نطاق تطبيق القانون من حيث الزمانمــــقـدمـــــة
المبحث الأول: السريان الزمني للقاعدة القانونية.
المطلب الأول: إلغاء القوانين الجزائية.
الفرع الأول: الإلغاء الصريح.
الفرع الثاني: الإلغاء الضمني.
المطلب الثاني: مبدأ الأثر الفوري للقاعدة القانونية.
الفرع الأول: مفهوم مبدأ الأثر الفوري.
الفرع الثاني: الاستثناءات الواردة على مبدأ الأثر الفوري.
المبحث الثاني: مبدأ عدم رجعية القوانين.
المطلب الأول: مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين.
الفرع الأول: من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد.
الفرع الثاني: من حيث توقيت ارتكاب الجريمة.
المطلب الثاني: الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين.
الفرع الأول: تطبيق القانون الأصلح للمتهم.
الفرع الثاني: حالة النصوص التفسيرية المرتبطة بقانون قديم.
الخــــــــاتــمـــــــة.
*********************************
مقـدمـة:
ينصرف
معنى القانون الجنائي إلى القواعد التي تحدد سياسة التجريم و العقاب، و
تنظم السياسة الإجرامية التي تبين كيفية اقتضاء الدولة لحقها في العقاب
بما يضمن التوازن بين حقوق المتهم و حقوق المجتمع. و يتضمن القانون
الجنائي بهذا المعنى نوعين من القواعد، النوع الأول و هو عبارة عن قواعد
موضوعية تبين ما يعد جريمة و كذا العقوبة المقررة لها، في إطار مبدأ
الشرعية بألاّ جريمة و لا عقوبة و لا تدبير أمن إلاّ بنص من القانون، و
يعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات و الذي يقسم إلى قسمين اثنين أولهما
قسم عام يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة و ببيان الأحكام العامة التي
تحكم كلا من الجريمة والعقوبة عن طريق تحديد الأركان الأساسية للجريمة، و
أحكام المسؤولية الجنائية، و أنواع العقوبات وظروف تشديدها و ظروف
تخفيفها، و القسم الثاني هو قسم خاص يهتم بتحديد وصف الأركان الخاصة بكل
جريمة على حدة، و بيان الحد الأدنى و الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها.
أما
النوع الثاني فهو عبارة عن قواعد شكلية تبين الإجراءات القانونية التي
يتعين مراعاتها، و يجب إتباعها طوال مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة
التحري عن الجريمة، والتحقيق فيها إلى صدور الحكم الجنائي وتنفيذه. و يعبر
عن هذه القواعد بقانون الإجراءات الجزائية.
لكن ما هو النطاق الزمني الذي يطبق فيه القانون الجنائي؟ و ما هي المبادئ التي تحكم هذا التطبيق؟
إذا
كان قانون العقوبات جزء من التشريع العقابي بمعناه الواسع، و فرع له
بمعناه الضيق، فإنّ دراستنا لموضوع نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث
الزمان ترتكز أساسا على تطبيق القواعد الجنائية الموضوعية مدعمة ببعض
الأمثلة، و قد تناولنا فيها مبحثين اثنين الأول يتعلق بالسريان الزمني
للقاعدة القانونية قسمناه إلى مطلبين هما إلغاء القوانين الجزائية، و مبدأ
الأثر الفوري للقاعدة القانونية أما المبحث الثاني فخصصناه لمبدأ عدم
رجعية القوانين و قد قسمناه بدوره إلى مطلبين هما مفهوم مبدأ عدم رجعية
القوانين و الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ.
المبحث الأول: السريان الزمني للقاعدة القانونية.
كلنا
يعلم بأن القانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم سلوكات الأفراد داخل
المجتمع، و من ضمن هذه القواعد تلك التي تحدد الأفعال التي تعتبر جرما و
تبين العقوبات و التدابير المقررة لها بغية الحد من الجرائم باستعمال
الردع المناسب سواء كانت هذه الأفعال إيجابية أم سلبية، و هي محددة في
تقنين خاص، حينما تصدر تصبح نافذة و تطبق على جميع الأفعال الممنوعة التي
ترتكب في ظله و هذا هو أساس مبدأ سيادة القانون أو مبدأ شرعية الجرائم و
العقوبات. ومن غير المنطقي أن يرتكب شخص فعلا مباحا ثم يسن قانون جديد بعد
ارتكابه و يطبق عليه، لأن ذلك يكون خرقا و انتهاكا لمبدأ الشرعية، إذن لا
قيمة و لا سلطان للنص القانوني قبل سريانه و بعد إلغائه.
