النور القادم المدير العام
الجنس : السٌّمعَة : 7 الْمَشِارَكِات : 1213 النقاط/ : 2290 العـمــر : 34 الدولة :
| موضوع: فرويد والمنهج العلمي لصاحبه : أ. إبراهيم مرتضى الأعرجي الأحد ديسمبر 19, 2010 5:48 pm | |
| فرويد والمنهج العلمي
أ . إبراهيم مرتضى الأعرجي* إننا قادمون على حقبة علمية ، من أخصب الحقبات التي مرّت بها العلوم على مدى تأريخها، هذه الحقبة ستشهد التحاما جديداً بين العلوم الطبيعية و البيولوجية من جهة ، و الفلسفة و العلوم الإنسانية من جهة أخرى ، بعد أن طال ابتعادها ، بمعنى أخر التحاماً بين العلوم التجريبية و العلوم الإنسانية بوجه عام ، وهذا سيزيد من ثراء الإنسان العلمي في مختلف المجالات و سيزيد من تفهّمنا للمادة و الحياة داخل إطار الدين و الأخلاقيات و الفلسفة . يحاول هذا البحث معالجة مشكلة لم يزل صداها يتردد عند أهل العلم بين الحين و الآخر، فتارة بين أصحاب العلوم الطبيعية، وأخرى * باحث من العراق مقيم في ليبيا. عضو هيئة تدريس، قسم علم النفس، جامعة السابع من أبريل . بين أصحاب العلوم الإنسانية لاسيما عند علماء النفس التجريبيون، وهذه المشكلة تتلخص بالتساؤل الآتي ((هل منهج التحليل النفسي الذي ابتدعه سيجموند فرويد –عالم النفس النمساوي-منهجٌ علميّ موثوقُ فيه؟)). إن أصحاب العلوم الطبيعية و كذلك التجريبيون من العلوم الإنسانية ينظرون بشكٍّ وريبة إلي نتائج الدراسات التي أجراها فرويد باستخدامه منهج التحليل النفسي مما انسحب ذلك على آرائه ونظرياته التي صاغها في دراسته للظاهرة النفسية، وانسحب أيضاً على روّاده و مناصريه ومن ثمَّ إلي المنهج الذي ابتدعه . قبل الخوض في تفاصيل هذه الإشكالية، ثمّة نقطتان أساسيتان يجدر بنا الإشارة إليهما، الأولى هي أن البحث الحالي ليس بصدد المناداة بضرورة التفرقة بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، إذ بزعم أن لكل منهما أهدافه الخاصة، على العكس من ذلك، نلحظ أن إعداد البحث الحالي جاء على أساس أن جميع العلوم على اختلاف مجالاتها وأنواعها، مترابطة ومكمّلة لبعضها بعضاً، وهي تحقق أهدافاً مشتركةً هي:الفهم، الضبط، والتنبؤ للظواهر المدروسة بمختلف الطرائق والوسائل المتاحة، ويعد المنهج التجريبي من أهم المناهج المستخدمة في دراسة هذه الظواهر ولاسيما الطبيعية منها. أمّا النقطة الثانية، فقد يتبادر إلي ذهن القارئ الكريم أن البحث الحالي بصدد النيل من أصحاب المنهج التجريبي والدفاع عن آراء فرويد ونظرياته في علم النفس، والحقيقة غير ذلك تماماً، فالبحث الحالي يؤكد على أن المنهج التجريبي ليس هو المنهج الوحيد الذي يتم من خلاله دراسة الظواهر المختلفة بثقة وموضوعية وإنما هناك مناهج كثيرة أخر تستخدم في دراسة هذه الظواهر، ونتائج موضوعية معتمدة، وجميعها تمثّل المنهجية العلمية، ومنهج التحليل النفسي والمنهج التجريبي من ضمن تلك المناهج . إن التساؤل المطروح مسبقاً يكشف لنا عن مشكلة أكبر، تكمن في الصراع الدائم بين أصحاب