هل أساس تطبيق العدالة يرجع الى المساواة المطلقة ؟؟؟؟؟؟
اذا كان بعض الفلاسفة والمفكرين قد أكدوا أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق الا في ظل المساواة المطلقة بين الناس...وأن العدل يعني المساواة في توزيع الحقوق و الواجبات ..و اذا كان أي تفاوت يعني التمييز بينهم فهل هذا يعني أن العدالة لا تتحقق الا اذا أخذ كل الناس نفس الحقوق وكانت عليهم نفس الواجبات ؟؟
لكن كيف تكون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وهم لا يملكون نفس القدرات والامكانيات العقلية والفيزيائية؟؟؟
تسعى كل الهجتمعات في وقتنا الحالي الى تحقيق العدالة الاجتماعية بمختلف الوسائل مثلا يرى البعض أن تحقيق العدالة يقتضي المساواة بين الناس و ازالت كل التمييز و الاختلاف و كما نعطيهم نفس الحقوق يجب علينا اعطائهم نفس لواجبات بغض النظر عن أجناسهم و أعراقهم و انما هو راجع في نظر *كارل ماركس* الى مبدأ تكافؤ الفرص و أيضا يقول الخطيب الروماني شيشرون بهذا الصدد *الناس سواء وليس بشئ اشبه بشئ من الانسان بالانسان..لنا كلنا عقول ولنا كلنا حواس وان اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم* فالعقل هو القاسم المشترك بين الناس كذلك يرى *مالبرانش* أن طبيعة الانسان واحدة و ان لم يكن الناس متساوون فهذا يرجع الى القانون الغاشم الذي ميَز بينهم.
فان العدل في اسمى معانيه يكون باحترام الانسان كانسان وهو يتجاوز الحدود الطبيعية فلا فرق بين غني وفقير ولا ابيض واسود على أساس أن البشر كلهم متساوون...فمثلا الطبيب في مهنته ومنظف الشوارع في مهنته فاذا كان الطبيب يعالج المرض فان منظف الشوارع يعالج أسباب المرض .فمن الجور أن نفرق بينهما.
لكن يبدو أن أصحاب المساواة لا يريدون الأعتراف بالطبيعة التي ميزت بين الأفراد فهناك القوي وهناك الضعيف,هناك الذكي وهناك الغبي فكيف نساوي بين الامتساوين؟؟؟
لقد أكد الفكر اليوناني الكلاسيكي أن التفاوت قانون الطبيعة حيث يقول ارسطو طاليس " الناس جميعا متفقون على أن التوزيع يكون حسب استحقاق كل شخص" هذا يعني أن العدل لا يتحقق الا اذا احتُرم التفاوت بين الافراد لانهم لا يملكون نفس القدرات العقلية والجسمية هذا ما أكده افلاطون في كتابه* الجمهورية* الذي تخيل فيه مجتمعا مثاليا عادلا يقوم على أساس احترام التفاوت الموجود بين الافراد لان هناك من وُهبَ ملكة الذكاء في حين حرم البعض الاخر منها..وعلى هذا الاساس قسم افلاطون المجتمع الى ثلاث طبقات*الطبقة الذهبية وهم الحكام ويتصفون بالنبل والحمكة *الطبقة الفضية وهم الجنود ويتصفون بالشجاعة *الطبقة النحاسية وهم العبيد شهوانيين لاحول لهم ولا قوة
وقد أقام هذا التقسيم ليس على اعراقهم وانما على قدراتهم المعرفية.
نجد هذا الموقف عند الفرنسيين أمثال* ألكسيس كاريل* "ان تقسيم سكان البلاد الحر لا يرجع الى المصادفة و انما هو مؤسس على قواعد بيولوجية وكذلك على صفات الافراد الفيزيولوجية والعقلية" كما نجد هذا الرأي عند الشعوب الذين سموا أنفسهم *الجنس الآري* بمعنى ارقى الاجناس..أما اليهود من قبل نادوا بأنهم شعب الله المختار.لان التفاوت عندهم منطلق طبيعي وأن العدالة تتحقق بالتفاوت يقول *نيتشه* "ان العدالة لا تحق الا اذا احترو التفاوت الطبيعي والطبقي بين الاسياد والعبيد* "
فالعدالة اذن تبنى على أساس التفاوت لانه كما قال ارسطو*" العدل يكمن في اللامساواة والجور يكمن في مساواة ما"
اذا كانت فكرة التفاوت فيها نوع من الظلم والجور فهي تبقى الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة ..غير أن هذا التفاوت لايكون على أساس العرق والجنس كما اننا لا نستطيع أن نحكم على الناس بأنهم من الطبقة الذهبية أو الفضية بل كل واحد يأخذ حسب الاستحقاق والكفاءة فمثلا العدل في القصاص يراعي التناسب بين نوع الجريمة والعقوبة فكل مجرم يعاقب حسب الجريمة التي ارتكبها ومن الجور أن نسوي بين المجرمين في العقاب..كما أننا لا نستطيع أن نعاقب الفقير ونصفح عن الغني.
