منتدى غارداية شبكة للتعليم نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


, لديك: 378 مساهمة .
آخر زيارة لك كانت في : الخميس يناير 01, 1970 .
 
الرئيسيةصـــفحة قرأنيةالمنشوراتأحدث الصوردخولالتسجيل
الطب النبوي 2-تابع- Fb110

 

 الطب النبوي 2-تابع-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
nour
عضو محترف
عضو محترف
nour


الجنس : انثى السٌّمعَة السٌّمعَة : 2 الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 926 النقاط/ النقاط/ : 1058 العـمــر العـمــر : 32

الطب النبوي 2-تابع- Empty
مُساهمةموضوع: الطب النبوي 2-تابع-   الطب النبوي 2-تابع- Emptyالثلاثاء يوليو 13, 2010 3:33 pm

في هديه صلى الله
عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم
تعتده




هذا أصل عظيم من أصول العلاج ، وأنفع شئ فيه ،
وإذا أخطأه الطبيب ، أضر المريض من حيث يظن أنه ينفعه ، ولا يعدل عنه إلى
ما يجده من الأدوية في كتب الطب إلا طبيب جاهل ، فإن ملاءمة الأدوية
والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها ، وهؤلاء أهل البوادي والأكارون
وغيرهم لا ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلي ، ولا يؤثر في
طباعهم شيئاً ، بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية لا تجدي علهم ،
والتجربة شاهدة بذلك ، ومن تأمل ما ذكرناه من العلاج انبوي ، رآه كله
موافقاً لعادة العليل وأرضه ، وما نشأ عليه . فهذا أصل عظيم من أصول العلاج
يجب الإعتناء به ، وقد صرح به أفاضل أهل الطب حتى قال طبيب العرب بل أطبهم
الحارث بن كلدة ، وكان فيهم كابقراط في قومه : الحمية رأس الدواء ،
والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد . وفي لفظ عنه : الأزم دواء ،
والأزم : الإمساك عن الأكل يعني به الجوع ، وهو من أكبر الأدوية في شفاء
الأمراض الإمتلائية كلها بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف
من كثرة الإمتلاء ، وهيجان الأخلاط ، وحدتها أو غليانها .




وقوله
: المعدة بيت الداء . المعدة : عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكلها ، مركب من
ثلاث طبقات ، مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف ، ويحيط بها لحم ،
وليف إحدى الطبقات بالطول ، والأخرى بالعرض ، والثالثة بالورب ، وفم المعدة
أكثر عصباً ، وقعرها أكثر لحماً ، وفي باطنها خمل ، وهي محصورة في وسط
البطن ، وأميل إلى الجانب الأيمن قليلاً ، خلقت على هذه الصفة لحكمة لطيفة
من الخالق الحكيم سبحانه ، وهي بيت الداء ، وكانت محلاً للهضم الأول ،
وفيها ينضج الغذاء وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء ، ويتخلف منه
فيها فضلات قد عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمها ، إما لكثرة الغذاء ، أو
لردائته ، أو لسوء ترتيب في استعماله ، أو لمجموع ذلك ، وهذه الأشياء بعضها
مما لا يتخلص الإنسان منه غالباً ، فتكون المعدة بيت الداء لذلك ، وكأنه
يشير بذلك إلى الحث على تقليل الغذاء ، ومنع النفس من اتباع الشهوات ،
والتحرز عن الفضلات .




وأما العادة فلأنها
كالطبيعة للإنسان ، ولذلك يقال : العادة طبع ثان ، وهي قوة عظيمة في البدن ،
حتى إن أمراً واحداً إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات ، كان مختلف النسبة
إليها . وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى مثال ذلك أبدان
ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب ، أحدها : عود تناول الأشياء الحارة ،
والثاني : عود تناول الأشياء الباردة ، والثالث : عود تناول الأشياء
المتوسطة ، فإن الأول متى تناول عسلاً لم يضر به ، والثاني : متى تناوله ،
أضر به ، والثالث : يضر به قليلاً ، فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة ،
ومعالجة الأمراض ، ولذلك جاء العلاج النبوي بإجراء كل بدن على عادته في
استعمال الأغذية والأدوية وغير ذلك .





فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما
اعتاده من الأغذية




في الصحيحين من حديث عروة
عن عائشة ، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها ، واجتمع لذلك النساء ، ثم
تفرقن إلى أهلهن ، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ، وصنعت ثريداً ثم صبت
التلبينة عليه ، ثم قالت : كلوا منها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : " التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن " .


وفي السنن من حديث عائشة
أيضاً قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالبغيض النافع
التلبين " ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من
أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه . يعني يبرأ أو يموت .


وعنها : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا قيل له : إن فلاناً وجع لا يطعم الطعام ، قال : "
عليكم بالتلبينة فحسوه إياها " ، ويقول : " والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن
أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ " .




التلبين : هو الحساء
الرقيق الذي هو في قوام اللبن ، ومنه اشتق إسمه ، قال الهروي : سميت تلبينة
لشبهها باللبن لبياضها ورقتها ، وهذا الغذاء هو النافع للعليل ، وهو
الرقيق النضيج لا الغليظ النيء ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة ، فاعرف
فضل ماء الشعير ، بل هي ماء الشعير لهم ، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير
بنخالته ، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً ، والتلبينة تطبخ
منه مطحوناً ، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن ، وقد تقدم أن
للعادات تأثيراً في الإنتفاع بالأدوية والأغذية ، وكانت عادة القوم أن
يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً ، وهو أكثر تغذية ، وأقوى فعلاً ،
وأعظم جلاء ، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحاً ليكون أرق وألطف ، فلا
يثقل على طبيعة المريض ، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها ، وثقل ماء
الشعير المطحون عليها . والمقصود : أن ماء الشعير مطبوخاً صحاحاً ينفذ
سريعاً ، ويجلو جلاء ظاهراً ، ويغذي غذاء لطيفاً . وإذا شرب حاراً كان
جلاؤه أقوى ، ونفوذه أسرع ، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر ، وتلميسه لسطوح
المعدة أوفق .




وقوله صلى الله عليه وسلم
فيها : " مجمة لفؤاد المريض " يروى بوجهين . بفتح الميم والجيم ، وبضم
الميم ، وكسر الجيم ، والأول: أشهر ، ومعناه : أنها مريحة له ، أي : تريحه
وتسكنه من الإجمام وهو الراحة . وقوله : " تذهب ببعض الحزن " هذا - والله
أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج ، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل
الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها ، وهذا الحساء يقوي الحرارة
الغريزية بزيادته في مادتها ، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن .


وقد يقال - وهو أقرب - :
إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة ، فإن من
الأغذية ما يفرح بالخاصية ، والله أعلم .




وقد يقال : إن قوى الحزين
تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء ، وهذا
الحساء يرطبها ، ويقويها ، ويغذيها ، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض ، لكن
المريض كثيراً ما يجتمع في معدته خلط مراري ، أو بلغمي ، أو صديدي ، وهذا
الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه ، ويحدره ، ويميعه ، ويعدل كيفيته ،
ويكسر سورته ، فيريحها ولا سيما لمن عادته الإغتذاء بخبز الشعير ، وهي عادة
أهل المدينة إذ ذاك ، وكان هو غالب قوتهم ، وكانت الحنطة عزيزة عندهم .
والله أعلم .



في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السم الذي أصابه بخيبر
من اليهود




ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ،
عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : " أن امرأة يهودية أهدت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ، فقال : ما هذه ؟ قالت : هدية ،
وحذرت أن تقول : من الصدقة ، فلا يأكل منها ، فأكل النبي صلى الله عليه
وسلم ، وأكل الصحابة ، ثم قال : أمسكوا ، ثم قال للمرأة : هل سممت هذه
الشاة ؟ قالت : من أخبرك بهذا ؟ قال : هذا العظم لساقها ، وهو في يده ؟
قالت : نعم . قال : لم ؟ قالت : أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس ،
وإن كنت نبياً ، لم يضرك ، قال : فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة
على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، فاحتجموا ، فمات بعضهم" .




وفي
طريق أخرى : واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي
أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبي بياضة من
الأنصار ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : "
ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع
الأبهر مني " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ، قاله موسى بن
عقبة .


معالجة السم تكون بالإستفراغات ، وبالأدوية التي
تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها ، وإما بخواصها ، فمن عدم الدواء ،
فليبادر إلى الإستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة ، ولا سيما إذا كان البلد
حاراً ، والزمان حاراً ، فإن القوة السمية تسري إلى الدم ، فتنبعث في
العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب ، فيكون الهلاك ، فالدم هو المنفذ
الموصل للسم إلى القلب والأعضاء ، فإذا بادر المسموم ، وأخرج الدم ، خرجت
معه تلك الكيفية السمية التي خالطته ، فإن كان استفراغاً تاماً لم يضره
السم ، بل إما أن يذهب ، وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو
تضعفه .




ولما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم
في الكاهل ، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب ، فخرجت
الماده السمية مع الدم لا خروجاً كلياً ، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد
الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلها له ، فلما أراد الله إكرامه
بالشهادة ، ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ليقضي الله أمراً كان
مفعولاً ، وظهر سر قوله تعالى لأعدائه من اليهود : " أفكلما جاءكم رسول
بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " [ البقرة : 87 ]
، فجاء بلفظ كذبتم بالماضي الذي قد وقع منه ، وتحقق ، وجاء بلفظ : تقتلون
بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه ، والله أعلم .





فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته
اليهود به




قد أنكر هذا طائفة من الناس
، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا
، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ،
وهو مرض من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في
الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ، ولم يأتهن ، وذلك أشد ما
يكون من السحر .




قال القاضي عياض : والسحر
مرض من الأمراض ، وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ، كأنواع
الأمراض مما لا ينكر ، ولا يقدح في نبوته ، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل
الشئ ولم يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من صدقة ، لقيام
الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر
دنياه التي لم يبعث لسببها ، ولا فضل من أجلها ، وهو فيها عرضة للآفات
كسائر البشر ، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ، ثم
ينجلي عنه كما كان .




والمقصود : ذكر هديه في
علاج هذا المرض ، وقد روي عنه فيه نوعان :


أحدهما - وهو أبلغهما - :
استخراجه وإبطاله ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في
ذلك ، فدل عليه ، فاستخرجه من بئر ، فكان في مشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر ،
فلما استخرجه ، ذهب ما به ، حتى كأنما أنشط من عقال ، فهذا من أبلغ ما
يعالج به المطبوب ، وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد
بالإستفراغ .


