ندعي
أننا أحراراً ولكننا لا زلنا نرزح تحت نير الشهواتِ عبيدا
يقلبنا الهوى حيث شاء ، يقربنا ، يبعدنا ، نتخاصم فيه
ونصطلح ، نحب فيه ونكره ، نعطي ونمنع
( أرأيتَ من اتّخذَ إلههُ هواه أفأنتَ تكون عليه وكيلا ، أم تحسب
أنّهم يسمعونَ أو يُبصِرون ، إن هم إلاّ كالأنعام بل همْ أضَلُّ سبيلا )
سبحان الله رب العالمين كيف وصف من اتبع الهوى بأنه اتخذه إلها
فالهوى يأمره وهو يطيع ، فكانت طاعة الأمر عبادة إن لم تكن بما
يوافق شرع الله ورضاه .
ولكن أليس الهوى جزء منا
أليست شهواتنا هي محض نفوسنا
فما العلّة إذن يا صاحبي
هل يجب علينا خلع أنفسنا ، أم ماذا نفعل
نعم هو الأمر كذلك
فنفوسنا هي نحن ، والإستقامة لاتعني خلعها ، وإنما مقاومتها
فكلنا ولدنا حريصين على أنفسنا وماتحب وهذا هو في مصلحتها
من حيث حاجة النفس بوجود غرائزها لقضاء تلك الحاجة في أمر
تتوقف عليه الحياة بأسرها .
فالشهوة للجنس فيه استمرار للنسل البشري ، وشهوة المال
فيه دفع للعمل والإجتهاد وبه تعمر الأرض وتستمر الحياة ، وحب
الأبناء فيه حرص على تربيتهم وإطعامهم وكسوتهم ، وهكذا في
كل ما تحتويه النفس البشرية من مطامح ومطامع وحبٍ وحرص
على ملذاتها .
وهنا يقع الحد الفاصل بين استواء هذه الشهوات وضبطها بما
يحقق الهدف منها ، وبين إطلاقها بدون قيد وشرط ، وبين تلك
الحالتين تكون مواضع الإنسانية والحيوانية .
ولأجل ذلك كانت حاجة الإنسان لشارع يشرع له ما يضبط غرائزه
بحيث تصب في مصلحته القريبة والبعيدة ، وبما أن الإنسان هو
صاحب المشكلة فلم يكن من الممكن أن يضع القوانين لنفسه
لأنه بالتأكيد ستتحكم به غرائزه وشهواته في عملية تشريع
القوانين والأحكام .
فكان تشريع من الخلاق العليم الذي لايطمع بمالٍ وهو يملك
كل شيء ، و لاتتحكم به غريزة سبحانه وتعالى ولا يستدعيه
منصب ولا يفرق بين أحد فكل الخلق خلقه وهم عبيده ، وله
أمرهم جميعا .
لذلك لنعلم أن الحكيم الخبير شرع لنا خيرا حتى فيما نكره مما
يقع ، فقد قصر علمنا عن الحكمة فيه وما أبصرنا سوى مفردات
الحدث البسيطة وكان همنا كله في أنفسنا وفاتنا أن الله سبحانه
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض .
فلا تحب لهواك ، لأنك ستخطىء ، ولا تكره له لأنك ستظلم ولا
تعطي ولا تمنع له ، ولكن اجعل كل أمرك لله .
له ... وفيه .... وعليه ... ومنه
وسيكون هو حسبك .. وناصرك بأسباب النصر التي غابت عن
شهودك ، وشهدها بل وسببها الذي لا يغفل ولا ينام ولا يسهو
ولا ينسى سبحانه وتعالى .
فاجعل هواك موافقا لأمر الله وفي طاعته ، فيكون أمرك سديدا
وعيشك رغيدا وحياتك هناءً ، لأنك حينها ستترك أمرك كله بيد
الخبير الحكيم والمدبر الرحيم الذي لن يضيعك .
وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين