أسباب انحراف الأبناء
الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وسيرهم في طرق الغواية والفساد كثيرة.
منها مخالطتهم رفقاء السوء ، لا سيما إذا كان الولد ضعيف العقيدة، متميع الأخلاق، فسرعان ما يتأثر بمصاحبة الأشرار، ومرافقة الفجار، وسرعان ما يكتسب منهم أحط العادات وأقبح الأخلاق, بل يسير معهم في طريق الشقاوة بخطى سريعة، حتى يصبح الإجرام طبعاً من طباعه، والانحراف عادة من عاداته، ويصعب بعد ذلك رده إلى الجادة المستقيمة. وقد حض الإسلام الآباء والمربيين على مراقبة اولأدهم ومن تحت أيديهم مراقبة تامة، وخاصة في سن التمييز والمراهقة، ليعرفوا من يخالطون ويصاحبون, حتى لا يقعوا في حبائل غيهم وضلالهم وانحرافهم.
قال تعالى: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)) (الفرقان:27) .
وقال تعالى: (( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يشاءون فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)) (ق: 45)
وقال تعالى: ((ألْأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )) (الزخرف:67 ) .
وفي الحديث الحسن الذي رواه أبوا داوود والترمذي أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم إلى من يخالل)) , وفي الصحيحين عنه- صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة)) .
وفي الصحيحين ((حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، لما أن دل على الراهب فسأله هل له من توبة ؟ فقال: لا، فقتله فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ ثم نصحه بالرفقة الصالحة التي تعينه على الخير، وأن يجتنب قرناء السوء، فقال له أنطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك هذه فإنها أرض سوء, فانطلق الرجل، فتوفى في الطريق، فتخاصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فقالت ملائكة الرحمة, جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى, وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، يعني حكماً فقال: قيسوا ما بين الأرضيين، فإلى آيتهما كان أدنى فهو له, فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد أرض الصلاح، فقبضته ملائكة الرحمة )).
لم نذهب بعيداً وهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة إلا خوفاً عليهم من بيئة السوء في مكة، من الأهل والأقارب، وفي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ((المرء مع من أحب)) .
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال آخر:
وكل امرءٍ ينبيك عنه قرينه *** وذلك أمرٌ في البرية واضح
فيا أيها الأب، ويا أيها المربي، أد الأمانة التي أئتمنك عليها الله , واختر لمن تحت يدك الرفقة الصالحة، وجنبهم الرفقة الفاسدة حتى تبرئ ذمتك، من العوامل التي تؤدي إلى انحراف الولد، ودفعه إلى الشقاوة، وارتكاب الجريمة، والسير وراء الميوعة والانحلال.
ما نشاهده في التلفزيون وفي أفلام الفيديو وغيرها من روايات بوليسية، وأفلام خليعة, وما يقرأه من مجلات ماجنة وقصص مثيرة, وهي بجملتها ومضمونها تتّجر بالغرائز، وتشجع على الانحراف والإجرام، وهي مفسدة لأخلاق الكبار, فكيف بالمراهقة والأطفال الصغار ؟
ومن المعلوم بداهة أن هذه الصورة تتأصل في مخيلة المشاهد , فيعمد المشاهد المراهق حتماً من التشجع على الإجرام، وتوجهه نحو الرذيلة والفساد، لأنه سيسعى في تطبيقها مباشرة، ولا سيما إذا كان مفلت الزمام، متروك الرقابة والرعاية، لا يشك فيه عاقل، أن لمثل هذه الأجواء الفاسدة , والمشاهد الآثمة أثراً بالغاً في نفوس الأطفال والمراهقين، بحيث لا ينفع معه نصح الآباء، أو توجيه المربيين والمعلمين، وها هي التجربة تمر بالبلاد الأوروبية والأمريكية، فتتعالى صيحات عقلاء تلك البلاد خوفاً من المصير المظلم الذي ينتاب بلادهم إذا استمرأ في شباب الأمة، إذا تسلط عليها أعداؤها، وبالتالي تكون معرضة للزوال.
وأن مما يدمى القلوب, ويبكي العيون، ما نشاهد من شباب المسلمين اليوم من تمرد على آبائهم, وانحرف في أخلاقهم، وفساد في دينهم، تركهم للصلوات، وإيذاؤهم للناس داخل البيوت وخارجها، والتعود على التدخين، أما البلاء الباطن فقل ماشئت, فهناك يروج بينهم تعاطي المخدرات، والفساد في الاعتقاد، بل استشرى شرهم حتى في الوقوع في الفواحش، والفساد الأخلاقي، وقد عظم خطرهم بحيث أصبحوا يهددون من يحاول نصحهم، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .
إن الإنسان ليأسف ويعظم خجله، عندما يرى الكفار يعنون بتربية أولادهم التربية المادية الدنيوية, فلا يتركونهم يسيمون في الشوارع، ولا يدعون لهم فراغاً، بل ينظمون لهم حياتهم تنظيماً دقيقاً, أما كثير من المسلمين وللأسف، فلا يهمه من شان ابنه إلا أن يسميه عند الولادة, ويوفر له الطعام والشراب والكسوة والمسكن, ولا يهتم بما وراء ذلك.
بل إن بعضهم يوفر لأولاده أسباب الفساد، فيملا جيبه بالنقود، ويشتري له السيارة, ويملا البيت بآلات اللهو والأفلام الخليعة, ولا تسأل عما يلحق آبائهم من آثام, وما يصيبهم من حسرة عندما يواجههم أولادهم بالعقوق, وعندما يحرمون من نفعهم عند ما يدركهم الكبر ويحتاجون إليهم، فإن الجزاء من جنس العمل