ديغول لم يمنحنا الاستقلال، استقلال
الجزائر افتكه أبناؤها بدمائهم الزكية التي روت أرضنا الطيبة، ربما يستعصي
عليك وعلى أمثالك فهم هذا، فأنت لم يعرف عليك مشاركتك في الجهاد ولا نضالك
في الحركة الوطنية، ومعرفتك بالثورة لا تتعدى ربما ما تقرأه من كتب بعض
الفرنسيين الواهمين الحاقدين على الثورة ورجالاتها.
أن يتمسك
فرنسيون أو حتى لبنانيون بمقولة أن ديغول هو من منح الاستقلال للجزائر
فهذا رأيهم، وهم أحرار فيما يعتقدون، أما أن يقول هذا جزائري، أغدقت عليه
الجزائر خيراتها وأكرمته بالوزارة وبالمناصب الدولية، فهذا أمر لن يقبله
عاقل، وفيه من العقوق ونكران الجميل ما يسقط صاحبه من المكانة التي كان
يحتلها لدى الجزائريين كرجل دولة.
ديغول لم يمنحنا الحرية
والاستقلال، وإنما أجبر على ذلك وخضع إلى الأمر الواقع، أنزل يديه وحمل
الراية البيضاء وقبل الجلوس للمفاوضات لأن الثورة جابهت جنرالاته وجيوشه
وصمدت أمام التعذيب الممنهج، وألحقت باقتصاد بلاده خسائر كبيرة، وكشفت
دبلوماسية جبهة التحرير الوجه الحقيقي لفرنسا أمام المجتمع الدولي وجعلتها
تقع في تناقضات، الدولة المنادية بمبادئ الحرية وحقوق الإنسان تضطهد شعبا
وتنكل بأبنائه، وترفض لهم ما كافحت من أجله ضد النازية الألمانية: الحرية!
ديغول
لما قال من شرفة مقر الحاكم العام، مقر الحكومة حاليا، أيها الجزائريون
لقد فهمتكم، لم يكن يوجه كلامه للجزائريين العرب المسلمين، وإنما لفرنسيي
الجزائر، الذين كانوا ينادون بحرية أكبر في تسيير شؤون المستعمرة تمهيدا
للانفصال عنها، ولم يكن كلامه موجه إلينا، لم يفهمنا ديغول، لكن صوت
الرصاص ومواكب الشهداء، والأضرار التي ألحقتها الثورة بالصناعة والاقتصاد
في المستعمرة، وكلفة مواجهة الثورة في الجزائر هي التي أجبرت ديغول على
قبول التفاوض مع جبهة التحرير، وكان يظن أنه بإمكانه أن يضحك على ذقن
المفاوضين الجزائريين، لأنهم تنقصهم التجربة والحنكة السياسية، وأنه يمكن
أن يخرج بنتيجة في مصلحة فرنسا، إلا أنه سرعان ما تراجع وصحح نظرته
للجزائريين، وعدل المفاوضون الفرنسيون من جلستهم، وهم يكلمون رجالا صقلتهم
التجربة، رجالا متمسكون بحقهم في الاستقلال أو الموت، مفاوضين محنكين
يعرفون متى يرخون الحبل ومتى يشدونه.
وقتها عرف ديغول أنه لم يبق
أمامه إلا القبول بالأمر الواقع والانسحاب من الجزائر التي صارت مستنقعا
حقيقيا، بعدما تم تدويل القضية أمميا، فكان الاستفتاء وكانت النتيجة نعم
للاستقلال، وخرجت فرنسا مطعونة الكرامة، حاملة حقدا دفينا لهذا الشعب الذي
لم تنجح في طمس هويته، حقدا ما زالت لم تبرأ منه إلى اليوم.
حدة حزام