د.كامل القيّم / جامعة بابل
مفهوم الحوار:
يرتبط
مفهوم الحوار ألتلفازي بطرق الاتصال الشفاهية ( المباشرة ) وهو ليس
المجادلة او الحديث او الخطاب، فالحوار يجمع بين شخصين او أكثر يناقشون
قضية معينة بطريقة مقبولة ثقافياً واجتماعيا، ولها اهتمام ومطلب جماهيري.
والحوار
أساسه اللغة بأصنافها ( اللفظية والاشارية ) ، وقد نٌقل الحوار الى وسائل
الإعلام منذ نشوء الصحف والإذاعات ، وقد نتج عنه قوالب وأساليب في الصحافة
والرواية والمسرح وباقي قنوات التأثير الاتصالية .
وقد ارتبط
القالب الحواري في تلك الوسائل بامتداد اجتماعي وإنساني للغة التفاهم،
والحديث وإبداء الرأي والمشورة، وبذلك فهو يعد قالباً قديماً او طريقة
تقليدية تمت ممارستها في الحضارات الغابرة من قبيل المحاورات السياسية ،
ومحاورات القضاء ، ومئات الإشكال من الأنشطة الحوارية التي يجريها الإنسان
مع الآخر آنذاك .
وبالنتيجة كانت قد ألقت بظلالها على حاجات
المتلقين من بعض فئات المجتمع، كالقادة، والسياسين ، والفنانين ، والنخبة
الثقافية والدينية ، وهكذا صار لازماً على قنوات الاتصال ان تقدم للناس ما
يرونه جزءً يسيراً للفهم من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، كمطلب اجتماعي
وثقافي يغطي غرض ما او تساؤل ما ، يشبعه اللقاء او الحوار .
ولكل
وسيلة اتصالية تسير بحوارها مع الآخر بطرق وأساليب مختلفة تبعاً لوسائطها
ورموزها التي ترتبط بحواس الجمهور ، فالمادة المقروءة ( الصحف ، المجلات ،
أخذت قوالب صحفية معينة ، كالمقابلة ، والحديث الصحفي ، والاستطلاع ، أما
الإذاعة فقد جرى العمل بها العمل بها على أسس الرمز الصوتي ، بالمقابلة
الفردية والجمعية ، واستطلاعات الرأي ، وللتلفاز موضوعنا المخصص سنفرد له
سماته وقواعده الخاصة في هذا السياق .
الحوار التلفازي وعناصره الأساسية :
بالنظر
للخصائص والسمات التي يتميز بها التلفاز ، فضلاً عن خصائصه الأخرى المتصلة
بالانتشار والإتاحة والاعتماد الاجتماعي اليومي ( التعرض المنتظم ) كان
الحوار التلفازي ابرز القوالب التي تقدم ألان لمناقشة قضايا الشؤون العامة
أو المتصلة بظاهرة تحمل أهمية إلى المتلقين ، فنحن بشكل دائم نحتاج إلى ما
يحمله شخص ما نحو موضوع ما ، بلغة وطريقة ما ، ونستطيع ان نميز ما يحمله
قالب الحوار التلفازي من سمات بحسب عناصره الأساسية وهي :
العنصر الأول : مقدم البرنامج ( الُمحاور)
وهو
الشخص الذي يقوم بالتحدث ، او استعراض فقرات إجراء الحوار وضبط آليته
الفكرية والزمنية ، ويقع على المحاور عبئاً كبيراً في إنجاح واستثارة قطب
او أقطاب الحوار ، على ان يحمل الصفات الآتية او أكثرها :
1- المهارة الاتصالية:اي الثقافة والدراية الواسعة بموضوعة الحوار ، أي ان يتسم بالموسوعية المعرفية واللغوية.
2-
المناورة: أي القدرة على تفهم الترميز في دلالة المعاني ( الاصطلاحات )
والاشاري لأعضاء الحوار، ومن ثم يعمل على وفقها استدعاء آليات( المشاكسة
)، او ( التوافق ) او (الاستنطاق ) او التكرار ، على وفق الحقيقة
الموضوعية .
