العنوان
الجيولوجي
.
تميزت جهود العلماء العرب والمسلمين الأوائل في شتى العلوم عامة وعلوم الأرض (الجيولوجيا) خاصة باتساع الأفق والمعرفة، وبُنيت وقامت على المنطق والدقة في سبيل الحصول على المعلومات.
وكان تناولهم لهذا العلم في بادئ الأمر نظرياً ولغوياً بحتًا، وما لبث أن قام على التجربة لاستخراج الحقائق العلمية. ولعل أول أثر مسجل لعلوم الأرض لدى العرب هو ما تحتويه المعاجم وكتب اللغة التي تزخر بمفردات هذا العلم كالصِّحاح للجوهري، والقاموس للفيروزأبادي، والمخصَّص لابن سيده، وكتب الرحلات والبلدان والكتب التي درست الجواهر؛ ومنها صفة جزيرة العرب للهمداني (ت 334هـ، 945م). ثم نجد حدود هذا العلم واضحة المعالم لدى العلماء الذين تناولوه أمثال: الكندي، والرازي، والفارابي، والمسعودي، وإخوان الصّفا، والمقدسي،والبيروني، وابن سينا، والإدريسي، وياقوت الحموي، والقزويني. لقد قدم هؤلاء العلماء نظريات عديدة عن الزلازل، وأسباب حدوثها، وعن المعادن والصخور، وأفاضوا في تعريف الصخور الرسوبية والتحجر فيها، والتحولات البعدية لها. وكتبوا عن النيازك، ووقفوا على طبيعتها وأصلها، وقسموها إلى نوعيْن: حجري وحديدي، ووصفوا هيئاتها ومن أهمها النيازك الجاورسية (الحُبَيْبيَّة). وتحدثوا عن ارتفاع درجة حرارة باطن الأرض، وقالوا بكروية الأرض، وبدورانها حول محورها. كما قاس العلماء المسلمون في عهد المأمون محيط الأرض وقطرها، وكان قياسهم قريبًا لما قرره العلم الحديث. وأضاف هؤلاء العلماء إضافات قيمة إلى نظرية نشوء الزلازل لأرسطو طاليس.كما كان لهم الفضل بالخروج بنظرية تكون الجبال الانكسارية والالتوائية وغيرها، وكذلك تأثير عوامل التعرية في الجبال والأنهار.
قدّم العلماء المسلمون دراسات قيمة عن الجيولوجيا الطبيعية والتاريخية. وقد برهنت هذه الدراسات على أن أكمل صورة من صور الماء في الطبيعة هي تلك التي وصفها العلماء المسلمون في مصنفاتهم، ونجد آراءهم في تكون الأنهار علمية محضة، ونجد ذلك بجلاء، في رسائل إخوان الصفا، وعند ابن سينا في النجاة، وفي عجائب المخلوقات للقزويني، كما أن علم البلورات عرف بدايته على يد البيروني في الجماهر في معرفة الجواهر، ونما على يد القزويني في العجائب ولم يسبقهما أحد إلى ملاحظاتهما الدقيقة الواردة في كتابيهما هذين. وتناول العلماء المسلمون مايمكن أن نطلق عليه علم زيت الأرض وهو فرع من فروع الجيولوجيا التطبيقية؛ فقد ميزوا بين نوعين من النفط واستعملوهما، وتحدثوا عن التنقيب، وقدموا نماذج للتنقيب غير المباشر. واهتم عدد غير قليل من العلماء المسلمين الأوائل بدراسة شكل الأرض، وتوزيع اليابسة والماء، ووصف تضاريس سطح الأرض، والعوامل الخارجية التي تتسبب في تشكيلها مثل الأنهار والبحار والرياح، والعواصف البحرية. ولم يغب عن بالهم دراسة العوامل المؤثرة في قشرة الأرض من داخلها؛ كالبراكين والزلازل والخسوف الأرضية. كما تناولوا تبادل الأماكن بين اليابسة والماء، والمدة الزمنية التي يستغرقها هذا التبادل، كذلك تطور الأنهار من الشباب إلى الهرم ثم الموت.
ارتبطت الجيولوجيا عند المسلمين بعلوم أخرى كثيرة ساعدت في نموها، وكان هذا دأب العلماء آنذاك؛ فلم يكن هناك التخصص الدقيق، بل كانت هناك المعرفة الموسوعية الشاملة. فقد كانت الجيولوجيا على صلة وثيقة بالمتيورولوجيا (علم الأرصاد الجوية) والجغرافيا والملاحة وعلم البحار. فعلى سبيل المثال، نجد أن ابن سينا يتناول المعادن والمتيورولوجيا في رسالة المعادن والآثار العلوية في كتاب الشفاء. والنويري (ت 732هـ، 1332م) يتناول الجيولوجيا مع المتيورولوجيا في كتابه نهاية الأرب. بينما نجد أن للجغرافيا وتقويم البلدان علاقة حميمة بالجيولوجيا الطبيعية؛ فالمحيطات ومياه الأنهار والبحيرات والجُزُر كلها مما يتناول في الجغرافيا والجيولوجيا ولكن باختلاف. وخير دليل على ذلك مروج الذهب للمسعودي الذي يعالج قضايا جيولوجية جنبًا إلى جنب مع قضايا جغرافية.
الزلازل. اهتم العلماء المسلمون بدراسة الزلازل وتسجيل تواريخ حدوثها وأماكنها، وأنواعها، وما تخلّفه من دمار، ودرجات قوتها، وحركة الصخور الناتجة عنها، ومضارها ومنافعها. وحاول بعضهم التخفيف من أخطارها. وتناول ذلك كل من ابن سينا في الشفاء وإخوان الصفا في الرسائل، والقزويني الذي تأثر بإخوان الصفا في عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات
، وكان لكل منهم رأيه الواضح في هذا الصدد.
