[center]السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذا بحث كامل حول
"اثبات الطلاق و فقا لقانون الاسرة""
الخطــــة:
الفصل الأول :
كيفية إثبات الطلاق .
المبحث الأول
: كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري .
المطلبالأول : ثبوت الطلاق بحكم .
المطلب
الثاني : إشكالية الطلاق العرفي على ضوءالتطبيقات
القضائية .
المبحث
الثاني : كيفية إثبات الطلاق في الشريعةالإسلامية .
المطلب الأول
: الإشهاد على الطلاق في الشريعة الإسلامية .
المطلب
الثاني : طرق إثبات الطلاق شرعا و قانونا .
الفصل الثاني : إجراءات إثبات الطلاق .
المبحث الأول
: إجراءات استصدار الحكم المثبت للطلاق .
المطلب الأول
: اتصال القاضي بالدعوى .
المطلب
الثاني : تعامل القاضي معدعوى إثبات الطلاق .
المبحث
الثاني : طرق الطعن في الحكم بالطلاق و تنفيذه .
المطلب الأول
: طرق الطعن في حكم الطلاق .
المطلب
الثاني : تنفيذ الحكمالمثبت للطلاق .
مقدمة:
لقد قدس الإسلام الزواج و سماه
ميثاقا غليظا ووضع له من القواعد ما يضمن به بقاؤه واستمراره إلا أنه و مع
ذلك فقد شرع الطلاقاستثناءا و اعتبره أبغض الحلال إلى الله عز وجل علاجا للحياة
المتفككة، وقيده بجملةمن الأحكام والإجراءات ينبغي على الزوج إتباعها حتى يقع طلاقه
و يعتبر سنيا وصحيحا، و الطلاق لغة مأخوذ من الإطلاق و هو الإرسال والترك،
وفي الشرع هو حل رابطةالزواج و إنهاء العلاقة الزوجية، فالأصل أن عقد الزواج يعقد
للدوام و التأبيد.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الطلاق و الأصح
هو رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة وهمالأحناف و الحنابلة و استدلوا على ذلك
بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنالله كل مذواق مطلاق» ، كما قال أيضا صلى
الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى اللهعزوجل الطلاق»
و قبل طرح
مختلف الإشكاليات التي سوف نحاول معالجتها في بحثنا هذاينبغي علينا الإشارة بنوع من الإيجاز
إلى مسألة إثبات الطلاق قبل صدور قانون الأسرةالجزائري بدءا بفترة الاحتلال الفرنسي
لبلادنا أين كانت تطبق على المسلمين أحكامالشريعة الإسلامية، وأنشأت لهذا الغرض
المحاكم الشرعية وأهم قانون كان يطبق آنذاكهو الأمر294-59 الصادر
في04/02/1959بالإضافة إلى النصوص التطبيقية له والجديربالذكر في هذا المجال أنه في هذه
المرحلة وإلى غاية صدور الأمر 294- 59 كان الطلاقإجراءا بسيطا لا يتطلب أية شكلية إذ يتم
بإعلان الزوج عنه لدى القاضي الشرعي ويتعينفيما بعد على الزوجة المطلقة رفع دعواها
من أجل المطالبة بحقوقها المالية ، إلا أنهبعد 1959 أصبح انحلال العلاقة الزوجية
يخضع بصفة إلزامية إلى القضاء و ينظمه بصفةخاصة المرسوم رقم 7082-59 المؤرخ في
17/09/1959 الذي تضمن اللائحة التنفيذيةلأمر294- 59.
أما بعد
الاستقلال فقد صدر القانون رقم 218- 63 المؤرخ في 18/05/1963 و الذي ألغى ولاية محكمة النقض الفرنسية
على القرارات الصادرة عن محاكمالاستئناف الجزائرية و أنشأ مكانه المجلس القضائي الأعلى ،
بالإضافة إلى المرسوم 261- 63 المؤرخ في 22/07/1963 و الذي ألغى المحاكم الشرعية و نقل إلى
المحاكمالمدنية
العادية ، واستمر الحال على ما هو عليه إلى غاية صدور قانون الأسرةالجزائري حيث أصبح الطلاق لا يمكن أن
يتم إلا بتصريح من القاضي بعد محاولة الصلح.
