السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته انا ايضا ابحث عن هده المقالة و وجدت هدا في منتدى
و اريد مساعدتكم في اعادة كتابته من فضلكم ساعدوني
الطريقة طبعا استقصاء بالرفع
-الى اي مدى يمكن ابطال الاطروحة القائلة بان المعرفة العلمية مجرد تسجيل لمعطيات التجربة ؟
1-المطلوب عرض الاطروحة القائلة بان المعرفة العلمية ليست الا انعكاسا للتجربة و الاستقراء الحسي....مع نقدها فلسفيا و شخصيا
2-عرض الا طروحة المخاصمة التي تؤكد بان المعرفة العلمية بناء وتنسيق عقلي يتجاوزالحواس و التجربة...مع تفصيل حججهم و مبررات الاثبات....
3-اخيرا مشروعية ابطال الاطروحة....اي ما قالته النزعة التجريبية بان المعرفة العلمية ليست الا مجرد تسجيل لمعطيات التجربة.........غيرصحيحة
المقالة التالية تمنحك الاجابة.....لكن حذار.......حذار.....حذ ار....محلولة بطريقة جدلية........عليك ان توظف المعلومات حسب الخطة و التصميم السابق والالتزام بجميع الخطوات الثلاثة..اي تاخدين من المعلومات ما يخدم الخطة فقط.....موفقة ان شاء الله......................
تنعت العلوم الحقة بأنها علوم تجريبية, بمعنى أنها علوم ترتكز على التجربة أو تلعب فيها التجربة دورا هاما, فما المقصود بالتجربة هنا؟ وما هي خطوات المنهج التجريبي؟ وأي دور تؤديه التجربة في النظرية؟ هل هي منبعها وأساسها أم هي مجرد أداة يلجأ إليها في نهاية المطاف لمعرفة صدق النظرية أو كذبها؟
تجيب النزعة الإستقرائية أو الإمبريقية بأن إنشاء نظرية علمية يقتضي الانطلاق من الملاحظات من دون آراء مسبقة. إن على العالم أن ينقاد للتجربة والوقائع دون أن يسقط على الواقع معتقداته وأحكامه المسبقة. وحسب هذه النزعة فإن العبارات الكلية مثل الفرضيات والمبادىء والقوانين تستخلص من ملاحظة كثرة متنوعة من الحالات الخاصة, وبناء على هذه الرؤية فإن التجربةسابقة على النظرية وهي أصل النظرية وأساسها.
إن نقطة الانطلاق لاكتشاف النظرية أو اكتشافها هي:
1-تجميع كل الوقائع المطلوبة عبر الملاحظة ثم بعد ذلك يجب:
2-تعميم هذه الوقائع الملاحظة, أي استنتاج تعبير كلي منها, وبهذه الخطوة يتم التوصل إلى القوانين والنظريات الكلية
3-وأخيرا على العالم أن يستخلص من هذه القوانين والنظريات نتائج متنوعة تكون بمثابة تفسيرات وتنبؤات.
وهكذا من جديد نعود إلى التجربة, ولكن من خلال الاستنباط:déduction, وكل تنبؤ ناجح يعتبر إثباتا للنظرية تجريبيا. إن أساس العلم حسب هذا التصور هو الاستقراء:induction الذي يقول: إذا تمت ملاحظة عدد كبير من(أ) في ظروف جد متنوعة, وإذا لوحظ أن جميع (أ) دون استتناءتمتلك الخاصية (ب), فإن جميع (أ) تمتلك الخاصية (ب).
تعرض هذا التصور الاستقرائي لعلاقة النظرية والتجربة لعدة انتقادات, فالملاحظة أو
التجربة تقتضي مسبقا معارف أو نظرية تحدد ما يجب أن نلاحظه أو تحددالإجراءات التي يجب أن نقوم بها لإجراء تجربة ما. إن التجربة ليست مجرد تسجيل سلبي لما يقع, بل هي تقتضي فاعلية الفكر. إن العقل المجرب لايقابل التجربة بسلبيته أو وهو خال من الهم,بل يقابلها حاملا لأفكار معينة فيسائلها لكي يعرف ما إذا كانت أفكاره التي يقدمها كتفسير لما يقع صحيحة أو غير صحيحة, ثم إن التجربة العلمية تجربة منظمة ومرتبة توظف فيها أجهزة وأدوات, ولذلك يرى كانط أننا لا نعثر في الواقع إلا على ما نبحث عنه تبعا للأسئلة التي وجهناها له. إن وظيفة التجربة إذن هي استبعاد الأفكار الخاطئة وإثبات الصلاحية المؤقتة للأفكار الملائمة للوقائع, وإذن فلا تجربة من دون نظرية.
إن التجربة لاتقود إلى الاكتشاف découverte , بل الغاية منها هي التحقق vérification , وعليه فإن التجربة ليست هي مبتدأ العمل العلمي, بل هي منتهاه, إن دورها يأتي عندما تتشكل النظرية وتكتمل, وهو التحقق من صدق الفرضيات. لقد أوضح كانط هذه المسألة عندما بين أن العقل لا يقف من الطبيعة موقف التلميذ من المعلم( بنصت ويسجل), بل موقف القاضي من المتهم, فهو لا ينتظر منها أن تخبره عن أسرارها, بل يوجه إليها الأسئلة ويجبرها على الإجابة. إن غاليلي وباسكال كانا يقومان بالتجربة اعتمادا على فرضيات وأسئلة ولم يقتصرا على ملاحظة وقائع الطبيعة.
وحثى نعرف مقتضيات التجريب ووظيفته سنتوقف مع رائد المنهج التجريبي الطبيب والبيولوجي الفرنسي كلودبيرنارC.Bernard(1813-1878) .
يعرف بيرنار المنهج التجريبي بأنه مجموع القواعد والاجراءات التي بمساعدتها نخضع أفكارنا منهجيا لاختبار الوقائع. والاستدلال التجريبي ينحل في نظره إلى الخطوات الآتية :
1-يعاين الباحث في مجرى بحثه العلمي واقعة معينة تحتاج إلى تفسير(عدم تجاوز الماء لارتفاع معين في أنبوبة المضخة مثلا). إن الباحث هنا يتوقف عند الظاهرة ويتسائل كبف حدثت. هذه هي لحظة الملاحظة.
2-انطلاقا من الملاحظة الفاحصة للواقعةتتولد في ذهن الباحث فكرة لتفسيرها, فهذه الفكرة تدفعه مثلا إلى التساؤل مثلا(أليس عدم قدرة الماء على تجاوز مستوى معين في أنبوبة المضخة سببه هو أن للهواء وزنا يمارس به ضغطا على الأجسام؟) وهذه هي لحظة الفرضية.
3-تقود الفكرة الباحث إلى تصور الشروط المادية للقيام بتجربة الغاية منها إثبات صحة الفرضية أوتفنيدها,(وضع الزئبق في أنبوبة مرقمة وملاحظة مستواه في قمة الجبل وسفحه, فإن كان صحيحا أن الهواء له ثقل, فيلزم أن يكون تأثيره مختلفا من سفح الجبل إلى قمته¹), وهده هي لحظة التجربة.
يكون العالم في الخطوة الأولى مجرد ملاحظ, وفي هذه الخطوة عليه أن يكون أمينا وسلبيا يسجل ما يحدث أمامه تماما مثل آلة تصوير دون أن يستدل أو يفكر, وبعد الملاحظة الجيدة تولد الفكرة, وعندئذ على العالم أن يصير مجربا, أي عليه أن يفكر في الشروط المادية التي تمكنه من إقامة تجربة للتحقق من فكرته(أي فرضيته).
هذه الرؤية التجريبية لدور الملاحظ والتجريب تعرضت للنقد من قبل الإبستمولوجيا المعاصرة, فلو نظرنا إلى العلم من زاوية تاريخية لتبين لنا أن العالم يمارس بحوثه وتجاربه في إطاررؤية نظرية مقبولة من طرف الوسط العلمي, كما أن الوقائع العلمية التي يدرسها العلماء ليست جاهزة في الطبيعة, بل هي ألغاز ومشاكل تواجهها هذه الرؤية النظرية وتبحث لها عن حلول, فعالم الرضيات الفرنسي روني طوم R.thom (1923-2002) يؤكد أن الوقائع لاتوحي بأية فكرة, فالناس قد رأوا التفاح يسقط منذ آلاف السنين دون أن توحي لهم واقعة السقوط هذه بفرضية الجاذبية. لقد كانت واقعة سقوط الأجسام تشغل بال العلماء في عصر نيوتن, وعبقرية نيوتن لاتكمن في كونه لاحظ التفاح يسقط, بل في تخيله لفرضية الجاذبية. فللخيال إذن دور كبير في اكتشاف النظرية. إن التجريب لايكفي وحده لكشف أسباب الظواهر, أي أنه لايعفي من التخيل والإبداع, إن دوره سلبي يتمثل في فرز الأفكار لمعرفة الصادق منها من الكاذب. إن وضع آلات ضخمة وأجهزة تقنية دقيقة بين يدي علماء لا خيال لهم لن يقود أبدا إلى أي نتيجة. إن للتجارب الخيالية دورا كبيرا في تصور الوقائع وتفسيرها, وهذا الدور لاتفلح الأجهزة التقنية في تعويضه. إن مكانة التجريب في التصور الإبستمولوجي المعاصر لا تأتي في صدارة العمل العلمي بل في نهايته. إن التصور القائل بأن التجربة هي أساس النظرية وأداة اكتشافها, إنما هو وهم يجب رميه في سلة الخرافات الإبستمولوجيا.