رأي ابن سينا. أدلى ابن سينا برأيه في الزلازل في الجزء الخاص بالمعادن والآثار العلوية في موسوعته الشفاء. وفي رأيه أنها تحدث لأسباب داخلية نتيجة لاضطراب جزء من باطن الأرض فيحرك ما علاه وهكذا دواليك، ويتحدث عما يصاحب الزلازل من نتائج لاحقة. ويقسم هذه الزلازل إلى أنواع منها المستقيم والمائل والعرضي. فالزلزلة عنده ¸حركة تعرض لجزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته، ولا محالة أن ذلك السبب يعرض له أن يتحرك، ثم يحرك ما فوقه. والجسم الذي يمكن أن يتحرك تحت الأرض، ويحرك الأرض إما جسم بُخاري دخاني قوي الاندفاع كالريح (الغازات)، وإما جسم مائي سيّال (سائل) وإما جسم ناري، وإما جسم أرضي. والجسم الناري لا يحدث تحت الأرض؛ وهو نار صرفة، بل يكون لا محالة في حكم الدخان القوي، وفي حكم الريح المشتعلة. والجسم الأرضي لا تعرض له الحركة أيضًا إلا لسبب مثل السبب الذي عرض لهذا الجسم الأرضي، فيكون السبب الأول الفاعل للزلزلة ذلك. فأما الجسم الريحي، ناريًا كان أو غير ناري، فإنه يجب أن يكون هو المنبعث تحت الأرض، الموجب لتمويج الأرض في أكثر الأمر... فإذا كان سبب الزلزلة قويًا جدًا خسف الأرض باندفاعه وخروجه. وربما خلف نارًا محرقة، وربما حدثت أصوات هائلة، ودوي يدل على شدة الريح. فإن وجدت هذه الريح المصوتة منفذًا واسعًا بعد المنفذ الذي تصوت فيه حدث عن اندفاعها صوت ولم تزلزل... إن أكثر أسباب الزلزلة هي الرياح المحتقنة، وإن البلاد التي تكثر فيها الزلزلة إذا حفرت فيها آبار وقنوات كثيرة حتى كثرت مخالص الريح والأبخرة قلّت بها الزلازل، وأكثر ما تكون الزلازل إنما تكون عند فقدان الرياح؛ لأن مواد الرياح يعرض لها الاحتباس... وأكثر ما تكون الزلزلة في بلاد متخلخلة غور الأرض متكاتفة وجهها، أو مغمورة الوجه بالماء. ومن أهم منافع الزلازل تفتيح مسام الأرض للعيون... ومنها ما يكون على الاستقامة إلى فوق، ومنها ما يكون مع ميل إلى جهة،لم تكن جهات الزلزلة متفقة؛ بل كان من الزلازل رجفية (رأسية)، ما يتخيل معها أن الأرض تقذف إلى فوق، ومنها ما تكون اختلاجية (أفقية) عرضية رعشية، ومنها ما تكون مائلة إلى القطرين كليهما ويسمى القطقط، وما كان منه مع ذهابه في العرض يذهب في الارتفاع أيضًا يسمى سلميًا·.
معظم ما ورد من آراء لابن سينا في هذا النص يتماشى والعلم الحديث، وقليل منه لم يوافق ما جاءت به النظريات الحديثة. فالعلم الحديث يؤكد على أن خسف الأرض الملازم أحيانًا للهزات الأرضية ويسمى الهبوط يكون بسبب خروج الحمم البركانية، أو لوجود تخلخلات تحت قشرة الأرض في المناطق التي تكثر فيها الترسبات الكلسية، وعقب الهزة الأرضية يهبط مستوى سطح الأرض، أو يحدث انجراف أرضي أثناء حدوث الزلازل. وتكون الأصوات الهائلة التي أشار إليها نتيجة لحركة الصخور والانجرافات الأرضية، وتحرك الغازات والأبخرة في باطن الأرض. لكن العلم الحديث لا يوافق رأي ابن سينا فيما يختص بانخفاض عدد الزلازل في المناطق التي تحفر فيها الآبار وتشق فيها القنوات؛ فغالبًا ما يكون مركز انطلاق هذه الزلازل بعيدًا جدًا. فهي تحدث في باطن الأرض في أعماق تتراوح بين 40 و350 ميلاً. فأما ماذكره من تفتح عيون الماء عقب وقوع الزلازل فأمر يثبته العلم والتجربة.
رأي إخوان الصفا. يعزو إخوان الصفا الزلازل إلى الغازات التي تحدث من جراء ارتفاع درجة حرارة باطن الأرض. فتخرج من المنافذ إذا كانت الأرض في تلك البقعة متخلخلة، وإذا انصدعت الأرض تخرج هذه الغازات وينخسف مكانها، ويسمع لها دوي وزلزلة. ومن هذا القبيل يجري رأيهم في أن ¸الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زمانًا، وإذا حمي باطن الأرض وجوف تلك الجبال سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخارًا، وارتفعت وطلبت مكانًا أوسع. فإذا كانت الأرض كثيرة التخلخل تحللت وخرجت تلك الأبخرة من تلك المنافذ، وإن كان ظاهر الأرض شديد التكاتف حصينًا، منعها من الخروج وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج. وربما انشقت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويُسمع لها دوي وهدّة وزلزلة. وإن لم تجد لها مخرجًا بقيت هناك محتبسة، وتدوم تلك الزلزلة إلى أن يبرد جو تلك المغارات والأهوية ويغلظ·.
رأي القزويني. يرى القزويني في كتابه عجائب المخلوقات أن الزلازل تحدث من جراء خروج المواد المنصهرة من جوف الأرض؛ وهذا نوع من الزلازل يحدث غالبًا قبل الانفجارات البركانية. والقزويني في ذلك متأثر بمن سبقوه كإخوان الصفا. فعنده ¸أن الأدخنة والأبخرة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلبًا، ولا يكون فيها منافذ ومسام؛ فالبخارات إذا قصدت الصعود ولا تجد المسام والمنافذ تهتز منها بقاع الأرض وتضطرب إلى أن تخرج تلك المواد؛ فإذا أخرجت يسكن. وهذه حركات بقاع الأرض بالزلازل؛ فربما يشق ظاهر الأرض، وتخرج من الشق تلك المواد المحتبسة دفعة واحدة·. بل إن القزويني يعزو ارتفاع بعض الجبال إلى حدوث الزلازل التي تعمل على انخفاض بعض المناطق وارتفاع بعضها. فيقول: ¸إن سبب ارتفاع الجبال يمكن أن يكون زلزلة فيها خسف فينخفض بعض الأرض ويرتفع بعضها، ثم المرتفع يصير حجرًا، وجاز أن يكون بسبب الرياح التي تنقل التراب فتحدث التلال والوهاد·.
المعادن والصخور. عرف العرب المعادن والأحجار الكريمة، وكانت كلمة المعدن في أول الأمر تعني لديهم المنجم. وأول من استخدم الكلمة لتدل على المعنيين هو القزويني في عجائب المخلوقات. وتناول العلماء المسلمون أيضًا تكوين الصخور الرسوبية، وتكوين أسطحها، ورواسب الأودية، وعلاقة البحر بالأرض والأرض بالبحر، وما ينشأ عن هذه العلاقة من تكوينات صخرية أو عوامل تعرية.
المعادن. تحدث العلماء المسلمون عن المعادن والأحجار، وعرفوا خواصها الطبيعية والكيميائية، وصنفوها ووصفوها وصفًا علمياً دقيقًا، كما عرفوا أماكن وجود كل منها. واهتموا بالتمييز بين جيّدها ورديئها. ولعل عطارد بن محمد الحاسب (ت 206هـ، 821م) كان أول من ألّف كتابًا في الأحجار باللغة العربية. وهذا الكتاب هو كتاب منافع الأحجار، وفيه ذكر أنواع الجواهر والأحجار الكريمة ودرس خواص كل منها. وقد ذكر الرازي هذا المؤلَّف في كتابه الحاوي. وهناك من العلماء من يعزو كتاب الأحجار لأرسطو إلى أصل سوري أو فارسي، وكتبت النسخة بالعربية منه في أخريات القرن الثاني الهجري، وعلى الرغم من قلة المادة العلمية فيه، إلا أنها تعكس آراء المسلمين عن المعادن في ذلك الوقت.
