ابــن الاسلام إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 101 الْمَشِارَكِات : 12744 النقاط/ : 22644 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: لأدب الشعبي الإثنين ديسمبر 20, 2010 3:55 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأدب الشعبي مفهومه وخصائصه
كامل مصطفى الشيبي
الأدب الشعبي
وجه من وجوه التراث الشعبي الذي يستغرق مظاهر الحياة الشعبية قديمها وحديثها ومستقبلها وهو أبقاها على الزمن لأن اللباس يتلف
والآلة الموسيقية تتحلل والصناعات الخشبية والفخارية وما إليهما تزول
والكلام يبقى طرياً ندياً لا يزيده الزمن إلا حياة وقيمة وأهمية ، إذ هو ثابت لا يحول ، تتناقله الألسنة وتحفظه الصدور وتتسلمه الأسماع والأفهام ، بوصفه أمانة عزيزة ، وإرثاً تسري فيه أرواح الأجداد .
وحيث أننا نعلم أن العرب كانوا أميين ، ينتشرون في هذه البقاع الفسيحة من الأرض بصحراواتها ووديانها ، بهضابها وسهولها ، بجبالها وجروفها بماشيتها ومصطافاتها ، بمدنا وقراها ، بخيلها ومضاربها ، فإن تعبيرهم عن أنفسهم وأوضاعهم وأحاسيسهم لابد أنه كان معاصراً لوجودهم . من هنا فإن المنطق يقضي بسبق الأدب الشعبي على هذا الأدب التقليدي المعروف ، إذ الأدب الشعبي ، الذي يقوله سواد الناس من رعاة وسقاة ، وزراع ، وصناع وغزاة وصعاليك وصبيان وشيوخ ورجال ونساء ، هو الذي يصور الحياة بتفصيلاتها ووقائعها لا الأدب التقليدي الخاص الذي تحكمه التقاليد والرسوم والآداب الاجتماعية ومجالس الشيوخ والملوك .
ولا عبرة هنا باللغة ، إذ كانت واحدة في كل الطبقات ولم يتخلخل بناؤها إلا بعد أن تسرب اللحن إليها في أواسط العهد الأموي وأوائل العهد العباسي بفعل الظروف المعروفة ، وأهمها الاختلاط الذي حدث بين شعوب الأرض تحت راية الإسلام العظيم ، مما أدى إلى اختلاط اللغات وبلبلة الألسن ، وحاجة المجتمع إلى التحكم في هذه الظاهرة وحفظ اللغة العربية من الضياع ، فجاءت قوانين النحو الصرف ، وجاءت ضوابط التعبير ، وجاءت أمور كونت حاجزاً بين عهد وعهد وسداً بين بيئة وبيئة ، فانكشف الأدب الشعبي في شكليه البدوي والحضري ، وارتفع الأدب التقليدي ، لوصفه الآخذ بالضوابط الجديدة ، فغطى بظله على ما عداه ، وعني به الناس ، وتسلمته المجتمعات وعنيت به الطبقات وسجله الرواة والمصنفون ، وظل الأدب الشعبي ، في حالة هذه ، منقطعاً مستوحشاً ، بالقياس بالتقليدي ، ينتظر العناية والرعاية ، والتسجيل ، وذلك ما فعل غيرنا في الماضي – وإن تأخروا – ونفعله اليوم في سرور وفخر وسعادة .
وعلى هذا ، فالرأي عندنا أن الأدب الشعبي أقدم من أخيه التقليدي الذي صار يعرف ، بالفصيح . وغداً الشعبي بفعل التقصير في التعلم والطبقية المستجدة ، وسكنى المدن والخضوع لقوانينها ، والتحضر الذي طرأ على البيئة العربية بفعل ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الثروة القومية ، كما يقال الآن ، هو الأدب العامي الملحون – وإن كان البدوي منه أقرب ، من الحضري ، إلى صفاء التعبير وقلة الشوائب والحفاظ على التقاليد والسنن السابقة .
وفي محاولة منا لقص أثار البدايات الأدبية في اللغة العربية ، يبدو أن السجع كان الصورة الأولى من التعبير الفني ، ومن الطبيعي أن يظهر على أيدي الكهان في المعابد الكثيرة التي انتشرت هنا وهناك إرواءً لعطش الإنسان العربي إلى الاتصال بالسماء ونيل الأمان من القوة الرهيبة التي تغير الفصول وتحيي وتميت ، وتضر وتنفع .
من هنا تقرب الكهان إلى عالم الجبروت والملكوت بجمل نمقوها إجلالاً له وهيبة وخوفاً وطمعاً كما يلبس الإنسان أحسن ما عنده عند لقاء السلطان أو عند زيارة الأخذان ليعبر عن الاحترام والتقدير والمحبة أو المهابة وما إلى ذلك ..
وهكذا سمعنا واحداً من كهان العرب يسجع ويقول :
( إذا طلع السرطان استوى الزمان وحضرت الأوطان وتهات الجيران ) (1)
وقال آخر : إذا طلع الدبران توقدت الحزان وكرهت النيران يبست الغدران
ورمت بأنفسها ، حيث شاءت ، الصبيان ) (2)
ثم تطور هذا السجع ، ذو الجمل القصيرة ، التي لا تعنى بالوزن ولا الإيقاع ، إلى جمل متساوية ذات أوزان متماثلة أطلق على وحداتها كلمة ( شطر ) ، نسبة إلى ضرع الناقة – فيما يبدو – وتشبهاً به ، وعلى مجموعها مصطلح ( رجز ) .
وقد استمد العربي رجزه هذا من ناقته أيضاً تشبهاً بها – بحالها ( إذا أصابها داء في أعجازها فتضطرب رجل البعير أو فخذاه ، إذا أراد القيام ) (3)
ولهذا فالناقة الرجزاء هي : المريضة بداء الرجز عندهم ، وقد وصفت بأنها ( إذا نهضت من مبركها لم تستقل إلى بعد نهضين أو ثلاث ) كما في لسان العرب لابن منظور ( مادة رجز ) . وهكذا فالجهد الذي تبذله الناقة المريضة في النهوض مرتين وثلاثاً ، حتى تقوم ، هو الإيقاع الذي نسج على منواله أول شكل من أشكال الشعر العربي الذي قام على أساس من الشطر الواحد لا البيت ذي الشطرين كما تطور الأمر فيما بعد .
وقد بقى الرجز على ما كان عليه ، كما فعل سجع الكهان ، وسمي الشعر الجديد ذو الشطرين بالقريض ، استمداداً من فصله نصفين كما يفعل المقراض بالأشياء . وتعبيراً من هذه الظاهرة سمعنا ربيعة بن ثابت بن لجأ الأسدي الأنصاري الرقي ( ت بين 198 و303هـ / 813-818م ) يقول ( رجزاً ) :
أرجزاً تريد أم قريضاً
أم هكذا بينهما تعريضاً
كليهما أجيد مستريضاً (4)
ومن نماذج الرجز الأولى التي تصلح مثلاً له ، وتستغرق شروطه وقول الراجز :
دع المطايا تنسم الجنوبا
إن لها لنبأً عجيباً
حنينها ، وما اشتكت لغوبا
يشهد أن قد فارقت حبيبا (5)
وللاحتجاج على أن الرجز شعر شعبي ذكر ابن وهب الكاتب ( أبو الحسن إسحق بن إبراهيم ، ت بعد 335هـ/ 947م ) أن ( الراجز الساقي الذي يسقي الماء ) (6) ,
وأن الأصل في الراجيز – وهي القطعة الشعرية من الرجز – ( أن يرتجز بها الساقي على دلوه ، إذا مدها . ثم أخذت الشعرا فيه ، فلحق بالقصيد ) (7) ،
أو لحق به القصيد كما ينبغي أن يقال .
وبهذا يتبين أن الرجز شعر شعبي يقترن ترديده أو إنشاده ، أو الغناء به على الصحيح ، شغلاً للنفس عن مشقة العمل وتسلية لها من الهموم وشحناً لها بمزيد من الطاقة للاستمرار في ما هو فيه من جهد .
ولأن هذا الحكم صحيح ، رفض واضعو العروض العربي ، فيما بعد ، أن يعدوا الرجز شعراً وقرنوه بالسجع من جديد (8) لكن ، إذا كان العرب ( يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به ) (9) لابد من عده شعراً شعبياً ، وقد دخل الشر من أوسع أبوابه ، فيما بعد ، واعترف به ، ورد إليه اعتباره فكان منه – وإن كان بدائياً تلقائياً جملياً .
ومن تحصيل الحاصل الإشارة إلى أن الرجز كان ، فوق مصاحبته للإنسان العربي في خصوصيات حياته ، في بيته وعمله وسفره ، إطاراً للحماسة الحربية والفخر بالنفس أثناء القتال بخاصة – والأمثلة على هذه الظاهرة مما لا داعي إلى إنفاق الوقت والحيز فيه .
وإذا استقر بنا هذا الوضع ، ساغ لنا أن نجعل الرجز منطلقاً للقول :
إن للأدب الشعبي فنوناً تختص به وتتضمن معانيه التي تتدفق بها شجون الحياة ، وينبض بها نبضها الذي يعد الدقائق والثواني والأيام ، ثم عد السنين والأجيال والقرون .
ومن هذه الفنون ما يصور الصلة الإنسانية بين الأم والطفل ، وهي صلة ، قد لا تعد من المواقف المهيبة الرهيبة ولا يوصف موضوعها بالجلالة والسمو ، لكنها ، بإنسانيتها وطبيعتها ، تعد بالمقياس الحاضر نفسه تجارب شعرية حقيقة لصدروها عن التجربة والإحساس لا عن الثقافة والتعلم والإنشاء .
من هنا فإن ترقيص الأطفال ، الذي يعبر عن هذه الصلة ويصورها شعراً ، إنما هو أدب شعبي أصيل يصدر من شغاف الأم وهي ترى ثمرة أحشائها بين يديها تخاطبها وتتمنى لها الأمنيات وتفخر بها وتدللها وترقصها حتى تطيب نومتها ولا عجب أن يكون الرجز هو الإيقاع الذي انصبت فيه هذه الأشعار ، أو فلنسمها الأغاني المرقصة ، فهو الوزن الأقدم للتعبير الشعري الذي يصلح للصلة القدمى بين الأم ووليدها ، وهو إيقاع أو وزن يحفل بالحركة والنشاط والسرعة والحماسة .
فمن هذه الأشعار ما يرقص بها الذكر ومنها ما ترقص بها الأنثى .