-------------------------------------------
بينا في الفقرة السابقة أن النظرية لاترتكز على التجربة ولاتكتشف انطلاقا من الوقائع, ورأينا أن دور التجربة يتمثل في اختبار النظرية والتحقق منها وليس الإكتشاف. وفي معرض حديثنا عن دور التجربة بينا أن العقل هو من يهندس التجربة ويرتب إجراءاتها وخطواتها, ولكن لم نتبين دوره بوضوح في بناء النظرية واكتشافها, وهذا هو ما سنفصل فيه القول الآن.
قبل كانط وجد تفسيران لمصدر المعرفة وأساسها, فقد كانت النزعة العقلية rationalisme : تذهب إلى أن العقل هو مصدر جميع معارفنا العلمية, وأنه يجب الإعتماد عليه وحده للوصول إلى الحققة, في حين أن النزعة التجريبية: Empiricisme قد ذهبت إلى أن المصدر الوحيد لجميع معارفنا هو التجربةالحسية. وقد انتقد كانت هذين التصورين معا معتبرا أن من الصحيح أن معرفتنا تبدأ بالتجربة, ولكن هذا لايعني أنها كلها مشتقة منها. ذلك أن معطيات التجربة تتصف بالجزئية والعرضية, فهي تكون
متناثرة وتحتاج إلىتنظيم. إن العقل هو الذي يتدخل فيضفي بمقولاته أو مفاهيمه ومبادئه القبلية نظاما على هذه المعطيات ويحولها من مجرد مدركات حسية إلى مدركات عقلية, وعليه فإن العقل هو من يبني التجربة ونظمها بواسطة مبادئه, غير أن هذه المبادىء لاتقدم أية معرفة علمية في غياب المعطيات الحسية(التجربة). ولقد أظهر التقدم العلمي الهائل ابتداءا من القرن 18 أن العقل ليس كيانا أو جوهرا يستمد قوته وقيمته من ذاته, بل هو فاعلية تتشكل وتتطور وتغتني من خلال الحوار مع التجربة و ومن خلال إعادة النظر في مبادئه ومقولاته وقواعده. لقد أصبح العقل العلمي المعاصر عقلا متواضعا نسبيا ونقديا فهو لا يدعي أن مبادئه وقواعده ثابة ويقينية, كما أنه لا يدعي القدرة على الوصول إلى معارف يقينية مطلقة.
هذه الرؤية للعقل لم تتضح معالمها إلا من الثورة العلمية في القرن20. فإنشتاين A.Eintien (1879-1955) يبين لنل أن نسق الفيزياء النظرية يرتكز على مفاهيم concepts وعلى قوانين أساسية lois de base , وهذه القوانين هي التي تربط بين المفاهيم والنتائج conséquences التي تشتق منها بواسطة الإستنباط المنطقي. وينبغي أن تكون معطيات التجربة مطابقة لنتائج النسق النظري حثى يكون هذا الأخير صحيحا. إن قيمة مكونات النسق النظري لايمكن أن تشتق من التجربة, بل هي آتية من البناء الرياضي العقلي, إن التجربة قد ترشدنا عند اختيار المفاهيم الرياضية التي يجب توظيفها لفهم ظوار الطبيعة, ولكنها ليست هي المنبع الذي تصدر عبه هذه المفاهيم, إن قدرتنا على فهم الواقع المادي تأتي من الفكر الرياضي الخالص.