لعلَّ أقدم نص احتوى على أسماء الجواهر التي تعدن من الأرض، هو ما جاء في أمالي الإمام جعفر بن محمد المسماة التوحيد، نذكر منها الجص (أكسيد الكالسيوم)، والكلس (كربونات الكالسيوم) والمرتك (أكسيد الرصاص)، والذهب، والفضة، والياقوت، والزمرد، والقار، والكبريت، والنفط. ثم جاء جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق ليضيف بعض الجواهر والمعادن مثل الأسرب (نوع من الرصاص)، والمرقيشيا والياقوت الأحمر. وأضاف إخوان الصفا 31 جوهرًا جديدًا منها: الطاليقوني، والإسرنج، والزاجات، والشبوب، وبواسق الخبز والعقيق والجزع. ثم أضاف البيروني الزفت واليشم والخارصين. وبالجملة نجد أنهم عرفوا من المعادن حتى عصر البيروني نحوًا من 88 جوهرًا مختلفًا مما يستخرج من الأرض.
كان الكندي أيضًا من رواد علوم الأرض، واهتم بالمعادن والأحجار. وعلى الرغم من أن له آثارًا مكتوبة إلا أنه لايوجد منها شيء الآن. وما وصل منها نقل من خلال كتب البيروني في الجماهر في الجواهر، والتيفاشي في أزهار الأفكار في جواهر الأحجار، وابن الأكفاني في تحف الذخائر في أحوال الجواهر. فقد نقل هؤلاء وغيرهم عن الكندي كثيرًا، وأشاروا إلى آرائه في المعادن والجواهر في مصنفاتهم المذكورة. ومن أمثلة ما نقله البيروني قوله: ¸ولم يقع إليّ من فن المستعدنات غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في الجواهر والأشباه؛ قد أفرغ فيها عذرته وظهر ذروته، كاختراع البدائع في كل ما وصلت إليه يده من سائر الفنون فهو إمام المجتهدين وأسوة الباقين·.
أما ابن سينا فقد ذكر في الشفاء أن الأحجار يعود تكونها إلى أسباب ثلاثة؛ فهي إما أن تتكون من الطين بالجفاف أو من الماء بالبخار أو الترسيب، وقسَّم المواد المعدنية إلى أحجار، وكباريت، وأملاح، وذائبات. ويعد بعض مؤرخي العلوم ابن سينا على أنه مؤسس علم الجيولوجيا عند العرب. وقد تناول ابن سينا الفلزات وطريقة تكوينها، وذكر كماً كبيرًا من المعادن، وميزات كل منها واحتفاظها بخصائصها الطبيعية وأن لكل منها تركيبًا خاصاً لا يمكن أن يتغير بطرق التحويل المعروفة، وإنما المستطاع هو تغيير ظاهري في شكل الفلز وصورته. وكان الجزء الخاص بالمعادن والآثار العلوية في كتاب الشفاء مُنْطَلقًا لعلوم الأرض حتى في أوروبا. فقد ترجم ألفرد سيريشل المادة الخاصة بالمعادن في هذا الجزء عام 1200م ونسبه إلى أرسطو، إلا أن هولميارد وماندرفيل اكتشفا خطأه عام 1927م بعد أن قدّما البراهين على ذلك. واعترف ليوناردو دافينشي أنه استقى معلوماته عن الأحجار والأحافير من الكتب المشهورة لابن سينا.
تحدث العلماء العرب والمسلمون عن الأشكال الطبيعية للمعادن، كما توجد في الطبيعة، كما تحدثوا عما يطرأ على خصائصها من تغير فيزيائي لعوامل خارجية. فقد ذكروا أن بعض المعادن تتخذ أشكالاً هندسية طبيعية خاصة بها، ولا دخل للإنسان في تشكيلها، ولربما كان ذلك إرهاصًا لما نسميه اليوم بعلم البلورات. فقد وصف البيروني بعضها متناولاً تناسق أسطحها وهندسية أشكالها. ويقول معبرًا عن ذلك بأن أشكال الماس ذاتية، مخروطية مضلّعة، ومنها ما يتكون من مثلثات مركبة كالأشكال المعروفة بالنارية، متلاصقة القواعد، ومنها ما يكون على هيئة الشكل الهرمي المزدوج. ويبدو أن دراسة البلورات قد اتسعت رويدًا رويدًا بمرور الزمن بحيث نجد أن القزويني بعد مضي نحو من 240 سنة يصف بلورات الألماس المثلثة وصفًا فيه الكثير من الدقة؛ فيصفه بأن جميع أقطاعه مثلثة، وأن حجر السون أملس مخمس إذا كسر قطعًا تكون جميع أقطاعه مخمسة. وابن الأكفاني (ت 749هـ، 1348م) يصف الزمرد بأن أكثر ما يظهر منه خرز مستطيل ذو خمسة أسطح تسمى الأقصاب. ووصفوا الأحجار بظلال الألوان فقسموا الياقوت إلى أبيض، وأصفر، وأحمر، وأكهب (أزرق). ويتفرع الأكهب إلى طاووسي، وإسمانجوني، ونيلي، وأحور، وكحلي، ونفطي. أما الأحمر فرماني، وبهرماني، وأرجواني، ولحمي، وجلناري، ووردي. كما عرفوا البريق واللمعان وانعكاس الضوء في خصائص بعض الأحجار، وحددوا الصلابة؛ فالياقوت عند البيروني يغلب بصلابته ما دونه من الأحجار، لكن الألماس (الماس) يغلبه.كما عرف العرب التشقق، وسَمُّوا الشقوق الرفيعة في الأحجار الشعيرات، وعرفوا الثقل النوعي وأجروا الاختبارات الكيميائية على المعادن والجواهر، وعالجوا بعضًا منها بالأحماض كما ورد سابقًا عند الحديث عن الكيمياء.
اهتم العرب والمسلمون باستغلال المعادن والأحجار الكريمة بنفس القدر الذي أولوه لدراستها. وتكلم المؤلفون عن المناجم والمحاجر التي يستخرج منها الذهب والزمرد وغيرهما. كما عرفوا بعض أماكن توافر النفط واستغلوه في أعمالهم. وقد كانت لصياغة الحُلي والأحجار الكريمة في عهد العباسيين منزلة كبيرة، فكان الذهب والفضة والزمرد وأنواع الياقوت واللازورد والآزوريت واللؤلؤ يجلب من خراسان وإيران والبحرين ونيسابور وصنعاء ولبنان والهند وسيلان والسودان. ومن الأسماء التي اشتهرت بالخبرة في التعدين في أواخر الدولة الأموية والدولة العباسية: عون العبادي، وأيوب البصري، وبشر بن شاذان، وصباح جدّ يعقوب بن إسحاق الكندي، وأبو عبدالله بن الجصاص، وابن البهلول وغيرهم كثيرون.
