الصبر على البلاء
الصبر هو من أهم ما يحتاج إليه المؤمن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر النّاس على ما أصابهم به الله تعالى من المصائب، وهو ضياء، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر عادة الأنبياء والمتقين وحلية أولياء المخلصين.
يقول الله عزّ وجلّ: ''وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ''، إذ أن المصيبة في الدّين أن يُبتلى الرجل بترك الصّلاة أو شرب الخمر أو بإضاعة فرض من فرائض الله أو ارتكاب معصية من المعاصي هذه المصيبة في الدِّين.
فالمسلم الّذي يُصاب بماله أو بجسمه الله يُعوّض عليه بها الثواب في الآخرة، وهذه المصيبة تكون تكفيرًا لسيِّئاته أو ترفعه درجات يعوّض الله عليه.
وأمّا المصيبة في الدِّين فتوجب لصاحبها الهلاك في الآخرة، لذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دعاء كان يدعو به: ''ولا تجعل مصيبتنا في ديننا''، ومن النّاس مَن تُصيبه مصيبة في الدنيا فيقعون بما حرّم الله كالّذي يصيبه المرض، فبدل أن يصبر ويشكر الله يترك الصّلاة لأجل المرض، يقول حتّى أتعافى أُصَلِّي، يقول إذا تعافيت أقضي هذه الصّلوات الّتي فاتتني، هذه مصيبة في الدّين، عليه ذنب لأن المسلم لو مرض يجب عليه أداء الصّلوات الخمس على النحو الّذي يستطيع إن كان لا يستطيع القيام لأجل المرض يُصلي قاعدًا وهكذا، أمّا أن يترُك الصّلاة بالمرّة ويقول أنا مريض لمّا أتعافى أقضي هذه من مصائب الدِّين. وقد قال الإمام ابن القيم الجوزية: الصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة: أحدها: شهود جزائها وثوابها. الثاني: شهود تكفيرها للسيّئات ومحوها لها. الثالث: شهود القدر السابق الجاري بها، وأنّها مقدّرة في أمّ الكتاب قبل أن تخلق، فلا بدّ منها، فجزعه لا يزيده إلاّ بلاءً. الرابع: شهوده حقِّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبرُ بلا خلاف بين الأمّة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بدَّ له منه، وإلاّ تضاعفت عليه. الخامس: شهود ترتّبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: ''وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ'' الشورى30 . فهذا عامٌّ في كلّ مصيبة دقيقة وجليلة، فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الّذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة. قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ''ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلاّ بتوبة''. السادس: أن يعلم أنّ الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمها، وأنّ العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيّدُه ومولاه. فإن لم يُوفِ قدر هذا المقام حقَّه، فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها. فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدّى لحق. والسابع: أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيبُ العليمُ بمصلحته الرّحيمُ به، فليصبرْ على تجرعه ولا يتقيأْه بتسخّطه وشكواه، فيذهبَ نفعه باطلاً.