العلوم الطبيعية وأصحاب العلوم الإنسانية الناتج عن طبيعة المناهج المستخدمة في دراستهم للظواهر المختلفة. إذ يرى أصحاب العلوم الطبيعية أن استخدامهم للمنهج التجريبي أحدث فجوة كبيرة بين تطور علومهم وتطور العلوم الإنسانية، ويعتقدون إن هناك فارقاً شاسعاً لصالحهم يفصلهم عن أقرب العلوم الإنسانية إليهم. في حين يرى أصحاب العلوم الاجتماعية أنهم حققوا في الحقبات الأخيرة انتصارات باهرة فرضت نفسها كطرف يُقرأ له الحساب ضمن سائر العلوم الأخرى، وقد حققوا ذلك نتيجةً لابتداعهم مجموعة مناهج علمية رصينة تتماشى مع الظواهر الإنسانية المدروسة. إلاّ أن هناك نفر لا يستهان به من أصحاب العلوم الطبيعية يصرّون على ضرورة تطويع كل الظواهر المدروسة للمنهج التجريبي لغرض اعتماد نتائجها، والظاهرة التي لا ترتقي بدراستها للمنهج التجريبي، تبقى نتائج دراستها بمناهج أخرى موضع شكّ وريبة. وعليه فهم يتهمون فرويد بأنه لم ينتهج الطريقة العلمية في أبحاثه ودراساته في مجال علم النفس، وينظرون لنتائجها نظرة شكّ وعدم ثقة، ويشاطرهم هذا الاتهام علماء النفس التجريبيون الذين استعاروا المنهج التجريبي من العلوم الطبيعية عند دراستهم لبعض الظواهر النفسية،على الرغم من محاذير استخدامه في هذا المجال . يرى المعنيون أن سيجموند فرويد وحده أخذ حصّة الأسد من هذه الاتهامات، لاسيما للمنهج الذي ابتدعه، منهج التحليل النفسي، الذي لم يرق لمناصري المنهج التجريبي ولا لمؤيديه، ولعلّ السبب الذي يقف وراء هذه الاتهامات ربما يرجع لقرب علم النفس من العلوم الطبيعية، وكذلك لتحوّل فرويد عن المنهج التجريبي عند دراسته للظاهرة النفسية إلي منهجٍ آخر، علاوة على طبيعة النتائج التي توصل إليها من جرّاء منهجه المبتدع، وهي تعد فريدة يصعب تكرارها، بحسب طبيعة الحالة أو الظاهرة المدروسة. وهذا ما لا يؤيده أصحاب المنهج التجريبي، وهكذا كانت تلك النتائج غير صادقة وغير دقيقة في نظرهم، من دون النظر إلي الجدوى أو الفائدة المرجوّة منها . ولمعرفة فيما إذا كان منهج التحليل النفسي الذي ابتدعه، هو منهجٌ علميٌّ موثوقٌ فيه، ينبغي أولاً أن نحدد ماذا نقصد بالمنهج العلمي؟ وثانياً ما منهج التحليل النفسي؟ بالنسبة لاصطلاح المنهج العلمي أو الطريقة العلمية Approach OrMethodScientific فالمقصود به الطريق المؤدي إلي الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلي نتيجة معلومة. أو الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسته للمشكلة لاكتشاف الحقيقة. أو كما أشار إليه محمد عابد الجابري*بأنه ((جملة العمليات العقلية، والخطوات العملية، التي يقوم بها العالم من بداية بحثه وحتى نهايته، من أجل الكشف عن الحقيقة والبرهنة عليها)) . وهنا يجب الإشارة إلي خطأ شائع يقع فيه بعض أصحاب العلوم الطبيعية، ذلك أنهم يستخدمون اصطلاح Experiment مرادفاً للمنهج العلمي، ظنّاً منهم أن الطريقة العلمية مقتصرة فقط على المنهج التجريبي والعلوم الطبيعية، من دون غيرها من العلوم الاجتماعية والإنسانية. أمّا بالنسبة إلي المقصود بمنهج التحليل النفسي Method Psychoanalysis فهو يدل وفقاً لتحديد فرويد له على ثلاثة أشياء هي - 1-منهج للبحث في العمليات النفسية التي تكاد تستعصي على أي منهج آخر. 2-فن علاج الاضطرابات العصابية (النفسية) . 