطرا للبحث عن القانون الواجب تطبيقه من حيث الدرجة ، فيبعد القانون ويبقى الدستور.
-إذا كانت السلطة المؤسسة حددت وظائف كل الهيئات الأساسية في الدولة فإن مخالفة السلطة التشريعية لتلك الحدود لا يسمح لها بإجبار غيرها على الانقياد وراءها وإنما عليها احترام نصوص الدستور والامتناع عن تطبيق ما أصدرته السلطة التشريعية.
-إن قيام القضاء بالرقابة لا يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات ولا يعتبر اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية في الرقابة عن طريق الدفع ، لأن القاضي يمتنع فقط عن تنفيذ القانون دون الحكم بإلغائه .وحتى بالنسبة لطريقة الدعوى الأصلية فإن ما يجب على القاضي احترامه هو الاختصاصات التشريعية المطابقة للدستور .
-إن ممارسة الرقابة من قبل القضاء لا يتعارض مع مبدأ السيادة الشعبية ،فإذا كانت السلطة التشريعية المعبر عن الإرادة الشعبية بواسطة القانون ،فإن ذلك لا يمنحها الحق في الاحتجاج بفكرة السيادة الشعبية عند إصدارها لقانون مخالف للدستور مما يتطلب إيقافها عند حد اختصاصاتها المحددة بواسطة المؤسس الدستوري
-إن سكوت المشرع عن النص على الرقابة عن طريق الامتناع أو الدفع يفيد الاعتراف بها فهو قادر على منع القضاء من ممارسة تلك الوظيفة.
المطلب الثاني: الآراء المعارضة للرقابة على دستورية القوانين:
يكمن تلخيص الآراء التي قال بها الفقه المعارض لفكرة الرقابة على دستورية القوانين فيما يلي:
-إن الرقابة على دستورية القوانين من قبل القضاء يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات خاصة، وأن القضاة معينين من قبل السلطة التنفيذية باستثناء بعض الدول التي يتم تعيينهم فيها عن طريق الانتخاب كالولايات المتحدة الأمريكية ،كما أن مهمتهم تنحصر في تطبيق وتفسير القوانين ولا تمتد لنصوص الدستور التي تحافظ على حصانتها وسموها السلطة التشريعية المعبرة عن ضمير الأمة.
-إن الاعتراف بالرقابة يعني السماح لقضاة معينين بمراقبة نواب منتخبين مما يجعل سلطة القضاء سياسة أسمى من سلطة ممثلي الإرادة الشعبية المنتخبين.
المطلب الثالث: موقف المؤسس الدستوري الجزائري من الرقابة على دستورية القوانين:
لم ينص الدستور الجزائري لسنة 1976م صراحة على مبدأ الرقابة على دستورية القوانين غير أنه أسند مهمة المحافظة على حريات وحقوق الأفراد للقضاء (المادة 164 ،واعتمد مبدأ أن القاضي لا يخضع إلا للقانون مادة 172 ،) كما أنه أسند مهمة الدفاع عن مكتسبات الثورة الاشتراكية وحماية مصالحها للقضاء المادة 166.
وفضلا عما سبق نجده أقر طريقة خاصة لتعديل الدستور تختلف عن تلك المتابعة لتعديل القوانين العادية وذلك باشتراط إجراءات خاصة ونصاب معين من الأصوات لإقرار التعديل الدستوري (المادة 191إلى 195) وهو ما يؤكد جموده وبالتالي سموه عن غيره من النصوص مما يستدعي الأخذ بنظام الرقابة على دستورية القوانين ، وهو مالم يشر إليه واضعوه وهذا يعد نقصا تقتضي معالجته بواسطة إنشاء هيئة قضائية تناط بها مهمة الرقابة على دستورية القوانين.
