ملامح القانون الاِنسانى الدولي في الشريعة الاِسلامية
مقدمة:
خلق الله تعالى الاِنسان ليعبده وأرسل اِليه الرسل وأنزل الكتب لاِقامة العدل بينهم وشاءت اِرادة الله أن يتكاثر الناس ويختلفوا, ونسوا ما وصاهم به ربهم منالاِمان والأدب والعدل واِشتد بينهم النزاع على المال والجاه وكثرت بينهم الخصومات فتقاتلوا وتحاربوا سنينا عددا حتى صار تاريخ الحروب يزيد في كثرته على تاريخ السلم والموادعة وأصبحت الحروب هي قانون البشر الذي يحتكمون اِليه وأصبحت القوة وحدها هي التي تقرر مصير الناس.
ولو كانت القوة تأتي دائما في صف الحق والعدل والعقل والدين لاستقام الأمر ولعاش الناس أسعد أيامهم وأبرك وقتهم وأطيب حياتهم ,لكنها قل ما اِجتمعت في هذا العالم مع الحق فكثيرا ما كانت القوة في صف الظالم الجائر الذي لا يرى لغيره حرمة ولا يحفظ له قربة ولا مودة ولا يرعى أحدا ,واِنما شأنه اِفساد حياة الآخرين واِذلالهم وفرض باطله عليهم بغطرسة وطغيان وعناد.
وقد شهدت الاِنسانية في تاريخها الطويل والمقدر ب 3357عاما, من عام 1496ق م اِلى 1861 م (227) عاما من السلام مقابل (1130) من الحروب ,وقد بلغ عدد الحروب اِلى غاية 1945م (14531) حربا ,وقضت الحرب العالمية الأولى وحدها على 10ملايين نسمة, و21 مليون ماتوا بسبب الأوبئة التي خلفتها الحرب .وفي الحرب العالمية الثانية قتل 40مليون نسمة من المدنيين.
هذه الحروب المدمرة ثارت بسبب بعد الاِنسان عن الحق والصواب وانقطاع صلته بالله تعالى الذي هو وحده القادر على حماية الاِنسان من نفسه وهواه ,ولو بحث العالم عن الحق دون مكابرة ولا معاندة لوجدوه واحتكمو اِليه ,فاِن الله تعالى لم يتركهم هملا في ضياع واِنما أرسل اِليهم خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل اعليهم آخر كتبه ,ورضى لهم الاِسلام دينا يجمع بين الرسل جميعا ,ولا يفرق بينهم ويؤمن بالكتب السابقة كلها وصححما طالته يد النسيان أو عبثت به يد التحريف ,ودعاهم الى كلمة سواء لاغالب فيها ولا مغلوب ,لا أحد ينال الكرامة فيه بجنسه ولا بلونه ولا بوطنه ,فلا ينفعه شيئ من ذلك اِذا كان مجرما مفسدا .
والوصول اِلى أصوب ما يمكن وأصلح ما يمكن هو شرعه ودينه .ولما كان ولابد من بقاء الناس مختلفين فقد حفظ الاِسلام للمخالف أفضل وأرحم ما يعامل به القوي الضعيف ,والغالب المغلوب في الحرب والسلم ,في حال الاِضطرار أو حال الاِختيار .وبرغم الجزم والقطع بأن الاِسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد دينا سواه وأنه الحق وما سواه ضلال وباطل وأن من كفر به خاب وخسر خسرانا مبينا, ومع الاِعتقاد الجازم بأنه خير للناس وأصلح من غيره اِلا أنه لم يكره أحدا على اِعتناقه ,بل نهى عن الاِكراه كما قال تعالى في سورة البقرة
لا اِكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) -الآية 256- .
