بسم الله الرحمن الرحيم
******
الخطبة الأولى : -
أما بعد ،
يقول الله تعالى :
( مثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء * صم بكم عمى فهم لا يعقلون )
السارحة التى تسير وراء راعيها من غير ادراك لغاية هذا المسير هل يذهب بها الى الذبح والسلخ أم يذهب بها الى الكلأ والمرعى 0
فما التقليد ؟ ولماذا النهى عن التقليد ؟ وما أنواعه ؟ وما موقف المسلم منه ؟
أما التقليد لغة يقال قلد فلان فلانا أى فعل مثلما يفعل 0
أما التقليد اصطلاحا فهو المتابعة والمشابهة من غير ادراك أو تدبر أو نظر أو تأمل فى الفعل الذى يقلد به غيره 0
ينبغى علينا أن نعلم بأن التقليد داء يصيب الأفراد كما يصيب الأمم وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أن نكون مقلدين لغيرنا فيقول صلى الله عليه وسلم :
( ليس منا من تشبه بغيرنا )
لا تشبه باليهود ولا بالنصارى ، ان مخالفة الديانات المنحرفة وأصخاب المبادئ الكافرة هى أصل عظيم فى اسلامنا 0
وينبغى علينا أيضا أن نعلم بأن المقلدين هم المعطلون لأسماعهم وأبصارهم وآذانهم عن الحق ومن كان كذلك فهم المرشحون الى نار جهنم يقول تعالى :
( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس ، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )
وينبغى أن نعلم أيضا أنه لا تقليد الا بمحبة لذا كانت محبة النبى صلى الله عليه وسلم لازمة لتمام ايمان العبد 0
يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين )
لماذا النهى عن التقليد :
جاء النهى عن التقليد لأن المسلم اذا قلد انسانا منحرفا أو مجتمعا منحرفا فى أمر ما يكون بذلك قد تخلى عن ربه ودينه ورسوله وجعل من الذى يقلده اماما له وقدوة 0
وقد أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة سوف تبلغ فى انحرافها وتقليدها لأعداء الله حتى أنها لتقلد أعداء الله فيما يندى له الجبين الشريف ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) وفى رواية ( حتى لو كان فيهم من أتى أمه لكان فى أمتى من يفعل ذلك )
· وجاء النهلا عن التقليد لأن العبد لا يقلد غيره الا اذا شعر فى نفسه النقص والقصور والضعف وظن فيمن يقلده أنه خير منه وأكرم وفى اسلامنا لا ينبغى للمسلم أن يشعر بالقصور أبدا أمام أعداء الله تعالى ،
يقول تعالى :
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين )
يرى النبى عمر بن الخطاب وهو يقرأ صحيفة من التوراة فيقول له دعها يابن الخطاب فوالله لو كان موسى حيا ما وسعه الا أن يتبعنى 0
· وجاء النهى عن التقليد أيضا لأن التقليد لا يقف عند حد المظهر والشكل فقط وانما يتعداه الى السلوك يتعداه الى التصور والاعتقاد
فقد حدثت جريمة فى أمريكا وهذا أمر ليس بالغريب ففى كل مكان ترتكب جريمة لكن الغريب فيها أن جثة المجنى عليه كما لو أن وحشا قد هجم عليها ومزقها ، من الجانى ، وبعد البحث وجدت مجموعة من الشباب يلبسون جلود الحيوان وفعلوا فى المجنى عليه فعل الحيوان فيه ، تقمصوا نفسية الحيوان عندما لبسوا لباسه 0
أما أنواع التقليد :
1 – فان أكرم التقليد وأعظمه تقليد النبى صلى الله عليه وسلم فهو امامنا وهو قدوتنا وهو أسوتنا ورب العزة يقول :
( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )
حتى أن أئمتنا رضوان الله عليهم كانوا يقولون اذا رأيتم أقوالنا تخالف حديث رسول الله فلا تأخذوا بأقوالنا واضربوها فى عرض الحائط اكراما لحديث النبى صلى الله عليه وسلم 0
فرسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا فى التعبد وفى غير التعبد فى التعبد فى الصلاة : يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
( صلوا كما رأيتمونى أصلى )
فى الحج : يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
( خذوا عنى مناسككم )