3- القدرة في إشعار المحاورين على أهمية موضوع الحوار بالنسبة للمشاهدين.
4-
السمات التقديمية : كالصوت، والهيئة، والعمر، والسمع ، والتنظيم ( توزيع
الأدوار ) التلقائية ويتسم بشخصية تجمع بين الاتزان والتواضع المعرفي .
5- الربط : القدرة توظيف الإحداث ( الخاصية التاريخية ) والقدرة على توظيف السياقات اللغوية ( ربط القول السابق باللاحق ) .
6-
اللا تقليدية: اعتماده فنون تقديمية مختلفة ( اللاتقليدية ) البدء بمكان
الحدث ، البدء او الانتهاء بشاهد عيان ، بمسؤول ، بقول سابق لنفس المتحدث
، ومن ثم يجري الحوار
7- الذوق العام : ملاحظة عدم الخروج عن الذوق العام ، او الإساءة إلى الآخرين ، بالأسماء والأفعال في سياق الحديث .
8-
مواد الإسناد : أي توفير مادة أرشيفية ساندة لمجرى الحديث وإمكانية
التعليق عليها أفلام ، صور، خرائط ،أدوات توضيح وتفسير،على ان تحتوي أراء
متناقضة أو متطابقة ،أو إشراك لقنوات او أشخاص لديها رأي سابق ، لكنها لم
تدخل ميدان الحوار .
العنصر الثاني : ( المادة التنفيذية )
تعتمد
فنون الإخراج والتقديم للبرنامج الحواري على طبيعة موضوعة الحوار،
والجمهور المتخيل له، وهذا الأمر يجعل من عدم ثبات أدواته ووسائله، فبعض
الحوارات تستلزم مادة أرشيفية، والأخرى تستلزم مقابلات فورية، خارج نطاق
الأستوديو بالإضافة الى فنون استخدامات الكاميرا وزوايا التصوير، وظهور
الانفعالات والارتياحات ومديات التقاطع والتآلف التي تصحب العملية
الحوارية، وعلى ذلك يمكن إدراج المستلزمات التنفيذية للبرامج الحوارية في
التلفاز بالاتي:
1- مكان مناسب لطبيعة موضوع الحوار، ديكور، إضاءة، شاشة خلفية، أمامية.
2-
أجهزة نقل الصوت مخفية، والحرص على ان توزع القوة الصوتية للمتحدثين بشكل
متساوي ( لايتناشز ) مع مصدر الصوت، ويشتت تركيز منظم المكسر الصوتي.
3-
توزيع الكاميرات بالشكل الذي يغطي ساحة التحدث، وأقطاب الحوار بشكل (1)
جمعي (2 ) فردي، مع إمكانية التركيز على لقطات الانفعال والارتياح التي
يطلقها المتحاورون.
4- توفير مادة أرشيفية منظمة، بالشكل يتناغم مع
أجندة الأسئلة والقضايا المطروحة، وهذا يتم التنسيق بين ( المحاور ) مقدم
البرنامج والمخرج.
5- إمكانية ربط أستوديو الحوار مع الفضاء
الخارجي بكاميرا خارجية، بالإضافة الى التهيئة لاستقبال مكالمات خارجية
عبرها ارضي او محمول ( الاتصال التفاعلي ).
6- يستحسن ان يتم تغيير
خلفية البرنامج، اذا كان دورياً بحسب طبيعة الموضوع وشخوصه، وكلما كان
المكان ( جو الاتصال أو الحوار ) يرتبط بموضوع الحوار كلما كان تفاعل
المتلقي اشد.
العنصر الثالث : طبيعة موضوعة الحوار وشخوصه :
على
الرغم من ان البرامج الحوارية تسير على وفق أجندة الأحداث الساخنة وربما
الملحة اجتماعياً، لكن بعض الدراسات أثبتت ان ( توقعات التلقي ) تتنافر مع
ما يفترض ان يقدم، وهذا نابع من سببين أساسين، الأول يتعلق بان الرأي
العام لديه قنوات الخاصة ( من شخصية، مباشرة كقادة الرأي والأقران
والجماعة الأولية، والثانية لديه قنوات الإعلام الأخرى المتاحة، وهي بذلك
تشبع فضوله ألتساؤلي حول القضايا المطروحة، وهي بذلك تشبع فضوله ألتساؤلي
نحو القضايا المطروحة( باعتبارها ساخنة ).
والحقيقة التي تنبه لها
رجال الإعلام على ان بالا مكان استخدام التلفزيون ليس كأداة تذكيرية (
التذكير بالحدث ) وضرورة تغطيته، إنما في البحث حدث قضية تثير رأيهم، هذه
القضية ربما غير منظورة او محسوسة في حاضنة الذاكرة الاجتماعية، وهنا يتوق
الناس الى متابعة غائباً او منسياً، وما لم تتذكره باقي القنوات ( كسر
التوقع )، وهذا في معناه ليس ان نشجع على تناسي القضايا العامة أو شؤنها
اليومية.
وهنا ستتوزع خارطة البرامج الحوارية على أطياف عدة، بحسب
سياسة القناة ورؤيتها السياسية والثقافية وعلاقتها بالجمهور، فلدينا حوار
السياسة، وحوار الدين، وحوار المجتمع وحوار الظواهر.....الخ وهذه بدورها
تتفرع إلى ميكانزيمات مختلفة وهائلة، باختلاف ميادينها والقضايا التي تدخل
في إطارها.
من هنا نستطيع ان نقول ( كل قضية يمكن ان يكون لها
حوارا ) وكل ظاهرة يمكن ان تستقطب جمهوراً، وهذا كله يعتمد على كيف يقدم ؟
ولماذا ؟
فلو أمعنا النظر مثلاً في الركن السياسي، لدينا في محوره
مئات القضايا التي بالا مكان إخضاعها للحوار والنقاش ولدينا مئات الشخصيات
تقترن بهذه القضايا( رؤساء، أحزاب، وزراء، مدراء، مفكرين، رجال تاريخ،
أجيال جديدة...الخ، كل هذه الشرائح والقنوات البشرية لها رؤية ونظرة تجاه
ما يحصل لظاهرة من الظواهر وهلم جر ...وباختصار تتركز خصائص لاختيار
موضوعة الحوار وشخوصه منها:
1- كلما كان موضوع الحوار يحمل قضية أو
مشكلة أو ظاهرة آنية، كلما كان تفاعل المشاهدين اشد، على ان يجري العمل
على الخروج عما تغطيه القنوات المنافسة الأخرى، ربما بطريقة الأسلوب، أو
الشخصيات، أو مواد داعمة أخرى.
2- أن يتم انتقاء الشخصيات المعدة
للحوار بطريقة مدروسة وليست اعتباطية، وان يتم الاتفاق مع هذه الشخصيات
على محاور اللقاء وخطوطه العريضة، بحيث يجري الحوار بالشكل المخطط له (
لتحقيق الجدوى ).
3- ان تقوم القناة التلفازية بتنويع برامجها
الحوارية من ناحية الموضوعات أو الشخوص أو طرق التقديم، واعتقد أن الناس
بدأت تميل الى التفاعل مع حورات الآخرين تلفزيونياً ، لان درجة الإشباع من
تواتر الصور المجردة قد اخذ مداه لدى الجمهور .
4- عدم إقحام أشخاص
ليست لديهم علاقة بموضوعة الحوار ، لان ذلك يثقل كاهل ( المقدِم )
والمشاهد ، ويُسيء إلى فعل الاستجابة القصوى .
5- انتقاء ذوي
المراكز الأكاديمية أوظيفية والسياسية الذين يمتلكون الجرأة وروح
الموضوعية واللغة المحببة ، لان بعض فواصل البرنامج يأخذ زمامها الضيف
وليس فقط المحاور .
6- إشراك المتلقين في إبداء آرائهم بشكل مباشر
( الحضور الفعلي في قاعة النقاش ) أو عن طريق الاتصال عبر الهاتف، واحترام
آرائهم ووجهة نظرهم.