3-مجموعة من المعارف النفسية يتألف منها نظام علمي جديد. وهو باختصار طريقة أو أسلوب يتبعه الباحث (المحلل) لدراسة السلوك الإنساني والشخصية من حيث (نموّها، قياسها، اضطراباتها) من خلال استجلاب خبرات الطفولة المكبوتة والدوافع اللاشعورية إلي الشعور ذلك أنّها تلعب دوراً مهماً في السلوك والشخصية، ويتم ذلك عادةً من خلال طريقتين هما التداعي الحر وتحليل الأحلام. ومن هذين التحديدين يمكننا أن نستنتج شيئين مهمين، الأول هو أنه لا يمكننا الحديث عن منهج عام للعلوم، للكشف عن الحقيقة في كل مجال. وإنّما يمكن التحدّث عن جملة مناهج علمية خاصّة بكل علم تفرضها طبيعة موضوعه، والثاني هو أن منهج التحليل النفسي أحد هذه المناهج العلمية المستخدمة في دراسة الظواهر السلوكية والنفسية، وأن استخدامه أعطى نتائج قيّمة ومفيدة أسهمت في إثراء الدراسات النفسية كما أنّها سلّطت الأضواء على جوانب خفيّة في الطبيعة البشرية . إن عملية التأكد من صحّة الاستنتاجين السابقين يمكن تحقيقها من خلال متابعة أعمال فرويد وأفكاره على مدى حياته العلمية، فهو استخدم الطريقة العلمية في جميع أبحاثه ودراساته، وبمناهج مختلفة. فبعد تخرّجه ·عالم ومفكّر عربي من المغرب . من كلّية الطبّ، مارس البحث العلمي مدّة طويلة في مجال طبّ الجهاز العصبي ومجال الفسيولوجيا، وله مكتشفات وإسهامات مهمة في هذين المجالين، لاتزال حتى الآن دليلاً على أنّه كان من كبار الباحثين فيهما، وقد استخدم في أثناء عمله فيهما المنهج التجريبي الصارم، الذي يعدّ الأكثر صلاحيّة وفائدة لهما، فقد ظلّ فرويد يبحث في تشريح النخاع الشوكي بمعهد الفسيولوجيا في (فينّا) زهاء بضع سنوات قد أسفرت عن نتائج علمية من الدرجة الأولى، ثمّ قضى بضع سنوات أخرى يبحث في تشريح الدماغ وأمراضه، فاكتشف مرض الشلل الشبيه بالرقّاص وأفرد له مكاناً في المصنّفات الإكلينيكية، فضلاً عن اكتشافاته في النخاع المستطيل، وغيرها . وقد أصبحت هذه الاكتشافات جميعاً جزءاً من التراث الطبّي خلّدت اسم فرويد في ميدان الأمراض العصبية والعضوية. وبعد أعطى للمنهج التجريبي حقه الكامل في الاستخدام ابتدع منهجاً آخرا أكثر فائدة وصلاحية في دراسة الظاهرة النفسية التي لم يعد المنهج التجريبي يجدي معها بالنفع الكبير، سمّاه بمنهج التحليل النفسي Method Psychoanalysis ومن ذلك نستنتج أن المنهج التجريبي كان ملازماً لفرويد مافتئ يعمل في مجال الطبّ العصبي والفسيولوجيا، غير أنّ هذا لايعني بأنّه المنهج العلمي الوحيد الذي يجب عليه (أو حتى على غيره) أن يلتزم به في دراسة الظواهر المختلفة، فهناك ظواهر كثيرة في علوم مختلفة لا يصلح في دراستها