و عند غياب
أي مؤشر يحدد ميعاد سريان القاعدة القانونية فإنه يتوجب الرجوع إلى النص
العام الذي جاء في القانون المدني لاسيما المادة 4 منه التي تنص على أنه
تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من
يوم نشرها في الجريدة الرسمية.
تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة
بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها و في النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة
بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد
على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة.
الأصل العام في تطبيق
القانون من حيث الزمان هو أن القانون يكون دائما واجب التطبيق من اليوم
التالي لنشره بالجريدة الرسمية أو من التاريخ الذي يحدده نفس القانون
لسريان أحكامه، و هي قرينة قطعية على علم الكافة بها فلا يعذر أحد بجهل
القانون (المادة 60 من الدستور)، وأن القانون لا تسري أحكامه إلا على
الحالات التي تتم في ظله أي بعد إصداره، وأنه لا يسري على ما وقع من
الحالات قبل صدوره. فالركن المادي للجريمة يعني كون الفعل المادي للجريمة
يقع تحت نص يجرمه وقت ارتكاب الجريمة، أي أن السلوك الإجرامي للفاعل يكون
عملاً غير مشروع يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه بنص نافذ في القانون، فلا
يمكن اعتبار الفعل مادياً في عمل مخالف لقانون سابق جرى أباحته أو إلغاء
العقوبة المقررة على ارتكابه بقانون لاحق.
و قواعد قانون العقوبات
كباقي القواعد القانونية ليست بالنصوص الأبدية بل تنشأ و تعدل و تلغى إن
اقتضى الأمر ذلك وفق سريان زمني مضبوط تتحكم فيه ظاهرة تعاقب القوانين، و
من آثار هذه الظاهرة إلغاء القانون اللاحق للقانون السابق.
المطلب الأول: إلغاء القوانين الجزائية.
يقصد
بإلغاء قاعدة قانونية التوقف التام و النهائي عن العمل بها و بالتالي فإن
إلغاء قاعدة قانونية هو قاعدة قانونية في حد ذاتها تنشأ بنفس الطريقة و
تمر بالمراحل ذاتها التي أقرها القانون، و قد تتناول في طياتها البديل عن
سابقتها و كيفية التطبيق موضحة في ذات الوقت مصير القاعدة الأولى و واضعة
الحلول للآثار التي خلفتها و قد تسكت عن ذلك و بهذا نكون أمام صورتين هما:
الإلغاء الصريح و الإلغاء الضمني.
الفرع الأول: الإلغاء الصريح.
يكون
الإلغاء صريحا متى وجد النص، و صراحته تقتضي الإشارة إلى انتهاء العمل
بالقانون السابق وانتفاء إلزاميته، عن طريق استعمال ألفاظ و عبارات واضحة
بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل، بحيث تكون لحظة انقضاء النص السابق هي
ذاتها لحظة نفاذ النص الجديد إذا استبدله المشرع بآخر.
و هو ما أشارت
له المادة 2 فقرة 2 من القانون المدني بقولها "... ولا يجوز إلغاء قانون
إلا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء ...."
و الأمثلة عديدة في
هذا المجال منها ما جاء في قانون العقوبات الجزائري عندما ألغى نص المادة
10 من الأمر 66/156 المؤرخ 08 جوان 1966 المعدلة بموجب المادة 01 من
القانون 82/04 المؤرخ في 13 فبراير 1982، و اللتان ألغيتا بموجب نص المادة
02 من القانون رقم 89-05 المؤرخ في 25 أفريل 1989. فقد كانت المادة 10 وفق
الأمر 66/156 تنص على ما يلي: "الاعتقال هو حجز بعض العائدين للإجرام لمدة
غير محدودة في إحدى مؤسسات التأهيل الاجتماعي". ثم عدلت بموجب القانون
82/04 فأصبحت تنص على:"الاعتقال هو حجز بعض العائدين للإجرام المذكورين في
المادة 60 مدة غير محدد ة في إحدى مؤسسات التأهيل الاجتماعي، غير أنه لا
يمكن تطبيق الحجز على النساء مهما يكن سنهن و كذا على الأشخاص الذين
يتجاوز عمرهم 60 سنة أو يقل عن 18 سنة وقت ارتكاب الجريمة". ثم ألغيت
صراحة بموجب القانون89/05.
[/b]