و قد عرفه
المشرع الجزائري في المادة 48 منه بأنه حل عقد الزواج و يتم بإرادةالزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من
الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53و54 منهذا القانون.
إلا أن ما
يعنينا في بحثنا هذا هو الطلاق بالإرادة المنفردة للزوجذلك أنه وان كان المشرع الجزائري قد
أطلق لفظ الطلاق على كل من الطلاق بالإرادةالمنفردة للزوج أو بالخلع أو بطلب الزوجة
إلا أن مسألة إثبات الطلاق في حد ذاتها لاتتعلق إلا بالطلاق بالإرادة المنفردة،
لأن دور القاضي هنا يكون سلبيا إذ يتحقق فقطمن إرادة الزوج في إيقاع الطلاق ليحكم
بإثبات هذه الإرادة دون أن يكون له الحق فيمناقشتها .
و عليه ومتى
وقع الطلاق بهذه الصفة وجب على الزوجة أن تعتد و بانتهاءعدتها تبين من زوجها إما بينونة صغرى أو
بينونة كبرى، ولكن ورغم صحة وقوع الطلاق منالناحية الشرعية إلا أنه قد يتدخل المشرع
و يقيد إرادة الزوج في إيقاع الطلاقباللجوء إلى القضاء و التصريح به أمامه،
ومن ثمة فلا يمكن تصور وقوع الطلاق خارجإطار القضاء، ولكن ومع ذلك فإن الواقع
العملي أثبت وجود هذه الحالات وهنا يطرحالتساؤل: كيف يتصرف القاضي أمام هذا
الموقف مع وجود نص قانوني صريح ؟
هل يحكمبإثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي أم من
تاريخ صدور الحكم ؟
و فيما إذا
كانتالإجابة
بنعم كيف يتعامل مع آثار الطلاق مع العلم أن العدة تكون قد انقضت ؟
هذامن جهة و من جهة أخرى تطرح إشكالية
الطعن في الحكم القاضي بالطلاق خاصة مع غموض نصالمادة 57 من قانون الأسرة و عدم النص
على مسألة الطلاقالعرفي.
الفصل الأول: كيفية إثبات الطلاق .
في حقيقة الأمر أن مسألة إثبات
الطلاق و إن كانتللوهلة الأولى تبدوا بسيطة إلا أنها تنطوي على غموض كبير خاصة
في تفسير نص المادة 49 من قانون الأسرة إذ يثار الإشكال حول الحكم الصادر بالطلاق
فيما إذا كان منشئاأو مقررا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه نظرا لخصوصية الحكم
بإثبات الطلاق فإنه لامجال لإعمال سلطة القاضي فيه ذلك أنه يتعين عليه أن يحكم
بالطلاق متى رفع إليهبناءا على إرادة الزوج المنفردة دون أن يكون له الحق في
مناقشته، و عليه فإن السؤالالذي يطرح نفسه هو هل يدخل الحكم بالطلاق في الوظيفة
الولائية للقاضي أم في الوظيفةالقضائية له ؟
وعلى صعيد
آخر نجد أن التطبيقات القضائية تذهب إلى إثبات الطلاقالواقع خارج ساحة القضاء وبأثر رجعي مع
العلم أن هذا الاتجاه كان معمولا به قبلصدور قانون الأسرة الجزائري تطبيقا
لقواعد الشريعة الإسلامية، وعليه هل يمكن القولبأن مسلك القضاء سليم في هذا المجال أم
أن ذلك بدعة قضائية ينبغي النزوح عنها؟
خاصة و أن
المادة 222 من قانون الأسرة تحيل على أحكام الشريعة الإسلاميةبالنسبة لكل ما لم يرد النص عليه في
قانون الأسرة.
إجابة على
مختلف هذهالتساؤلات
و غيرها فإننا سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في المبحث الأولكيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة
الجزائري و الذي نتطرق فيه إلى المبدأ الواردبه و هو عدم ثبوت الطلاق إلا بحكم قضائي
في مطلب أول و خروج القضاء عن هذا المبدأبإثباتهم الطلاق العرفي بأثر رجعي في
مطلب ثاني ، في حين نخصص المبحث الثاني إلىكيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية
على أساس أن المادة 222 من ق. أ أحالتعليها في حالة الغموض ، و على أساس أن
المرجع القضائي في إثبات الطلاق العرفي بأثررجعي هو الشريعة الإسلامية و سوف نتطرق
فيه إلى الإشهاد على الطلاق في الشريعةالإسلامية في المطلب الأول أما المطلب
الثاني فنخصصه لطرق الإثبات المقررة شرعاوقانونا.