استخدام المنهج التجريبي، وإنّما هناك مناهج علميّة أخرى يمكن استخدامها تكون أكثر صلاحيّة، وإذا لم تفِ بالغرض يمكن للعالم أو الباحث أن يبتدع منهجاً مطوّراً أو حديثاً يصلح لطبيعة الظاهرة المدروسة، وهذا ما فعله فرويد. وفي الواقع إن الذين لا يعترفون بمنهجيّة فرويد في التحليل النفسي هم في الحقيقة يعبّرون عن رفضهم الظاهرة النفسية، كما إن الذين يتمسكون بمنهج محدد على حساب طبيعة الظاهرة المدروسة لديهم قصور في فهم فلسفة العلوم. فالتثبيت على فكرة أن المنهج التجريبي هو المنهج الوحيد يُعد ضرباً من التفكير الجامد الذي لا يقرّه علماء المناهج أنفسهم، فضلاً عن علماء التخصّصات العلمية المختلفة وغيرهم من الباحثين والمفكرين الذين يتصفون بالمرونة والواقعية، إذ يرى كلّ هؤلاء أن المنهج العلمي يختلف باختلاف العلوم، وأن لكل علم منهجه الخاص الذي تفرضه طبيعة موضوعه. وفي هذا الصدد ندعو الباحثين في الظواهر المختلفة على بذل الجّهد للوصول للمنهج الملائم لدراستها، فنحن كما يقول لاكاش*((أننا في حاجة إلي مناهج تناسب ما لدينا من مشكلات، ولسنا في حاجة إلي مشكلات تناسب ما لدينا من مناهج))[15]فلا أحد يستطيع القول أن علم النفس مثلاً ينفرد باستخدامه للمنهج التجريبي في دراسته الظاهرة النفسية، وأن كل ما توصّل إليه من حقائق وقوانين ونظريات هي من جرّاء استخدامه لهذا المنهج فقط، ويصح الشيء نفسه بالنسبة لعلم الفلك، فلا أحد يستطيع القول أن الحقائق و القوانين و النظريات التي توصل إليها علماء الفلك هي من جرّاء استخدامهم للمنهج التجريبي فقط، وفي الحقيقة أن علماء الفلك لم يتمكّنوا لحد الآن من تطويع الظواهر التي يدرسونها للمنهج التجريبي، ومع ذلك فإنهم توصلوا إلي اكتشاف عدد لابأس به من الحقائق و القوانين الخاصة بتلك الظواهر تصل إلي حدٍّ كبير من الدّقة والصدق، وليس بيننا من يصف حقائقهم بالزيف لأنها لا تخضع للتجريب المباشر، على الرغم من أن علم الفلك يصنّف من ضمن العلوم الطبيعية.[16] تأسيساً على ما سبق، فقد تخلّى فرويد فعلاً عن استخدامه للمنهج التجريبي عند تحوّله التام إلي دراسة الظاهرة النفسية، إذ أصبح استخدامه للمنهج التجريبي في كثير من الأحيان قاصراً عند دراسة هذه الظاهرة، ولم يعطِ له نتائج مثمرة، والأسباب في ذلك كثيرة، أهمّها أن الظاهرة المدروسة لها خصوصيّتها، فهي تتعامل مع الكائن البشري الاجتماعي بوصفه كلاً متكاملاً، لايمكن تجزئته وعزله عن مجاله النفسي والفيزيقي لأجل دراسته وإجراء التجارب عليه، فهو دائماً يتصرف بطريقة مختلفة عن الطبيعية عندما يشعر بأنه ملاحظ أو تحت تجربة ما. علاوة على أن عناصر الموقف التجريبي التي يكون الإنسان جزءاً منها تختلف تماماً عن عناصر الموقف الطبيعي الذي يكون فيها الإنسان ذاته جزءاً منه، ومن هنا فإن التجربة لن تؤتي ثمارها، وتصبح غير ذات جدوى. كما أن عملية إيجاد موقف تجريبي شبيه بالموقف الطبيعي يكون مستحيلاً في الغالب عند الدراسات الإنسانية، ولعلّ هذا كلّه ما دعا فرويد إلي ابتداع منهج علمي جديد لدراسة الظاهرة النفسية يتناسب مع طبيعتها وموضوعها، هو منهج التحليل النفسي، وكذلك دعا علماء النفس التجريبيين إلي ابتداع المنهج شبه التجريبي ، و في هذا المجال يقول ------------------------------------------- * عالم ومفكّر غربي مصطفى زيور*((إن كل فتح علمي كبير يقتضي ابتكار منهج جديد ملائم لموضوع البحث) فما كان يمكن الكشف عن عالم الجراثيم وخصائصه وعن ابتكارات باستور المشهورة في مجال البكتريولوجيا من دون ابتكار جهاز الميكروسكوب الذي يعد أحد أدوات المنهج التجريبي، وما كان للسلوك اللاشعوري أن يكتشف ويُعرف أثره الكبير في سلوكنا من دون ابتكار أسلوبي التداعي الحرّ، وتفسير الأحلام ، اللذين يُعدّان من أهمّ أساليب منهج التحليل النفسي . أن منهج التحليل النفسي كغيره من مناهج البحث في مختلف العلوم يعتمد على الطريقة العلمية، فهو يُعد من أهم مناهج علم النفس وأكثرها استخداماً لاسيما في مجالي علم النفس الإكلينيكي و الصحّة النفسية، فهو منهج له موضوعية علمية، وله أهميّة تكاملية في دراسة النفس البشرية بوجوه نشاطاتها وإبداعاتها كافّة، كما وله أهمّية في دراسة الآثار النفسية على الأعمال الأدبية والأساطير والفنون والشعوب وغيرها، إلي جانب أهمّيته في علاج الأعصبة، وحديثاً علاج الأمراض الجسديّة. وبدونه ما كان للتحليل النفسي أن يصل إلي ما وصل إليه من اكتشافات حاسمة في ميدان الأمراض النفسية و العقلية. ويُعد أسلوب التداعي الحر AssociationFree أحد أدواته المهمّة، إذ تُعد القاعدة الأساسية لعلم النفس التحليلي، وقد ابتدعها فرويد بالاشتراك مع صديقه الطبيب النمساوي (جوزيف بروير). إن الافتراض الأساسي الذي يدور عليه منهج التحليل النفسي، هو أن السلوك الإنساني والظاهرة النفسية كلاهما محكومان في كثير من الأحيان بقوىً لاشعورية، ولّدتها مجموعة من الذكريات المؤلمة التي كُبتت في اللاشعور في أثناء مراحل النمو الأولى من حياة الإنسان، سواء كان موضوعها حقيقياً أم خيالياً، وهذه الذكريات المكبوتة كما يرى فرويد هي مصدر لكل العُصابات و الأمراض النفسية اللاحقة، وأن عملية الكشف عنها، وعملية استجلابها إلي شعور صاحبها هي المفتاح الأساسي لفهم سلوكه وضبطه والتنبؤ به. ومنهج التحليل النفسي هو أنسب وأنجح المناهج العلمية لتحقيق ذلك، ولعلّ النتائج التي خرجت بها ------------------------------------------- * عالم نفس مصري . دراسات علم النفس الإكلينيكي خير دليل على نجاح هذا المنهج ومصداقيّته، كما أن تطابق نتائج الدراسات النفسية التي اُخضعت لكلا المنهجين(منهج التحليل النفسي والمنهج التجريبي) في حالة التمكّن من ذلك، دليلٌ آخرٌ على مصداقيّة ودقّة هذا المنهج، فعلى سبيل المثال، إن سهولة استعادة الاستجابة المنطفئة على نحوٍ ما تبدو من تجارب علماء النفس التجريبيين ليست هي إلاّ تعبيراً واضحاً عن ظاهرة التثبيت Fixation التي اكتشفها منهج التحليل النفسي.