إن نشاط الفيزياء المعاصرة( نظرية الكوانطا خصوصا: عالم الذرة) يثبت حسب الإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار G.Bachelard(1884-1962) سذاجة النزعتين العقلية و التجريبية المتعارضتين, ذلك أن هذا العلم يقوم على حوار فلسفي جدلي وعميق بين المجرب المزود بأدوات وأجهزة تقنية عالية الدقة وبين عالم الرياضيات, وهذا الحوار يثبت أنه لاعقلانية في الفراغ, ولا عقل
معزول ومكتف بذاته, بل العقل يتشكل ويتبلور من خلال سعيه إلى القبض على التجربة. كما أنه لاوجود لتجريبية خالصة, إذ أنها لن تكون إلا معطيات حسية مفككة الأوصال, فالتجربة نفسها بناء عقلي. وفي مقابل هاتين النزعتين المتناقضتين يتحدث باشلار عن عقلانية مطبقة وعن مادية مبنية(أجهزة- أدوات- تقنيات...). ذلك أن الواقع الفيزيائي اليوم(العالم الميكروسكوبي: الذرة- النواة-الإلكترونات...) ليس واقعا معطى, بل هو واقع مبني, فنماذج هذه الوقائع الميكروسكوبية هي عبارة عن علاقات رياضية قابلة للتعديل والتصحيح. ولهذا يدعو باشلار إلى التخلي عن العقلانية المعمارية( عقلانية المبادىء الثابتة:ديكارت وكانط) لصالح عقلانية جدالية ونشيطة تشغل مبادئها من خلال الحوار مع التجربة, ولتجربة نشيطة هي الأخرى معدة لمراقبة عمل العقل تزول الهوة التي كانت تفصل بين العقل الرياضي والواقع وتنتفي الحدود الفاصلة بين مملكة العقل ومملكة التجربة وبين المجرد والعيني.
بعد أن تعرفنا في المحور السابق على الإشكالات المتعبقة بالعلاقة بين التجربة والعقل ودور كل منهما في بناء النظرية العلمية, بقي لنا أن نتعرف على المعيار أو المعايير الفاصلة بين النظرية العلمية والنظريات التي ليست علمية. ينبع هذا الإشكال من غموض الحدود الفاصلة بين ما هوعلمي وما هو ليس كذلك, وهذا الغموض هو ما يجعل كثيرين يزعمون أن معارفهم علمية مثل العلوم الحقة( المنجمون مثلا), ولذلك انشغل العلماء والإبستمولوجيون بتحديد المعايير الفاصلة بين العلم والعلم الزائف.
رأينا أن النزعة التجريبية ترى أن الملاحظة أو التجربة هي أساس كل علم حق, وهكذا اعتبرت هذه النزعة أن كل مالا يشتق من التجربة أولا يمكن رده إليها فهو ليس علما. وقد تعرض هذا التصور كما رأينا لعدة انتقادات بينت محدوديته وسذاجته. ولقد نشأة في القرن 20 مدرسة فلسفية حاولت تجاوز نقائض التصور التجريبي هي المدرسة الوضعية المنطقية¹,لقد اعتبؤت هذه المدرسة أن معيار التحقق :
vérification هو ما يميز العلم عن ما ليس علما, والتحقق عبارة عن إجراء يمكن من إثبات صحة قضايا( فرضيات- نظريات...) و وعليه فإن القضايا والفرضيات العلمية هي فقط تلك التي يمكن" التحقق" منها بواسطة التجربة الحسية, وبالتالي فإن كل قضية أو فرضية لايمكن إثبات صحتها انطلاقا من ملاحظات حسية لايمكن اعتبارها علمية.
ينتقد الفيلسوف الألماني كارل بوبرK.Popper(1902-1994) رؤية الوضعين المناطقة لمعيار
الفصل بين العلم واللاعلم معتبرا أننا لانستطيع إطلاقا إثبات صحة نظرية اعتمادا على الملاحظة والتجربة, كما أن الاستنباطات المنطقية التي تستند على الملاحظات لاتمكننا من الوصول إلى قوانين
كلية ونظريات, ولكننا بالمقابل نستطيع إثبات خطأ نظرية ما اعتمادا على الملاحظة والتجربة, كما أن
الاستنباطات المنطقية التي تتدذ من ملاحظات خاصة مقدمات لها قد تقودنا إلى استنتاج خطإ أو كذب القوانين والنظريات العلمية.
مثلا: " لوحظ غراب غير أسود في المكان (أ) في اللحظة(ب)"
من هذه العبارة يمكن أن نستنتج منطقيا كذب العبارة:" كل الغربان سود", أي أنه انطلاقا من المقدمة: " لوحظ غراب غير أسود في المكان (أ) في اللحظة(ب)" يمكن أن نستنتج منطقيا: "ليست كل الغربان سود". وإذن فإن بطلان العبارات الكلية(قوانين- نظريات) يمكن أن يستنتج من عبارات مفردة, في حين أن ملايين الملاحظات الفردية والشواهد التجريبيةلاتستطيع أن تثبت صحة عبارة كلية مثل: " كل البجع أبيض", فدور التجربة إذن ليس إيجابيا يتمثل في تأييد النظرية وتدعيمها, بل دورها سلبي يتمثل في تكذيب النظرية وتفنيدها. إن أي تجربة لاتستطيع أن تحقق نظرية بشكل قطعي, ذلك لأنه ليس لدينا دليل كاف على أن التجارب اللاحقة كلها ستكون لصالح النظرية. إن العالم ينشىء نظرية ويبدعها إبداعا حرا,
ويعتبرها مجرد تخمينات conjectures يريد من خلالها حل مشكلات طرحتها نظريات سابقة وعجزت عن حلها, وهذه النظرية تحدد بنفسها نتائج محتملة وتتنبأ بأشياء يمكن للتجربة أن تفندها. صحيح أن الوقائع قد تؤيد هذه النتائج ولكن هذا التأييد confirmation لايعني أن هذه النظرية قد تحقق صدقها وأنها نظرية صحيحة قطعا, إذ من الممكن منطقيا أن تكذبها مستقبلا تجربة مضادة.
هكذا يرى كارل بوبر أن نظرية ما لن تكون علمية إلا إذا كانت قابلة للتكذيب : falsifiable أو التفنيد:réfutable .فما قيمة النظرية إذا كان يستحيل اختبارها أو يستحيل إثبات كذبها بالتجربة؟ إن قابلية النظرية للتكذيب لاتعني ان النظرية يجب أن تكون كاذبة لكي تكون علمية. إن ما يعنيه هذا المبدأ هو أن النظرية يجب أن تكون مبدئيا قابلة للاختبار وأن تتضمن في ذاتها إمكانية أن تكون الوقائع الملاحظة مخالفة لها, إن نتائج الاختبارات التجريبية قد تكون موافقة لتنبؤات النظرية, وفي هذه الحالة لانقول إن النظرية محققة: ,vérifié بل نقول فقط إنها معززة: corroboré بالتجربة,وإذا لم تصمد أمام الاختبارات فعندئذ نقول إنها قد فندت: réfuté, أي أنها باطلة بحكم التجربة. وعليه فإن النظرية لاتكون علمية إلا إذا أمكن تكذيبها¹, وبالمقابل فإن كل نظرية تظل صحيحة مهما كانت الاختبارات التجريبية لايمكن اعتبارها علمية. إن إمكانية أن تكذب النظرية بواسطة التجربة هو ما يحدد طابعها العلمي. إن نسقنا العلمي اليوم هو نسق العبارات القابلة للتكذيب والتي لم يتم تكذيبها بعد.
بدوره ينتقد الإبستمولوجي الفرنسي بيير تويليي(1927- 1998) معيار التحقق ويرى أن القول بأن النتائج التي تستنبط من النظرية يمكن التحقق منها بالتجربة هو قول مبسط ويحتاج إلى إعادة النظر, ذلك لأن الفرضيات لاتواجه الوقائع معزولة بحيث يمكن أن نتحقق من كل فرضية على حدة. كما أن القيام بتجربة علمية يقتضي تعاون نظريات متعددة, ثم إن التحقق التجريبي لايقدم دليلا حاسما لصالح النظرية, فإثباته لصدق النظرية إثبات غير مباشر وجزئي وقابل للتعديل في أي حين.(وهذه انتقادات قريبة من انتقادات بوبر) فلإثبات صدق النظرية لايكفي التحقق منها مرة واحدة فقط بل ينبغي تنويع الاختبارات التجريبية ومقارنةهذه الاختبارات فيما بينها. بل إن الاختبار التجريبي لايمثل إلا أحد المعايير الممكنة لاختبار النظريات, إذ هناك معيار آخر له مكانة مركزية حسب تويليي في تكوين العلم, وهو اختبار التماسك المنطقي للنظرية أو التماسك بين نظريات متعددة.
وإذا كان معيار التحقق يربط صدق النظرية بالواقع الخارجي فإن معيار التماسك المنطقي معيار داخلي
يولي أهمية للترابط المنطقي الدقيق بين مكونات النظرية( مبادىء- مفاهيم- قوانين- نتائج...) اعتمادا على قوانين المنطق. إن شرط التماسك هو عدم حصول تناقض بين مبادئها أو بين مبادئها ونتائجها أو بين نتائجها. وواضح أنه ليس للتجربة أي دور هنا. ولكن تويليي لايقول بأن هذا المعيار هو وحده المميز للعلم, بل هو واحد من معايير أخرى أهمها معيار الاختبار بأوجهه المتنوعة.