المبحث الأول: كيفية
إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
نص المشرعالجزائري في المادة 49 من ق.أ على ما
يلي : لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولةالصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه
المدة ثلاثة أشهر .
يتضح لنا من
خلال هذهالمادة
أن إرادة المشرع تتجه إلى إخضاع مسألة إثبات الطلاق إلى القضاء إلا أنالإشكالية التي تثار في هذه الحالة هي
مسألة إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاءبحكم قضائي وبأثر رجعي و هذا الاتجاه كان
معمولا به قبل صدور قانون الأسرة الجزائريإلا أن القضاء استمر يحكم به حتى بعد
صدور قانون الأسرة وعليه فإن السؤال المطروحهو كيف يتم إثبات الطلاق في قانون الأسرة
و ما مدى صحة اتجاه القضاء في هذا المجال؟ وهذا ما سوف نتناول الإجابة عنه فيما
يلي:
المطلب الأول :
ثبوت الطلاق بحكم قضائي .
كما سبقوأن ذكرنا فإن المادة 49 من قانون
الأسرة استعملت عبارة لا يثبت و ليس لا ينعقد أولا ينشأ أو لا يقع الطلاق إلا بحكم .
وعليه يطرح
التساؤل حول ما يرمي إليهالمشرع الجزائري من خلال هذه العبارة : هل يقصد أن الطلاق
يمكن أن يقع خارج ساحةالقضاء إلا أن إثباته يكون باللجوء إلى القضاء أم أنه لا يمكن
تصور الطلاق خارجساحة القضاء ؟
وهذا ما سوف
نجيب عنه من خلال الفروع التالية :
الفرع 01/
ضرورة صدور حكم لإثبات الطلاق .
للوهلة
الأولى يفهم من سياق المادة 49 من ق . أ : أنهفقط مسألة الإثبات هي التي تبقى خاضعة
للقضاء إلا أن وقوع الطلاق في حد ذاته يمكنأن يكون خارج ساحة القضاء .
ولكن :
وبالرجوع إلى مواد قانون الأسرة نجدها تعتبرأن الطلاق لا يكون إلا بموجب حكم قضائي و
أن العدة تبدأ من تاريخ التصريح بالطلاقمن القاضي و أن هذا الطلاق هو طلاق بائن
رغم أنه يعد انطلاقة لبداية احتساب العدة وبالتالي فإن المراجعة تكــــون قبل
صدورالحكم بالطلاق أي أثناء محاولة الصلح فماطبيعة الرجعة في هذه الحالةو هل يمكن
اعتبارها طلقة تدخل ضمن الطلقات الثلاثة التييملكها الزوج على زوجته أم لا ؟
و بعبارة
أخرى هل يفهم من ذلك بأن المشرع اعترفضمنيا بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء
أم أن المراجعة لا تنصرف إلى الطلاق الرجعي؟
و إذا قلنا
بأن الأمر كذلك فهل يعني ذلك أن المشرع الجزائري لا يعترف بوجودالطلاق الرجعي لأنه بصدور الحكم تبين
الزوجة من زوجها ؟
إجابة على
هذه الأسئلةنقول
في البداية بأن المشرع قد حدد فترة زمنية تجرى خلالها محاولة الصلح وهي
ثلاثةأشهر
ممنوحة للزوجين من أجل مراجعة نفسيهما ،و بالتالي لا يجوز للقاضي أن يحكم
قبلمضي هذه
المدة إلا أنه في حالة امتداد المصالحة إلى أكثر من ثلاثة أشهر فإن المشرعلم يرتب أي جزاء على ذلك.
وفي رأيي أن
عدة الزوجة عادة ثلاثة أشهر وعليه فقدرأى المشرع أن المصالحة خلال العدة لا
تحتاج إلى عقد جديد ومن هنا جاءت مدة الثلاثةأشهر وبما أن الأمر كذلك فإننا نفهم أن
المشرع قد اعترف بوقوع الطلاق خارج ساحةالقضاء ضمنيا و يبقى الإشكال في كون أن
المشرع لم يرتب جزاءا عن المصالحة التي تقعبعد مضي مدة الثلاثة أشهر .
وفي هذا
المجال يرى الأستاذ زودة عمر أن الرجعة التيتقع بعد الإعلان عن الطلاق من قبل القاضي
لا تدخل في مفهوم الرجعة التي يملكهاالزوج في الطلاق الرجعي ،لأن الطلاق لم
يقع بعد ، و تبعا لذلك يستطيع الزوج أن يعيدالزوجة إلى بيت الزوجية في أي وقت ما
دامت العلاقة الزوجية ما تزالقائمة.
وخلاصة القول
أن المشرع الجزائري لم يميز بين الطلاق الرجعي و الطلاقالبائن هذا إذا أخذنا بحرفية النص و
بفكرة عدم وقوع الطلاق خارج ساحة القضـاء، أماإذا أخذنا بالمفهوم المقابل له و هو وقوع
الطلاق خارج ساحة القضاء و ثبوته بحكمقضائي فإننا نكون كما سبق البيان أمام
نوعين من الطلاق طلاق رجعي و آخر بائن.
وتجدر
الإشارة إلى أن المشرع قد فرق بين الطلاق البائن بينونة كبرى و الطلاقالبائن بينونة صغرى ، و ذلك بنصه في
المادة 51 من ق. أ على أنه لا يمكن أن يراجعالرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا
بعد أن تتزوج غيره وتطلق منه أو يموت عنهابعد البناء .
و قد ذهبت
المحكمة العليا إلى التفرقة بين الطلاق الرجعي و الطلاقالبائن حيث جاء في قرارها أنه من المتفق
عليه فقها و قضاءا في أحكام الشريعةالإسلامية أن الطلاق الذي يقــع من الزوج
هو الطلاق الرجعي وأن حكم القاضي به لايغير من رجعيته لأنه إنما نزل على طلب
الطلاق. أما الطلاق البائن فهو الذي يقع ماقبل الدخول أو وقع بناءا على عوض تدفعه
الزوجة لزوجها للتخلص من الرابطة الزوجيةمعه، و كذلك الطلاق الذي يوقعه القاضي
بناءا على طلب الزوجة لدفع الضرر عنها و حسمالنزاع بينها و بين زوجها.
و إن القضاء
بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكامالشريعة الإسلامية و لذلك يستوجب نقض
القرار الذي اعتبر الطلاق بإرادة الزوج طلاقابائنا.
وعلى صعيد
آخر نجد أن عبارات قانون الأسرة جاءت غامضة، إذ نجد في المادة 58 منه عبارة تاريخ التصريح بالطلاق فما
لمقصود منها ؟ هل نعني بها تلفظ الزوجبالطلاق أم نعني بها تصريح القاضي به ؟
يذهب الأستاذ
زودة عمر إلى أن الطلاق لايقع إلا بموجب حكم فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط
للانعقاد، ذلك أن المشرععندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة
الصلح فهو ينفي وقوع أيطلاق مالم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي و من ثمة
يكون المشرع قد انحازإلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الواقع خارج مجلس
القضاء بل يجب على الزوج أنيعلن عن إرادته في استعمال حقه في الطلاق أمام القاضي بعد أن
يستوفي إجراء الصلح،وينتهي استعمـال الزوج لحقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي
يثبت فيه استيفاء إجراءالصلح و تعبير الزوج عن إرادته في ذلك، و من ثمة يعدّ المحرر
القضائي شرطا لصحةوقوع الطلاق و ليس وسيلة لإثباته.
ونجد أن
المشرع الجزائري لم يستحدث أمراجديدا و إنما أخذ برأي الفقهاء الذين يقولون بضرورة الإشهاد
على الطلاق.
وعلىغرار التشريع الجزائري فقد ذهب التشريع
التونسي إلى عدم وقوع الطلاق خارج ساحةالقضاء. وذلك على خلاف التشريع المصري و
الذي يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء،حيث يثبت بجميع طرق الإثبات الشرعية من
إقرار و بينة ويمين.
وقد ذهبالاجتهاد المصري إلى أن إقرار الزوج
بطلاق زوجته مسندا إلى تاريخ سابق لا يعد إنشاءلطلاق جديد، و حجتهم في ذلك هو حتى لا
يحل له التزوج بأختها أو بأربع سواها زجرا لهحيث كتم طلاقها و هو المختار.
كما ورد في
اجتهاد آخر أن يعامل المطلق في حقنفسه وحق الشرع بإقراره بالطلاق ، و بانقضاء العدة في زمن
يحتمل فيه ذلك فليس له حقمراجعة مطلقته.
وتجدر
الإشارة إلى أنه و إن كان المشرع الجزائري لم ينص علىإثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء
بأثر رجعي إلا أن التطبيقات القضائية فيمختلف المحاكم تعمل على إثبات الطلاق
العرفي وترتب عليه آثاره بأثر رجعي، وقد عمتهذه الظاهرة في معظم محاكم البلاد و على
رأسها محكمتي الجلفة و البويرة وقبل التطرقإلى مسألة الطلاق العرفي و الإشكاليات
الناجمة عنه ينبغي علينا معرفة أولا طبيعةالحكم بالطلاق فهل هو حكما منشئا أم
مقررا ؟ وهل هو عملا قضائيا أم عملا ولائيا ؟
الفرع
الثاني:طبيعة الحكم بإثباتالطلاق.
إن البحث في
طبيعة الحكم المثبت للطلاق يقودنا إلىالبحث أولا في أنواع الأحكام القضائية و
التي تنقسم إلى أحكام تقريرية، أحكام منشئةو أحكام إلزام،وكل حكم تقابله دعوى خاصة
به ، ثم البحث في طبيعة الحكم في حد ذاتهفيما إذا كان حكما قضائيا بأتم معنى
الكلمة أم لا يعدوا أن يكون مجرد عملا ولائيا .
ونعلم أنه
وكما سبق بيانه فإن حق الطلاق المقرر للزوج هو حق إرادي و الحقالإرادي يعرف بأنه سلطة إحداث الأثر
القانوني بمحض إرادة صاحبه ما دام ذلك يوافقالقانون وبمجرد استعماله يترتب عليه
الأثر القانونـي و هنا يجب تمييزه عن الحـــــقالإرادي الذي لا يولد مع ميلاد الحق أو
المركز القانوني إذ لا ينشأ هذا الأخير إلابناءا على ما يرتكبه الطرف الآخر في
الرابطة من إخلال بالتزاماته و مثالها حقالزوجة في التطليق .
ولذلك فإن
طرق استعمال هذا الحق تختلف عن طرق استعمال الحقالإرادي الذي ولد مع ميلاد الحق أو
المركز القانوني .
إلا أنه ورغم
كون حقالزوج
في الطلاق هو حق إرادي فقد قيده المشرع باللجوء إلى القضاء ، وتبعا لذلكأصبحت إرادة الزوج عاجزة لوحدها على
ترتيب الأثـر القانوني إلا باستيفاء الشكلالمقرر قانونا، و ذلك باستصدار حكم قضائي
يثبت إرادة الزوج في الطلاق .
وقد جعلالمشرع لهذا الحكم طبيعة الإنشاء لأنه
ينهي العلاقة الزوجية بين الطرفين و يخلقبذلك وضعا جديدا و ذلك من تاريخ صريح
القاضي به ،إلا أن السؤال الذي يبـقـــىمطروحا هو ماهي طبيعة هذا الحكم ؟ هل
يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي أم أنه عملاقضائيا ؟
الإجابة على
هذا السؤال تقتضي منا التمييز بين الأعمال القضائية والأعمال الولائية للقاضي ، فالأصل في
أعمال القضاء أنها ذات طبيعة قضائية بحتةواستثناءا تكون ذات طبيعة ولائية ،و يذهب
الأستاذ زودة عمر إلى أن الفرق بينهمايكمن في وجود النزاع من عدمه و عليه و
طالما أن الحكم بإثبات الطلاق لا ينطوي علىأي نزاع فإنه من المفروض أن يكون عملا
ولائيا، إلا أن المشرع ارتأى إصداره في شكلحكم قضائي تماما كالأعمال القضائية .
وخلاصة القول
أن المشرع الجزائري و إن كانقد منح للزوج حق الطلاق بإرادته المنفردة دون الحاجة إلى
إبداء الأسباب و دون أنيكون للقاضي فيها دورا إيجابيا -و هـذا ما يفيد أنه يدخل في
الوظيفة الولائيةللقاضي- فإنه قيده باستيفاء الشكل المقرر قانونا وجعل له
طبيعة الإنشاء و هذا ماانتهى إليه الأستاذ زودة عمر، ذلك أنه من المفروض أن القاضي
يقرر وجود هذا الطلاقمن عدمه فقط في حين أن القانون يذهب إلى وقوع الطلاق من
تاريـخ إعلان القاضي عنه وليس من تاريخ تصريح الزوج به ، و بالتالي فإن آثاره تترتب من
تاريخ الحكم و هذا مايدعونا إلى التساؤل حول مضمون الحكم المثبت للطلاق، فما هو
مضمونه ؟
الفرع
الثالث:مضمون الحكم بإثباتالطلاق.
يتضمن الحكم
بالطلاق عادة شقين اثنين:
فأما الشقالأول فهو يتعلق بالطلاق و يصدر
ابتدائيا نهائيا في حين نجد أن الشق الثاني يتعلقبالآثار المترتبة على الطلاق و يصدر
ابتدائيا و عادة تكون صيغةالمنطوق كما يلي :
حكمت المحكمة
حال فصلها في قضايا الأحوال الشخصية حكما علنيا حضوريا :
فيالشكل : بصحة الإجراءات و بالتالي قبول
الدعوى شكلا .
في الموضوع :
القضاءنهائيا بالطلاق بين كل من …… و …… مع
أمر ضابط الحالة المدنية بتسجيله بسجلاتالحالة المدنية لبلدية …… و التأشير به
على هامش عقد زواج الطرفين و شهادتيميلادهما .
و القضاء
ابتدائيا: بتحميل الزوج مسؤولية الطلاق و إلزامه بأن يدفعللزوجة مبلغ …… تعويضا عن الطلاق
التعسفي، ومبلغ …… كنفقة عدة و إسناد حضانةالأبناء …… لأمهم على نفقة أبيهم بواقع
…… شهريا لكل واحد منهم تسري من تاريخ النطقبالحكم تستمر إلى غاية سقوطها شرعا أو
قانونا، مــع منـح الأب حق الزيارة يوميالخميس والجمعة و في المناسبات و الأعياد
الدينية و أيام العطل، و إلزام الزوج بأنيخصص للحاضنة سكنا لممارسة الحضانة فيه
أو بدل إيجار بواقع …… شهريا.
و تجدرالإشارة إلى أن أساس التعويض عن الطلاق
التعسفي هو الضرر المادي و المعنوي اللاحقبالزوجة المطلقة، و من ثمة يتعين التمييز
بينه و بين حق المتعة و الذي يعد حقامعترفا به لكل مطلقة بغض النظر عما إذا
كان قد لحق بها ضرر أم لا .
الملاحظ فيالواقع العملي أن قضاة الأحوال الشخصية
لا يبادرون إلى سؤال الزوجين
فيما إذاسبق و أن وقع طلاق بينهما كما أنني لم
أجد حكما واحدا يتضمـــن عدد الطلـقات معالعلم أن القانون الجزائري يفرق بين
الطلاق البائن بينونة صغرى و الطلاق البائنبينونة كبرى .
وعليه و إذا
قلنا أن الطلاق يثبت بحكم قضائي منشئ فما مدى صحةالتطبيقات القضائية بشأن إثبات الطلاق
العرفي بأثر رجعي ؟ وهذا ما سوف نتناوله فيالمطلب الموالي .
المطلب الثاني:
إشكاليةالطلاق
العرفي على ضوء التطبيقات
القضائية
لقانون الأسرةالجزائري:
رغم عدم وجود
نص قانوني يسمح بإثبات الطلاقبأثر رجعيإلا أن التطبيقات القضائية تذهب في جميع الأحوال إلى إثباته
بأثر رجعي،ونجد
أن كلا من محكمـــة البويرة و كذا محكمة الجلفة تعملان على إثباته بأثر
رجعيبعد
التحقيق في واقعة الطلاق في حد ذاتها ، بسماع الأطراف و كذا الشهود، و قد
صدرتعدة
أحكام عن محكمة الجلفة مؤيدة بقرار من المجلس تصب في هذا الغرض و أهمها
القراررقم
19/99 الصادر بتاريخ 30/01/1999 والذي صدر إثر استئناف حكم قضى بالإشهاد
علىواقعة
الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين خلال شهر أوت 1996 و إلزام المدعى عليه
بأنيدفع
للمدعية مبلغ 40.000 دج عن الطلاق التعسفي و مبلغ 10000 دج نفقة عدة و مبلغ 1000 دج نفقة إهمال للابن تسري من تاريخ
01/06/1998 إلى غاية النطق بالحكم و إسنادحضانة الابن لأمه.
وقد كان قرار
المجلس بتأييد الحكم مبدئيا مع تعديله بحذف مبلغالتعويض عن الطلاق التعسفي.
وتجدر
الملاحظة أن حذف التعويض لم يكن لعدم جوازه بللكون أن الزوجة قد اعترفت بوجود اتفاق
بينها و بين الزوجعلى الطلاق ، وبالتالي فقدأسسوا قرارهم على أساس المادة 442 و ما
بعدها من القانون المدني واعتبروا أن الصلحينهي النزاع.
وفي حقيقة
الأمر أن الفراغ القانوني الموجود في قانون الأسرة بخصوصالنصوص التي تحكم الطلاق أدى بنا إلى
مشاكل عويصة خاصة و أن المشرع سمح بإثباتالزواج العرفي و سكت عن إثبات الطلاق
العرفي، فما هي أهم هذه الإشكاليات؟
الفرع
الأول:حالة عدم تسجيل عقدالزواج.
تنص المادة
22 من قانون الأسرة على أنه: يثبتالزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية وفي حالة عدم تسجيله
يثبت بحكم إذا توافرتأركانه وفقا لهذا القانون.
وقد حددت
المادة 9 من قانون الأسرة أركان عقد الزواجبنصها على أنه يتم عقد الزواج برضا
الزوجين و بولي الزوجة و شاهدين و صداق.
يتضحلنا من خلال هاتين المادتين أن المشرع
الجزائري يعترف بوجود عقد الزواج العرفي ويرتب عليه آثاره كاملة من إثبات النسب
ووجوب النفقة ... إلا أنه قد يحدث أن يقدمالزوج على طلاق زوجته عرفيا أمام جماعة
من المسلمين و ينصرف كل منهما إلى حال سبيلهفما مصير هذا الزواج و ما مصير الأولاد
إن وجدوا ؟
بادئ ذي بدء
يجب القول أنهلا
يمكن رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي ما لم يكن الزواج العرفي قد تم تسجيله،
هذامن جهة
ومن جهة أخرى فإن دعوى الطلاق العرفي تختلف عن دعوى تسجيل الزواج ومن ثمةوجب رفع أولا دعوى تسجيل الزواج وإلحاق
النسب ثم رفع دعوى إثبات الطلاق بصفةمستقلة، هذا طبعا إذا سايرنا الواقع
وسلمنا بقبول دعوى إثبات الطلاق العرفي و التيفرضت نفسها بشدة في الواقع العملي.
إلا أن
المعمول به على مستوى مجلس قضاءالجلفة هو أن يتم رفع دعوى إثبات الزواج والطلاق العرفي في
نفس الوقت ، وجرتالتطبيقات القضائية على قبول مثل هذه الدعاوى و الحكم فيها
بحكم واحد ، وقد صدر عنمجلس قضاء الجلفة القرار رقم 178/2002 بتاريخ 26/10/2002 بين
ر. عبد القادر و ج . زوينة و الذي قضى بتأييد الحكم القاضي علنيا حضوريا نهائيا
بالنسبة للطلاقوابتدائيا بالنسبة لما ســواه بالإشهاد على صحة الزواج العرفي
بين كل من ر . عبدالقادر والمسماة ج . زوينة الحاصل سنة 1994 وكذا الإشهاد على
صحة الطلاق العرفيالواقع بين الطرفين سنة 1996 و الحكمة من عدم جواز رفع
الدعويين بموجب عريضة واحدةتكمن في اختلاف دعوى الطلاق عن دعوى إثبات الزواج هذا من جهة
ومن جهة أخرى فإن حكمالطلاق يكون نهائيا في حين أن الحكم بإثبات الزواج يكون
ابتدائيا ومن ثمة يمكـــن[b:378b