عرف العرب نوعين من النفط، النفط الأسود، والنفط الأبيض؛ فالنفط كما يقول القزويني ¸يطفو على الماء في منابع المياه، منه أسود ومنه أبيض، وقد يصّاعد الأسود بالقَرْع والأنبيق فيصير أبيض وينفع من الأوجاع. وقد وجد ابن جبير في العراق في رحلته الأولى بقعة من الأرض سوداء كأنها سحابة مليئة بالعيون الكبيرة والصغيرة التي تنبع بالقار، وربما يقذف بعضها بحباب منه كأنها الغليان، وتصنع لها أحواض ليجتمع فيها فتراه يشبه الصلصال أسود أملس صقيلاً، واستخدمه أهل بغداد في طلاء جدران الحمامات.
الصخور. كانت للعلماء المسلمين نظريات عديدة عن أصل الصخور، وكيفية تكونها، وخصوا بالذكر الصخور الرسوبية، وتعاقب الطبقات بعضها فوق بعض وتحدثوا عن النيازك واقترحوا لها تسميات فئوية.
تتكون الصخور في رأي ابن سينا من الطين أو الماء أو النار؛ لأن ¸كثيرًا من الأحجار يتكون من الجوهر الغالب فيه الأرضية، وكثير منها يتكون من الجوهر الذي تغلب عليه المائية؛ فكثير من الطين يجف ويستحيل أولا شيئًا بين الحجر والطين، وهو حجر رخو، ثم يستحيل حجرًا، وأولى الطينيات ما كان لزجًا، فإن لم يكن لزجًا فإنه يتفتت في أكثر الأمر قبل أن يتحجر... ويجوز أن ينكشف البر عن البحر، وكل بعد طبقة. وقد يرى بعض الجبال كأنه منضود (متراص) سافًا فسافًا (صفًا صفًا)؛ فيشبه أن يكون ذلك قد كانت طينتها في وقت ما كذلك سافًا فسافًا، بأن كان سافًا ارتكم أولاً، ثم حدث بعده في مدة أخرى ساف آخر فارتكم. وكان قد سال على كل ساف جسم من خلاف جوهره، فصار حائلاً بينه وبين الساف الآخر. فلما تحجرت المادة عرض للحائل أن انشق وانتثر عما بين السافين. وأن حائلاً من أرض البحر قد تكون طينته رسوبية، وقد تكون طينته قديمة ليست رسوبية، ويشبه أن يكون ما يعرض له انفصال الأرهاص (الصخور) من الجبال رسوبيّاً·.
يتضح من آراء ابن سينا أن لها نظائر في علم الجيولوجيا الحديث. فقوله إن نوعًا من الصخور يتكون من جراء الطين الذي يستحيل في مرحلة من المراحل إلى صخر أمر يثبته العلم الحديث؛ فبعض الصخور الرسوبية تتكون من الطين الذي يتصلب فينتج عنه ما يطلق عليه الطفال. أما نظريته في أن الترسيب قد يستغرق مدّة زمنية طويلة، يحدث بعدها ساف آخر يتراكم على الأول وهكذا دواليك، تجعلنا نقول مطمئنين إنه كان أول من أشار إلى قانون تعاقب الطبقات. ولم يفت ابن سينا أن يتحدث عن رواسب الأودية التي تحدث من جرّاء السيول. وتكوُّن الصخور من الماء ومن النار إذا طفئت. وقد أثبت العلم الحديث أن هناك صخورًا رسوبية تتكون نتيجة لتفاعلات كيميائية تتم داخل المياه، أو نتيجة للتبخر العالي الذي يؤدي إلى تكوّن رواسب التبخر. أما تكوّنها من النار فيكون فيما يُسمى الصخور النارية التي تتكون من آثار الحمم البركانية التي إذا خمدت وبردت أصبحت نوعًا من الصخور البركانية. ويقسم ابن سينا النيازك إلى نوعين: حجري و حديدي، وهو نفس التقسيم المتبع في الوقت الراهن.
آراء آخرين. وردت إشارات كثيرة في وصف أنواع من الصخور في كتابات جابر بن حيان والبيروني والتيفاشي وغيرهم. وبعض الأحجار التي تكلموا عنها ما هي إلا الصخور في لغة علم الجيولوجيا الحديث؛ فجابر بن حيّان يقسم الصخور إلى ثلاثة أقسام: ¸قسم أوّل كالخلق الأول من الحجارة... وقسم ثان منفصل من الحجر الأول... وقسم ثالث هو الحجر المكوّن لنا بقصد...· ولعل هذا أول تلميح للتقسيم الحالي لما يُسمى الصخور النارية والصخور الرسوبية والصخور المتحركة.
وعلى الرغم من أن الجاحظ لم يكن ذا باع في هذا العلم، إلا أنه أشار إلى تكون الصخور الرسوبية في كتاب التربيع والتدوير؛ فيقول: ¸ومنذ كم ظهرت الجبال ونضب الماء، وأين تراب هذه الأودية؟ وأين طين ما بين سفوح الجبال إلى أعاليها؟ في أي بحر كُبست؟ وأي هبطة أشحنت؟ وكم نشأ لذلك من أرض...؟·.
أما البيروني فيقول في الجماهر: ¸وأظن أن حبات الرمل جواهر (معادن) شتى إذا تؤملت رؤي فيها الأسود والأحمر والأبيض والمشف البلوري·؛ وبالطبع فرمال البحار وما شاكلها تتكون من الكوارتز (المرو) في معظمها وتختلط بها نسب متفاوتة من المعادن الأخرى ذات الألوان المختلفة. وتحدث البيروني في كتابه تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن عن التغيرات الجيولوجية التي ينتج عنها انتقال العمران من موضع إلى آخر، ومنها انحسار البحار عن مواضع وظهور اليابسة مكانها، وطغيانها على مواضع مأهولة فتتحول إلى بحار، ويدلل على رأيه بوجود آثار البحار في المناطق اليابسة وذلك عند حفر الآبار والحياض؛ فإن حجارتها تشتمل على أصداف وقواقع على حالها أو بالية تشَكّل باطن الحجر بشكلها.
البحار والمد والجزر. تناول العلماء العرب والمسلمون جيولوجيا البحار والأنهار في مؤلفاتهم الجغرافية أكثر من غيرها. فقد أفردوا أبوابًا في مصنفاتهم الجغرافية تناولوا فيها أسماء البحار ومواقعها والبلدان التي تطل عليها، وتحدثوا عن أماكن من اليابسة كانت بحارًا وأنهارًا، وأماكن تغطيها البحار كانت معمورة بالسكان فيما مضى، كما خلفوا مؤلفات عديدة في علم الملاحة. وظاهرة المد والجزر كان يعتمد عليها ربابنة السفن في رحلاتهم البحرية والنهرية. ومن بين العلماء الذين كانت لهم آراء متفردة في هذا الشأن الكندي والمسعودي والبيروني والإدريسي والدمشقي وغيرهم.