على الرّغم من اتفاق علماء المناهج حول علميّة وعمليّة منهج التحليل النفسي في دراسة الظاهرة النفسية، فإن ثمّة انتقادات وجّهت إليه (علماً أنه لا يخلو أيّ منهج من مناهج البحث من انتقادات، ويُعد ذلك شيئاً إيجابياً ومقبولاً) أهمّها البعد عن الموضوعية، فقد تتدخل ذاتية المحلل النفسي في وصف وتفسير الظاهرة المدروسة، كما أن المفحوص أو الخاضع للتحليل النفسي قد يتأثر بطريقةٍ أو بأخرى بإيحاءات المحلل الشعورية أو اللاشعورية. في الواقع إن هذا قد يصُحُّ عندما يكون المحلل النفسي غير مؤهل لذلك. لكن الشيء الصحيح هو أن يكون المحلل النفسي مدرّباً ومعدّاً إعداداً جيّداً. علاوة على تأهيله العلمي والفنّي (التكنيكي) اللازم لقيامهِ بهذا العمل. وهناك مراكز متخصصةٌ لإعداد مثل هؤلاء. أمّا بالنسبة لمسألة الإيحاء، فدارسو ومنتهجو التحليل النفسي يعلمون جيّداً أن القاعدة الأساسية لعملية التحليل النفسي هي عدم الإيحاء للمفحوص بأي شيء سواء كان ذلك شعورياً أو لا شعورياً، وهم يدرّبون على ذلك جيّدا. ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن منهج التحليل النفسي كغيره من مناهج البحث يتوخى الموضوعية والدقّة عند استخدامه، علماً بأن الموضوعية المطلقة لا وجود لها في نطاق المعرفة العلمية، فحتى المنهج التجريبي لا يخلو من الذاتية و الأخطاء التجريبية على الرغم من كل إجراءاته الصارمة. ويلاحظ أن فرويد مثله مثل أي عالم في العلوم الطبيعية وغيرها قام بتطوير وتنقيح نظريّته في الشخصيّة الإنسانية توخّياً للموضوعية والدقّة، من خلال منهج التحليل النفسي. فالمتتبع لتطور نظريّة فرويد وللمفاهيم التي طرحها فيها والى التحليل الذي صوّره، يلاحظ أنه قام بعدّة تعديلات في نظريّته حتى أصبحت على شكلهاالحالي، والمتفحّص لهذه التعديلات يجد من خلالها مؤشرات ودلالات على منهجيةٍ علميّةٍ ناجحةٍ اتبعها فرويد، علماً بأن عملية إيجاد تعديلات في نظريّةٍ ما أو في مسار علم ما من العلوم، هي نهجٌ علميٌّ موضوعيٌّ تعتمدهُ فروع المعرفة كافة، ومنها العلوم الطبيعية. فهو أمرٌ في صلب فلسفة العلم في الختام ينبغي الإشارة إلي أنه على الرغم من كثرة مناهج البحث في دراسة الظواهر المتنوّعة في مجالات العلوم المختلفة، فإن هناك الكثير من الظواهر الأخرى لم يستطع الإنسان (الباحث) تطويعها لمناهج بحثهِ المتاحة، بعبارة أخرى إن مناهج البحث التي ابتدعها الإنسان تجريبية كانت أم تحليلية نفسية أم غيرها، تبقى عاجزة عن دراسة الكثير من الظواهر المتنوّعة، والسبب في ذلك قد يعود إلي طبيعة الباحث (الكائن البشري)، فحواسّه التي زوّد بها، وكذلك أجهزته المعمليّة التي طوّرها لخدمة حواسّه، تعجز عن إدراك مثل هذه الظواهر، ولعلّ أنسب طريقة أو أسلوب لدراستها أو للاستدلال عليها (كما يرى أصحاب –علم الدالّة-الباراسايكولوجي) هو الاعتماد على الإحساس الوجداني (العاطفي) الذي يكون أصدق وأدق من الإحساس التقليدي في الكشف عن مثل هذه الظواهر. وذلك ما يتجلّى في دراسات الظواهر الباراسايكولوجية . | |
|
djamele7892 إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 28 الْمَشِارَكِات : 9188 النقاط/ : 10349 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: رد: فرويد والمنهج العلمي لصاحبه : أ. إبراهيم مرتضى الأعرجي الجمعة مارس 11, 2011 11:36 pm | |
| | |
|