وهي مرحلة الالتزام الخفي : ويكون فيها الملتزم متحفظاً خائفاً من
أن يرى الناس تغيراً قد حدث في سلوكه لاسيما من القريبين منه ، وفي هذه
المرحلة لا يبدو أي نقد أو هجوم من الوسط المحيط .
وهي مرحلة التبين : وهذه المرحلة تبدأ عندما يُظهر الملتزم تغيراً
في سلوكه أو مظهره ، عندما يعلن بإصرار أنه مؤمن ، وهنا تبدأ المعركة مع
الوسط المحيط ، ومسألة اللحية من أقوى الأمثلة على ذلك ، فعندما يطلق
الشاب لحيته فإنه يواجه وسطه المحيط بسلوك مغاير لسلوكهم ؛ وهنا تبدأ
المواجهة .
وتكون مواجهة الشاب في البداية من وسطه المحيط بشيء من اللامبالاة حيث
يكون لسان حالهم :أن هذه نزوة عارضة وسلوك طارئ سرعان ما يزول .
وهي مرحلة التضييق ، حيث : يبدأ هجوم نفسي شديد من قبل الوسط المحيط إذا استمر الشاب وثبت على أمر دينه .
ثم تبدأ محاولات التضييق ، وكذلك يتصاعد الضغط عليه من أجل أن يرجع عن
سلوكه ، بل يصبح خبراً وقصةً تتداولها ألسنة القريبين منه ، إنها حالة من
الحسد (او من الولاء للموروث) تنتاب كل من يحاول أن يثني ذلك الشاب عن
مسلكه القويم وقلت من الحسد لأن الحسد المذموم هو تمني زوال النعمة عن
الغير ؟
أليس ذلك الشاب في نعمة ؟ إنها أجل نعمة ؛ وكل من يحاول أن يرجعه عن تلك النعمة هو حاسد يتمنى أن تزول تلك النعمة عنه .
وهذه الحالة تشبه إلى حد كبير – وهذا تشبيه مع الفارق – حالة الكفار الذين حكى القرآن عنهم أنهم {
ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } (النساء :89).
فهؤلاء الكفار لا يريدون أن يتميز عنهم أهل الإيمان بالإيمان ، إنهم يريدون أن يكونوا معهم سواء في الكفر .
إن ذلك من الابتلاء الذي تحدثت عنه الآية :{
آلم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } (العنكبوت 1،2).
والمقصود أن
الإنسان إنما يبتلى من أجل أن يصقل الإيمان في قلبه ويشتد عزمه .إن الثبات في موقف الابتلاء والحزم في موقف الفتنة لا ينجي صاحبه فقط ،
وإنما يتعدى أثره الحسن إلى آخرين مصاحبين له أو معايشين تجربته .
والخلاصة : أن الناس إنما يجسون النبض ، يجربون الشخص ويقطعون معه الطريق
خطوة خطوة ، وينبغي ان يتحلى المرء معهم بالوعي في الحوار ، وكذلك يتحلى
بالأخلاق الحسنة والصبر ، فيتواصل معهم ولا يقطع الصلة بهم ؛ لأن الصلة
بهؤلاء ستفيده في مراحل بعد ذلك ، والأصحاب غير الملتزمين يجب أن لانقطع
الصلة بهم تماما بل نجعل العلاقة موصولة معهم في أدنى حد ممكن .
وهي مرحلة الحياد وفي هذه المرحلة يكون محيط الإنسان : الأهل
والأقارب ، الأصدقاء قد يئسوا من أن يغيروا الشاب ، وهنا تبدأ مرحلة
التفاوض والحوار ، التي يجب أن يتسلح فيها الشاب بالعلم الشرعي ، ويتخذ
مختلف الوسائل التي تجعله قادراً على الحوار المثمر . الطريقة هي الأهم :
قد لا تؤثر في الناس وأنت تحاورهم بارتفاع مستوى العلم والفكر الذي تقدمه
بقدر ما يؤثر فيهم أسلوبك وطريقة عرضك ، وكذلك أخلاق وآداب الحوار التي
تتحلى بها ، فقليل من الناس أؤلئك الذين يتحلون بالآداب الشرعية ، وهم
القدوة العملية التي تؤثر في الناس أبلغ تأثير .
ولتكن لنا برسول الله صلى الله عليه وسلم _في ذلك _ أسوة حسنة ، حيث إنه
صلى الله عليه وسلم قد استمع إلى الكفار على الرغم من وضوح البهتان والكذب
في حديثهم : استمع إلى الوليد ابن المغيرة ، وهو يعرض عليه عروض قريش التي
يبدون فيها بعيدين كل البعد عن واقع الرسالة وحقيقتها ، ولكن الرسول صلى
الله عليه وسلم كان يستمع حتى النهاية ، او قد انتهيت يا ابا المغيرة؟ ثم
يتلو عليه القرآن فيتأثر الوليد ، وإن لم يؤمن ، وينقل إلى قريش تأثره ذلك
في صورة مدح للقرآن : إن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر …
إننا يجب أن نتعلم كيف نتحدث مع الناس ، يجب أن نعرف : أن الإيجابيات يجب
أن تذكر ، والسلبيات يجب أن تطرح في صورة أفكار ، ونترك للشخص فرصة
التفكير والتدبر ؛ فإن الناس قد لا يبدون موافقة ، ولكنهم قد يتأثرون
وينشغلون بالتفكير في الأمر ، ولندع لهم فرصة للتفكير ، فليس من المهم أن
يقولوا : إن فلاناً الداعية هو الذي علمنا ، إنما أن يصلوا في النهاية إلى
تبني الفكرة والعمل بها .
ولنبدأ بالأولويات ، بالقضايا المتفق عليها ، التي لا يكثر فيها ولا حولها
الجدال ، ولنبدأ مع كل أحد مدركين مفتاح شخصيته ، ومداخل نفسيته ، فإن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجيب على السؤال الواحد لشخصين مختلفين
بجوابين مختلفين : رجل يقول يا رسول الله أوصني ، فيقول له الرسول صلى
الله عليه وسلم : لا تغضب ، وآخر يسأله السؤال نفسه ويطلب منه الطلب ذاته
، فيقول له : لا يزال لسانك رطباً بذكر الله .
ومعرفة واقع الحال ، ونصيحة الناس بما يناسب الموقف من أروع ما نتلقاه عن
الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث نصح المسلمين المستضعفين في مكة بالهجرة
الأولى إلى الحبشة ، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم لهم أن الحبشة أرض
مناسبة لهم ، لأن فيها ملكاً لا يظُـلم الناس عنده وكان النجاشي نصرانيا ،
وهذا موقف يلخص معرفة الأحوال والتاريخ والنفس الإنسانية واستثمار معطيات
معرفة جوانب النفس في التعامل مع المواقف .
ويتضح ذلك أكثر في صلح الحديبية ؛ حيث أرسلت قريش ثلاثة نفر إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم ليفاوضوه ، والعبرة لدينا في الرسول الثالث وهو الحليس
بن علقه ، ولقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قادماً فعلم الرسول من سمته
أنه رجل عبادة ، يعظم الشعائر ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن
يرسلوا الهدي ، فأرسل الصحابة الجمال في الوادي ، فلما رآها ذات قلائد ،
وهذا يدل على أنها قربة لله تعالى رجع إلى قومه وقال لهم : هذا رجل جاء
يعظم البيت –فكيف تمنعونه ؟
فقالوا : اجلس فإنما أنت أعرابي لا شأن لك
فقال : والله إن لم تتركوا هذا الرجل يدخل إلى البيت لأنذر إليكم بالأحابيش نذرة رجل واحد .
- المرحلة الخامسة والسادسة :
مرحلتا الدفاع والقبول وإذا وصل الأمر إلى مرحلة أن توجه أنت النقاش
وتمسك بدفة الحديث فقد وصلت إلى مرحلة الدفاع التي تؤدي إلى مرحلة القبول
، حيث يصبح المرء نتيجة لدفاعه ذا أثر عند من كانوا يهاجمونه .
ومن هنا فإن موقف هؤلاء الناس الذين تحولوا إلى مرحلة القبول يجب ألا يدفع
هذا الشاب إلى الركون إلى الراحة وعدم مواصلة السير وإنما على الشاب أن
يستثمر ذلك الموقف في مزيد من الدعوة والتأثير في المحيط الذي يعيش فيه .
وبعض الشباب يقف بهم الأمر عند مرحلة القبول ، فيترك واجب التأثير فيمن
حوله ، ولكن كثيرا من الشباب أيضاً يصل إلى المرحلة النهائية وهي التفاعل
الإيجابي والتأثير والتقدم خطوات في طريق التغيير والإصلاح .
ولابد أن يكون ذلك على محورين :
محور البناء الذاتي ، حيث يتعلم الشاب ويستوعب قضايا دينه ، ويطبق ما يتعلمه .
محور التأثير ؛ حيث في محيطه الذي يعيش فيه ، والشاب لا يزال يرتقي بنفسه
وبمن حوله في إصرار وعزم و صبر ، حتى يصل إلى أقصى درجة في البناء الذاتي
، والتأثير في محيطه الذي يعيش فيه .