البحار. لا يكاد يخلو كتاب من الكتب التي تناولت ذكر البلدان أو الأقاليم من ذكر البحار والأنهار؛ فالمسعودي في أخبار الزمان يتحدث بإسهاب عن تكون البحار وعللها، وآراء من سبقه فيها. كما أورد في مروج الذهب جملة من المناقشات الجيولوجية ضمَّنها الحديث عن البحار، والأنهار،والمد والجزْر، كما أورد فصلاً كاملاً عن البحار سّماه ذكر الأخبار عن انتقال البحار. وقد سموا البحار بأسماء أقرب البلدان لها. من ذلك أن أبا جعفر الخوارزمي يقسم البحار في كتابه صورة الأرض وفق البلاد التي تجاورها أو تطل عليها؛ ومن أمثلة ذلك البحر المغربي، والبحر المصري، وبحر الشام، وبحر الهند، وبحر الصين. أما ابن رستة فيقسمها في الأعلاق النفيسة أيضًا إلى بحر الهند وفارس والصين (المحيط الهندي)، وبحر الروم وإفريقيا الشمالية (البحر الأبيض المتوسط)، وبحر طبرستان وجرجان (قزوين). ويذكر المقدسي أبعاد هذه البحار وأهم ما فيها من جزر، ومواضع الخطر فيها، كما يتناول ظاهرة المد والجزر ويحاول تفسيرها.
عرف العرب مدى اتساع المسطحات المائية وعظم حجمها إذا قورنت باليابسة، كما عرفوا أن التشكيلات التضاريسية المتنوعة تمنع الماء من أن يغمر وجه الأرض؛ فيقول ياقوت الحموي في هذا الصدد: ¸لولا هذا التضريس لأحاط بها (الأرض) الماء من جميع الجوانب وغمرها حتى لم يكن يظهر منها شيء. أما نسبة توزيع اليابسة إلى الماء فقد جاءت واضحة عند أبي الفداء في تقويم البلدان بأن النسبة التي تغطيها المياه من سطح الكرة الأرضية تبلغ 75% منها ¸فالقدر المكشوف من الأرض هو بالتقريب ربعها، أما ثلاثة أرباع الأرض الباقية فمغمور بالبحار·.
تناول العلماء المسلمون خصائص مياه البحار، وعزوا السبب في ملوحة مياهها إلى كثرة البخر، وإذابة الأملاح من الأرض وهذا من شأنه ارتفاع درجة كثافة الماء. وعزوا الحكمة في كون ماء البحر ملحًا؛ حتى لا ينتن فتتعفن الكائنات التي تسكنه. فابن الوردي يقول في خريدة العجائب وفريدة الغرائب: ¸والحكمة في كون ماء البحر ملحًا أجاجًا لا يذاق ولا يساغ لئلا ينتن (يتعفَّن) من تقادم الدهور والأزمان. واختلفوا في ملوحة البحر؛ فزعم قوم أنه لما طال مكثه وألحّت الشمس عليه بالإحراق صار مُرّاً، واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو بقية ما صنعته الأرض من الرطوبة فغلظ لذلك·. ويذهب الدمشقي إلى رأي قريب من رأي أبي الفداء في كتابه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ¸… زعم قوم أن أصل الماء العذوبة واللطافة، وإنما لطول مكثه جذبت الأرض ما فيه من العذوبة لملوحتها، وجذبت الشمس ما فيه من اللطافة بحرارتها فاستحال إلى الغلظ والملوحة·.
للعرب فضل كبير في استحداث أو تطوير بعض الآلات التي تعد من ضرورات أدوات الملاحة، من ذلك الأسطرلاب. انظر: الأسطرلاب. وهو أداة لرصد النجوم للاهتداء بها في عرض البحار ليلاً، وكذلك بيت الإبرة (البوصلة)، بالإضافة إلى الجداول الفلكية التي يُهتدى بها في السير في البر والبحر، وقد وصفها إبراهيم الفزاري، وابن يونس المصري، والزرقاني، والبيروني وغيرهم.
المد والجزر. تناول العلماء العرب ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار، وأفضل مواسم الملاحة. وعللوا هذه الظاهرة وارتباطها بالقمر؛ فالبيروني يقول إن خاصة الناس يعرفون هذه الظاهرة ¸في اليوم بطلوع القمر وغروبه، وفي الشهر بزيادة نوره ونقصانه·، وقد تناول القزويني ظاهرة المد والجزر وعزاها أيضًا إلى القمر فإن ¸القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد قليلاً من القمر، ولايزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع إذا صار هناك انتهى المد منتهاه، فإذا انحطّ القمر من وسط سمائه جزر الماء، ولايزال كذلك راجعًا إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع، ابتدأ المدّ مرة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر في ذلك البحر. مدّان وجزران·.
التضاريس. تناول العلماء المسلمون والعرب الجيومورفولوجيا بشقيها النظري والعملي، وقد توصلوا في ذلك إلى حقائق تتفق مع العلم الحديث. من ذلك أثر العامل الزمني في العمليات الجيومورفولوجية، وأثر الدورتيْن الصخرية والفلكية في تبادل اليابسة والماء، وكذلك أثر كل من المياه والرياح والمناخ عامة في التعرية. ويعد البيروني أفضل من تناول هذا الجانب. ويتضح ذلك في تعليله لكيفية تكوّن أحد السهول في الهند ¸فقد كان في مكان هذا السهل حوض بحري طمرته الترسبات حتى سوت منه سهلاً·، كما لاحظ الترسبات النهرية، خاصة كلما قرب النهر من المصب فإن التكوينات تكون ذات حجم كبير عند المنبع عند أول النهر وتأخذ في الدقة والنعومة كلما قرب من المصب؛ ¸فالحجارة عظيمة بالقرب من الجبال وشدة جريان مياه الأنهار، وأصغر عند التباعد وفتور الجري، ورمالاً عند الركود والاقتراب من المغايض والبحر... (فما كانت) أرضهم إلا بحرًا في القديم قد انكبس بحمولات السيول·.
وأوضح المسعودي أيضًا دورة التبادل بين اليابسة والماء بأن المواضع الرطبة من الأرض لا تكون رطبة دائمًا إلى الأبد، ولا تكون اليابسة يابسة دائمًا، إذ يتغير هذا الوضع بانغمار اليابسة بالماء من الأنهار والبحار، أو العكس بأن تنحسر المياه أو تنقطع الأنهار عن اليابسة؛ لذا فإنه ¸ليس موضع البر أبدًا برًا، ولا موضع البحر أبدًا بحرًا؛ بل قد يكون براً حيث كان مرةً بحرًا، ويكون بحرًا حيث كان مرةً براً، وعلة ذلك الأنهار وبدؤها وجريها فإن لمواضع الأنهار شبابًا وهرمًا، وحياةً وموتًا ونشأة ونشورًا، كما يكون ذلك في الحيوان والنبات·.