7- التنويه لبرنامج الحوار قبل وقت العرض بوقت
كاف ، ليتسنى للجمهور الارتباط ، إذا شاؤا ، لان التعرض الآني يجري بشكل
غير منتظم ( عشوائي ).
8- الكشف بشكل تفصيلي عن هوية واختصاص وخبرة
الشخص الضيف، وهذا يعطي له ، وللمشاهد بعضاً من الحيوية والمسؤولية في
إبداء الرأي والمناقشة .
ثالثاً: أساليب تقديم البرامج الحوارية
1-
أسلوب الحديث المباشر : وهي المادة الإعلامية التي يقدمها احد المختصين
الى جمهور المشاهدين ، ويعتمد أسلوب السرد ، ويكون لشخصية المتحدث اثر
كبير في تحقيق نجاح البرنامج .
2- أسلوب المقابلات : وهو شائع الاستعمال ، ويقسم الى ثلاثة أقسام :
أ-مقابلة الرأي Interview Opinion)
استطلاع رأي المحللين والمتخصصين في الموضوعان الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية ، وتزن شخصية المحاور من المتخصصين في ميدان الحوار .
ب-مقابلة
المعلومات ( Information Interview ) ويستخدم في البرامج الإخبارية
والوثائقية وتهدف الى تزويد الجمهور بالمعلومات المتخصصة حول حدث سياسي او
اقتصادي او علمي .
ج-مقابلة شخصية ( Personality Interview) يتناول
هذا النوع الحوار مع شخصية مثيرة او مشهورة او جذابة للجمهور ، ويتضمن
نشأة الشخصية واهتماماتها اليومية وطريقة عيشها وأفكارها ، وتتجه الأسئلة
الى التعمق في أغوار الشخصية مما يثي اهتمامات الجمهور .
3- أسلوب
المناقشات : ويهدف الى تبادل الآراء والمعلومات للوصول الى حلول واقعية او
محتملة حول أسئلة مهمة نحو مشكلة معينة ، وعلينا ان نفرق بين أسلوب
المقابلات وأسلوب المناقشات فالأول هدفه الحصول على المعلومات واستنباط
الآراء ، بينما يهدف الثاني ( المناقشات ) الى تبادل الآراء والمعلومات
بطريقة حوارية تصل إلى مرحلة الجدل والاختلاف ، ويتخذ هذا النوع أربع
أنواع أساسية :
أ- المائدة المستديرة : استضافة بعض الشخصيات المتخصصة التي ليها حلول واقعية وقابلة للتطبيق .
ب-الندوة
الأفقية : ويتم منح كل مشترك وقتا محدداً او متساوياً للعبير عن آرائه
وأفكاره ويكون السؤال محدداً لكل المشتركين من جانب مدير الندوة ( او
المحاور ).
ج-المناقشة الجماعية : وتركز على قطاع معين من الجماهير
مثل الصناعة او الزراعة ، الصحة ، التعليم ، وهي عبارة عن معلومات موضوعية
تستخدم لأغراض محددة تهم فئة معينة من الجمهور ، ويسعى هذا النوع من أشكال
المناقشات الى إيجاد حل من خلال توظيف الأهداف ، ويعتمد على أسلوب التفكير
الجماعي والمناقشة الحرة ، من جانب المشتركين في الحوار او من الجمهور
الفئوي في الخارج.
د-المناظرة : وتعتمد على وجود طرفي نقيض ، اذ
يستخدم كل طرف في المناظرة إمكانياته ومهاراته من اجل تدعيم أرائه وأفكاره
، وشرح الحجج المؤيدة لوجهة نظره وفي نفس الوقت ، دحض فكرة الطرف الآخر .
هـ-
المناقشة التفاعلية : ويتم فيها الحوار لأشخاص داخل الاستديو ، وخارجه عن
طريق شاشه تلفزيونية ضخمة ، يمكن ان تصل انفعالاته وصوته الى مكان الحوار
وبالعكس ، وغالبا ما يتم ربط عدة شخوص ومن عدة أمكنة داخل حلبة الحوار .
د.كامل القيّم/ أستاذ الاتصال الجماهيري/ العراق - جامعة بابل