فمن نماذج الأولى قول أمنا التراثية :
يا حبذا ريح الولد
ريح الخزامي في البلد
أهكذا كل ولد
أم لوم يلد مثلي أحد (10)
وقالت أم أخرى ترقص بنتها :
ماذا علي أن تكون جارية
تمشط رأسي وتكون الفالية
وترفع الساقط من خماريه (11)
وما أجل هذا الرجز الصريح البسيط الصافي من الأكدار ومن الأغراض التي تناولها الأدب الشعبي القديم ، ما رأينا من النصوص التي يرددها الكهان ، وكذا قصص الأبطال ووقائع الحروب وأحاديث السمار التي يراد بها ( الخرافات الموضوعة من حديث الليل ، أجروه على كل ما يكذبون من الأحاديث وعلى ما يستملح ويتعجب منه ) (12) ، وأطلقوا عليها اسم أحاديث خرافة (13) .
ومن الموضوعات التي طرقها الأدب الشعبي :
قصص المحبين العذريين الذين ماتوا حباً :
ومنهم ، المزقش الأكبر ( عوف ، أو عمرو ، بن سعد البكري ، ت نحو 75 ق.هـ / 550م ) ، وعمرو بن عجلان النهدي ( ت 46 ق.هـ / 566م ) . وتوبة بن الحمير العذري ( ت 30هـ / 650 ) ، وقيس بن ذريح الليثي ( ت 68هـ / 688م ) .
ومنهم المغناطيس الأكبر لجذب الأساطير والأشعار وتجميعها ، وخزانة المبالغة في العذاب ، ونعني به قيس بن الملوح العامري ( ت نحو 70 هـ / 690م ) وصاحبته ليلى اللذين عبرت أسطورتهما حدود الجنس العربي إلى الآداب الشرقية وحظيت بأكبر قالب جديد يسابق به الخيال ويضع لها تفصيلات تجوز المقدار لتثير العطف والعواطف ، وتجري بالدموع كالسيول على مثال العشق وإمام العاشقين قيس بن الملوح العلوي (14) .
ومن الموضوعات التي تدخل ضمن مصداق الأدب الشعبي القديم:
تلبيات مواكب الحجاج مواكب الحجاج إلى مكة والعابد الأخرى قبل الإسلام ، فلقد كانت ، كمواكب الاحتفال باستشهاد الحسين في العراق ، ومواكب الصوفية في مناسباتها في مصر وغيرها ، تعكس أدباً شعبياً فطرياً بسيطاً صافياً يعبر عن إيمان ساذج في إطار من السجع البسيط الذي يقترن بأشعار قصيرة من الرجز ، على العادة يومئذ . ومن قولهم :
قولهم :
لبيك اللهم لبيك
لبيك حقاً حقاً
تلبية ورقاً (15)
وقولهم :
عك إليك عانيه
عبادك اليمانيه
كيما تحج ثانية
على الشداد الضاحية (16)
وكان للزواج والطلاق آداب ونصوص ترسم العلاقات والتقاليد التي كانوا يرعونها ، كما يفعلون الآن ، ومن الآثار في هذا الشأن أن الخاطب إذا أتاهم قال ، كما تقتضي التقاليد نصاً :
( نحن أكفاؤكم ونظراؤكم ، فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتمونا ، وكنا لصهركم حامدين . وإن رددتمونا ، لعلة نعرفها ، رجعنا عاذرين ) (17) .
وإذا تم الزواج من قريب ، كان الأب والأخ يقولان للعروس ، بأمر العرف ونصه :
( أيسرت وأذكرت ولا آنثت ، جعل الله منك عدداً وعرا وجلداً ، أحسني خلقك ، وأكرمي زوجك ، وليكن طيبك الماء ) .
وإذا زوجت في غربة ، قيل لها :
( لا أيسرت ولا أذكرت فإنك تدنين البعداء ، وتلدين الأعداء ، أحسني خلقك ، وتحببي إلى أحمائك ، فإن لهم عليك عيناً ناظرة وأذناً سامعة ، وليكن طيبك الماء ) (18) .
وإذا بلغ بنا البحث هذا المدى ، نستحب أن نلفت الأنظار إلى ظاهرتين لغويتين أثارت فضولنا وحملتنا على أن نعدها إرثاً للأدب الشعبي ، ونعني بهما ظاهرتي الكناية والأمثال .
فالكناية هي ( أن تتكلم بالشيء وتريد به غيره ) (19) .
ويراد بها التعبير عن المعنى بألفاظه التي وضعت له أصلاً لسبب من الأسباب ، من تقريب به بالتشبيه ، ومن احترام ، وتحبب ، وتطير ، وتمن ومجاملة وما إلى ذلك . وهي طريقة لاشك لها شعبيتها خصوصاً وأن الأصل فيها – فوق تقريب المعنى بالتشبيه عندنا – ( عبارة ( = تعبير ) الإنسان عن الأفعال التي تستر عن العيون عادة .. تنزها عن إيرادها على جهتها ) (19) .
ويحدث ذلك طبيعة ، في بيت يجمع الأطفال والأضياف أو في مجلس يضم الكبير والصغير وأشتات الناس . من هنا عبروا عن الجمل بسفينة الصحراء ، اعتزازاً به ، وعبر القرآن عن الشرير بقوله : ( امرأ سوء ) ( 19 مريم 28 ) . ومنة الكنى التي لا شك في شعبيتها إطلاق ( أبي الأثقال ) على البغل ، و( أبي الأخبار ) على الهدهد ، و( إبن أيوب ) على الجمل وأم إحدى وعشرين ( فرخاً ) على الدجاجة و( أم الأموال ) على النعجة ، و( ابن الأتان ) على الجحش و( ابن أيام ) على الطفل الحديث الولادة ، وكذا على الناس وغيرهم ، و( أبي بصير ) على الأعمى ، و( أم البيت ) على الزوجة . (20) .
وقالوا ، من هذا القبيل أيضاً :
( الضلال بن التلال ) هو الذي لا يعرف هو ولا أبوه وقالوا في الخبز : ( بنات التنانير وأبو جابر ) ، والليل ( أبو جمع ) ، والجوع : ( أبو جهاد ) والسفينة : ( أم جامع ) والعقرب ( ابنة الجبل ) ، و( الطاووس ) : ( أبو الحسن ) ، والقلوب والأمعاء : ( بنات الحشا ) .
وكنوا عن الخمر بأم الخبائث ، وعن القلم بابن زنجية ، وعن النوم بأبي الراحة ، وعن الهموم والأفكار ببنات الصدر ، وعن الصائد بأبي العيال ، وعن الدموع ببنات العين ، وعن المسافرين والفقراء ببني غبراء ، وعن الأحلام ببنات الكرى ، وعن النساء ببنات النقرى لأنهن ينقرن أي يعبن ويفتشن عن العيوب .
وكنوا عن الثريد بأبي نافع وأبي رزين وعن الموت بأبي يحيى (22) . وقد استمرت هذه الظاهرة في المجتمع العربي حتى الآن .
ومن كناياتهم في القرن الخامس الهجري قولهم : ( سترك الله بستره ) أي قتلك بحائط ينقض عليك ، وقولهم : ( بالع القراح ) للبطيخ ، و( رفسة العيد ) للنخمة ، وقولهم للجائع : ( صاحت عصافير بطنه ) وللمتطفل ( ذباب ) وللسوق الكاسدة ( سوق كسوق الجنة ) لأنها لا بيع فيها ، وللكبريت : ( الحقير النافع ) وللثوم ( عنبر القدور ) وهكذا (23) .
وأما الأمثال فهي حكمة الشعب مضغوطة في جمل قصيرة ، وكأنها حبوب الدواء ، وتبدو شعبيتها واضحة من اتصالها بالحياة اليومية والتفصيلات التي لا يعنى بها ( الأدب الرفيع ) بوصف شيخنا الدكتور على الوردي ، الذي يباعد هذه الموضوعات ويأنف من طرقها ، وربما استمدوها من أرجازهم المشهورة .
فمن هذه الأمثال الشعبية ، المماسة للحياة قولهم :
( الصيف ضيعت اللبن ، إلى أمة يلهف يتوجه اللهفان ) وقولهم ( مر مبكياتك لا أمر مضحكاتك ) وقولهم ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) وقولهم ( أبي يغزو وأمي تحدث ) وقولهم ( أحد حماريك فار جرى ) وقولهم ( البياض نصف الحسن ) وقولهم ( تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ) وقولهم ( ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ) وقولهم (وحمى ولا حبل ) وقولهم ( إن كنت حبلى فلدى غلاماً ) ، وقولهم ( يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ) وكلها تتصل بالنساء (24) .
وقالوا في الموضوعات الشعبية أمثالاً على شرطنا بعضها هنا :
فقد قالوا ( أتاك ريان بلبنه ) وقالوا ( انه يعلم من أين تؤكل الكتف ) وقالوا ( إن كنت في قوم فاحلب في إنائهم ) وقالوا ( اتخذوني حمار الحاجات ) وقالوا ( جعجعة ولا أري طحناً ) وقالوا ( أحشفاً وسوء كيلة ) وقالوا ( رب زارع لنفسه حاصد سواه ) وقالوا ( الشعير يؤكل ويذم ) وقالوا ( لكل ساقطة لاقطة ) وقالوا ( لم يجد لمسحاته طيناً ) وقالوا ( ما كل بيضاء شحمة ) وقالوا ( مع المخض يبدو اللبن ) ، وتدور على الزراعة وعملها والأطعمة . (25) .
وقالوا :
( رب نعل شر من الحفاء )
وقالوا : ( سمن كلبك يأكلك ) وقالوا ( سرق السارق فانتحر ) وقالوا ( صنعة من طب لمن حب ) وقالوا ( كل كلب بحيه نباح ) .
وقولهم : ( كلي طعام السرق ونامي ) وقالوا ( ما النار في الفتيلة بأحرق من التعادي للقبيلة )
وقالوا : ( من يكن أبوه حذاء تجد نعلاه ) وقالوا ( الهوى هوان ) وقالوا (من الرفش إلى العرش ) (26)
وكلها معان متخذة من واقع الحياة الشعبية التي يمارسها الفقراء والزراع والصناع والرعاة ومن إليهم .