أدلى إخوان الصفا بدلوهم في الجانب النظري في الجيومورفولوجيا؛ فأشاروا إلى تأثير عوامل التعرية والنحت في التضاريس. كما أكدوا حدوث عملية التبادل بين اليابسة والماء على مر العصور الجيولوجية وتكوّن السهول الرسوبية البحرية والجبال الالتوائية. فالجبال تعمل فيها عوامل التعرية من شمس وقمر ورياح وصواعق فتتصدع وتتحول إلى حجارة وحصى وصخور ورمال. وتجرف المياه هذه الحجارة والحصى وخلافها إلى الأودية والبحار فتراكمها أمواج البحار صفاً صفاً، ويتلبّد بعضها فوق بعض ويتماسك شيئًا فشيئًا فتأخذ هيئة التلال والجبال تمامًا كما يحدث للرمال والحصى في البراري والقفار. وكلما تراكمت هذه التلال والجبال زاد حجمها مما يؤدي إلى أن تأخذ حيزًا أكبر في الماء، فيرتفع الماء ويغمر مساحات من ساحل البحر أكبر. فلا يزال ذلك دأبه على مر الدهور حتى تصير مواضع البراري بحارًا، ومواضع البحار يبسًا وقفارًا. ثم تبدأ دورة أخرى بأن تتفتت هذه الجبال والتلال فتصير حجارة وحصى ورمالاً تحطها السيول والأمطار وتحملها إلى الأودية والأنهار والبحار، فتتراكم مرة أخرى عبر السنين وتنخفض الجبال الشامخة وتقصر حتى تستوي مع وجه الأرض. أما الطين والرمال التي جرفت من الجبال في اليابسة فتنبسط في قاع البحار وتتماسك فتكوّن على مر الزمن تلالاً وروابي وجبالاً. وينحسر الماء عنها رويدًا رويدًا حتى تنكشف فتصير جزائر وبراري، ويصير ما يبقى من الماء بين هذه التلال والجبال بحيرات وآجامًا وغدرانا، وبطول الزمن تنبت الأعشاب والأشجار وتصير صالحة لسكنى الحيوان والبشر.
كانت آراء ابن سينا في الجيومورفولوجيا أقرب الآراء للنظريات الحديثة في هذا الحقل. فهو على سبيل المثال يعزو تكوّن بعض الجبال إلى سببين: ذاتي (مباشر) وعرضي (غير مباشر)؛ فالذاتي يحدث عندما تدفع الزلازل القوية مساحات من الأرض وتحدث رابية من الروابي مباشرة. أما السبب العرضي فيحدث عندما تعمل الرياح النسافة أو المياه الحفّارة على تعرية أجزاء من الأرض دون أجزاء أخرى مجاورة لها؛ فتنخفض، من جراء عوامل التعرية، تلك الأجزاء وتبقى المناطق المجاورة لها مرتفعة. ثم تعمل السيول على تعميق مجاريها إلى أن تغور غورًا شديدًا وتبقى المناطق المجاورة شاهقة. وهذا ما نلاحظه تمامًا في بعض الجبال وما بينها من مجاري السيول والمسالك. أو قد يتكوّن بعضها خلال الفيضانات خاصة إذا كانت أجزاء من الأرض ترابية منخفضة ويكون بعضها لينًا وبعضها حجرياً؛ فتنحفر الأجزاء الترابية اللينة وتبقى الحجرية مرتفعة، ثم يظل هذا المجرى ينحفر على مر الزمن ويتسع ويبقى النتوء ليرتفع قليلاً بانخفاض ما حوله. وإذا تأمل الشخص في أكثر الجبال التي تتكون بهذه الطريقة سيرى "الانحفار الفاصل فيما بينها متولدًا من السيول، ولكن ذلك أمر إنما تم وكان في مدد كثيرة، فلم يبق لكل سيل أثره، بل يُرى الأقرب منها عهدًا. وأكثر الجبال إنما هي في طور الانرضاض والتفتت؛ وذلك لأن عهد نشوئها وتكوّنها إنما كان مع انكشاف المياه عنها يسيرًا يسيرًا. والآن فإنها في سلطان التفتت؛ إلا ما شاء الله من جبال إن كانت تتزايد بسبب مياه تتحجر فيها أو سيول تؤدي إليها طينًا كثيرًا فيتحجر فيها". ومن الواضح هنا أن ابن سينا قد سبق المحدثين بالإشارة إلى سببين من أسباب تكون الجبال وهي الحركات الأرضية الرافعة، وعوامل التعرية. كما لفت الأنظار إلى التراكمات الجيولوجية البطيئة التي تحدث بمضي الوقت وتعاقب السنين وآثارها الطويلة الأمد.
متفرقات جيولوجية. لم يكن علم الجيولوجيا علمًا قائمًا بذاته. لذا نجد كثيرًا من المعلومات الجيولوجية مبثوثة في كتب العلوم الطبيعية الأخرى كالفلك، والجغرافيا، والفيزياء والكيمياء. ومن بين ما تناوله العلماء المسلمون والعرب في هذه المصنفات آراء في الجيولوجيا والمتيورولوجيا (علم الأرصاد الجوية) والأحافير وكروية الأرض والبراكين وعلم المساحة ومعلومات جيولوجية أخرى متفرقة.
المتيورولوجيا. عرف العلماء العرب أمورًا مهمة من هذا العلم الذي أطلقوا عليه علم الآثار العلوية. يتناول هذا العلم الجو وظواهره ودرجات الحرارة والكثافة والرياح والسحب وهو ما يسمى بالأرصاد الجوية. وسبق اللغويون العلماء في ذكر الكثير من المصطلحات في هذا العلم. من قبيل ذلك أنهم قسموا درجات الحرارة المنخفضة إلى برد، وحر، وقر، وزمهرير، وصقعة (من الصقيع)، وصر، وأريز (البرد الشديد). وقسموا درجات الحرارة المرتفعة إلى حر، وحرور، وقيظ، وهاجرة، وفيْح. أما الرياح فقد قسموها وفق الاتجاهات التي تهب منها أو وفق صفاتها؛ فهناك الشمأل والشّمال والشامية وهي التي تهب من الشمال، والجنوب أو التيمن وتهب من جهة الجنوب، والصَّبا التي تهب من الشرق، والدبور التي تهب من دبر (خلف) الكعبة. والرياح الشمالية الشرقية الصبابية، والجنوبية الشرقية الأزيْب، والجنوبية الغربية الداجن، والشمالية الغربية الجرْيباء. وما كان حاراً منها سموه رياح السموم، والباردة الصرصر، والرياح الممطرة المعصرة، وغير الممطرة العقيم.
كما أطلقوا على السحاب أسماء تدل على أجزائه ومراحل تكوينه؛ من ذلك: الغمام والمزن، وهو الأبيض الممطر، والسحاب، والعارض، والديمة، والرباب. ومن أجزاء السحابة الهيدب وهو أسفلها، ويعلوه الكفاف، فالرحا وهو ما دار حول الوسط، والخنذيذ، وهو الطرف البعيد للسحابة، وأعلى السحاب سموه البواسق. وللماء الذي يهطل من السماء أو يتجمع بفعل تدني درجات الحرارة أسماء منها: القطر والندى والسَّدَى (ندى الليل) والضباب والطل والغيث والرذاذ والوابل والهاطل والهتون.