والنوع الثانى : الإستفراغ في المحل الذي يصل
إليه أذى السحر ، فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة ، وهيجان أخلاطها ، وتشويش
مزاجها ، فإذا ظهر أثره في عضو ، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك
العضو ، نفع جداً .


وقد ذكر أبو عبيد في كتاب
غريب الحديث له بإسناده ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن النبي صلى الله
عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طب . قال أبو عبيد : معنى طب : أي سحر .




وقد
أشكل هذا على من قل علمه ، وقال : ما للحجامة والسحر ، وما الرابطة بين
هذا الداء وهذا الدواء ، ولو وجد هذا القائل أبقراط ، أو ابن سينا ، أو
غيرهما قد نص على هذا العلاج ، لتلقاه بالقبول والتسليم ، وقال : قد نص
عليه من لا يشك في معرفته وفضله .


فاعلم أن مادة السحر الذي
أصيب به صلى الله عليه وسلم انتهت إلى رأسه إلى إحدى قواه التي فيه بحيث
كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ ولم يفعله ، وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة
والمادة الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه ، فغيرت مزاجه
عن طبيعته الأصلية .


والسحر : هو مركب من
تأثيرات الأرواح الخبيثة ، وانفعال القوى الطبيعية عنها ، وهو أشد ما يكون
من السحر ، ولا سيما في الموضع الذي انتهى السحر إليه ، واستعمال الحجامة
على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة إذا استعملت على
القانون الذي ينبغي .




قال أبقراط : الأشياء التي
ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأشياء
التي تصلح لاستفراغها .


وقالت طائفة من الناس : إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب بهذا الداء ، وكان يخيل إليه أنه
فعل الشئ ولم يفعله ، ظن أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى جهة
الدماغ ، وغلبت على البطن المقدم منه ، فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له
، وكان استعمال الحجامة إذ ذاك من أبلغ الأدوية ، وأنفع المعالجة ، فاحتجم
، وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن ذلك من السحر ، فلما جاءه الوحي من الله
تعالى ، وأخبره أنه قد سحر ، عدل إلى العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر
وإبطاله ، فسأل الله سبحانه ، فدله على مكانه ، فاستخرجه ، فقام كأنما أنشط
من عقال ، وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، وظاهر جوارحه ، لا
على عقله وقلبه ، ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان النساء ،
بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له ، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض ، والله
أعلم .




فصل

ومن أنفع علاجات السحر
الأدوية الإلهية ، بل هي أدويته النافعة بالذات ، فإنه من تأثيرات الأرواح
الخبيثة السفلية ، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار ،
والآيات ، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها ، وكلما كانت أقوى وأشد ،
كانت أبلغ في القشرة ، وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عدته
وسلاحه ، فأيهما غلب الآخر ، قهره ، وكان الحكم له ، فالقلب إذا كان
ممتلئاً من الله مغموراً بذكره ، وله من التوجهات والدعوات والأذكار
والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه ، كان هذا من أعظم الأسباب
التي تمنع إصابة السحر له ، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه .




وعند
السحرة : أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة ، والنفوس
الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات ، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء ،
والصبيان ، والجهال ، وأهل البوادي ، ومن ضعف حظه من الدين والتوكل
والتوحيد ، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية .


وبالجملة : فسلطان تأثيره
في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات ، قالوا :
والمسحور هو الذي يعين على نفسه ، فإنا نجد قلبه متعلقاً بشئ كثير الإلتفات
إليه ، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والإلتفات ، والأرواح الخبيثة
إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسلطها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك
الأرواح الخبيثة ، وبفراغها من القوة الإلهية ، وعدم أخذها للعدة التي
تحاربها بها ، فتجدها فارغة لا عدة معها ، وفيها ميل إلى ما يناسبها ،
فتتسلط عليها ، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره ، والله أعلم .





فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإستفراغ بالقئ



روى الترمذي في جامعه عن
معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء ،
فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق ، أنا صببت له
وضوءه . قال الترمذي : وهذا أصح شئ في الباب .


القئ : أحد الإستفراغات
الخمسة التي هي أصول الإستفراغ ، وهي الإسهال ، والقئ ، وإخراج الدم ،
وخروج الأبخرة والعرق ، وقد جاءت بها السنة .


فأما الإسهال : فقد مر في
حديث " خير ما تداويتم به المشي " وفي حديث " السنا " .


وأما إخراج الدم ، فقد
تقدم في أحاديث الحجامة .


وأما استفراغ الأبخرة ،
فذكره عقب هذا الفصل إن شاء الله .


وأما الإستفراغ بالعرق ،
فلا يكون غالباً بالقصد ، بل بدفع الطبيعة له إلى ظاهر الجسد ، فيصادف
المسام مفتحة ، فيخرج منها .


والقئ استفراغ من أعلا
المعدة ، والحقنة من أسفلها ، والدواء من أعلاها وأسفلها ، والقئ : نوعان :
نوع بالغلبة والهيجان ، ونوع بالإستدعاء والطلب . فأما الأول : فلا يسوغ
حبسه ودفعه إلا إذا أفرط وخيف منه التلف . فيقطع بالأشياء التي تمسكه .
وأما الثاني : فأنفعه عند الحاجة إذا روعي زمانه وشروطه التي تذكر .




وأسباب
القئ عشرة .


أحدها : غلبة المرة الصفراء ، وطفوها على رأس
المعدة ، فتطلب الصعود .


الثاني : من غلبة بلغم لزج
قد تحرك في المعدة ، واحتاج إلى الخروج .


الثالث : أن يكون من ضعف
المعدة في ذاتها ، فلا تهضم الطعام ، فتقذفه إلى جهة فوق .


الرابع : أن يخالطها خلط
رديء ينصب إليها ، فيسيء هضمها ، ويضعف فعلها .


الخامس : أن يكون من زيادة
المأكول أو المشروب على القدر الذي تحتمله المعدة ، فتعجز عن إمساكه ،
فتطلب دفعه وقذفه .


السادس : أن يكون من عدم
موافقة المأكول والمشروب لها ، وكراهتها له ، فتطلب دفعه وقذفه .


السابع : أن يحصل فيها ما
يثور الطعام بكيفيته وطبيعته ، فتقذف به .


الثامن : القرف ، وهو موجب
غثيان النفس وتهوعها .


التاسع : من الأعراض
النفسانية ، كالهم الشديد ، والغم ، والحزن ، وغلبة اشتغال الطبيعة والقوى
الطبيعية به ، واهتمامها بوروده عن تدبير البدن ، وإصلاح الغذاء ، وإنضاجه ،
وهضمه ، فتقذفه المعدة ، وقد يكون لأجل تحرك الأخلاط عند تخبط النفس ، فإن
كل واحد من النفس والبدن ينفعل عن صاحبه ، ويؤثر في كيفيته .


العاشر : نقل الطبيعة بأن
يرى من يتقيأ ، فيغلبه هو القئ من غير استدعاء ، فإن الطبيعة نقالة .


وأخبرني بعض حذاق الأطباء ،
قال : كان لي ابن أخت حذق في الكحل ، فجلس كحالاً ، فكان إذا فتح عين
الرجل ، ورأى الرمد وكحله ، رمد هو ، وتكرر ذلك منه ، فترك الجلوس . قلت له
: فما سبب ذلك ؟ قال : نقل الطبيعة ، فإنها نقالة ، قال : وأعرف آخر ، كان
رأى خراجاً في موضع من جسم رجل يحكه ، فحك هو ذلك الموضع ، فخرجت فيه
خراجة . قلت : وكل هذا لا بد فيه من


استعداد الطبيعة ، وتكون
المادة ساكنة فيها غير متحركة ، فتتحرك لسبب من هذه الأسباب ، فهذه أسباب
لتحرك المادة لا أنها هي الموجبة لهذا العارض .





فصل

ولما كانت الأخلاط فى
البلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ترق وتنجذب إلى فوق ، كان القئ فيها أنفع .
ولما كانت في الأزمنة الباردة والبلاد الباردة تغلظ ، ويصعب جذبها إلى فوق
، كان استفراغها ، بالإسهال أنفع .


وإزالة الأخلاط ودفعها تكون
بالجذب والإستفراغ ، والجذب يكون من أبعد الطرق ، والإستفراغ من أقربها ،
والفرق بينهما أن المادة إذا كانت عاملة في الإنصباب أو الترقي لم تستقر
بعد ، فهي محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدة جذبت من أسفل ، وإن كانت
منصبة جذبت من فوق ، وأما إذا اسقرت في موضعها ، استفرغت من أقرب الطرق
إليها ، فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا ، اجتذبت من أسفل ، ومتى أضرت
بالأعضاء السفلى ، اجتذبت من فوق ، ومتى استقرت ، استفرغت من أقرب مكان
إليها ، ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله تارة ، وفي رأسه
أخرى ، وعلى ظهر قدمه تارة ، فكان يستفرغ مادة الدم المؤذي من أقرب مكان
إليه . والله أعلم .




فصل

والقئ ينقي المعدة ويقويها
، ويحد البصر ، ويزيل ثقل الرأس ، وينفع قروح الكلى ، والمثانة ، والامراض
المزمنة كالجذام والإستسقاء ، والفالج والرعشة ، وينفع اليرقان .


ويبنغي أن يستعمله الصحيح
في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظ دور ، ليتدارك الثاني ما قصر عنه
الأول ، وينقي الفضلات التي انصبت بسببه ، والإكثار منه يضر المعدة ،
ويجعلها قابلة للفضول ، ويضر بالأسنان والبصر والسمع ، وربما صدع عرقاً ،
ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق ، أو ضعف في الصدر ، أو دقيق الرقبة ،
أو مستعد لنفث الدم ، أو عسر الإجابة له .


وأما ما يفعله كثير ممن
يسيء التدبير ، وهو أن يمتلئ من الطعام ، ثم يقذفه ، ففيه آفات عديدة ،
منها : أنه يعجل الهرم ، ويوقع في أمراض رديئة ، ويجعل القئ له عادة .
والقئ مع اليبوسة ، وضف الأحشاء ، وهزال المراق . أو ضعف المستقيء خطر . . .


وأحمد أوقاته الصيف
والربيع دون الشتاء والخريف ، وينبغي عند القئ أن يعصب العينين ، ويقمط
البطن ، ويغسل الوجه بماء بارد عند الفراغ ، وان يشرب عقيبه شراب التفاح مع
يسير من مصطكى ، وماء الورد ينفعه نفعاً بيناً .


والقئ يستفرغ من أعلى
المعدة ، ويجذب من أسفل ، والإسهال بالعكس ، قال أبقراط : وينبغي أن يكون
الإستفراغ في الصيف من فوق أكثر من الإستفراغ بالدواء ، وفي الشتاء من أسفل
.




فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة
أحذق الطبيبين




ذكر مالك في موطئه : عن
زيد بن أسلم ، أن رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح ،
فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار ، فنظرا إليه فزعما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " أيكما أطب ؟ فقال : أوفي
الطب خير يا رسول الله ؟ فقال : أنزل الدواء الذي أنزل الداء " .


ففي هذا الحديث أنه ينبغي
الإستعانة في كل علم وصناعة بأحذق من فيها فالأحذق ، فإنه إلى الإصابة أقرب
.


وهكذا يجب على المستفتي أن يستعين على ما نزل به
بالأعلم فالأعلم ، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه .


وكذلك من خفيت عليه القبلة
، فإنه يقلد أعلم من يجده ، وعلى هذا فطر الله عباده ، كما أن المسافر في
البر والبحر إنما سكون نفسه ، وطمأنينته إلى أحذق الدليلين وأخبرهما ، وله
يقصد ، وعليه يعتمد ، فقد اتفقت على هذا الشريعة والفطرة والفعل .


وقوله صلى الله عليه وسلم :
" أنزل الدواء الذي أنزل الداء " ، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة ،
فمنها ما رواه عمرو بن دينار ، عن هلال بن يساف ، قال : " دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده ، فقال : أرسلوا إلى طبيب ، فقال قائل
: وأنت تقول ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء
إلا أنزل له دواء " .


وفي الصحيحين من حديث أبي
هريرة يرفعه : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وقد تقدم هذا
الحديث وغيره .


واختلف في معنى أنزل الداء والدواء ، فقالت
طائفة : إنزاله إعلام العباد به ، وليس بشئ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبر بعموم الإنزال لكل داء ودوائه ، وأكثر الخلق لا يعملون ذلك ، ولهذا
قال : " علمه من علمه ، وجهله من جهله " .


وقالت طائفة : إنزالهما :
خلقهما ووضعهما في الأرض ، كما في الحديث الآخر : " إن الله لم يضع داء إلا
وضع له دواء " ، وهذا وإن كان أقرب في الذي قبله ، فلفظة الإنزال أخص من
لفظة الخلق والوضع ، فلا ينبغي إسقاط خصوصية اللفظة بلا موجب .


وقالت طائفة : إنزالهما
بواسطة الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغير ذلك ، فإن
الملائكة موكلة بأمر هذا العالم ، وأمر النوع الإنساني من حين سقوطه في رحم
أمه إلى حين موته ، فإنزال الداء والدواء مع الملائكة ، وهذا أقرب من
الوجهين قبله .


وقالت طائفة : إن عامة الأدواء والأدوية هي
بواسطة إنزال الغيث من السماء الذي تتولد به الأغذية ، والأقوات ، والأدوية
، والأدواء ، وآلات ذلك كله ، وأسبابه ومكملاته ، وما كان منها من
المعادن العلوية ، فهي تنزل من الجبال ، وما كان منها من الأودية والأنهار
والثمار ، فداخل في اللفظ على طريق التغليب والإكتفاء عن الفعلين بفعل واحد
يتضمنهما ، وهو معروف من لغة العرب ، بل وغيرها من الأمم ، كقول الشاعر :


علفتها تبنا وماء بارداً
حتى غدت همالة عيناها


وقول الآخر :

ورأيت زوجك قــد غدا
متقلـــداً سيفـــاً ورمحـــاً


وقول الآخر :

إذا ما الغانيات برزن
يوماً وزججن الحواجب والعيونا


وهذا أحسن مما قبله من
الوجوه والله أعلم .


وهذا من تمام حكمة الرب عز
وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كما ابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما
يسره لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ،
والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ، وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثة من
الشياطين ، أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة ، وهم الملائكة . وكما
ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسره لهم شرعاً وقدراً من
المشتهيات اللذيذة النافعة ، فما ابتلاكم سبحانه بشئ إلا أعطاهم ما
يستعينون به على ذلك البلاء ، ويدفعونه به ، ويبقى التفاوت بينهم في العلم
بذلك ، والعلم بطريق حصوله والتوصل إليه ، وبالله المستعان .





فصل

في هديه صلى الله عليه
وسلم في تضمين من طب الناس ، وهو جاهل بالطب


روى أبو داود ، والنسائي ،
وابن ماجه ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك ، فهو ضامن
" .


هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور : أمر لغوي ، وأمر
فقهي ، وأمر طبي .