وسال سيل الأمثال في العهود كلها ، فعلاوة على ما ذكرناه من قديمها ، وضع الميداني أمثال المولدين في فقرات تتلو الأمثال القديمة على ترتيب الحروف ، وهي إرث الشعب أيضاً ، وتبين من استعراضها مدى التقدم العقلي والحضاري الذي زرعه الإسلام في نفوس معتنقيه ، ومدى الحكمة التي إستفادوها من تجاربهم مع الدول والحكومات والشؤون والمصالح فكأنهم كانوا يؤرخون لمجتمعاتهم وفلسفاتهم في الحياة ،
فمن أمثال المولدين قولهم :
( إن للحيطان آذاناً – إنما السلطان سوق – أن استوى فاكين وإن اعوج فمنجل – إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق – إنما يخدع الصبيان بالزبيب – إلى كم سكباج – أي طعام لا يصلح للغرثان – أي عشق باختيار ؟ - التدبير نصف المعيشة – اتق مجانيق الضعفاء ( أي دعواتهم ) – الجهل موت الأحياء – حسن طلب الحاجة نصل العلم – أجرأ الناس على الأسد أكثرهم له رؤية – الحياء يمنع الرزق – الحاوي لا ينجو من الحيات – سوء الخلق يعدي – السلطان يعلم ولا يعلم – صديق الوالد عم الولد – الصناعة في الكف أمان من الفقر – الطير بالطير يصطاد – الطبل تعود اللطام – العفة جيش لا يهزم – الغرباء برد الآفاق – قل النادرة ولو على الوالده – في بعض القلوب عيون – من سل سيف البغي قتل به – من هانت عليه نفسه فهي على غيره أهون – المرأة السوء غل من حديد – يوم السفر نصف السفر ) (27) وغيرها مما يشق علينا أن نترك لعمقه وفائدته وحلاوته .
وما كان للأمثال أن تتوقف مع تجدد التجارب وتعدد الأحداث وهو أدب شعبي لا شك فيه ، إذ هو سجل لحياة الناس كلهم .
وجاء الإسلام ليضيف أشكالاً جديدة إلى الأدب الشعبي وهو أدب الجماهير أو شعر الرأي العام أو شعر المظاهرات – إن صح التعبير – وذلك عند وقوع فضيحة أو نزول مستغرب يثير الحفيظة ويحرك النفوس .
فمن ذلك أن امرأة رجمت في أواخر القرن الثاني الهجري بتهمة الزنى ، فجعل الصبيان يتكلمون بذلك ويقولون في طرقهم وأقنيتهم :
يا حميد الحمدية لم زنيت يا شقية ؟
لبثت حولاً كريتاً في حجال السندسية (28)
وتكررت مثل هذه الفورة الجماهيرية بعد إخماد ثورة الزنج سنة 270هـ / 883م ، فأدخل رأس بهبوذ الثائر بغداد والناس تردد ، ناسبة الفضل في ذلك إلى القائد لؤلؤ المصري الذي هرب من سلطة أحمد بن طولون (29) وانضم إلى جيش العباسي المحارب ..
فقالت :
ما شئتم قولو كان الفتح للولو (30)
وفي سنة 307هـ / 919 – 920م ، لما كثر العيارون في بغداد – وعين نجح الطولوني للقضاء على فسادهم – كان العيارون يتظاهرون ويشجع بعضهم بعضاً على المضي في العصيان والسرقة ، وكانوا يعبرون عن تصميمهم هذا بقولهم :
أخرج ولا تبالي مادام نجح والي (31)
وفي سنة 565هـ/1069م ، قايض عماد الدين زنكي القائد ( ت594هـ/1197م) بسنجار قلعة حلب ونصيبين (32) ، فثارت ثائرة الحلبيين لهذه القسمة الضيزي ، في رأيهم ، و( عمل عوام حلب أشعاراً عامية كانوا يدقون بها على طبيلاتهم ، منها :
أحباب قلبي ، لا تلوموني هذا عماد الدين مجنوني | |
|
ابــن الاسلام إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 101 الْمَشِارَكِات : 12744 النقاط/ : 22644 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: رد: لأدب الشعبي الإثنين ديسمبر 20, 2010 3:56 am | |
| قايض بنسجار قلعة حلب وزاده المولى نصيبين (32)
والمفهوم أن المأخوذة سنجار والمتروكة قلعتا حلب ونصيبين ليستقر المعنى واللغة معاً إذا الباء علامة المتروك كما تقضي قواعد اللغة العربية .
وفي سنة 605 هـ / 1208م ، دخل مملوك مسيحي مقصورة لخطبة الجمعة وهو سكران وبيده سيف مشهور قتل به جماعة ، ونال الضرب المنبر أيضاً ، فقيل في الواقعة :
مقصورة الخطيب طلب والناس ولوا الهرب
في جانب المنبر ضرب بالسيف حتى انكسر (33)
وفي الجعبة أمثلة أخرى يطول بها المدى وتتبدد مادة لها موضع وأوان غير هذين ، وفيما ذكرنا غنية .