ابن سينا والمتيورولوجيا. تناول ابن سينا الكثير من الظواهر المتيورولوجية في موسوعته الشفاء في الجزء الخاص بالمعادن والآثار العلوية. فقد تكلم عن السحب والثلوج والطل والضباب والهالة وقوس قزح والنيازك والرياح وغير ذلك. فالسحاب ¸جوهر بخاري متكاثف طافٍ في الهواء… وهذا الجوهر البخاري كأنه متوسط بوجه ما بين الماء والهواء، فلا يخلو إما أن يكون ماء قد تحلل وتصعّد، أو يكون هواء قد تقبض واجتمع…· أما الطل فيتكون من ¸البخار اليومي المتباطئ الصعود القليل المادة إذا أصابه برد الليل وكثفه وعقد ماء ينزل نزولاً ثقيلاً في أجزاء صغار جدًا لا تحس بنزولها إلا عند اجتماع شيء يعتد به، فإن جمد كان صقيعًا·. أما الثلج الصقيع والبَرَد فيتكوّن لأن السحاب عندما يتكثف ¸يجتمع فيه حب القطر يجمد ولم تتخلق الحبات بحيث تحبس فينزل جامدًا، فيكون ذلك هو الثلج، ونظيره من البخار الفاعل للطل هو الصقيع، وأما إذا جمد بعدما صار ماء وصار حبًا كبارًا فهو البرد. والضباب من جوهر الغمام إلا أنه ليس له قوام السحاب، فما كان منه منحدرًا من العلو وخصوصًا عقيب الأمطار فإنه ينذر بالصحو، وما كان منه مبتدئًا من الأسفل متصعدًا إلى فوق ولا يتحلل فهو ينذر بالمطر·.
ذكر ابن سينا أيضًا الهالة التي تُرى حول القمر أو الشمس. وقال إنها تنشأ من جراء وجود بخار الماء في الجو (سحاب لطيف)، فإذا وقع عليه الشعاع تكونت الهالة. انظر: الهالة.
أما عن الرياح فيقول ابن سينا بوجود علاقة بينها وبين المطر، وأن العام الذي تكثر فيه الرياح يقل فيه المطر والعكس فيقول في ذلك ¸... وما يدل على أن مادة المطر الذي هو البخار الرطب، هو أنهما في أكثر الأمر يتمانعان، والسنة التي تكثر فيها الرياح تكون سنة جدب وقلة مطر، لكنه كثيرًا ما يتفق أن يعين المطر على حدوث الرياح تارة بأن يبل الأرض، فيعدها لأن يتصعّد منها دخان، فإن الرطوبة تعين على تحلل اليابس وتصعده، وتارة بما يبرد البخار الدخاني فيعطفه، كما أنه قد يسكنه بمنع حدوث البخار الدخاني وقهره. والريح أيضًا كثيرًا ما تعين على تولد المطر بأن تجمع السحاب، أو بأن تقبض برودة السحاب...·. أما البرق عنده ¸فيرى، والرعد يسمع. فإذا كان حدوثهما معًا رؤي البرق في الآن وتأخر سماع الرعد؛ لأن مدى البصر أبعد من مدى السمع·. وهذا ما يؤيده علم الفيزياء حالياً من أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت.
إخوان الصفا والمتيورولوجيا. تناول إخوان الصفا جوانب متفرقة من المتيورولوجيا؛ تحدثوا فيها عن الأمطار، والندى، والصقيع، والطل، والتكثف، وطبقات الجو العليا وأقسامها وجوانب أخرى يتقاسمها علم الجغرافيا مع المتيورولوجيا خاصة ما يتعلق منها بالمناخ. فالأمطار تحدث في رأيهم وفقًا لمراحل التصعيد والتكثف والتبريد تمامًا كما يقول العلم الحديث فإنه ¸إذا ارتفعت البخارات في الهواء ودافع الهواء إلى الجهات، ويكون تدافعه إلى جهة أكثر من جهة. ويكون من قدام له جبال شامخة مانعة، ومن فوق له برد الزمهرير له مانع. ومن أسفل مادة البخارين متصلة، فلا يزال البخاران يكثران ويغلظان في الهواء وتتداخل أجزاء البخارين بعضها في بعض حتى يسخن ويكون منها سحاب مؤلف متراكم. وكلما ارتفع السحاب بردت أجزاء البخارين، وانضمت أجزاء البخار الرطب بعضها إلى بعض، وصار ما كان دخانًا يابسًا ماء وأنداء، ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعض وتصير قَطْرًا بردًا، وتثقل فتهوي راجعة من العلو إلى السفل فتسمى حينئذ مطرًا. فإن كان صعود ذلك البخار الرطب بالليل والهواء شديد البرد، منع أن تصعد البخارات في الهواء، بل جمدها أول بأول وقربها من وجه الأرض فيصير من ذلك ندى وصقيع وطل. وإن ارتفعت تلك البخارات في الهواء قليلاً وعرض لها البرد صارت سحابًا رقيقًا. وإن كان البرد مفرطًا جمد القْطر الصغار في حلل الغيم، فكان من ذلك الجليد أو الثلج·.
قسم إخوان الصفا طبقات الهواء إلى ثلاث: الأثير؛ وهو أعلى طبقة وهو في غاية الحرارة، والزمهرير طبقة باردة في غاية البرودة، والنسيم؛ وهي الطبقة الهوائية التي تلي سطح الأرض، وهي مختلفة في اعتدال حرارتها. وعلى الرغم من تمييزهم لكل طبقة من تلك الطبقات، إلا أنهم قالوا إن هذه الطبقات قد يتداخل بعضها في بعض. وأكدوا على أن الهواء المحيط بالكرة الأرضية لا تأتيه الحرارة من الشمس مباشرة، بل يكتسبها من الأشعة التي تنعكس عليه من سطح الأرض والمياه.
الأحافير. تناول بعض العلماء العرب علم الأحافير في معرض تناولهم لعمر الأرض، وخلال استدلالهم من تحول البحر إلى مناطق يابسة. فالبيروني يستشهد في كتابه تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن على أن جزيرة العرب كانت مغمورة بالمياه فانحسرت عنها بتعاقب الحقب الجيولوجية، وأن من يحفر حياضًا أو آبارًا يجد بها أحجارًا إذا شقت خرج منها الصدف والودع. ¸فهذه بادية العرب كانت بحرًا فانكبس، حتى أنّ آثار ذلك ظاهرة عند حفر الآبار والحياض بها؛ فإنها تبدي أطباقًا من تراب ورمال ورضراض، ثم فيها من الخزف والزجاج والعظام ما يمتنع أن يُحمل على دفن قاصد إياها هناك، بل تخرج أحجارًا إذا كسرت كانت مشتملة على أصداف وودع وما يسمى آذان السمك؛ إما باقية فيها على حالها، وإما بالية قد تلاشت، وبقي مكانها خلاء فتشكَّل بشكلها·. وهنا يشير البيروني إلى المستحجرات وهي بقايا عضوية كاملة أو طوابعها التي تكون داخل الحجارة، ويستدل بذلك على أن بعض المناطق كانت تغطيها المياه ثم أصبحت ضمن اليابسة.