فأما اللغوي : فالطب بكسر الطاء في لغة العرب
، يقال : على معان . منها الإصلاح ، يقال : طببته : إذا أصلحته . ويقال :
له طب بالأمور . أي : لطف وسياسة . قال الشاعر :


وإذا تغير من تميم أمرها
كنت الطبيب لها برأي ثاقب


ومنها : الحذق . قال
الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب ، قال أبو عبيد : أصل الطب : الحذق
بالأشياء والمهارة بها . يقال للرجل : طب وطبيب : إذا كان كذلك ، وإن كان
في غير علاج المريض . وقال غيره : رجل طبيب : أي حاذق ، سمي طبيباً لحذقه
وفطنته . قال علقمة :


فإن تسألوني بالنساء فإنني
خبير بأدواء النساء طبيب


إذا شاب رأس المرء أو قل
ماله فليس له من ودهن نصيب


وقا ل عنترة :

إن تغد في دوني القناع
فإنني طب بأخذ الفارس المستلئم


أي : إن ترخي عني قناعك ،
وتستري وجهك رغبة عني ، فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه .


ومنها : العادة ، يقال :
ليس ذاك بطبي ، أي : عادتي ، قال فروة بن مسيك :


فما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا




وقال أحمد بن الحسين
المتنبي :


وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض إلي الجاهل
المتعاقل


ومنها : السحر ، يقال : رجل مطبوب ، أي : مسحور ،
وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وجلس الملكان عند رأسه وعند رجليه ، فقال أحدهما : ما بال الرجل ؟ قال
الآخر : مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : فلان اليهودي .


قال أبو عبيد : إنما قالوا
للمسحور : مطبوب ، لأنهم كنوا بالطب عن السحر ، كما كنوا عن اللديغ ،
فقالوا : سليم تفاولاً بالسلامة ، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة
التي لا ماء فيها ، فقالوا : مفازة تفاؤلاً بالفوز من الهلاك . ويقال :
الطب لنفس الداء . قال ابن أبي الأسلت :


ألا من مبلغ حسان عني
أسحر كان طبك أم جنون


وأما قول الحماسي :

فإن كنت مطبوباً فلا زلت
هكذا وإن كنت مسحوراً فلا برئ السحر


فإنه أراد بالمطبوب الذي
قد سحر ، وأراد بالمسحور : العليل بالمرض .


قال الجوهري : ويقال
للعليل : مسحور . وأنشد البيت . ومعناه : إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن
حبك أسأل الله دوامه ، ولا أريد زواله ، سواء كان سحراً أو مرضاً .


والطب : مثلث الطاء ،
فالمفتوح الطاء : هو العالم بالأمور ، وكذلك الطبيب يقال له : طب أيضاً .
والطب : بكسر الطاء : فعل الطبيب ، والطب بضم الطاء : اسم موضع ، قاله
ابن السيد ، وأنشد :


فقلت هل انهلتم بطب ركابكم
بجائزة الماء التي طاب طينها


وقوله صلى الله عليه وسلم :
من تطبب ، ولم يقل : من طب ، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشئ والدخول
فيه بعسر وكلفه ، وأنه ليس من أهله ، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها ، وكذلك
بنوا تكلف على هذا الوزن ، قال الشاعر :


وقيس عيلان ومن تقيسا وأما
الأمر الشرعي ، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل ، فإذا تعاطى علم الطب
وعمله ، ولم يتقدم له به معرفة ، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس ، وأقدم
بالتهور على ما لم يعلمه ، فيكون قد غرر بالعليل ، فيلزمه الضمان لذلك ،
وهذا إجماع من أهل العلم .




قال الخطابي : لا أعلم
خلافاً في أن المعالج إذا تعدى ، فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً
أو عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه
القود ، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة
الفقهاء على عاقلته .




قلت : الأقسام خمسة :
أحدها : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده ، فتولد من فعله المأذون
فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس ، أو ذهاب صفة ،
فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً ، فإنها سراية مأذون فيه ، وهذا كما إذا ختن
الصبي في وقت ، وسنه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو أو
الصبي ، لم يضمن ، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته على
الوجه الذي ينبغي فتلف به ، لم يضمن ، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد
الفاعل في سببها ، كسراية الحد بالإتفاق . وسراية القصاص عند الجمهور
خلافاً لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها ، وسراية التعزير ، وضرب الرجل
امرأته ، والمعلم الصبي ، والمستأجر الدابة ، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي
في إيجابهما الضمان في ذلك ، واستثنى الشافعي ضرب الدابة .


وقاعدة الباب إجماعاً
ونزاعاً : أن سراية الجناية مضمونة بالإتفاق ، وسراية الواجب مهدرة
بالإتفاق ، وما بينهما ففيه النزاع . فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقاً ، وأحمد
ومالك أهدرا ضمانه ، وفرق الشافعي بين المقدر ، فأهدر ضمانه ، وبين غير
المقدر فأوجب ضمانه . فأبو حنيفة نظر إلى أن الإذن في الفعل إنما وقع
مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان ، والشافعي
نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة النص ، وأما غير
المقدر كالتعزيرات ، والتأديبات ، فاجتهادية ، فإذا تلف بها ، ضمن ، لأنه
في مظنة العدوان .




فصل

القسم الثاني : متطبب جاهل
باشرت يده من يطبه ، فتلف به ، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم
له ، وأذن له في طبه لم يضمن ، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث ، فإن
السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك ،
وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبه لأجل معرفته ، ضمن الطبيب ما جنت
يده ، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته
وحذقه فتلف به ، ضمنه ، والحديث ظاهر فيه أو صريح .