فى غير التعبد فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فاعتلى المنبر ورفع الذهب والحرير وقال هذان حرام على ذكور أمتى حل لاناثها ونزع النبى صلى الله عليه وسلم الخاتم من الذهب فنزع الناس خواتيمهم من الذهب اتباعا للنبى صلى الله عليه وسلم 0
وقف عمر بن الخطاب أمام الحجر الأسود وقال والله انى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك 0
2 – ومن التقليد أيضا تقليد الأمة لأصحاب النفوذ والسلطان فقد كان عمر بن الخطاب متواضعا فى مطعمه متواضعا فى ملبسه متواضعا فى مسكنه ، لماذا ؟
لأنه كان يعلم أن ولاة الأقاليم ينظرون اليه فاذا توسع فى الحلال قلده ولاة الأقاليم فان لم يكفهم من الحلال توسعوا فى الحرام بعد ذلك 0
فالناس على دين ملوكهم
وعندما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك وكان مولع بالبناء والعقار كان الرجل على عهده اذا لقى أخاه يقول له كم بيتا بنيت وكم عقارا عندك
ولما ولى الخلافة عمر بن عبد العزيز وكان معروفا بتقواه كان الرجل على عهده اذا لقى أخاه يقول له كم جزءا من القرآن حفظت وكم ركعة من الليل صليت 0
فالناس على دين ملوكهم
فاذا كان ولاة الأمور شغلهم الشاغل البناء والعقار كانت الأمة كذلك واذا كانوا ظلمة كانت الأمة كذلك 0
فالناس على دين ملوكهم
3 – ومن التقليد أيضا هو تقليد الأبناء لآبائهم وأمهاتهم ولا سيما وأن للوالدين أثر عظيم فى الولد فى اختيار الدين مثلا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( ما من مولود الا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )
ويبلغ من تأثير الوالدين على الولد حتى فى السلوك ، تأمل العلماء فى اسماعيل عليه السلام فى طاعته المطلقة وفدائه لله عز وجل 0
ابراهيم عليه السلام سأل الولد فمن عليه وقد بلغ من الكبر عتيا ، يقول تعالى :
( فلما بلغ معه السعى ) ولفظ السعى يفيد باعانته لأبيه وأنه قد بلغ مبلغ الشباب ( قال يا بنى انى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين )
تأمل العلماء فى هذا الوقت كيف يقدم الولد نفسه ؟ كيف يقدم اسماعيل نفسه وهو الشاب وفى الشباب ما فيه من آمال وطموحات ، قالوا من أبوه ومن أمه ؟ أما أبوه فهو خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام الذى صدع بكلمة الحق أمام مجتمعه فهو يقول :
( أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون )
بل هو المدمر لآلهتهم ، يقول تعالى :
( فراغ الى آلهتهم فقال ألا تأكلون * مالكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين )
وهو الذى ألقى الى النار محتسبا صابرا ، يقول تعالى :
( وقالوا حرقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين فقلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم )
ذكر البخارى أن جبريل عليه السلام جاء ابراهيم وهو بين السماء والأرض عندما ألقى الى النار يقول له ( هل لك من حاجة فقال اليك فلا وأما الى الله فبلى 0
هذا أبوه فمن أمه 0
أمه هاجر وقد أمر الله تعالى الخليل أن يذهب بزوجه هاجر ووليدها اسماعيل بواد غير ذى زرع عند بيت الله الجرام ولم يكن البيت الحرام قد بنى بعد ولم يكن معها الا جريب من ماء وجريب من تمر وتركهما وولى ظهره فقامت اليه أمنا هاجر وقالت له الى من تتركنا يا ابراهيم وليس فى الأرض أنيس ولا جليس فلا يلتفت اليها ، الى من تتركنا وليس معنا الا جريب من ماء وجريب من تمر فلا يلتفت اليها ، قالت آآلله أمرك بهذا فالتفت اليها فقال نعم فقالت اذهب فانه لن يضيعنا فاذا كان الأمر أمره فليس من أمر الله عز وجل مرد والله تعالى هو خالق الأسباب سبحانه 0
اذن من كان هذا أبوه وهذه أمه فمن الأمر الطبيعى أن تكون الثمرة
( قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين )
· أما الواقع الذى تعيشه أمتنا فاذا كان الأبناء يرون من آبائهم التلفظ بألفاظ الشتم والسب والكفر سب لله سب للنبى سب للدين يسمعها الولد بأذنيه من أبيه ومن أمه كيف يتعلم بعد ذلك الأدب مع الله ؟ كيف يتعلم حلاوة اللسان بعد ذلك ؟
اذا كان الأبناء يرون من آبائهم الحرص على المال بأكل الحرام ، نقل اللقمة من فم الضعيف ، فكيف يتربى الابن بعد ذلك على الرحمة ؟ كيف يتربى الابن بعد ذلك على الرأفة بالضعيف 0 اذا كان يرى أبوه ينفق الآلاف المؤلفة لأجل طفرة تافهة ولكن يماطل فى أجرة الخادم تلك الأجرة التافهة يماطل بها ويؤخرها الشهر والشهرين فكيف يتعلم الولد الرحمة بالضعيف 0
اذا كانت البنت ترى أمها شغلها الشاغل زينتها بل انها قد جعلت من بيتها أنها لا نأوى اليه الا عند النوم فكيف تتربى البنت بعد ذلك على أن تكون فى بيتها قائمة بحق زوجها قائمة بحق أبنائها 0
4 – ومن التقليد أخيرا هو تقليد الأمة لمناقب الفارغين والفارغات من الفنانين والفنانات ولقد أجرم الاعلام فى أمتنا اجراما عندما جعل من السفلة والعاهرين نجوما وأبطالا وقدوات فى مجتمعاتنا فى وقت عز فيها الأبطال وعز فيها الرجال ، أساء الاعلام الى أمتنا عندما جعل أمثال هؤلاء السفلة وحياتهم لمن يطلعوا عليها فيها الفحش فيها الزنا فيها الخمر فيها المخدرات هؤلاء هم الذين يعالجون مشاكلنا 0
نعم هذا هو الواقع الذى تعيشه أمتنا الآن 0
أمثال هؤلاء يصورون الحياة الزوجية أنها صراع بين الزوج وزوجته وعلى الزوجة أن تثبت نديتها وأنها ليست أقل من الرجل أبدا وأن عليها أن تحاسبه على كل صغيرة وعلى كل كبيرة 0
ان نساءنا ، ان أمهاتنا من قبل ممن لم يدخل السم اليهن كانوا يرون فى طاعة الزوج عبادة تتعبد المرأة ربها بطاعتها لزوجها 0
ضف الى ذلك المعالجات الخاضعة لمشاكل الحياة فاذا خان الزوج زوجته ماذا تفعل الزوجة ، عليها أن تخون أيضا فهى واحدة بواحدة 0
أصبح الزواج بأخرى جريمة وطعن فى أنوثة الأولى وهدم وهدر لكرامتها علما أن الأمر تشريع من الله عز وجل 0
فقد حدثت حادثة من قبل ابن يرى أباه فى أوضاع مشينة مع الخادمة فيذهب الى أمه يقول لها رأيت أبى يفعل كذا وكذا قالت له أمه أعلم ذلك وقد رضيت ، الزنا أحب اليها من أن يتزوج عليها امرأة أخرى ،
يقول تعالى :
( ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) 0
الخطبة الثانية :
أمنا بعد ،
وأما موقف المسلم من التقليد فعلى المسلم أن يدرء بنفسه من أن يكون امعة مقلدا لغيره 0
يقول النبى صلى الله عليه وسلم :
( لا يكن أحدكم امعة يقول أنا مع الناس ان أحسن الناس أحسنت وان أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم ان أحسن الناس أن تحسنوا وان أساءوا أن تجتنبوا اساءتهم )
ثم ينبغى أن يكون واضحا أن العبد يحشر مع من أحب يوم القيامة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يحشر المرء مع من أحب )
فمن كان محبا للسفلة فهو يوم القيامة مع السفلة 0
ومن كان محبا للظلمة فهو يوم القيامة مع الظلمة 0
الحب والبغض فى اسلامنا ينبغى أن يكون على أسس أن تحب فى الله وأن تبغض فى الله 0
ثم أعلم أخيرا أنه ما من أمة الا ولها جانب مضئ وجانب مظلم 0
أما الجانب المضئ فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( الحكمة ضالة المؤمن فان وجدها فهو أحق بها )
فنأخذ من حسن من علومهم من حضارتهم ولكننا فى الحقيقة لا نأخذ الا الفضلات لا نأخذ الا الساقط من أخلاقهم ، هذا الذى تحسنه أمتنا وهذا شر عظيم 0
دعاء
اللهم انصر الاسلام وأعز المسلمين
اللهم ارفع بفضلك كلمتى الحق والدين
اللهم انصر اخواننا المجاهدين فى كل مكان
اللهم انصر المسجد الأقصى
اللهم انتقم من أمريكا وحلفائها
اللهم أرنا فى أمريكا وحلفائها يوما كيوم عاد وثمود
آمين
خطبة الجمعة
بتاريخ : 15 / 7 / 2005
يلقيها
الأستاذ / عبدالعال سليمه