ومثل البيروني نجد أن المازيني في العقد السادس من القرن السادس الهجري يشير إلى العاج المتحجر الذي رآه بنفسه في حوض نهر الفولجا. وكان لابن سينا رأي شبيه برأي البيروني من حيث إن وجود المستحجرات الحيوانية المائية في منطقة يابسة دليل على أن تلك المنطقة كانت مغمورة بالمياه في حقبة زمنية قديمة. من ذلك ما جاء في الشفاء ¸... فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الأيام غير معمورة، بل مغمورة في البحار فتحجرت عامًا بعد الانكشاف قليلاً قليلاً ففي مدد لا تفي التأريخات بحفظ أطرافها، إما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر، والأولى أن يكون بعد الانكشاف، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر؛ إذ تكون طينتها لزجة. ولهذا ما يوجد في كثير من الأحجار، إذا كسرت أجزاء من الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها·. ويستطرد قائلاً ¸إن كان ما يحكى من تحجر حيوانات ونبات صحيحًا؛ فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجرة تحدث في بعض البقاع البحرية، أو تنفصل دفعة من الأرض في الزلازل والخسوف فتحجر ما تلقاه·.
كروية الأرض. هناك من الدلائل ما يشير إلى أن المسلمين قد عرفوا أن الأرض كروية منذ عهد المأمون (ت 218هـ،833م). فقد قام فريقان من علماء المسلمين بقياس محيط الأرض بأمر من المأمون، وتوصل الفريقان إلى أن طول المحيط 41248كم. و لعل أول من قال بكروية الأرض وكتب عنها صراحة هو الكندي. وقد أثبت ذلك بطريقة حسابية في رسالته العناصر والجرم الأقصى كرِّية الشكل. وكان ابن خرداذبه (ت 300هـ، 912م) ممن كتبوا في كروية الأرض في كتاب المسالك والممالك، واستعار لهيئة الأرض صورة المحة والبيضة، وكذلك الهمداني الذي قدم أدلّة كروية الأرض في كتاب صفة جزيرة العرب وكتاب الجوهرتين. ونجد إشارات أكثر وضوحًا لدى المسعودي في كتاب مروج الذهب وكتاب التنبيه والإشراف. انظر: الجغرافيا في هذه المقالة.
ومن العلماء المسلمين الذين قالوا بكروية الأرض المقدسي (ت 375هـ، 985م)، في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. وقد مثل لكروية الأرض في الفلك بصورة المحة في جوف البيضة أيضًا كما فعل ابن خرداذبه من قبل، وقسَّم دائرة الكرة الأرضية إلى 360 درجة. ولإخوان الصفا في كروية الأرض رأي واضح مباشر: ¸فالأرض جسم مدوَّر مثل الكرة، وهي واقفة في الهواء... ومركزها نقطة متوهمة في عمقها على نصف القطر، وبعدها من ظهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساوٍ لأن الأرض بجميع البحار التي على ظهرها كرة واحدة·. ومن العلماء المسلمين الذين قالوا بكروية الأرض أيضًا ابن سينا، والبيروني، وياقوت الحموي، والقزويني وأخيرًا ابن خلدون.
رواد الجيولوجيا وأهم مؤلفاتهم. لم يكن لعلم الجيولوجيا متخصصون قصروا أبحاثهم عليه كما كان عليه الحال في العلوم الطبيعية الأخرى، لكن جاءت هذه الأبحاث في ثنايا مصنفات جغرافية وفلكية وعمرانية وغيرها.
إسهام الكندي. كان فيلسوف العرب الكندي أول من بحث في موضوعات متفرقة من علم الجيولوجيا، فله رسائل في علة الرعد والبرق والثلج والبرد والصواعق والمطر، ورسالة في سبب وجود اللون اللازوردي في الجو، وله إسهامات في علم المتيورولوجيا لا يختلف كثير منها عما توصل إليه المحدثون. ومن رسائله ذات الصلة بهذا العلم رسالة في البحار والمد والجزر، وعلى الرغم من ورود بعض الأخطاء فيها، فإنها كانت أولى المحاولات للاعتماد على الملاحظة الشخصية، والتجربة العلمية المنظمة. وللكندي رسالة حول كرية (كروية) سطح الماء (البحر)؛ فسطح البحر عنده محدّب كسطح الأرض اليابسة، وهذا قول يتفق وحقائق العلم الحديث. كما أن للكندي آراء ثاقبة في علم المعادن قال عنها البيروني ¸ولم يقع لي في فن المستعدنات غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في الجواهر والأشباه·. استفاد من أعمال الكندي في حقل الجيولوجيا إلى جانب البيروني علماء آخرون منهم ابن الأكفاني والتيفاشي وابن سينا والقزويني وغيرهم.
إسهام المسعودي. كان أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت 346هـ، 957م)، وينسب إلى عبدالله بن مسعود الصحابي، ملماً بكثير من العلوم والثقافات، لكنه عُرف جغرافياً أكثر ما عُرف. أطلق عليه علماء العرب اسم بلينوس الشرق. يعد كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر من أفضل المصنفات العربية الجغرافية التي تناول فيها الكثير من فروع علم الجيولوجيا في ثنايا المعلومات الجغرافية. فقد تناول فيه استدارة الأرض وإحاطتها بغلاف جوي، وطبيعة العواصف التي تهب على الخليج العربي والمناطق المحيطة به. ووصف الأرض والبحار ومبادئ الأنهار والجبال ومساحة الأرض، ووصف الزلازل التي حدثت سنة 334هـ، 945م. وتحدث عن كروية البحار، وأورد الشواهد على ذلك. ودرس ظاهرة المد والجزر وعلاقة القمر بذلك. وتحدث عن دورة الماء في الطبيعة وتراكم الأملاح في البحر ووصف البراكين الكبريتية في قمم بعض الجبال. كما أورد العلامات التي يستدل بها على وجود الماء في باطن الأرض.
إسهام البيروني. تناول البيروني في علم الجيولوجيا علم المساحة والتضاريس، وطبقات الأرض، والمعادن، والجيولوجيا التاريخية وغيرها. كما قام بقياس محيط الأرض، وكتب عن مساحة الأرض ونسبتها للقمر. وهو أول من قال بأن الشمس مركز الكون الأرضي فخالف بذلك كل الآراء التي كانت سائدة آنذاك والتي اتفقت على أن الأرض هي مركز الكون. وقد أجرى تجربته التي حسب منها محيط الأرض من قمة جبل مشرف على صحراء مستوية؛ إذ قاس زاوية انخفاض ملتقى السماء والأرض عن مستوى الأفق المار بقمة الجبل، ثم قاس ارتفاع الجبل وتحصل على حساب نصف قطر الأرض باستخدام المعادلة المعروفة باسمه اليوم وهي:
س = (ف جتا ن) / (1- جتا ن)
وشرح البيروني كيفية عمل عيون الماء في الطبيعة وكذلك الآبار الإرتوازية في ضوء قاعدة الأواني المستطرقة. وبيّن أن تجمع مياه الآبار يكون بوساطة الرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها. وللبيروني آراء حول تكوين القشرة الأرضية وما طرأ على اليابسة والماء من دورات تبادلية خلال عصور جيول