وأتاح للمخالف العيش بسلام متحفظا بعقيدته الدينية ومصالحه الدنيوية ,وكانت حروبه وغزواته أرحم الحروب التي شهدها العالم بشهادة الأعداء أنفسهم ,وصدق الشاعر حين قال :
اِنّا عدلنا بهم عدلا نتيه به لما ملكنا فكم جاروا وكم غدروا
وعندما تقارن بين الصحوة الاِنسانية في العصر الحديث والمناداة بحقوق الاِنسان وتكريم الاِنسان والرفق ببني الاِنسان يجب أن نتذكر أن هذه اليقظة المتأخرة اِنما جاءت بتأثير مبادئ الاِسلام فلا يمكن أن يكون لهل مصدر غيره ,بل هي من الرحمة الربانية التي عمّ نورها البشرية كلها سواء الذين آمنوا وصدقوا أم يؤمنوا مصداقا لقوله تعالى
وما أرسلناك اِلا رحمة للعالمين) -سورة الأنبياء الآية 107-.فلا يعقل أن تنقدح هذه المعاني في عقول نشأت على القسوة ولابطش دون أن يروا لها نظير وشبيها يقيسون عليه ,ومع ذلك يجب أن نحذر عند المقارنة والمفاضلة بين الشعارات الجوفاء التي ليست حقيقة معقولة أو مشاهد مقبولة فما ايسر على المرء أنيتخيل وأشد صعوبة من الخيال حصره في الكلام وما أقل وأندر أن يتحول الكلام أو الشعار اِلى حقيقة عملية ,فكم من أناس يرفعون شعارات ضد العنصرية وهم أشد الناس عنصرية وقلوبهم يملأها الكبر والاِحتقار لمن يرونهم دونهم ,كما لا ينبغي الاِغترار والاِنخداع بالمجاملات النافعة فاِن الحق منه من هو نافع لمن ينادي به أو يلتزمه, وهذا النوع لا أظن أحدا يفرط فيه واِن كان ظالما معتديا ,وأما النوع الثاني وهو الذي يتعارض مع المصالح الخاصة بالشخص أو قرابته أو فئته وذلك الذي يكون في صالح أعدائه فهذا النوع المر الذي لا يصبر عليه اِلا من كان صادقا ولا يعمل به اِلا من كان يعتقد أنه ملزم له من قبل من لا يقدر على مخالفة أمره مهما كانت النتيجة , قال جلّ شأنه (ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )-المائدة الآية 8-
فلا بدّ من مراعاة كل ذلك عند النظر في الشعارات المرفوعة ومدى مطابقتها للحقائق والواقع أصدق ما يمكن أن نستدل بهعلى صدق تلك الشعارات النظر اِلى التاريخ القريب منه والبعيد ,وعليه فاِننا نعتقد جازمين أنه لا أحد يمكنه أن يطالبنا نحن المسلمين بالاِعتذار عن أفعال كبيرة ضدّالاِنسانية واِن وجدت فهي أفعال شاذة تتبناها قلة مقهورة ومغلوبة لا تمثل الاِسلام ولا المسلمين أما غيرنا فهم في حرج شديد فعمّا يعتذرون؟ أعن الحروب الصليبية؟ أو عن الحروب الاِستعمارية؟ أو عن نهب الأموال,أو عن تخريب البلاد واِبادة العباد و تشتيت العقول؟.
القانون الدولي الاِنساني:
التعريف بالقانون الدولي الاِنساني:
يعد القانون الدولي الاِنساني فرعا من فروع القانونالدولي العام ومن التي تتناوله ما يلي:
_1)هو مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات الحرب وهذا النزاع وفي اِطار أوسع حماية الأعيان التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.
_2)هو القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف والمخصصة بالتحديد لحل المشاكل ذات الصفة الاِنسانية الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية والتي تعد لاِعتبارات اِنسانية من حق أطراف النزاع في اللجوء اِلى ما يختارونه من أساليب ووسائل للقتل وتحمي الأشخاص والممتلكات التي تصاب بسبب النزاع.
_3)هو فرع من فروع القانون الدولي تهدف قواعده العرفية والمكتوبة اِلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما أنجز عن ذلك الصراع والنزاع من الآلام,كما تهدف اِلى حماية الأموال التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.
هذه التعاريف متقاربة في المضمون والذي يهمنا منها هو تحديد نطاق ما يسمى بالقانون الدولي الاِنساني وما يتضمنه مشمولات الحماية وأن استمداد قواعده يأتي من الاِدارة المشتركة للمتخاصمين بناء على معاهدات سابقة أو أعراف سائدة يقر المجتمع المجتمع الدولي اِحترامها والاِذعان لها كما اِتفقت التعاريف السابقة على هذا القانون الخاص بحماية الأشخاص ممن لا علاقة لهم بالحرب من الأذى والعدوان وحماية الأموال التي لا صلة مباشرة لها بالحرب من التدمير والاِتلاف ويلحق بالأشخاص المتضررين كاسرى الحرب وما يجب لهم من الرعاية والحماية واِذا كان هذا الفرع من القانون حديث العهد ولم يجري الحديث عنه اِلا في العصر الحديث كما في قانون لاهاي 1907 و قانون جنيف 1949 فاِن الشريعة الاِسلامية قد تضمنت ما يقابله منذ 15 قرنا باِعتبارها شريعة خاتمة وعالمية فقد ألزمت المسلمين ولو من طرف واحد بآداب كثيرة قبل اِعلان الحرب وأثناءها وبعدها ,ومضمون تلك الآداب يهدف اِلى حماية الأطفال والنساء وأهل الصوامع وغيرهم ممن لا شأن لهم بالحرب وكذلك عدم التعرض للأموال التى لا صلة لها بالحرب ,ولا أظن وجود طرف في هذا العالم قديمه و حديثه يمكنه أن يصل اِلى المستوى الذي تقرر في الشريعة الاِسلامية في هذا الشأن ما لم يكن مبنيا على اِتفاقات ومعاهدات يلتزم فيها الجميع بالقدر المتفق عليه .واِذا كانت الشريعة الاِسلامية قد قررت الاِلتزام على المسلمين ولو لم يسبق لهم تفاوض واِتفاق مع الخصوم والأعداء فاِنها لا تمانع في الوصول اِلى أعلى مستوى من الحماية للأفراد و حقوقهم اِدا نشأ ذلك عن اِتفاقيات ومعاهدات لأن الاِلتزام حينها يكون متبادلا ملزما للأطراف كافة فاِن الجنوح اِلى السلم في الشريعة الاِسلامية مطلوب والوفاء بالعهود عنوان هذا الدين واِن نقضها الآخرون