اخي هدا ماوجدت
مقدمة:
لقد هاجم لجون ماينارد كينز فكرة السوق الذي يعمل ذاتيا. وفي نظر
الكلاسيكيين هناك حلول للمشكلات الاقتصادية فتنخفض البطالة مع انخفاض
الأجور ولكنها تستمر على ما عليها إذا كانت مستويات الأجور غير مرنة، وذلك
عادة يحدث ضغوط الاتحادات العمالية. فحرفيا حسب هذا الرأي يقيم العمال
أنفسهم خارج وظيفتهم. وجاء كينز يقول: إن مستوى النشاط الاقتصادي،
وبالتالي العمل يحدد حسب الحجم الكلي للطلب -الطلب الإجمالي- في الاقتصاد:
إذا انخفضت الأجور تقل قوة الشراء في الاقتصاد، وبالتالي الطلب الإجمالي.
وإذا قل المال في يد الناس قل إنتاج السلع والبضائع، وحينئذ تتحرك السوق
الحرة لولبيا نحو الركود ولا يمكنها النهوض بنفسها. وذلك ما حدث في
الثلاثينيات على حد قول كينز، وعلى خلاف ما سبقها من الدورات التجارية لم
ينتهِ الركود الكبير إلى الارتفاع "الطبيعي" في الثروات الاقتصادية. ويرى
كينز أن الحكومات يمكن أن تدير اقتصاداتها من خلال الطلب الإجمالي، فالصرف
الحكومي عبارة عن إدخال مجالات جديدة من الطلب في الاقتصاد، فمثلا بناء
المدارس يخلق فرص عمل للبناءين ويوجد الطلب على مواد البناء، مما يكون له
الأثر في الاقتصاد فهؤلاء البناءون سيكون لهم القدرة أكثر على الشراء.
وذلك ما يطلق عليه كينز "الأثر المضاعف". أما الضرائب فهي تعتبر "ارتدادا"
في الاقتصاد؛ لأنها تقلل من الطلب الإجمالي وتخمد النشاط الاقتصادي.. وفي
أوقات البطالة اقترح كينز أن الحكومة عليها أن "تنعش" الاقتصاد من خلال
زيادة المصروفات العامة أو خفض الضرائب؛ فذلك يحل مشكلة البطالة، ولكن ليس
"باليد الرأسمالية الخفية"، بل بتدخل الحكومة من خلال العجز في الميزانية؛
أي أن الحكومة تنفق أكثر مما لديها من موارد. وتمكن طريقة كينز في إدارة
الطلب الحكومة من التحكم في العمل ومستويات النمو، وبالتالي ضمان الرخاء
العام.
ومع توفير نظام الرفاهة الاجتماعية اعتبرت الليبرالية الحديثة إدارة
الاقتصاد عملا بنّاء يعمل على تعزيز الرخاء والتوافق في المجتمع المدني.
ولم يرفض كينز الرأسمالية ولكنه كان منقذها؛ ففي رأيه عدم تقييد المشروعات
الخاصة شيء غير مُجدٍ في المجتمعات الصناعية المعقدة. وكان "البرنامج
الجديد" في عهد روزفلت أول تطبيق لفكر كينز، ولكن تعهد روزفلت لميزانية
متوازنة؛ حيث إن رفض زيادة الإنفاق الحكومي على الأشغال العامة من أجل رفع
إيرادات الضرائب أدى إلى انخفاض تدريجي في معدلات البطالة. وفي الواقع
انتهى الركود الكبير بالتوسع الملحوظ والمنتشر في المجال العسكري استعدادا
للحرب، ولم يكن ذلك مقصودا لعلاج مشكلة البطالة. وبدا هذا الوضع جليا في
ألمانيا عندما انخفضت معدلات البطالة إلى النصف في 18 شهرا بعد تعيين هتلر
مستشارا في عام 1933. وتم معالجة البطالة في الفترة بين الحربين بدون قصد
بالطريقة الكينزية.
وعلى صعيد آخر بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية رسخت مبادئ كينز
على نطاق واسع لتصبح تقليدا اقتصاديا في الغرب بدلا من سياسة "دعه يعمل"
القديمة. وبالفعل استخدمت كل الدول سياسة الإدارة الاقتصادية في إعادة
البناء الاقتصادي في الفترة ما بعد الحرب وفي التخطيط والنمو المستقبلي.
وكان الفضل للكينزية التي كانت السبب الرئيسي في الازدهار الاقتصادي
الطويل في الخمسينيات والستينيات؛ حيث الانتشار الواسع في الثراء، وذلك
على الأقل في الدول الغربية. وانتصرت في تلك الفترة مبادئ كينز على مبادئ
المحافظين والاشتراكيين حتى الليبراليين.
ولم تواجه الطريقة الكينزية أي نقد في الغرب الصناعي حتى ظهور المشكلات
الاقتصادية في السبعينيات التي جددت التفكير في النظريات الكلاسيكية في
الاقتصاد السياسي. وتحولت الأولويات عن الطريقة الكينزية في العمالة
الكاملة إلى سياسات تخفيض الضخم الذي ارتفع بشكل مستمر نتيجة لزيادة
النفقات العامة مما عرقل النمو الاقتصادي. ولكن مرة أخرى تم إحياء مبادئ
كينز في الاقتصاد بعد فشل ثورة السوق الحرة في الثمانينيات التي أسفرت عن
سقوط اقتصادي طويل المدى. وبالرغم من أن الكينزية البحتة التي طبقت في
الخمسينيات والستينيات لا جدوى لها في عصر العولمة؛ فإنها جددت الوعي
بحقيقة الرأسمالية غير المنتظمة التي لا تجلب إلا استثمارا منخفضا وقصر
الأجل وانهيارا اجتماعيا.
المدرسة الكينزية و نظرتها لسوق العمل:
تنفي هذه المدرسة مزاعم التوازن الاقتصادي العام الناجم عن التناغم
الداخلي لآلية السوق. وترى أن الاقتصاد السوقي لا يملك الآليات الذاتية
التي تمكنه من بلوغ التوازن عند مستوى التوظف الكامل لمجمل عناصر الإنتاج
كما يزعم الكلاسيك والنيوكلاسيك. وترى أن البطالة تصبح إجبارية عند اختلال
سوق العمل بفعل انخفاض إجمالي الطلب الفعال الذي يتكون من مجموع الإنفاق
على الاستهلاك والاستثمار في متطابقة الدخل القومي. وهنا رأى كينز وأنصاره
بضرورة تدخل الدولة لرفع مستوى إجمالي الطلب الفعال لضمان التوظف الكامل
لعناصر الإنتاج. كما أنه أقر بوجود بطالة دائمة وحتمية عند مستوى معين
أطلق عليها معدل البطالة الطبيعي التي لا تحدث ضررا.
ـ الركود في الفكر الكينزي:
ظهرت الأفكار الكينزية في مرحلة الكساد الكبير عام 1929 ـ 1933 لأن
المدرسة الكلاسيكية أصبحت غير قادرة على إيجاد وسائل جديدة لمعالجة الركود
وكانت عاجزة أيضاً عن تغيير توجهاتها الأساسية في تحييد دور الدولة وترك
الاقتصاد يعمل بشكل تلقائي لذلك وجدت أفكار اللورد كينز أرضاً خصبة لها.
لقد ركزت الكينزية على النقاط التالية:
أ ـ لا يتحقق التوازن التلقائي في الاقتصاد الوطني ولابد من وجود الدولة التي تستطيع التدخل عبر الإنفاق العام لإعادة التوازن.
ب ـ يتوقف التوازن في الاقتصاد على مستوى الإنفاق الكلي على الناتج، فكلما
ازداد الإنفاق الكلي يزداد التوظف والإنتاج حتى يصل الاقتصاد لمرحلة
التشغيل الكامل وبالمقابل فإن نقص الإنفاق الكلي سوف يؤدي للركود.
ج ـ زيادة حجم الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وذلك لتحسين ظروف العمال وزيادة حجم الاستهلاك الكلي.
د ـ المضاعف: إن زيادة أولية في حجم الإنفاق الكلي سوف تؤدي لزيادات
متكررة في الدخل القومي تعادل حجم المضاعف الذي يشكل مقلوب الميل الحدي
للادخار.
إن هذه الأفكار قد شكلت ثورة حقيقية في عالم الاقتصاد في فترة ما بعد الكساد 1933 ـ 1936.
أسباب الركود لدى كينز:
1 ـ انخفاض حجم الإنفاق الحكومي (الجاري والاستثماري) إما لعدم توفر مصادر التمويل (ضرائب أو قروض) وإما لاستخدام سياسة انكماشية.
2 ـ انخفاض حجم الاستثمار الخاص بسبب ارتفاع سعر الفائدة مقارنة بالأرباح.
3 ـ تقييد حجم التسليف إلى الناتج الوطني الأمر الذي يؤدي لتراجع حجم التمويل للقطاع الخاص.
ـ معدل نمو النقد:
إن زيادة حجم النقد للناتج سوف يؤدي للتضخم ولذلك ترى المدرسة الكينزية أن
يصل معدل النقد إلى الناتج 30% في حين ترى المدرسة الكلاسيكية الجديدة أن
يصل معدل النقد للناتج إلى 25% أو أن يصل معدل نمو النقد إلى نصف معدل نمو
الناتج أي إذا بلغ معدل نمو الناتج 5% مثلاً يجب ألا يتجاوز معدل نمو
النقد 2.5% فقط وإلا بعدها يبدأ التضخم وانخفاض معدل النمو 2% أو إلى 1.5%
سوف يشكل ضغوطاً انكماشية.
النظرية الكينزية
الأوضاع التاريخية لنشأة النظرية الكينزية:
اعتمد الفكر الاقتصادي التقليدي على فكرة أن الادخار والاستثمار يتساويان
بالضرورة عن طريق آلية سعر الفائدة لاعتقادهم أن هناك قوانين طبيعية تعمل
على إعادة التوازن الكلي للاقتصاد كلما تعرض لإخلال ، غير أن الواقع
العملي أثبت فشل التلقائية التي يسير وفقاً لها نظام السعر وقانون السوق
في الاحتفاظ بالطلب الفعلي عند المستوى اللازم لتحقيق التشغيل الكامل حيث
أظهرت التجربة العملية والممارسة الميدانية لآلية السوق تعرضه لصعوبات
اقتصادية ظهرت أكثر حدة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانكشفت أكبر في
أزمة الكساد العالمي .
الأحداث التاريخية والاقتصادية لظهور أزمة الكساد العالمي :
بدأت صعوبات تطبيق النظريات الاقتصادية التقليدية مع الحرب العالمية
الأولى وتجلى ذلك بالخصوص في عيوب نظام النقد الذهبي ( نظام المسكوكات )
الذي كانت تسير عليه جل دول لعالم نتيجة استنفاذ احتياطاتها من الذهب
لأغراض تمويل الحرب فانهار هذا النظام تحت وطأة أزمة الكساد العالمي (
1925 – 1933 ) .
1. أزمة نظام قاعدة الذهب :
في هذا الصدد يرى هاملتون أن الكساد قد بدأت أسبابه في فرنسا خلال الفترة
1926 – 1927 نتيجة السياسة النقدية والمالية التي اتبعتها فرنسا آنذاك
نظراً للظروف الاقتصادية التي كانت تعانيها ، ونتيجة التدفقات من الذهب
إليها من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، فزاد مخزونها من الذهب
بشكل ملحوظ وفي نفس الوقت اتبعت أمريكا سياسة الاستثمار في نهاية 1928 ،
فرفعت سعر الفائدة من 3% إلى 4.5% فأدى ذلك إلى انخفاض المخزون الاحتياطي
للدولار فظهرت أولى مظاهره من جانبه النقدي ( على اعتبار أن هناك جانباً
اقتصادياً للكساد ) في الولايات المتحدة الأمريكية ببورصة والستريت وانتهت
ببريطانيا حيث تخلت هذه الأخيرة على نظام قاعدة الذهب سنة 1931 نتيجة
عجزها التام في مواجهة المتعاملين مع البنوك بسبب عدم وجود الاحتياط
اللازم لتغطية الجنيه الإسترليني ثم تبعتها بعد ذلك الولايات المتحدة
الأمريكية سنة 1933 ثم معظم دول أوربا وانتهاء بفرنسا 1936 وبالتالي تبنت
معظم الدول نظام النقد بالائتمان .
فرضيات النظرية:
لقد قام التحليل الكينزي على فرضيات تختلف تماما على فرضيات التقليديين ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
- كان لكينز الفضل في إنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار بسبب أزمة
الكساد التي حلت وبالتالي تخليص الفكر التقليدي من الأخطاء التي وقع فيها
، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخدمها وقع فيها ، بسبب
الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخدمها والأجهزة التي استحدثها ،
فكانت بمثابة ثروة في علم الاقتصاد وثورة على الفكر الاقتصادي التقليدي
الرأسمالي والفكر الاقتصادي الاشتراكي .
- وجه كينز اهتمامه إلى دراسة الطلب على النقود ( نظرية تفضيل السيولة )
والبحث في العلاقة بين مستوى الإنفاق الوطني والدخل الوطني فأوضح أن
الأفراد قد يفضلون الاحتفاظ بالنقود لذاتها ( تفضيل السيولة ) وسبب ذلك
يرجع إلى دوافع مختلفة أهمها المعاملات ، الاحتياط ، المضاربة .
- قام بتحليل الطلب على النقود كمخزن للقيمة ( دافع المضاربة ) وتحليله
هذا ما يميزه حقاً على تحليل التقليديين ذلك أن أخذه لتفضيل السيولة في
الاعتبار قد فتح أمامه آفاقاً جديدة لتحليل أثر التغيرات النقدية على
النشاط الاقتصادي وبذلك فقد تغيرت النظرة إلى النقود أين أصبحت تشغل حيزاً
معتبراً في النظرية الاقتصادية الكلية ومن ثم أخذ الاهتمام بالتحول عن
العوامل الكمية التي تؤثر في تحديد مستوى الأسعار إلى العوامل التي تؤثر
في تحديد مستوى الناتج والتشغيل والدخل..الخ - جاء بنظرية عامة للتوظيف إذ
تعالج كل مستويات التشغيل وعلى ذلك فالنظرية العامة جاءت لتفسير التضخم
كما تفسر البطالة حيث أن كل منهما ينجم أساساً عن تقلبات حجم الطلب الكلي
الفعال وحينما يكون الطلب ضعيفاً يحدث بطالة وحينما يزيد يحدث تضخما.
- اهتم بالتحليل الكلي للمعطيات الاقتصادية فالظواهر العامة التي يستخدمها
في تحليله تدور حول المجامع كحجم التشغيل العام ، الدخل الوطني ، الإنتاج
الوطني ، الطلب الكلي ، العرض الكلي ، الاستثمار الكلي وادخار المجتمع
...الخ .
- رفض في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون " ساي " وبين عدم وجود قوانين
طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث الاختلال كما أقر بحدوث
التوازن الكلي عند أي مستوى من مستويات التشغيل ، وبذلك طالب بضرورة تدخل
الدولة لعلاج أسباب الأزمات التي قد تعترض الاقتصاد الوطني ، فعمل على
تحديد معالم السياسة الاقتصادية الجديدة التي ينبغي أن تتبع حتى يصل
الاقتصاد إلى التوظف الكامل ويتحقق التوازن للدخل الوطني ولعلاج ذلك يرى
من الضروري تدخل الدولة عن طريق السياسة المالية والرفع من مستوى الإنفاق
العمومي وللسياسة النقدية بزيادة المعروض النقدي أو ما يسمى بسياسة النقود
الرخيصة والتمويل بالتضخم ، وعليه فإنه يرى أن السياسة النقدية ليست
محايدة كما هو الشأن عند التقليديين ، فالتحليل الكينزي يقوم على أن
التشغيل الكامل لا يتحقق بصفة دائمة فأي زيادة في كمية النقود سوف تؤدي
إلى حدوث زيادة
في مستويات الناتج والتشغيل على اعتبار أنه في الظروف العادية للنشاط
الاقتصادي فإن حالة التوازن تحدث عند أي مستوى من مستويات التشغيل ،
فزيادة كمية النقود ستؤدي إلى انخفاض
سعر الفائدة وهذا الانخفاض يكون بمثابة الدافع لزيادة حجم الاستثمار ومن
ثم زيادة الإنتاج والتشغيل بواسطة ما يسمى بمضاعف الاستثمار .
- اهتم بفكرة الطلب الكلي الفعال لتفسير أسباب عدم التوازن التي وقع فيها
النظام الرأسمالي في أزمة الكساد ، وما نتج عنها من انخفاض في الأسعار
وانتشار البطالة فهو يرى أن حجم الإنتاج وحجم التشغيل ومن ثم حجم الدخل ،
إنما يتوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال فهذا الأخير يتكون
من عنصرين أساسيين هما :
- الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على السلع الاستثمارية ، ويتوقف
الطلب على السلع الاستهلاكية على عوامل موضوعية وعوامل ذاتية ونفسية أما
الطلب على السلع
تقييم النظرية الكينزية:
- كان لكينز أكبر الأثر في إدخال أدوات تحليل جديدة في دراسة مختلف
التغيرات والظواهر الاقتصادية حيث تعتبر الأفكار الاقتصادية لكينز بمثابة
ثورة وثروة في الفكر الاقتصادي ، واستطاع أن يقدم نموذجاً كاملاً عن تحليل
الأوضاع الاقتصادية التي سادت فترة الكساد العالمي .
- عمل كينز على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي .
- جعل كينز للنقود دوراً هاماً في تحديد مستوى الدخل والتشغيل من خلال
تأثيرها على سعر الفائدة باعتبار هذه الأخيرة ظاهرة نقدية ، وبذلك استطاع
أن يربط بين النظرية النقدية ونظرية الدخل والتشغيل كما عارض التقليديين
على أساس أن الادخار هو دالة لسعر الفائدة واعتبر أن الادخار هو دالة
لمتغير الدخل وليس لسعر الفائدة وخلص إلى أن عرض الادخار يختلف عن الطلب
على الاستثمار أن هذا هو الشأن عند التقليديين ، فالتحليل الكينزي يقوم
على أن التشغيل الكامل لا يتحقق بصفة دائمة فأي زيادة في كمية النقود سوف
تؤدي إلى حدوث زيادة
في مستويات الناتج والتشغيل على اعتبار أنه في الظروف العادية للنشاط
الاقتصادي فإن حالة التوازن تحدث عند أي مستوى من مستويات التشغيل ،
فزيادة كمية النقود ستؤدي إلى انخفاض
سعر الفائدة وهذا الانخفاض يكون بمثابة الدافع لزيادة حجم الاستثمار ومن
ثم زيادة الإنتاج والتشغيل بواسطة ما يسمى بمضاعف الاستثمار .
- اهتم بفكرة الطلب الكلي الفعال لتفسير أسباب عدم التوازن التي وقع فيها
النظام الرأسمالي في أزمة الكساد ، وما نتج عنها من انخفاض في الأسعار
وانتشار البطالة فهو يرى أن حجم الإنتاج وحجم التشغيل ومن ثم حجم الدخل ،
إنما يتوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال فهذا الأخير يتكون
من عنصرين أساسيين هما :
- الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على السلع الاستثمارية ، ويتوقف
الطلب على السلع الاستهلاكية على عوامل موضوعية وعوامل ذاتية ونفسية أما
الطلب على السلع
تقييم النظرية الكينزية:
-- كان لكينز أكبر الأثر في إدخال أدوات تحليل جديدة في دراسة مختلف
التغيرات والظواهر الاقتصادية حيث تعتبر الأفكار الاقتصادية لكينز بمثابة
ثورة وثروة في الفكر الاقتصادي ، واستطاع أن يقدم نموذجاً كاملاً عن تحليل
الأوضاع الاقتصادية التي سادت فترة الكساد العالمي .
- عمل كينز على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي .
- جعل كينز للنقود دوراً هاماً في تحديد مستوى الدخل والتشغيل من خلال
تأثيرها على سعر الفائدة باعتبار هذه الأخيرة ظاهرة نقدية ، وبذلك استطاع
أن يربط بين النظرية النقدية ونظرية الدخل والتشغيل كما عارض التقليديين
على أساس أن الادخار هو دالة لسعر الفائدة واعتبر أن الادخار هو دالة
لمتغير الدخل وليس لسعر الفائدة وخلص إلى أن عرض الادخار يختلف عن الطلب
على الاستثمار أن هذا الأخير المحدد للادخار عن طريق مضاعف الاستثمار الذي
يؤثر في مستوى الدخل وأن قرار الاستثمار إنما يرجع إلى متغيرين هما :
- الكفاية الحدية لرأس المال وسعر الفائدة ومن ثم فلا يتوقع تساوي الادخار والاستثمار .
- يرى التقليديون أن الزيادة في العرض النقدي تؤدي إلى حالة تضخمية بينما
توصل كينز إلى أن وجود الاقتصاد في مستوى أدنى من مستويات التشغيل الكامل
فإن اللجوء إلى زيادة كمية النقود يؤدي إلى زيادة العمالة ورفع مستوى
الإنتاج .
- استحدث كينز أدوات تحليل جديدة استعملها معظم الاقتصاديين فيما بعد أهمها على الإطلاق نظرية سعر الفائدة .
- ساهم على غرار الاقتصاديين الذين عاصروه في إدخال أسلوب البحث الإحصائي في صلب دراسة الاقتصاد التحليلي مولعاً بالقياس الكمي .
كما لقي كينز معارضة ونقد شديد في بناء نموذجه التحليلي الذي رغم أنه تمكن
من تفسير ومعالجة حالة الكساد آنذاك إلا أنه قد لا يكون صالحاً على
الإطلاق في غير هذه الظروف باعتبار أنه لم يتعامل مع حالة التضخم .
- افترض كينز أن الزيادة في الطلب النقدي تؤدي على زيادة الإنتاج وزيادة
العمالة وذلك يتصور في ظل المنافسة ولكن في وضع احتكاري قد تؤدي الزيادة
في الطلب النقدي إلى رفع الأسعار بدلاً من زيادة الإنتاج ، وفي هذه الحالة
يزيد ربح المحتكر دون أن يزيد الإنتاج ومن ثم دون زيادة في العمالة ، وإذا
ما جاءت الزيادة في الطلب النقدي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل
العجز ( كالاقتراض من البنك المركزي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل
العجز فإن هذا الطلب سيؤدي إلى إيجاد تضخم عند مستويات أدنى من مستوى
التشغيل الكامل كوضع عام على عكس ما يقول به كينز .
- على ضوء الدراسات التطبيقية التي قام بها الاقتصاديون في الولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا للمشروعات أثبت عدم وجود علاقة عكسية حتمية
بين سعر الفائدة والاستثمار، فقد تكون الكفاية الحدية للاستثمار مرتفعة
جداً عن سعر الفائدة فيصعب القول أن سعر الفائدة يمكن أن يكون محدداً
للاستثمار ، وذلك في حالات الرواج ، بينما في حالات الكساد قد تنخفض
الكفاية الحدية بمعدلات كبيرة جداً بالرغم من انخفاض سعر الفائدة ، وذلك
نظراً للتوقعات المستقبلية التي تتسم بالتشاؤم ولا تدفع للاستثمار .
- يراعي البنك المركزي عوامل عديدة تخص الاقتصاد ككل فيعمل على تثبيت سعر
الفائدة في حدود معينة ، بحيث لا يتجاوز في ارتفاعه حد معين في أوقات
الرواج، كذلك لا ينخفض أقل من حد معين في أوقات الكساد ، فتقل أهميته
بالنسبة للمقترضين .
- نظراً إلى أن المشروعات الكبيرة تمول نفسها ذاتياً فهي لا تتأثر بتقلبات سعر الفائدة
- أثبتت تجربة المصارف والشركات الإسلامية التي تمت خلال العشر سنوات
الأخيرة في عدد من البلدان الإسلامية أن نسبة يعتد بها من رجال الأعمال لا
تبالي بسعر الفائدة والتغيرات الحادثة فيه وذلك في كافة أعمالها
الاستثمارية .
- لا تعمل آلية سعر الفائدة في البلدان النامية بنفس الطريقة التي تعمل
بها في البلدان المتقدمة ذلك أن قرارات الاستثمار لا تعتمد في العديد من
الحالات على مقارنة الكفاية الحدية للاستثمارات بسعر الفائدة ، ذلك أن
هناك عوامل هيكلية ومؤسسية عديدة تعرقل النشاط الاستثماري في البلدان
النامية ومن ثم فإن زيادة النشاط الاستثماري قد تستدعي مثلا ً تغيير
القوانين التي تحمي الملكية الخاصة والنشاط الاستثماري بحيث تصبح أكثر
فاعلية في حماية النشاط الاستثماري وخفض معدلات الضرائب والتي قد تمثل
تكلفة تفوق بكثير سعر الفائدة وإعطاء صغار المستثمرين وهم الأغلبية ميزات
خاصة في المناطق الجديدة وتوجيههم إلى مشروعات ذات إنتاجية مرتفعة نسبياً
بطرق مباشرة وإذا نظرنا إلى حجم هذه العوامل وخطورتها لاكتشفنا ضالة تأثير
سعر الفائدة على القرارات الاستثمارية على مستوى الاقتصاد الكلي في
البلدان النامية .
- تحصلت شركات عامة على قروض من البنوك على الرغم من أن الكفاية الحدية
لهذه المشروعات كانتا منخفضة جداً وقد تشجعت هذه الشركات على الاقتراض
نظراً انخفاض سعر الفائدة كذلك لم يتحصل رجا الأعمال الصغار على القروض
بالرغم من أن الكفاية الحدية لمشروعاتهم كانت مرتفعة تستطيع أن تغطي سعر
الفائدة ، وهذا يؤكد ما سبق وقلناه عن أن سعر الفائدة لا يعمل في ظروف
البلدان النامية بالطريقة التي وضعها كينز وكان لابد من التطرق لكل هذا
لإزالة الوهم الكبير في البلدان النامية حول السلاح السحري المسمى بسعر
الفائدة .