وإذا كنا أبطأنا في هذه التمهيدات ، آملين أن تكون مفيدة ، نستأذنكم في الإسراع قليلاً لكي نفرغ لجوهر الموضوع ومنه :
ويبدو أن الأدب الشعبي قد استقر حقاً في نحو بداية القرن السادس ، إذ تبين فيه اكتمال فنون الشعر واضحة منها :
1 – فن المواليا : الذي بدأ فصيحاً ثم استقر شعبياً على أربعة مصاريع مصرعة أو ناقصة التصريع كالشأن مع الدوبيت مع ميل إلى استعمال الجناس فيه وهو الأمر الذي التصق بهذا الفن ولم يغادره أبداً . وقد نظم الشعراء في هذا القالب خواطرهم وملاحظاتهم وآراءهم وحكمهم ، وقد نشأ هذا الفن في واسط العراق ومن ناحية نماذجه الأولى قول أحد الواسطين :
أضحت أنواف القنا تزعف وبيض الهند
تصحف ونتحب الهامات خوفاً عند
لقاسنان بن عاصم مطعم الأفرند
لحم الحجاج ومن أعيا أساة السند (34)
2 – فن الكان وكان : الذي تتكون الوحدة الشعرية منه من أربعة فصوص غير متساوية وغير مصرعة وقد جمعناه في كتاب برأسه وأصدرته مجلتنا ( التراث الشعبي ) ومن بواكيره :
ما هو بحد الصوارم ولا بمشتبك القنا
إلا هدايا تهدى لمن يشا الرحمن
ولعل أهل البطائح ، ( الأهوار اليوم ) هم الذين اخترعوه أو نشروه ، إذا وجدنا ابن الجوزي يقول إبان نفيه إلى هذه المنطقة سنة 592هـ / 1195م ، كما في مرآة الزمان بسيط ابن الجوزي ( 8:2/481/484) ، وكان هذا الفن وعظياً في غالبه .
3 – فن القوما : وكان فناً شعبياً رباعي المصاريع كالمواليا والكان كان ، لكنها قصيرة ، وأول من سجل ناظماً فيه منصور بن نقطة ( المتوفى في أوائل القرن السابع الهجري ) في قوله مخاطباً الخليفة الناصر العباسي ( ت622هـ/1225م ) :
يا سيد السادات لك في الكرم عادات
أنا بني ابن نقطة وأبي – تعيش أنت – مات
ونظم الشعراء في هذا القالب سحورياتهم في رمضان كما هو معروف ، وهذه الفنون الثلاثة جميعاً عراقية : من العراق انتشرت إلى آفاق العالم الإسلامي .
4 – فن الزجل : وهو الوجه الشعبي للموشح الأندلسي الفصيح ، وقد انتشر على يد الوزير ابن قزمان الأندلسي ( أبي بكر محمد بن عبد الملك الوزير ت 508هـ / 114م ) (35) ومن بعده ابن أخيه محمد بن عيسى بن عبد الملك القرطبي ، ( ت525هـ / 1116م ) (36) ، وانتشر في الأندلس والمغرب وزحف إلى مصر حتى وصل العراق ، وذكر أن أشعار محمد بن عيسى كانت تعرف في بغداد مع كونها بيئة تنتشر فيها الفنون الشعرية المحلية ، ومعروف أن الزجل عالم واسع وبحر طام كانت له فروعه الخمسة التي اختص كل منها بموضوع ، لكنها بادت حتى بقي الزجل وحده وكأن لم تكن له فروعه تلك ، ولله در من قال :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ، ولم يستمر بمكة سافر
المهم أن انتشار الفنون الشعرية الشعبية العراقية والأندلسية سجلت لنا نوعين من القوالب ، أولهما الرباعي البغدادي ، والثاني المتعدد القوافي والوزن وهو الزجل ذو الطابع الأندلسي .
ومع هذين الفنين ينبغي أن نذكر الشعر البدوي الذي ذكره ابن خلدون في المقدمة ، وذكر الحجازي من فنونه صفي الدين الحلي قبله في ( العاطل الحالي ) ( ص8 ) فإنه عرف في الأندلس أيضاً وذكر من أنواعه الأصمعيات والبدوي والحواني وعروض البلد ، حفظاً لذكراه المشرقية وحرصاً على النظم بمقتضى تقاليده القديمة .
وبعد أن تفرعت الفنون الشعرية الشعبية وانتشرت في البلاد العربية ، وجدناها تحذو حذو واحد من هذه الأصناف الثلاثة ، فإما الصنف الرباعي العراقي ومنه : العتابة والبوذية والمربع وما إلى ذلك ، وإما الصنف الأندلسي الملون ، ومنه الزجل الحالي في بلاد الشام ومصر والمغرب ، والحميني اليماني القديم ، وإما البدوي الذي يحاول الاقتراب من شكل القصيدة وإن كان الغالب عليه أن يكون للأشطر الأولى قافية وللأشطر الثانية قافية .
***********
ومع الشعر كان لابد للنثر الشعبي أن يظهر قريناً للنثر الفصيح ، وقد تأخر الشعبي منه كما تأخر الشعر من قبل ، لكنه استقر على أن يكون على نسق قصص العشاق أو على نسق ألف ليلة وليلة ، التي بدأت قصصها تتجمع منذ القرن الرابع الهجري ، أو على نسق قصص الأبطال البدوية من نحو تغريبة بني هلال وأبي زيد الهلالي وسيف بن ذي يزن وما إلى ذلك ، أو على نسق المجالس الحسينية ومجالس الصوفية التي تذكر فيها كراماتهم .
وطبعاً لم تنقطع ولادة الأمثال ولا توقف توليد الكنايات ولا ضعفت آداب المجالس والمناسبات الشعبية والاجتماعية والدينية إذ هي من لوازم الحياة وبطانتها وحاشيتها .
ويبدو الكلام في هذه الموضوعات وكأن له أولاً ولا آخر له ولهذا من حقكم علينا أن نريحكم قليلاً من المضي فيه لنقف عند جوهر الموضوع :
فما مفهوم الأدب الشعبي وما خصائصه في ظل هذه الأسس والاستطرادات ؟
واضح أن هذه الشجون تؤدي إلى خزانة عامرة تضم تراثاً ثقيلاً يتمثل في ما نحصده من ثمرات الحياة الشعبية التي عمرت بالتجارب بفعل الظروف والبيئة وطراز الحياة والتداعي من صورة إلى صورة خلال القرون .
ونعني بهذا كله أن الأدب الشعبي هو العبارات والجمل والأمثال والأشعار والخطب والقصص والأساطير التي تنعكس من ضمير الشعب وقلبه وعقله انعكاساً مطبوعاً لا مصنوعاً لتجعل منه مجتمعاً له خصائصه المتميزة وطابعه الخاص ، وكلها حصيلة حياته وجهد الباحثين من حيث كونهما معبرين حقيقيين عن حقائق أدبية واقعة فعلاً دون تكلف أو تزيد .
ويدخل في هذا المفهوم الكنايات والأمثال والتعليقات والأشعار والقصص ، حتى الخيالي منها ، والنضال المسجل شعراً ونثراً ، وتخرج منه طبعاً النصوص التي قيلت احترافاً أو تكليفاً وبطريقة لا تجعل منها فكراً يمثل أغلبية الناس أو يماس ما تضمره نفوسهم ، وهذا يعني أن أغاني الراديو والتلفزيون والقصص والمسلسلات والمسرحيات لا تعد أدباً شعبياً قبل مرور وقت كاف يجعل منها تراثاً للشعب لا اجتهاداً أو شعوراً ، صدق أم كذب ، لفرد معين .
ويتمثل مصداق ما نقول في الأغاني الخفيفة التي تردد بعد المقامات العراقية القديمة في العراق مثلاً والمواويل التي سارت بين الناس والأغاني التي انطبعت بطابع النشيد الشعبي كأغاني سيد درويش ، في مصر على الخصوص ، وما إلى ذلك .
المقصود بالأدب الشعبي ينبغي أن يكون أدباً حقيقاً راسخاً فعلاً ، له جذور تتصل بالأرض ليحيا بمائها الذي يستقر في أعماقها .
أما الخصائص التي تحدد للأدب الشعبي هويته وكيانه وتجعل منه اسما على مسمى فهي ما يلي :
1 – أن يكون حياً معافى :
يحمل طاقة متجددة وقوة على التجدد والتلوين ، فمع أن الكان وكان والقوما والبليق والحماق والقرقيات وما إلى ذلك جف معينها وتركها الشعراء ، وجدنا فنوناً أخر تأخذ مكانها كالبوذية والعتابة عندنا والشعر القومي في السودان ، والحميني في اليمن والمرسم ( = قصائد الرسوم الدراسة ) والذهبية ( = القصائد الخمرية ، والطبيعية ) في المغرب (37) بل لقد وجدنا في المغرب فناً يسمى ( كان حتى كان ) ، ( يعتمد على القصص والحكاية ) (38) وكأنه بديل عن فن الكان وكان ، الذي احتجب منذ القرن الثاني عشر الهجري – والعرق – كما يقال – نزاع .
2 – أن يكون له طابعه الخاص :
لغة وتعبيراً ، فيلاحظ أن الأدب الشعبي إذا عرض للوعظ والإرشاد الديني كانت ألفاظه وأساليبه أقرب إلى الفصحى وأدنى إلى نصوص القرآن وجمله القصيرة ، كما حدث في الكان وكان والقوما سابقاً كما يحدث في المواعظ الشعبية اليوم . وعلى النسق نفسه وجدنا الشعر الشعبي – إذا اصطدم بالفصحى وعبر عنه نفسه تعبيراً مباشراً بلغته الخاصة فإنه يثور على الفصحى والنحو المواصفات اللغوية ويعد كل انسياق مع قواعد الفصحى عصياناً وكفراً يسقط معه اعتبار الشعراء ويهبطون عن مكانتهم كما حصل مع شعراء الزجل اعتباراً من أيام ابن قزمان الذي كان يقول _ ولما اتسع في طريق الزجل باعي .. عندما ( عندها ) ثبت أصوله .. وعديته ( عربية ) من الإعراب .. تجريد ( تعرية ) السيف عن القراب ) (39) وكمل على ذلك قال صفي الدين الحلي ) فإذا حكم عليهم فيها لفظة معربة غالطوا فيها بالإدماج في اللفظ والحيلة في الخط كالتنوين فإنهم يجعلون كل منون منصوباً أبداً ) (40) فيكتبون _ رجلاً ) على ( رجل أن ) ويكتبون ( إحياء ) على ( إحياي ) (41) إصراراً على رعاية هذا المبدأ . هذا في الزجل ، وقد جرى الأمر على هذا النسق مع المواليا أيضاً .
3 – من خصائص الشعر الشعبي على العموم :
أنه يعنى بالصناعة اللفظية وخصوصاً بتشقيق المعاني من الكلمة الواحدة كما يحدث في الموال والبوذية والعتابة اليوم . وقد كان المنطلق الحقيقي من المواليا لأول ظهوره في أواسط القرن السادس الهجري في تقديرنا ، وقد نقل لنا صفي الدين الحلى أنموذجاً عليه ، نصه :
يا طاعن الخيل ، والأبطال قد غارت
والمخصب الربع والأمواه غارت
هواطل السحب من كنيك قد غارت
والشهب من شاهدت طلعتك قد غارت
ومن ذلك قول موال سجل له صفي الدين هذه القطعة من المواليا وسمي القافية حرف الرفو وذلك في قول أحدهم :
يوم الهوى كل من لو ردف ينخش بو
وكلما جاز على عاشق تحرش بو
وفي المطر كل من لو ساق تدهش بو
وتهلك أذيال من ساقو نبت عشبو (44)
4 – من خصائص الشعر الشعبي أن له أوزانه الخاصة في فنونه الخاصة :
ومع أن المصنفين في الشعر الشعبي يزنون فنونه ببحور الخليل ، كما فعل المرحوم على الخاقاني في كتابه الكبير ( فنون الأدب الشعبي ) ( بغداد 1962 – 1967 ) إلا أن علماء الشعر الشعبي القدماء ، وكانوا شعراء أيضاً ، أعرضوا عن عروض الخليل لقصوره عن وزن أشعارهم كلها واخترعوا بدلاً منه أربعاً وعشرين عبارة إيقاعية انتزعوها من مقطعاتهم الذائعة الصيت وكانوا في ذلك يحققون حلماً لابن قزمان نفسه من قبل (45) هذه العبارات العروضية الشعبية ، سميت بالسنج ( الصنج = عيار الميزان ) وكانت أولاً تعد ست عشرة عبارة من وضع عبد الوهاب البنواني ، ( ت نحو 860هـ / 1456م ) وهي :
1 – نعشق
2 – قمر
3 – كلي
4 – قمري
5 – في الموزون
6 – في المحلة
7 – في الشارع
8 – يجنوكه
9 – من قال أنا
10 – حبيبي
11 – ياكل كلي
12 –كل العنبر
13 – بد
14 – هل
15 – عشر أواق
16 – حبي طرى
وأضاف عبارة : هل من جناح للمذيل (46)
ثم صار الميزان الشعبي على يد أحمد الدرويش البرلسي المغربي ( من رجال القرن الثاني عشر الهجري = الثامن عشر الميلادي ) أربعاً وعشرين عبارة هي مطالع لا ألفاظ .
وقد ذكر البرلسي في كتابه : العقيدة الدرويشية ( المخطوطة ) أنه وضع هذه العبارات لتزن الشعر الشعبي ، وأشار إلى أن ثمانياً منها تزنه بحور الخليل الستة عشر ( ورقة 4 ب ) والست عشرة الباقية وضعت لتستغرق الإيقاعات الزجلية التي يخل بها الشعر الشعبي . فكأن موسيقى الشعر الزجلي الشعبي لأيامه كانت أغنى من الشعر التقليدي بثلاث مرات . ومن هذه العبارات :
1 – تحملوا في الهوادج
2 – عمي سميرخ راصخ
3 – الرزق عند الله كثير
4 – لو كنت في بغداد
5 – وداخل مصر في قاعة
6 – يا ساكنين القصور
7 – يا قنبز قوم إفطر
وهكذا (47)
5 – من خصائص الشعر الشعبي :
أنه ابن بيئته ، فالريفي منه حافل بالمصطلحات الزراعية والرعي والبيئة الجغرافية كما يبدو ذلك واضحاً جداً في الشعر الريفي وغنائه في العراق ، والبدوي منه يبدو أهيب وأرزن وإن امتلأ أيضاً بأوصاف الغزلان والرمال والجمال والغارات والانتصارات وما إلى ذلك ، وذلك واضح تماماً في الشعر النبطي والبدوي العراقي ، أما الشعر الحضري فإنه يحفل بالعواطف والطباع والتحليل النفسي وما إلى ذلك .
والأمثلة على هذا كثيرة إلى حد لا تحتاج معه إلى استشهاد ، ويكفي الإنسان أن يفتح الراديو على بوذية أو أغنية بدوية أو أغنية عاطفية لتبديد ما قد يعرض له من شك في هذه الدعوى .
وهذا بعض من كل ، فيما يتصل بالشعر .
أما ، ما يتعلق بالنثر ، الذي يعم بالمثل والقصة والخطبة ومحاضر جلسات المصالحة والاتفاق على الديات والخطبة والزواج والطهور ، فأهم الخصائص ، كما هو معروف ، البساطة والسذاجة ومحاولة التطاول إلى النحو والبلاغة التقليدية انقيادا إلى قيمتها واستسلاماً لهما بعكس الموقف فيما يتصل بالأشعار الخاصة بالفكر الشعبي . لكن القصة تسمو على هذه المظاهر بأنها ، بجمعها لكثير من المبالغات والمعجزات بل المستحيلات والسحر والخير والشر ، إنما تغرب عن آلام وآمال ، وترسم لكل صورة حدها الأقصى لتحببها إلى النفس إذا كانت خيراً – وتبغضها لها – إذا كانت شراً .
أما تحقيق المستحيل فيعكس الآمال في أن يكون لكل مشكلة فرجاً وأن لا معنى لليأس مع الحياة ولا معنى للحياة مع اليأس .
| |
|
نوال عضو فعال
الجنس : السٌّمعَة : 0 الْمَشِارَكِات : 184 النقاط/ : 405 العـمــر : 27 الدولة :
| موضوع: رد: لأدب الشعبي الإثنين ديسمبر 20, 2010 5:19 pm | |
| بارك الله فيك اخي على موضوعك المميزة شكرا دئما في انتضار جديدك تقبل مروري | |
|