هذا ما أكده و أقر به الاسلام فالتفاوت لا يكون حسب العرق والجنس انما على أساس التقوى يقول عز وجل *ان أكرمكم عن الله اتقاكم* فهناك ميزان واحد عند الله وهو التقوى وبهذا تسقط جميع الفوارق.
نستنتج في الاخير أن التفاوت قانون الطبيعة و أن نفرق بين الناس أمر مشروع يمكن الأخذ به يقول ارسطو طاليس "العدل أن نعطي لكل ذي حق حقه" ولقد نودي بالتفاوت منذ فجر الحياة البشرية .
المشكلة الثانية في الحقوق والواجبات و العدل .
نص السؤال : هل يمكن إقامة العدل بمجرد تحقيق المساواة ؟
المقدمة : إذا كان العدل هو الاستقامة في الاستحقاق , وهو الاعتدال أي التوسط بين الإفراط والتفريط , فإن مسألة تحقيق العدل ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة المساواة مثلما ترتبط فكرة الظلم بإحداث التفاوت بين الناس وعليه فهل العدل يكمن في تحقيق المساواة واحترامها أم أن العدل يكمن في إقامة التفاوت بين الناس واحترامه ؟
التحليل :
العدل يقوم على احترام التفاوت القائم بين الناس :
يذهب بعض الفلاسفة من أنصار التفاوت إلى أن العدل يكمن في احترام التفاوت القائم بين الناس , و أيضا في إقامته بينهم , لأن الناس يختلفون بالولادة في قدراتهم العقلية والجسمية ( الذكاء والغباء , القوة والضعف ) و ليس من العدل أن نسوي بينهم بل العدل يكمن في التمييز بينهم وعلى هذا الأساس قام المجتمع اليوناني القديم حيث أن " أفلاطون " : في جمهوريته الفاضلة يميز بين صنفين من الناس العبيد بقدرات عقلية محدودة وأوكل لهم العمل اليدوي والأسياد يملكون القدرات العقلية الهائلة أوكل إليهم العمل الفكري كالأشغال بالفلسفة . كما نظر " أرسطو " بعده إلى التفاوت على أنه قانون الطبيعة ويجب احترامه . ونجد هذا الموقف عند بعض المحدثين حيث يقول " ألكسيس كاريل Alexis Karel " ( عالم فيزيولوجي وجراح فرنسي : " فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة الجسمية والعقلية يجب أن نوسع من دائرة الاختلافات وننشئ رجالا عظماء ") وهكذا يكون التفاوت عدل بينما المساواة ظلم .
مناقشة : حقيقة الناس مختلفون بالطبيعة والتفاوت بينهم أمر طبيعي ومقبول لكن البعض يتخذ من التفاوت الطبيعي ذريعة لإقامة التفاوت الاجتماعي المصطنع من قبل طبقات اجتماعية مسيطرة لذا ينبغي تحقيق المساواة بين الناس .
العدل يكمن في إقامة المساواة بين الناس واحترامها :
يذهب البعض الآخر من الفلاسفة وهم أنصار المساواة إلى أن العدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس ن التفاوت القائم بين الأفراد يعود في معظمه إلى تأثير المجتمع لا إلى تأثير الطبيعة . فالطبيعة لم تخلق طبقة الأسياد وطبقة العبيد كل هذا من صنع المجتمع , وقد وجدت هذه الفكرة لدى المجتمعات القديمة حيث قال أحد حطباء اليونان وهو شيشرون : " الناس سواء وليس شيئا أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان ... " وقال " عمر بن الخطاب " : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " . كما نجد هذا الموقف أكثر رواجا عند فلاسفة العصر الحديث ومنهم " برودون " ( فيلسوف و عالم اجتماعي فرنسي 1809-1865) الذي يقول : " إن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية " بينما يدعو " كانط " في كتابة مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيع العلاقات على الديمقراطية والمساواة والعدل و هكذا فإن الاعتماد على التفاوت في تحقيق العدل فيه ظلم للناس .
مناقشة : حقيقة العدل بهذا المعنى أقرب إلى المساواة منه إلى التفاوت ولكن لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل ولا يمكن أن نسوي بين الناس في كل شيء لأن المساواة المطلقة فيها ظلم لبعض الناس
العدل يكمن في تحقيق المساواة مع احترام التفاوت الطبيعي :
لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل كما لا يمكن اعتبار كل تفاوت ظلم فإن المساواة التي يأمل فيها الإنسان لا تتنافى والتفاوت الصادر عن الطبيعة , فالعادل من الناس هو المستقيم الذي يسوي بين الناس أمام القانون و يحترم حقوقهم دون تدخل الاعتبارات الشخصية و لا يظلم في حكمه أحد و هكذا سوف تظهر الكثير من الصفات النبيلة كالكفاية والاستحقاق وتختفي الكثير من الصفات الرذيلة كالتمييز العنصري .
الخاتمة : لا يمكن تحقيق المساواة المطلقة بين الناس لأنهم متفاوتون في القدرات الجسمية والعقلية ولا يمكن محو ظاهرة التفاوت من حياة الناس لأنها طبيعة فيهم , وعليه فالعدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون .
الموضوع الثاني :
نص السؤال : أيهما أجدر بتحقيق العدالة : القانون أم الأخلاق ؟
المقدمة :
إذا كان القانون جملة القواعد العملية المفروضة على الإنسان من الخارج لتنظيم شؤون حياته .و الأخلاق إلزام داخلي يأمر وينهي في مجال الخير والشر فكلاهما يهتم بالإنسان ولكن من زاويتين مختلفتين لهذا يطرح السؤال أيهما أجدر بتحقيق العدالة الاجتماعية ؟
التحليل :
القضية : يرى أنصار الاتجاه السياسي أن القوانين هي التي تحقق العدالة الاجتماعية لأن القانون هو الحارس الأمين للنظام الاجتماعي والموجه لسلوك الأفراد والمنظم لعلاقاتهم لدرجة أن الحياة الاجتماعية لا تستقيم بدونه يقول " مونتيسكو" : " ليس هناك من ظلم أو عدل إلا ما تأمر به أو تنهى عنه القوانين الوضعية "
ويقول أبو العلاء المعري :
قد فاضت الدنيا بناسها * على براياها و أجناسها
كل من فوقها ظالم * وما بها أظلم من ناسها
ويقول " شو بنهاور" :" الأخلاق من صنع الضعفاء حتى يقوا أنفسهم من شر الأقوياء " .
وحجتهم في ذلك أن الطبيعة البشرية شريرة , وبالتالي لا يمكن قيام عدالة اجتماعية على الأخلاق .
نقد : أصحاب هذا الاتجاه أهملوا الجانب الخير في الإنسان ونظرتهم تشاؤمية إذ أن القوانين كثيرا ما تكون جائزة كما في مقدرة الإنسان الإفلات منها وتجاوزها.
النقيض : يرى أنصار الاتجاه الأخلاقي أن الضمير الخلقي كإلزام داخلي جدير بتحقيق العدالة الاجتماعية لأنه يتابع صاحبه أينما حل .
يقول " برغسون " : " الأخلاق من ابتكار الأبطال لفائدة الإنسانية جمعاء " .
يقول كانط : " شيئان يملآن إعجابي سماء مرصعة بالنجوم وضمير يملأ قلبي "يقول انجلز : " الأخلاق من صنع الأقوياء " .
وحجتهم في ذلك أن القانون لا يستطيع مراقبة الفرد وبالتالي يمكنه الإفلات منه ولكنه لا يستطيع الإفلات من ضميره هذا بالإضافة إلى أن طبيعة الإنسان خيرة.
نقد : لكن هناك من يتميز بضعف الضمير وبنية مريضة وبالتالي لا ينبغي تركهم وشأنهم . كما أن بناء العدالة على الأخلاق معناه إخضاعها للعاطفة والعاطفة متقلبة ومتغيرة .
التركيب : وعليه العدالة الاجتماعية تتحقق بالجمع بين القانون والأخلاق و لا يمكن قيامها بأحدهما دون الأخرى إن قيام العدل يقتضي التقيد بالصالح العام وهذا يفرض علينا احترام القانون أخلاقيا كان أو اجتماعيا .
الخاتمة : إن التعامل في العلاقات الإنسانية وقيام العدالة الاجتماعية يتم بالقانون الذي يعتمد على العقل وبالأخلاق التي تعتمد على العاطفة فإذا كان القانون يمثل روح هذه العلاقات فإن الأخلاق يمثل حرارتها .