وقد تبنى المؤسس الدستوري في دستور23فيفري 1989م مبدأ الرقابة على دستورية القوانين كنتيجة قانونية ومنطقية لمبدأ تدرج القواعد القانونية وسمو الدستور وجموده بالمقارنة مع التشريع العادي .من خلال نص المادة 155 من دستور 1989 يتضح لنا أن الدستور الجزائري خلافا لغيره ،أخذ بالرقابة السابقة واللاحقة سواء تعلقت بالمعاهدات والاتفاقيات أو القوانين أو اللوائح (المادتان 158و159) وذلك بموجب رأي إذا كانت الرقابة قبلية،أو بقرار إذا كانت بعدية ، غير أن هذه الرقابة قد تكون إجبارية وسابقة إذا تعلق الأمر بالمعاهدات والاتفاقيات المنصوص عليها في المادة 91 من الدستور وهي الخاصة بالسلم والهدنة.
وما من شك إن المؤسس الدستوري الجزائري قد تدارك بعض النقائص حيث أقر في دستور 1996 فكرة القوانين العضوية ( تسمى الأساسيات في بعض الأنظمة ) organique التي تنظم السلطات والمؤسسات الدستورية لاسيما القضائية منها والعلاقة بين الحكومة والبرلمان وكيفية تنظيم وتسيير غرفتي البرلمان وقوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام ... وأخضع رقابة مطابقتها المسبقة للمجلس الدستوري قبل إصدارها ضمانا لعدم اعتداء أي سلطة على اختصاصات غيرها وكفالة لممارسة الحقوق والحريات السياسية واستقلالية القضاء ... كما أنه من جهة أخرى وسع مجال الإخطار إلى رئيس مؤسسة ثالثة وهي مجلس الأمة.ومع ذلك فإن احترام السلطات لاختصاصاتها وحماية الحقوق والحريات يبقى معرض لتجاوز السلطة إذا لم يوسع مجال إخطار المجلس الدستوري إلى أعضاء من غرفتي البرلمان وإلى رئيس الحكومة من جهة وإلى رئيسي الهيئتين القضائيتين (المحكمة العليا ومجلس الدولة) من جهة أخرى . غير أنه بالنسبة للجهة القضائية ينبغي أن يخضع الإخطار من محام معتمد إلى رئيس الجهة المختصة بالنظر في موضوع النزاع محل الإخطار المحتمل ، وأن يعرض الطلب على الغرفة المختصة لدراسة مدى جدية الطلب ، وبناء على قرارها يولى رئيس الهيئة القضائية المعنية إخطار المجلس الدستوري أو رفض الطلب .
والحقيقة أن هذا الإجراء سيضمن لا محالة كفالة حقوق وحريات المواطنين الذين قد تطبق عليهم أحكام قانونية غير دستورية (القاضي يطبق القانون) لم يخطر المجلس الدستوري بشأنها من قبل المؤسسات غير القضائية لسبب أو لآخر .وفضلا عما سبق فإن استبعاد الهيئة القضائية من ممارسة حق إخطار المجلس الدستوري ومشاركتها في تشكلته شأنها شأن المؤسستين التنفيذية والتشريعية ليس لها أي مبرر قانوني .
الخاتمة:
من خلال ما سبق نستخلص أن الرقابة القضائية هي تلك التي تتولى القيام بها هيئة قضائية لا تختص فقط بالنظر في مدى تطابق القرارات الإدارية للقانون ، وإنما تتعدى ذلك إلى مراقبة مدى مطابقة القانون للدستور ، وهذه الرقابة قد نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1780م أما فيما يخص تطبيقات الرقابة القضائية علي دستورية القوانين فتتمثل في إما مخالفة القانون الشكلية للدستور والتي تتم بمخالفة قواعد الاختصاص أو مخالفة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في الدستور، أو المخالفة الموضوعية للدستور ، وأنواع الرقابة القضائية على دستورية القوانين تتم بالرقابة عن طريق الدعوى أو الرقابة عن طريق الدفع أو الرقابة عن طريق الأمر القضائي والحكم التقريري .
المراجع :
1) الأمين شريط ، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ، الطبعة الخامسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2007
2) حمدي العجمي ، مقدمة في القانون الدستوري ، الطبعة الأولى ،دار الثقافة ، الأردن، 2009
3) سعيد بوشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، الطبعة التاسعة، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،2008
4) مولود ديدان،مباحث في القانون الدستوري والنظم السياسية،دار بلقيس،الجزائر،2010