فصل

القسم الثالث : طبيب حاذق ،
أذن له ، وأعطى الصنعة حقها ، لكنه أخطأت يده ، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه
، مثل : أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة ، فهذا يضمن ، لأنها جناية خطأ ، ثم
إن كانت الثلث فما زاد ، فهو على عاقلته ، فإن لم تكن عاقلة، فهل تكون
الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد . وقيل
: إن كان الطبيب ذمياً ، ففي ماله ، وإن كان مسلماً ، ففيه الروايتان ،
فإن لم يكن بيت مال ، أو تعذر تحميله ، فهل تسقط الدية ، أو تجب في مال
الجاني ؟ فيه وجهان أشهرهما : سقوطها .





فصل

القسم الرابع : الطبيب
الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد فوصف للمريض دواء ، فأخطأ في اجتهاده ،
فقتله ، فهذا يخرج على روايتين : إحداهما : أن دية المريض في بيت المال .
والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطإ
الإمام والحاكم .




فصل

القسم الخامس : طبيب حاذق ،
أعطى الصنعة حقها ، فقطع سلعة من رجل أو صبي ، أو مجنون بغير إذنه ، أو
إذن وليه ، أو ختن صبياً بغير إذن وليه فتلف ، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه
تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ ، أو ولي الصبي والمجنون ،
لم يضمن ، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل .
وأيضاً فإنه إن كان متعدياً ، فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان ، وإن
لم يكن متعدياً ، فلا وجه لضمانه . فإن قلت : هو متعد عند عدم الإذن ، غير
متعد عند الإذن ، قلت : العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثر
للإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر .





فصل

والطبيب في هذا الحديث
يتناول من يطب بوصفه وقوله ، وهو الذي يخص باسم الطبائعي ، وبمروده ، وهو
الكحال ، وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي ، وبموساه وهو الخاتن ، وبريشته وهو
الفاصد ، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام ، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر ،
وبمكواته وناره وهو الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ، وسواء كان طبه لحيوان
بهيم ، أو إنسان ، فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم ، كما تقدم ،
وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث ، كتخصيص لفظ الدابة بما
يخصها به كل قوم .




فصل

والطبيب الحاذق : هو الذي
يراعي في علاجه عشرين أمراً : أحدها : النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو
؟


الثاني : النظر في سببه من أي شئ حدث ، والعلة
الفاعلة التي كانت سبب حدوثه ما هي ؟ .


الثالث : قوة المريض ، وهل
هي مقاومة للمرض ، أو أضعف منه ؟ فإن كانت مقاومة للمرض ، مستظهرة عليه ،
تركها والمرض ، ولم يحرك بالدواء ساكناً .


الرابع : مزاج البدن
الطبيعي ما هو ؟


الخامس : المزاج الحادث على غير المجرى
الطبيعي .


السادس : سن المريض .

السابع : عادته .

الثامن : الوقت الحاضر من
فصول السنة وما يليق به .


التاسع : بلد المريض وتربته
.


العاشر : حال الهواء في وقت المرض .

الحادي عشر : النظر في
الدواء المضاد لتلك العلة .


الثاني عشر : النظر في قوة
الدواء ودرجته ، والموازنة بينها وبين قوة المريض .


الثالث عشر : ألا يكون كل
قصده إزالة تلك العلة فقط ، بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها ،
فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها ، أبقاها على حالها
، وتلطيفها هو الواجب ، وهذا كمرض أفواه العروق ، فإنه متى عولج بقطعه
وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب منه .




الرابع عشر : أن يعالج
بالأسهل فالأسهل ، فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره ،
ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط ، فمن حذق الطبيب
علاجه بالأغذية بدل الأدوية ، وبالأدوية البسيطة بدل المركبة .


الخامس عشر : أن ينظر في
العلة ، هل هي مما يمكن علاجها أو لا ؟ فإن لم يمكن علاجها ، حفظ صناعته
وحرمته ، ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئاً . وإن أمكن علاجها ، نظر
هل يمكن زوالها أم لا ؟ فإن علم أنه لا يمكن زوالها ، نظر هل يمكن
تخفيفها وتقليلها أم لا ؟ فإن لم يكن تقليلها ، ورأى أن غاية الإمكان
إيقافها وقطع زيادتها ، قصد بالعلاج ذلك ، وأعان القوة ، وأضعف المادة .


السادس عشر : ألا يتعرض
للخلط قبل نضجه باستفراغ ، بل يقصد إنضاجه ، فإذا تم نضجه ، بادر إلى
استفراغه .


السابع عشر : أن يكون له خبرة باعتلال القلوب
والأرواح وأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن انفعال البدن
وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود ، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب
والروح وعلاجهما ، كان هو الطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان
حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل ،
بتفقد قلبه وصلاحه ، وتقوية روحه وقواه بالصدقة ، وفعل الخير ، والإحسان ،
والإقبال على الله والدار الآخرة ، فليس بطبيب ، بل متطبب قاصر . ومن أعظم
علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء ، والتضرع والإبتهال إلى
الله ، والتوبة ، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل ، وحصول الشفاء أعظم من
الأدوية الطبيعية ، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه
.


الثامن عشر : التلطف بالمريض ، والرفق به ، كالتلطف
بالصبي .


التاسع عشر : أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية
والإلهية ، والعلاج بالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة
لا يصل إليها الدواء ، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين .


العشرون : - وهو ملاك أمر
الطبيب - ، أن يجعل علاجه وتدبيره دائراً على ستة أركان : حفظ الصحة
الموجودة ، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان ، وإزالة العلة أو تقليلها
بحسب الإمكان ، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما ، وتفويت أدنى
المصلحتين لتحصيل أعظمهما ، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج ، وكل طبيب
لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها ، فليس بطبيب ، والله أعلم .


فصل

ولما كان للمرض أربعة
أحوال : ابتداء ، وصعود ، وانتهاء ، وانحطاط ، تعين على الطبيب مراعاة كل
حال من أحوال المرض بما يناسبها ويليق بها ، ويستعمل في كل حال ما يجب
استعماله فيها . فإذا رأى في ابتداء المرض أن الطبيعة محتاجة إلى ما يحرك
الفضلات ويستفرغها لنضجها ، بادر إليه ، فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء
المرض لعائق منع من ذلك ، أو لضعف القوة وعدم احتمالها للإستفراغ ، أو
لبرودة الفصل ، أو لتفريط وقع ، فينبغي أن يحذر كل الحذر أن يفعل ذلك في
صعود المرض ، لأنه إن فعله ، تحيرت الطبيعة لاشتغالها بالدواء ، وتخلت عن
تدبير المرض ومقاومته بالكلية ، ومثاله : أن يجيء إلى فارس مشغول بمواقعة
عدوه ، فيشغله عنه بأمر آخر ، ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين الطبيعة
على حفظ القوة ما أمكنه .




فإذا انتهى المرض ووقف وسكن
، أخذ في استفراغه ، واستئصال أسبابه ، فإذا أخذ في الإنحطاط ، كان أولى
بذلك . ومثال هذا مثال العدو إذا انتهت قوته ، وفرغ سلاحه ، كان أخذه سهلاً
، فإذا ولى وأخذ في الهرب ، كان أسهل أخذاً ، وحدته وشوكته إنما هي في
ابتدائه ، وحال استفراغه ، وسمعة قوته ، فهكذا الداء ، والدواء سواء .


فصل

ومن حذق الطبيب أنه حيث
أمكن التدبير بالأسهل ، فلا يعدل إلى الأصعب ، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى
إلا أن يخاف فوت القوة حينئذ ، فيجب أن يبتدئ بالأقوى ، ولا يقيم في
المعالجة على حال واحدة فتألفها الطبيعة ، ويقل انفعالها عنه ، ولا تجسر
على الأدوية القوية في الفصول القوية ، وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاج
بالغذاء ، فلا يعالج بالدواء ، وإذا أشكل عليه المرض أحار هو أم بارد ؟ فلا
يقدم حتى يتبين له ، ولا يجربه بما يخاف عاقبته ، ولا بأس بتجربته بما لا
يضر أثره .


وإذا اجتمعت أمراض ، بدأ بما تخصه واحدة من ثلاث
خصال : إحداها : أن يكون برء الآخر موقوفاً على برئه كالورم والقرحة ، فإنه
يبدأ بالورم .


الثانية : أن يكون أحدها سبباً للآخر ، كالسدة
والحمى العفنة ، فإنه يبدأ بإزالة السبب .


الثالثة : أن يكون أحدهما
أهم من الآخر ، كالحاد والمزمن ، فيبدأ بالحاد ، ومع هذا فلا يغفل عن الآخر
. وإذا اجتمع المرض والعرض ، بدأ بالمرض ، إلا أن يكون العرض أقوى
كالقولنج ، فيسكن الوجع أولاً ، ثم يعالج السدة ، وإذا أمكنه أن يعتاض عن
المعالجة بالإستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم ، لم يستفرغه ، وكل صحة أراد
حفظها ، حفظها بالمثل أو الشبه ، وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها ،
نقلها بالضد .




فصل

في هديه صلى الله عليه
وسلم في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة
أهلها


ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، أنه
كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع
فقد بايعناك " .


وروى البخاري في صحيحه تعليقاً من حديث أبي
هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فر من المجذوم كما تفر من
الأسد " .


وفي سنن ابن ماجه من حديث ابن عباس ، أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " لا تديموا النظر إلى المجذومين " .


وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يوردن ممرض على
مصح " .


ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم : " كلم المجذوم ،
وبيك وبينه قيد رمح أو رمحين " .


الجذام : علة رديئة تحدث من
انتشار المرة السوداء في البدن كله ، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها ،
وربما فسد في آخره اتصالها حتى تتأكل الأعضاء وتسقط ، ويسمى داء الأسد .


وفي هذه التسمية ثلاثة
أقوال للأطباء : أحدها : أنها لكثرة ما تعتري الأسد .


والثاني : لأن هذه العلة
تجهم وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد .


والثالث : أنه يفترس من
يقربه ، أو يدنو منه بدائه افتراس الأسد .




وهذه العلة عند الأطباء من
العلل المعدية المتوارثة ، ومقارب المجذوم ، وصاحب السل يسقم برائحته ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم لكمال شفقته على الأمة ، ونصحه لهم نهاهم عن
الأسباب التي تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم ، ولا ريب
أنه قد يكون في البد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://nour2sida7med.montadamoslim.com/
 
الطب النبوي 2-تابع-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى غارداية شبكة للتعليم نت :: منتدي الاداري :: قفص المواضيع-
انتقل الى: