بنت47 عضو مشارك
الجنس : السٌّمعَة : 3 الْمَشِارَكِات : 100 النقاط/ : 235 العـمــر : 32 الدولة :
| موضوع: السياسة الخارجية لفرنسا في عهد جاك شيراك الأربعاء ديسمبر 22, 2010 8:59 pm | |
| المبحث الأول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ موقففرنسا من الحرب علي الارهاب إن كانت ذكري الهجوم علي برجي نيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية تثير التعاطف الفرنسي تجاه الشعب الأمريكي الذي عاني صدمة نفسية لم يسبق لها مثيل في تاريخه إلا أنه بعد عام من إحداث11 سبتمبر لا تجد الإدارة الأمريكية نفس التعاطف نفسه تجاه سياساتها العالمية. كتب فرانسيس فوكوياما في مقال نشرته صحيفة لوموند الفرنسية أخيرا يقول: إنه بات هناك فجوة كبيرة وإنشقاق بين الرؤية الامريكية والرؤية الفرنسية للعالم وتساءل ان كان الانشقاق في العولمة يقع بين الغرب وسائر دول العالم أم بين الولايات المتحدة وسائر دول العالم فإنه بات مؤكدا تزايد العزلة الامريكية يوما بعد يوم علي الساحة العالمية وتتسع الفجوة بين الولايات المتحدة وسائر دول العالم علي جميع الجبهات والسبب الأساسي لذلك هو تجاهلها للقوانين الدولية والهيئات التي تمثلها والتي أسهمت الولايات المتحدة نفسها في تأسيسها غداة الحرب العالمية الثانية بهدف إيجاد الآلية التي يمكن من خلالها ان تجد الدول المتصارعة الفرصة للحوار والوصول الي تسوية سياسية لنزاعاتهم بدلا من اللجوء الي الحروب المدمرة. ولكن اليوم تعمل الولايات المتحدة علي تجاهل كل المبادئ التي نادت بها في السابق فأنسحبت من اتفاقية كيوتو الخاصة بحرارة الارض ورفضت إقرار معاهدة ريو واستبعدت الاتفاقية ضد صواريخ ايه بي أم وعارضت منع الألغام المضادة للبشر كما واجهت معارضة دولية بسبب معاملتها غير القانونية لسجناء جوانتانامو ورفضها القوانين الجديدة الخاصة بالحرب البيولوجية ثم م عارضتها لتشكيل محكمة جنائية دولية. وأخيرا موقفها الذي يدعو الي الحرب ضد العراق وتغيير النظام فيه حتي ولو اضطرت ان تشن الحرب وحدها مستبعدة بذلك الشرعية الدولية الممثلة في الامم المتحدة وبالتالي متجاهلة شرعية كل الدول الاعضاء في الامم المتحدة. ولقد ادرك العالم وفرنسا بالاخص ان هذا التجاهل للشرعية الدولية ينبع من القوة العسكرية التي تتمتع بها امريكا والتي تجاوزت قوة أي دولة أخري بل أي كتلة إقليمية او جغرافية مثل الاتحاد الاوروبي علي سبيل المثال. كما أدركت فرنسا أن تلك القوة تعطي الولايات المتحدة الحق غير الشرعي علي تجاهل الرأي العام العالمي ورأي الدول الاخري بل يعطيها القدرة علي فرض سياستها تلك علي العالم أجمع. واليوم ومع تصاعد مرادفات الحرب ضد العراق وتزايد معارضة العالم لسياسة الولايات المتحدة تحولت القضية الي تحد بين امريكا وسائر دول العالم وتحولت العراق الي اختبار للقوة بين امريكا من جانب والشرعية الدولية من جانب أخر, نتائجها ستكون حاسمة لسنوات طويلة مقبلة وستحدد مصير استقلالية الدول في العالم. اصبح واضحا ان جبهة التحالف التي تشكلت في عام1990 مع الولايات المتحدة لشن الحرب الاولي ضد العراق تهاوت لأن العراق لم يعد يثير مخاوف أو تهديدات للغرب بل ما يخيف الغرب الان مسألة أخري تماما اكدها الرئيس الفرنسي جاك شيراك في كلمته التي القاها في28 أغسطس الماضي في ختام مؤتمر السفراء الذي تعقده وزارة الخارجية الفرنسية سنويا لسفرائها في الخارج لتحديد سياسات فرنسا الخارجية في الفترة المقبلة. في هذا الخطاب ركز الرئيس شيراك علي رفضه الخروج عن الشرعية الدولية واوضح ان الامم المتحدة وحدها هي التي تقرر ما إذا كان يجب شن حرب ضد العراق أم لا. ولكن إن كانت فرنسا تدرك خطر الانفراد بالقرارات علي مستوي العالم فهي تدرك أيضا خطر المجابهة وتحدي دولة عظمي وحيدة مثل الولايات المتحدة التي تتمتع ليس فقط بقوة عسكرية ولكن قوة إقتصادية كبيرة تؤثر في بورصات العالم. لذلك فإنه بات علي فرنسا ان تقوم بدور عنصر التوازن والحكمة. فهي من ناحية لا تريد ان تفقد تأثيرها داخل أوروبا وداخل العالم العربي كشريك له معه مصالح مشتركة ومن ناحية أخري لا تريد شن حرب في الشرق الأوسط سيكون لها ردود فعل واسعة داخل فرنسا نفسها حيث يقيم أكثر من خمسة ملايين عربي ومسلم. لذلك اختارت فرنسا ان تتمسك بالشرعية الدولية. فمن ناحية تطالب العراق بالالتزام بضرورة السماح بعودة المفتشين الدوليين للتفتيش علي الاسلحة ذات الدمار الشامل التي تؤكد الولايات المتحدة امتلاكها اياها ومن ناحية اخري ترفض قيام الولايات المتحدة بقرار منفرد في المنطقة وتطالب بضرورة اتخاذ القرار في الامم المتحدة. اي أن فرنسا ليست ضد فكرة الحرب ضد العراق ولكن ضد فكرة القرار المنفرد. في هذا الاتجاه تكاتفت الوسائل الرسمية والاعلامية الفرنسية لتوصيل تلك الرسالة الي المجتمع الدولي والولايات المتحدة. فعلي المستوي الرسمي لم يخف دومينيك دي فيلبان وزير الخارجية الفرنسي انتقاده للنظام العراقي فقال:' ان المجتمع الدولي يواجه مشكلة نظام يتحدي منذ سنوات القوانين الدولية التي وضعها مجلس الامن ويحتفظ بشعبه كرهينة ويهدد الامن خاصة أمن جيرانه' وقال' ان مثل تلك الاوضاع غير مقبولة ونحن الاوروبيين نعرف تماما ثمن الضعف في مواجهة النظم الديكتاتورية لذا لا نستطيع ان نتجاهل الوضع أو نقبل الركون الي السلبية'. وفي الوقت نفسه علي المستوي الاعلامي لم تخف وسائل الاعلام الفرنسية انتقاداتها فتقول صحيفة الفيجارو في تعليق لها قبل ايام قليلة انه إذا كانت الولايات المتحدة تتهم العراق بعدم الانصياع لقرارات الامم المتحدة فالعراق ليست الدولة الوحيدة التي تفعل ذلك في المنطقة وقالت الفيجارو في تعليقها:' قبل الانشغال بصدام حسين كان لابد للولايات المتحدة ان تجبر الديمقراطية الاسرائيلية علي الالتزام بالقانون الدولي الذي تنتهكه يوميا بوجود المستعمرات اليهودية داخل الاراضي التي احتلتها منذ عام1967 وان تنسحب من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر من أجل أن تعطي الفلسطينيين الدولة التي من حقهم' واضاف التعليق قائلا:' إن صقور البنتاجون يرون ـ وهم علي حق ـ ان السياسة الخارجية المبحث الأول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ موقففرنسا من الحرب علي الارهاب
الجادة يجب ان تساندها قوة عسكرية ذات مصداقية ولكنهم ينسون ان التأثير المستديم للدبلوماسية يتطلب الحد الأدني من المساواة'. أما بالنسبة للولايات المتحدة فحين يري الرئيس الامريكي جورج بوش ضرورة القيام' بعمل وقائي' لمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل فإن مفهوم' العمل الوقائي' لبوش يختلف عنه بالنسبة لفرنسا. فكان شيراك واضحا في خطابه الذي ألقاه بمناسبة ختام مؤتمر السفراء الذي تعقده وزارة الخارجية الفرنسية سنويا مع سفراء بلادها في الخارج لتحديد سياسة فرنسا الخارجية خلال تلك الفترة الذي قال فيه ان ان تطوير نظام دفاعي مهما يكن متقدما لن يكون كافيا لحمايتنا ولذلك يجب القيام بعمل وقائي وإن لم ينجح فنلجأ الي العمل الردع. اما العمل الوقائي فليس كما تري امريكا عن طريق' ضربة عسكرية وقائية' بل في رؤية شيراك العمل الوقائي هو من خلال الآليات القضائية والقانونية الملزمة والاتفاقيات الدولية. فإن اللجوء الي الآلية القانونية بالنسبة لفرنسا هي أفضل وسيلة للعمل الدولي فهي ليست كما قال' تنبع من السذاجة او ضعف الرؤية' بل من اهتمام خاص بالعمل المؤثر والاتفاقات التي تجعل مهمة الدول التي تنشر تلك الأسلحة اكثر تعقيدا. وإن لم يكن كافيا فهناك اللجوء الي الحوار والتفاهم والإقناع. أما ما يقلق فرنسا فهو قيام الولايات المتحدة بإتخاذ قراراتها وحدها من طرف واحد يساعدها علي ذلك قوتها العسكرية اللامحدودة والتي تعمل الولايات المتحدة منذ11 سبتمبر علي دعمها عن طريق رفع ميزانية دفاعها لتصل الزيادة وحدها الي اكثر من ميزانية دولة أوروبية. وما يقلقها هو نظرة الولايات المتحدة المتعالية لأوروبا والتي باتت تتهمها بأنها' القزم' العسكري نفسه وتحثها علي رفع ميزانياتها العسكرية حتي تستطيع ان تكون في المستوي العسكري مثلها وتتمتع بمصداقية وتستطيع ان تكون شريكا لها. فدعا شيراك الاوروبيين الي ضرورة إعطاء دفعة جديدة للمجال الدفاعي بهدف تطبيق الاتفاقيات بسرعة التي عقدت بين حلف الاطلنطي والاتحاد الاوروبي وتحديد مهام جديدة لأوروبا تتجاوز المهام التي تحدد في بيترسبورج التي وصفها شيراك بإنها تضع حدودا علي الطموحات الاوروبية. واشار الي أنه علي اوروبا ان تعمل بجدية علي إمتلاك القدرات العسكرية الكافية التي تعطي سياساتها مصداقية علي الساحة العالمية. واكد انه علي المستوي الفرنسي اتخذ قرارات من شأنها اعطاء الجيش الفرنسي الوسائل التي تتطلبها طموحات فرنسا الدولية والتزاماتها الدفاعية في إطار الاتحاد الاوروبي. وفي الوقت نفسه ترك شيراك باب الحوار مع الولايات المتحدة مفتوحا وقال في هذا الصدد:' هناك حوار دائر مع الولايات المتحدة لإقناعها بعدم التقليل من شأن العمل الجماعي متعدد الاطراف.' فبالنسبة لمنع انتشار الاسلحة الباليستية يجب ان يتم وضع قواعد محددة للعمل لتكوين آلية قانونية عالمية. وقال بما ان تلك الأخطار تهدد السلام والامن الدوليين فإنه علي مجلس الامن وحده التعامل مع القضية علي مستوي رؤساء الدول والحكومات. رفع الحصار بشرط خضوع العراق وعملية التفتيش فيما يتعلق بالعقوبات، حذرت فرنسا مرارا من الانعكاسات الإنسانية الوخيمة للعقوبات المفروضة على العراق. ويلاحظ تأثير مجموعة الضغط -من اليساريين في أغلبها- المساندة للعراق ولسياسة ليّ الذراع مع الولايات المتحدة. في هذا الإطار، اتخذت جملة من الإجراءات العملية فيها نوع من التحدي للولايات المتحدة، مثل إرسال طائرتين مدنيتين فرنسيتين إلى العراق، واستضافة رئيس المجلس الوطني العراقي سعدون حمادي في مايو 2000 بدعوة من رئيس "لجنة الصداقة العراقية- الفرنسية" بمجلس الشيوخ، وهي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها مسؤول عراقي بهذا المستوى إلى أحد بلدان الاتحاد الأوروبي منذ فرض العقوبات الدولية على العراق عام 1990 إثر اجتياح قواته للأراضي الكويتية. وعلى مستوى الخطاب، اشتهر إيبار فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الاشتراكي السابق بتصريحات ومواقف قوية ضد الهيمنة الأمريكية، كان من أشدها ما أدلى به لصحيفة "الحياة" في أغسطس 2000 بمناسبة الذكرى العاشرة لاحتلال الكويت، حيث وصف هذه العقوبات بأنها "قاسية وغير فعالة وخطيرة". "فهي قاسية لأنها تعاقب الشعب العراقي، وغير مجدية لأنها لا تؤثر في النظام الذي لا يجد ما يشجعه على التعاون، وخطيرة لأنها بتكريس نقمة جيل الحصار فإنها تساهم في تقويض المجتمع العراقي وتهدد الاستقرار الإقليمي للمنطقة الذي يجب ضمانه بوسائل أخرى غير الحصار". وبقدر ما كسبت فرنسا بمثل هذه المواقف تعاطف الأطراف العربية المؤيدة لرفع الحصار، جلبت انتقادات من داخل المنظومة الغربية. فقد وجه الوزير بالخارجية البريطانية بيتر هين انتقادات للسياسة الفرنسية بشأن العراق وتأثيرها على محاولات مجلس الأمن الدولي الإبقاء على العقوبات ضد العراق، خلال كلمة ألقاها في "المعهد الملكي للشؤون الدولية" في لندن في 7-11-2000. ووصف السياسة الفرنسية إزاء العراق بأنها "هدامة"، وقال: إن الجهود التي تبذل لتطبيق القرار الحالي للهيئة الدولية حول العراق أصيبت بنكسة بسبب فرنسا وروسيا. وقال: إن على الذين أغراهم ما وصفه بالمكاسب التجارية أو المبادرات السياسية أن ينظروا إلى الأضرار المحتملة لمصداقية الأمم المتحدة. وأكد أن قرارات الأمم المتحدة تتضمن إمكانية تجميد العقوبات إذا تعاونت بغداد مع لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة.
المبحث الثاني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
حينما أراد أحد الخبراء الأميركيين أخيراً وضع توصيف دقيق لوضع العلاقات الاميركية الفرنسية بشأن العراق, قال ما خلاصته إن لعبة شد الحبل الديبلوماسي في الأمم المتحدة بين أميركا وفرنسا بشأن العراق اقتربت من إحدى نهايتين: فإما الخروج بانتصار كبير أو الانتهاء إلى كارثة كبرى. في الحالتين سيكون كلا الطرفين منتصراً.. أو كلاهما مهزومين. والواقع أن فرنسا خلال الأشهر الأخيرة تناور في تلك المساحة الضيقة بالضبط. فمن ناحية هي لا تدعي أنها بديل عن أميركا أو قرين لها. وفي الشرق الأوسط بالتحديد. ومن ناحية أخرى هي أيضاً تريد المحافظة على ما تبقى من مصالحها في الشرق الأوسط, بعد أن كاد الشرق الأوسط يصبح آخر مواقع النفوذ الفرنسي. هناك معركة صامتة تجري منذ سنوات في غرب افريقيا نجحت فيها الولايات المتحدة بكل هدوء وثبات في تقليص مصالح فرنسا والحلول محلها. معركة كان افتتحها رون براون وزير التجارة الاميركي الراحل في سنوات بيل كلينتون حينما تحدث عن مستقبل افريقيا فقال: كنا حتى الآن نعترف لحلفائنا بوجود مناطق نفوذ لهم في بعض مناطق العالم. من الآن فصاعداً لن تكون هناك أي منطقة نفوذ مغلقة أمامنا. في منطقتنا جاءت بعض اللحظات لكي تلخص منطق الصدام الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي. مذبحة (قانا) التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان سنة 1996 كانت إحدى تلك اللحظات. فبرغم أن المذبحة كانت مروعة وضد المدنيين والأمم المتحدة ذاتها من بين ضحاياها. إلا أن الديبلوماسية الأميركية استمرت تتلكأ. بل وتكاد تدعم موقف إسرائيل عملياً. في حينها بعثت فرنسا بوزير خارجيتها إلى المنطقة ليقول بأعلى الصوت: جئت ولن أغادر عائداً إلى فرنسا إلا بعد وضع حد لكل هذا. لم يكن الوزير الفرنسي يقصد بالطبع تدخلاً فرنسياً مسلحاً, ولا مناطحة أميركا. كان يقصد فقط إحراج أميركا علناً أمام الرأي العام الدولي والاقليمي حتى تتوقف عن الادعاء بأنها لا ترى ولا تستوعب فداحة ما يجري. المناورة الفرنسية في حينها أدت مفعولها, فانتقل وزير الخارجية الاميركي إلى المنطقة, وبموازاته انتقل أيضاً وزير خارجية روسيا. في نهاية المطاف أصبحت النتيجة هي (تفاهم ابريل) 1996 وأطرافه الاقليمية هي: إسرائيل وسورية ولبنان. أما طرفاه الدوليان فهما الولايات المتحدة وفرنسا. الاتفاق / التفاهم كان بسيطاً ومركزاً: للشعب اللبناني حق أصيل في مقاومة الاحتلال. في الوقت نفسه... يلتزم كل الطرفين - إسرائيل والمقاومة اللبنانية - بعدم استهداف المدنيين. نجاح فرنسا بهذا الاتفاق كان مؤكداً. ومناورتها الحقيقية كانت في أنها جرجرت أميركا إلى الالتزام كتابياً بما تدعيه شفوياً لكنها كانت تمارس عكسـه. خلال ســنوات قليلة كانت إسرائيل ذاتها تنسحب بالخطوة السريعة من لبنان. والمفارقة هي: أن إسرائيل بانسحابها هذا كفلت لنفسها أمناً عجز جيشها الاحتلالي عن توفيره طوال 28 سنة سابقة. في الوضع العراقي نحن أمام حالة أعقد وأخطر وأكثر دلالة عن المستقل. في الوضع اللبناني كانت إسرائيل هي اللاعب والعازف وكاتب النوتة الموسيقية, بينما الولايات المتحدة هي الميكروفون والمحامي والكفيل. إنما في الحالة العراقية أميركا ذاتها هي المهندس ومقاول الأنفار والعازف واللحن كله. ومن اللحظة الأولى اعتبرت أن العراق هو - أو يجب أن يكون - غنيمة حرب. في حرب تحرير الكويت جلست أميركا في كرسي القيادة. لكنها في البداية حرصت أن يكون لها شركاء وحلفاء. بعد آذار (مارس) 1991, وبصنعة لطافة غالباً وخشونة أحياناً, تخلصت من الشركاء والحلفاء واحداً بعد الآخر. لم يعد هناك عرب ولا أوروبيون ولا يابانيون. انتهت الحصة. انصراف. حتى حينما قررت أميركا تجاوز مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة وفرضت منطقتين للحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه. بدأ هذا الحظر بقرار مشترك من أميركا وبريطانيا وفرنسا. لكن فرنسا سرعان ما انسحبت بعد أن وجدت نفسها شاهد زور يشارك في تحمل اللوم بغير أن يشارك في صياغة المستقبل. هكذا بقيت أميركا وبريطانيا تفرضان هذا الحظر الجوي حتى الآن بقوة السلاح.. وهو ما يعني عملياً أن أميركا هي صاحبة القرار,.
فالواقع أن ما يغري أميركا الآن - في سنة 2002 - بالعراق هو ضعفه وليس قوته. في الحالات التي يوجد فيها أسلحة دمار شامل فعلاً - وكوريا الشــمالية هنا نموذج مطروح - يكون رد الفعل الاميركي مختلفاً بالكامل. أما التعبئة الدولية التي تمارسها أميركا ضد العراق, واستنفار القوات الاميركية بأسلحتـها التي كانت مخــططة سابقاً لمواجهة خصم بحجم وقدرات الاتحاد السوفياتي - فلم يعد لها علاقة بالعراق كخطر. لكن لها كل علاقة بالعراق كبترول وكبداية وكفصل افتتاحي لتطبيق (استراتيــجية الأمن القومي للولايات المتحدة) التي جرى إعلانها رسمياً في 20 أيلول (سبتمبر) الماضي. هذه استراتيجية تقول للعالم كله بلا مواربة وعلى رؤوس الأشهاد: من الآن المبحث الثاني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ فصاعداً أنا ربكم الأعلى. أنا الامبراطورية. وأنا القوة المنفردة التي لن تسمح بوجود منافسين لها.. ولا حتى في الأحلام. من الآن فصاعداً.. هذا زمن العزف المنفرد. أنا العزف. وأنا المنفرد. مفهوم? هذا يعيدنا إلى فرنسا. بحكم التاريخ والمصالح لفرنسا سابقاً موال مستمر مع أميركا تختلط فيه الورود مع الأشواك. تمثال الحرية قبالة نيويورك الذي جعلته أميركا عنواناً لها أمام العالم من زمن. هو ذاته هدية من فرنسا وبتصميم نحات فرنسي, بلاوي أميركا في الهند الصينية وهزيمتها المدوية في فيتنام كان يمكن لأميركا تفاديها لو أنها أخذت بمشورة الزعيم الفرنسي شارل ديغول. وبعد إرهاب 11 أيلول (سبتمبر) سنة 2001 كانت جريدة فرنسية مهمة هي التي بدأت صفحتها الأولى لمقال افتتاحي عنوانه: (كنا اميركيون). كل هذا شيء. والعزف المنفرد شيء آخر منفرد. أميركا في طبعتها الجديدة لم تعد تطيق الزحام - لا شركاء ولا حلفاء - في الشرق الأوسط أو في غيره. وبحسم الحالة العراقية عسكرياً بواسطة أميركا تتقرر مصائر دول عدة. اقليمياً ودولياً. فرنسا بقيادة جاك شيراك حاولت من البداية أن تكون مهذبة مع أميركا. في حكومة اشتراكية سابقة كان وزير خارجية فرنسا هيوبرت فيدرين هو الذي انتقد أميركا علناً قائلاً إنها خاضعة لرؤية (تبسيطية) حتى لا يقول إنها رؤية ضحلة وجاهلة ومتغطرسة. والآن في ظل حكومة يمينية لم تعد فرنسا تقول الكلمات نفسها فقط. ولكن أيضاً تتصرف على أساسها. في معسكر الحلفاء الرسميين لاميركا نجح شرودر مستشار ألمانيا في الانتخايات الأخيرة على موجة شعبية ترفض بالكامل مشاركة أميركا في أي ضربة عسكرية جديدة للعراق. ايطاليا بعد أن ساير رئيس وزرائها الموقف الاميركي في البداية عاد ليقترب من الموقف الفرنسي الرافض لإعطاء أميركا تفويضاً على بياض بالتصرف في مصير العراق. حتى وزير النقل في كندا ترحم علنا على الاتحاد السوفياتي السابق قائلاً إنه لو كان موجوداً الآن فإنه بمجرد وجوده كان سيحد من جموح البلطجة الاميركية. فرنسا في الحالة العراقية لم تسع إلى صدام مع أميركا. سعت فقط إلى حصر أميركا علناً بين خيارين: إما الالتزام بالشرعية الدولية, والتي يصبح مجلس الأمن الدولي صاحب الكلمة الأخيرة بشأن حاضر ومستقبل العراق. وإما الاحتكام إلى القوة الاميركية السافرة فيسقط العراق وتحتله أميركا, وتستولي نهائياً على بتروله. إنما في السياق تكون أميركا قد فتحت أبواب الجحيم على المجتمع الدولي بكامله. حيث الكل خاسر حتماً... بما فيه أميركا ذاتها في نهاية المطاف. هذا المربع الذي تسعى فرنسا إلى حشر أميركا فيه علناً يعوض ضعف فرنسا بقوة. فرنسا ليست قوة بحد ذاتها بما يجعلها تناطح أميركا, كما أن فرنسا نفسها لم تدع في أي وقت أنها تسعى إلى ذلك. لكن فرنسا تصبح قوية بموقف اقليمي ودولي معها على نفس الخط. العين على المنطقة لكن الاجتياح العراقي للكويت في أغسطس 1990 غير معايير التعامل مع النظام العراقي. فلم يعد البعد الأيديولوجي هو المحدد، فكان لا بد على فرنسا أن توازن في إستراتيجيتها بين الأيديولوجيا والمصالح بحكم موقعها الدولي (عضو دائم في مجلس الأمن) وقطبيتها الأوروبية، بما يضمن حضورها في منطقة بالغة التعقيد، عن طريق انتهاج سياسة "ملأ الفراغ"، و"مسك العصا من وسطها"، والضغط من أجل ألا تكون على هامش القرار الدولي.
المبحث الثالث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ الفرانكفونية في مواجهة الهيمنة الأميركية
إذا كانت المنظمة الفرانكفونية عند ظهورها عام 1970 قد ولدت كمنظمة ثقافية تهتم بقضايا التربية والتعليم أساسا، إلى جانب بعض قضايا نشر الثقافة الفرنسية، فإن منطق الأمور كان طبيعيا أن ينتقل بها تدريجيا لإكتساب طابع ثقافي أكثر شمولا. ثم أدت تطورات الوضع الدولي، وخصوصا تطورات العلاقات الأوروبية والفرنسية - الأميركية منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين إلى إكتساب المنظمة رويدا رويدا صبغة سياسية متزايدة الوضوح.. لتصبح في الآونة الأخيرة أداة من أدوات الصراع السياسي والثقافي الدولي، ولتصبح الفرانكفونية صورة من صور المواجهة مع الإنجلوفونية والعولمة الأميركية ومساعي الولايات المتحدة لإحكام هيمنتها على العالم. ومن المفارقات أن فرنسا لم تكن هي المبادرة إلى تأسيس المنظمة، بل بادر إلى إقامتها أربعة زعماء لدول كانت خاضعة للإستعمار الفرنسي قبل أن تحصل على إستقلالها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي - هم الحبيب بورقيبة تونس وليوبولدسينجور، السنغال د. هاماني ديوري،النيجر ونوردوم سيهانوك كمبوديا. وبمرور الوقت تزايد عدد الدول الأعضاء في المنظمة ليبلغ 55 دولة في الوقت الحالي، بالإضافة إلى سلوفاكيا التي وافقت قمة بيروت على ترشيحها للعضوية. وكان طبيعيا أن تحتضن فرنسا منظمة الفرانكفونية، وأن تهتم بتوسيع عضويتها ومجالات نشاطها باعتبارها أداة مناسبة لتوسيع نفوذها الدولي. ومعروف أن فرنسا تولي اهتماما بالغا للعوامل الثقافية والمعنوية، باعتبارها من أهم مقومات تأكيد دورها الخاص ومكانتها المتميزة على الساحة الدولية والحفاظ على علاقات متينة بمستعمراتها السابقة. - تحول مهمة في تاريخ المنظمة، التي عرفت منذ مجيئ شيراك إزديادا ملحوظا في نشاطها وانتظاما للقاءات قادتها في قمة تنعقد كل عامين. ومع ، استفحال نزعات الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الأميركية التي لم تبد أدنى اهتمام بمراعاة مصالح الحلفاء، والتي أطلق عليها رجال السياسة والاعلام الأميركيون أسم «العولمة» وفي الوقت نفسه فقد كان زوال التهديد الذي يمثله الإتحاد السوفييتي و«المعسكر الإشتراكي» يعني انفتاح المجال أمام بروز التناقضات وعوامل المنافسة داخل المعسكر الغربي. وبدأ التململ والرفض لخطط الهيمنة الأميركية ينتشران بين حلفاء الولايات المتحدة، الذين هم في الوقت نفسه منافسوها على النفوذ، وفي طليعتهم الاتحاد الأوروبي، وفرنسا بصور أخص. وشهدت مفاوضات «الجات» في النصف الأول من التسعينيات جولات اتسمت بخشونة واضحة بين الطرفين، نتيجة لإصرار الولايات على محاولة إجبار الإتحاد الأوروبي على فتح أسواقه بدون قيد أو شرط أمام كل السلع والخدمات الأميركية دون أن تلتزم أميركا بنفس الشروط ! وفي المقابل قادت فرنسا موقفا أوروبيا صلبا ضد محاولات أميركا لانتزاع امتيازات من جانب واحد في مجال الصادرات الزراعية. كما أصرت فرنسا على وضع قيود أمام تدفق السلع الثقافية الأميركية، وخصوصا الأفلام السينمائية والأفلام والبرامج التلفزيونية التي أصبحت تمثل تهديدا خطيرا بغزو ثقافي شامل لأوروبا بأسرها، يمتد إلى تشكيل وجدان مواطنيها وعقلهم ورؤيتهم للعالم. وتلعب باريس دورا قياديا بارزا في مواجهة «الحرب التجارية» الأميركية ضد بعض السلع الأوروبية، وفي اتخاذ إجراءات جوابية ضد خطوات كفرض رسوم جمركية حمائية ضد منتجات الصلب الأوروبية في أسواق الولايات المتحدة. أما في مجال التصدي للهيمنة العسكرية الأميركية على العالم فقد بادرت فرنسا إلى اتخاذ موقف واضح ضد «مبادرة الدفاع الإستراتيجي» الأميركي، التي تمثل بعثا للبرنامج الريجاني القديم المعروف باسم حرب النجوم.ولا تزال تقود معارضة أوروبية واسعة لهذا البرنامج. وكان ترشيح فرنسا للأمين العام السابق للأمم المتحدة الدبلوماسي المصري بطرس غالي كأول أمين عام لمنظمة الفرانكفونية خطوة ذات مغزي خاص في تعبيرها عن الموقف الفرنسي من محاولات الولايات المتحدة لفرض هيمنتها على الأمم المتحدة و«اختطاف» المنظمة الدولية. فقد جاء ترشيح باريس لغالي لهذا المنصب بعد إصرار واشنطن على رفض تجديد ولايته كأمين عام للأمم المتحدة، ليكون بمثابة لطمة للسياسة الأميركية. ونظرا لأن السبب المباشر في الموقف الأميركي من «غالي» كان سببه المباشر إدانة الأخير لمذبحة «قانا» في لبنان، فإن الموقف الفرنسي جاء أيضا بمثابة تأكيد لإدانة إرهاب الدولة الإسرائيلي، وإشارة إلى احتجاج فرنسا على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ورفض واشنطن مشاركة الاتحاد الأوروبي في جهود التسوية السياسية في المنطقة. كما جاء إنتخاب غالي في قمة هانوي للمنظمة الفرانكفونية1997 ليمثل تأكيدا لإنعطاف كبير في توجه المنظمة نحو تبني طابع سياسي واضح لعملها. المبحث الرابع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ سياسة فرنسا في افريقيا
المواجهة الفرنسية ـ الأميركية في افريقيا مستمرة ولم تنته بإنتهاء الملف الزائري بخسارة فرنسا وفوز أميركا . - وقد عملت اميركا على زيادة وتيرة التبادلات التجارية وزيادة نسبة الاستثمارات في القارة - وقد عززت تحالفها مع جوناس سافيمبي زعيم الاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا الذي كان يقود المعارضة المسلحة بدعم أميركي - وتقوم الولايات المتحدة بتقديم الدعم لدول افريقية أخرى مثل أوغندا وبوروندي ورواندا واثيوبيا في إطار علاقات ثنائية يجري تطويرها بهدوء . سعت إدارة كلينتون السابقة وبعدها إدارة جورج بوش الإبن حالياً إلى تقوية النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية حتى لو كان ذلك على حساب النفوذ الفرنسي التقليدي في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية شعر المسؤولون الفرنسيون بخطورة الهجمة الأميركية ضد مصالحهم في أفريقيا ولكنهم شعروا انهم عاجزون عن الوقوف في وجهها لوحدهم فصرح مسؤول فرنسي رفيع المستوى بدرجة وزير " إن على الشركاء الأوروبيين أن يقفوا إلى جانب بلاده في توازن القوى القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في أفريقيا " وشدد على " أن فرنسا ينبغي أن تكون واثقة من الاعتماد على شركائها الأوروبيين لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك وحدها وقال أن تفاقم الوجود الأميركي في أفريقيا يتطلب دوراً أوروبياً موحداً لمواجهته وعلى الاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدور مهم في افريقيا . واشار المسؤول الفرنسي أن الذي يحدو بأميركا للشروع بمثل هذا التحدي ليس لدوافع سياسية بحتة فحسب بل هناك دوافع اقتصادية وأوضح أن " نتائج الأبحاث والتنقيبات النفطية تحمل على الاعتقاد أن خليج غينيا يحوي احتياطات هائلة من النفط قد توازي في حجمها احتياطات الخليج العربي " وهذا ما يثير شهية وأطماع الولايات المتحدة . وفي مواجهة هذا الواقع لم يجد الوزير الفرنسي سوى وسيلة تعزيز الفرانكوفونية حتى في البلدان الأفريقية الناطقة بالانجليزية . في حين علّق الرئيس الفرنسي جاك شيراك مشدداً على " أن العلاقات الفرنسية ـ الأفريقية يجب أن تستند إلى قاعدتين أساسيتين : الأولى تجنب أي تدخل من أي نوع سواء أكان سياسياً أو عسكرياً ، ففرنسا لا تقبل لنفسها مثل هذا التدخل ، وليس عليها أن تمارسه على الآخرين ، وثانياً :" تشجيع شركاءنا الأفارقة على تعزيز دولة الحق والقانون لديهم ، لأنها عنصر بالغ الأهمية لكسب ثقة الرأي العام والمستثمرين وبالتالي تحقيق التطور المطلوب " وأطنب الرئيس الفرنسي في مدح كثافة العلاقات القائمة بين فرنسا وافريقيا " مما يجعلها فريدة ومتميزة، وانه ينبغي على الجانب الفرنسي عدم إثارة الانطباع بأننا نغلق أبوابنا في وجوههم " على حد تعبير الرئيس شيرا ك .. التجاذب والاستقطاب والتنافس الحاد الأميركي ـ الفرنسي مازال مستمراً قد ينعكس سلباً داخل القارة الأفريقية حيث تطالب فرنسا دوماً بالعودة إلى اتفاق باريس بين فرنسا وأميركا وبريطانيا من أجل إيجاد " آلية خاصة ديبلوماسية ووقائية لتنفيذ استراتيجية مشتركة لمواجهة الأزمات " لأن التضارب في المصالح سوف ينعكس على طبيعة العمل ونوعية الأهداف المبتغاة . السلطات الفرنسية تحبذ التوازن المعقول بدل " المناطحة " الخاسرة بالنسبة لهم قطعاً . ففرنسا لا تستطيع وحدها " مناطحة " أميركا ولا منافستها ، لا في افريقيا ولا في غيرها من مناطق العالم ـ. لهذا ليس أمام فرنسا إلا الإنخراط في العجلة الأوروبية لمواجهة القاطرة الأميركية في أفريقيا .
أولا - سياسة فرنسا في البحيرات العظمى
تكتسب منطقة البحيرات العظمى (التي تضم السودان - أوغندا - رواندا - بورندوي - الكونجو الديمقراطية - كينيا - تنزانيا - أثيوبيا - إريتريا) أهمية خاصة؛ لعدة اعتبارات: 1- الثروة الطبيعة الهائلة الموجودة بها، خاصة الألماس، والذهب، واليورانيوم. 2- الثروة المائية الهائلة ، وتكتسب المياه أهمية خاصة في ظل الحديث عن حرب المياه خلال هذا القرن. 3- الموقع الإستراتيجي، فهذه المنطقة تُعَدّ حلقة وصل هامة بين أفريقيا العربية، وأفريقيا جنوب الصحراء، فضلاً عن قربها من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهو ما يكسبها أهمية سياحية كبيرة. ولقد دفعت هذه الأهمية الإستراتيجية الدول الكبرى للتنافس بشأن مناطق النفوذ (ومن أبرز هذه القوى فرنسا
ففرنسا من جانبها تسعى للاستفادة من الموارد المعدنية الموجودة بهذه المنطقة لخدمة صناعتها الثقيلة والنووية من ناحية، كما أن هذه المنطقة قريبة إلى الغاية من جيبوتي - حيث توجد قاعدة فرنسا الشرقية في أفريقيا - التي تكتسب أهمية خاصة بسبب إطلالها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ووقوعها على طريق التجارة بين جنوب آسيا
والمنطقة العربية، بالإضافة إلى أنها تشكِّل كتلة بشرية هائلة يمكنها استقبال المصنوعات ومنتجات السلاح الفرنسية. ولهذا عملت فرنسا على دعم بعض الأنظمة الحليفة والصديقة، وانتهاز الفرص المناسبة للتدخل في الصراعات التي تشهدها هذه المنطقة؛ المبحث الرابع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ سياسة فرنسا في افريقيا
لكن السياسة الفرنسية اصطدمت بعقبة ، و م أ هذا ما دفع فرنسا بالفعل إلى صياغة إستراتيجية جديدة في المنطقة، ظاهرها احترام حقوق الإنسان ودعم النظم الشرعية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
السياسةالفرنسية في ثوب أمريكي لقد أدَّى فشل سياسة فرنسا السابقة في كل من رواندا والكونجو الديمقراطية، إلى سعي باريس لإحداث نقلة شكلية في إستراتيجياتها في منطقة البحيرات العظمى، هذه النقلة تتمثل في استخدام وسائل السياسة الخارجية الأمريكية نفسها من إعلان دعمها لحقوق الإنسان وتأييد النظم الحاكمة، أيًّا ما كانت توجهاتها، أو بمعنى آخر: هل تمثل الأغلبية أم الأقلية. ولعل هذا يفسِّر لنا أسباب حرص وزير خارجية فرنسا هوبير فيدرين في جولته الأخيرة (12 - 14 أغسطس 2001م) على الاتصال بالدول التي تساند المتمردين في الكونجو، وهي رواندا وأوغندا، بل ولقائه بزعماء المتمردين الذين ينطلقون من هذه الأراضي لشنِّ هجماتهم ضد نظام الرئيس الكونجولي الحالي جوزيف كابيلا، في الوقت ذاته اعترض فيدرين خلال جولته على استخدام أسلوب الحسم العسكري من قبل النظام في كينيا، ومن ثَم تمثَّل الطرح الفرنسي في هذا الشأن في التأكيد على أهمية تنفيذ بنود اتفاق لوزاكا للسلام الذي تم توقيعه في يوليو عام 1997م، ويقضي بسحب القوات الأجنبية الموجودة في الكونجو سواء المساندة للنظام (أنجولا - زيمبابوي - ناميبيا) أو تلك المؤيدة للمتمردين (رواندا - أوغندا) ونشر قوات مراقبة تابعة للأمم المتحدة بعد أن يتم جمع الأسلحة من الميليشيات المتقاتلة، ودمج هذه الميليشيات في الجيش الوطني. ولقد عرضت فرنسا أن تشارك بالقسم الأكبر من القوات التي سيتم نشرها في الإقليم. وهكذا يلاحظ أن باريس تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة من أجل مواجهة النفوذ الأمريكي من ناحية، وضمان الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية من ناحية ثانية، حتى وإن تطلَّب ذلك إحداث نقلة شكلية في أدوات تنفيذ سياساتها الخارجية في المنطقة، وهكذا تؤكِّد فرنسا كغيرها من الدول الكبرى أن مفهوم المصلحة سيظل هو الحاكم لتوجهات هذه الدول. من النزاعات العرقية ثانيا - فرنسا والمغرب العربي إن زيارة الرئيس جاك شيراك على النحو الذي جرى يومي 1 و2 ديسمبر 2001 - أي زيارته للدول الثلاثة في جولة واحدة - كانت الأولى من نوعها منذ وصول الزعيم الديغولي إلى قصر الإليزيه سنة 1995، وهو ما يعكس دقة الوضع الدولي بشكل عام، والخطر الذي يستشعره المسؤولون الفرنسيون على مصالحهم الدولية والإقليمية في هذه المنطقة خصوصا. لقد قدم شيراك إلى عواصم المغرب العربي في زيارته الأخيرة، وعينه على مسألتين: أولاهما ضمان بقاء الدول الثلاثة في إطار يسمح لباريس بالتأثير على مواقفها فيما يتعلق بالقضايا الدولية المتفجرة، وفي مقدمتها قضية الحرب ضد الإرهاب، وثانيهما ضمان استقرار هذه الدول، باعتبار أن هذا الاستقرار جزء لا يتجزأ - برأي الفرنسيين - من استقرار بلدهم، حيث يعيش قرابة خمسة ملايين مسلم في فرنسا، وكثيرا ما نُظر إليهم على أنهم خزان بارود قابل للانفجار في أي وقت. وقد تحرك شيراك في زيارته المغاربية، ضمن المحددات التقليدية للسياسة الفرنسية في المنطقة، التي تقوم أساسا على الدفاع عن المصالح الفرنسية المتعددة في المغرب العربي. لكن ذلك لم يكن ليحجب ظهور دوافع جديدة لمثل هذه الزيارة، انبثقت بالدرجة الأولى عن أوجه الصراع البارد القائم بين باريس وواشنطن على النفوذ في شمال أفريقيا، كما لم يكن لينأى عن مجموعة من الأزمات العالقة بين باريس والعواصم المغاربية، جراء خلاف حاد في وجهات النظر حول قضايا ساخنة لا يمكن تجاهلها. محددات السياسة الفرنسية في المغرب العربي بحسب "كاثرين كولونا" الناطقة الرسمية باسم الرئاسة الفرنسية، فإن زيارة شيراك إلى الدول المغاربية، تندرج في إطار ما يعرف بـ"الحوار السياسي المنظم" الذي دأبت فرنسا على إجرائه مع قادة المنطقة على أعلى المستويات، خصوصا أن دول المغرب العربي الثلاثة ترتبط كل واحدة منها باتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوربي، فضلا عن العلاقات الخاصة التي ترتبط فرنسا بها - تحديدا مع تونس والجزائر والمغرب - منذ أن كانت هذه الدول مستعمرات يديرها الفرنسيون بشكل مباشر. ويصب هذا في اتجاه تأكيد الفكرة القائلة، بأن فرنسا ستظل حبيسة محددات ثلاثة في صلاتها بالدول المغاربية. وهي محددات مرتبطة عموما بمصالح فرنسا، لا بمصالح المستعمرات السابقة، التي تطالب دائما بأن تظل متخلفة وفقيرة ومستقرة في الوقت ذاته، وهذه المحددات هي كما يلي: أ) المصالح الاقتصادية والجيو-إستراتيجية ب) الفرنكوفونية ج) المهاجرون يتبع ...............
| |
|
بنت47 عضو مشارك
الجنس : السٌّمعَة : 3 الْمَشِارَكِات : 100 النقاط/ : 235 العـمــر : 32 الدولة :
| موضوع: رد: السياسة الخارجية لفرنسا في عهد جاك شيراك الأربعاء ديسمبر 22, 2010 9:00 pm | |
| المبحث الخامس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ فرنساوحلف الأطلنطي وعلاقتها مع روسيا أولا - فرنساوحلف الأطلنطي في التسعينات تغيرت أهداف ومهام حلف الأطلنطي, بعد انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية, فوضعت نهاية الحرب الباردة حدا للكيان, ولأسباب وجود حلف الأطلنطي نفسه, ولكن الدول الأوروبية أعلنت كلها موافقتها علي الاحتفاظ بالحلف, وتقوية بنيته السياسية والعسكرية, كما قامت الولايات المتحدة بتغيير هدفه المباشر الذي أصبح ضمان تدخل القوات الأمريكية ليس فقط علي المساحة الجغرافية الأوروبية, لكن أيضا خارج تلك المساحة. وفي عام1996, أي بعد ثلاثين عاما من قرار ديجول من الانسحاب من الجناح العسكري للحلف, قرر الرئيس الفرنسي جاك شيراك العودة جزئيا فأصبح من حق فرنسا الاشتراك في اجتماعات مجلس وزراء الدفاع واللجنة العسكرية, والاشتراك في بعض العمليات العسكرية, وذلك انتظارا لتشكيل قوة أوروبية خالصة داخل حلف الأطلنطي, ولكن في اجتماع برلين الذي عقد هذا العام, تقرر أن تلك القوة الأوروبية يجب ألا تتحرك إلا بموافقة حلف الأطلنطي, أي الولايات المتحدة وتحت مراقبتها. وهكذا بات حلف الأطلنطي يمثل أداة لتنفيذ سياسة الولايات المتحدة الخارجية, مثلما حدث في أزمة يوجوسلافيا, حينما حصل الحلف علي موافقة الأمم المتحدة في أن يتحمل مسئولية تنفيذ قرارات مجلس الأمن, بل والإعداد وشن الحرب ضد صربيا دون الحصول علي موافقة من الأمم المتحدة مسبقا. وفي12 سبتمبر عام2001, وبعد يوم واحد من الهجوم علي نيويورك وواشنطن, أعلن حلف الأطلنطي أنه يعتبر الهجوم الذي وقع علي الولايات المتحدة, بمثابة هجوم علي كل الدول الأعضاء في الحلف وفي4 أكتوبر من نفس العام, وبناء علي طلب من الولايات المتحدة, وافق الحلفاء علي اتخاذ ثماني إجراءات من شأنها توسيع دائرة اختيار العمليات المطروحة في الحملة ضد الإرهاب, . ولكن عندما أراده كل من الرئيس الأمريكي جورج إصدار قرار عسكري ضد العراق, يكون بديلا الي حد ما, عن قرار الأمم المتحدة السياسي, فقد كان واضحا أن كلا من فرنسا وألمانيا سيمنعان نصا يتجاوز المضمون السياسي الذي يتضمنه القرار رقم1441, الذي صدر عن مجلس الأمن, لذلك اكتفي الحلف بإعلان مسئوليتها في مساندة عملية تطبيق قرار الأمم المتحدة, ودعا العراق الي الامتثال إليه بشكل كامل وفوري, وجاء نص قرار الحلف يؤكد أن أعضاء الحلف عازمون علي اتخاذ الإجراءات الفعالة من أجل مساعدة ومساندة جهود الأمم المتحدة, مع تهديد العراق بعواقب وخيمة إن لم يحترم القرار بلا شروط أو عوائق. ومن ناحية أخري, أحرزت فرنسا فوزا آخر علي الصعيد الأوروبي, فقد سعت ومعها الدول الأوروبية الأخري, وبالأخص ألمانيا وبريطانيا, الي منع أن تتحول القوة التي تسعي الولايات المتحدة الي تشكيلها مع حلول عام2006, لكي تكون قوة تتمتع بأحدث الأجهزة التكنولوجية الحربية من شأنها القيام بعمليات عسكرية طويلة المدي, الي قوة بديلة عن قوة الرد السريع الأوروبية, أو تضعها تحت قيادتها, فقد قررت دول الاتحاد الأوروبي الأساسية, أن تكون القوتان مكملتين بعضهما لبعض, وليستا متنافستين, وقال شيراك في كلمته إن فرنسا علي استعداد للاشتراك في القوة الأطلنطية الجديدة, اذا تأسست بناء علي قواعد لا تتعارض مع تلك التي تحكم الالتزامات الأوروبية التي اتخذت في هلسنكي, والتي شكلت قوة أوروبية قوامها60 ألف جندي, وفي إطار احترام القوة الأوروبية. ثانيا - العلاقات الروسية الفرنسية تحاول كل من فرنسا وروسيا تدعيم وتقوية العلاقات فيما بينهما تحت راية أكبر هى مجابهة الهيمنة الامريكية السافرة للعالم . فقد أكد شيراك على معارضة فرنسا لمشروع الدرع الأميركية المضاد للصواريخ، ووصفه بأن "من شأنه أن يعزز انتشار الأسلحة"، وقال شيراك في مؤتمر عقده في ختام قمة الدول السبع الأكثر تصنيعا في العالم: إن "كل ما يندرج في إطار التسلح يسير في الاتجاه المغلوط"، وأضاف: إن "فرنسا أعلنت بوضوح أنها لا توافق على هذا المشروع المكلف جدا (وتلك مشكلة الأميركيين) وغير المضمون تقنيا فحسب (وتلك أيضا مشكلتهم) ولكن من شأنه، في رأينا، تعزيز انتشار الأسلحة النووية والصواريخ المعدة لنقلها"، وقال: "شركاؤنا في الاتحاد الأوروبي ـ غالبيتهم ـ يشاركوننا موقفنا". وقد تعهد الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي جاك شيراك بالعمل سويا على تعزيز الاستقرار والمحافظة على توازن القوى في العالم. وقد اقترح بوتين في سانت بطرسبورغ على شيراك إقامة منطقة اقتصادية أوروبية تمتد من الأطلسي حتى الأورال, وقال "سنعمل معا على إقامة منطقة اقتصادية مشتركة بشكل تدريجي". وأصدر الزعيمان بيانا دعالعدم تقويض الترتيبات الأمنية الدولية القائمة، ولكنه حرص على تجنب ذكر خططالولايات المتحدة ببناء درع مضاد للصواريخ. | |
|