الديمقراطية الاجتماعية: هل يمكن تحقيق الاستقرار في ظل الديمقراطية الاجتماعية؟
مقدمة: وصف الفلاسفة الإنسان منذ القديم بأنه كائن مدني بطبعه فحياته لا تقوم و
لا تستمر إلا في ظل وجود سلطة تحكمه حتى أن أرسطو اعتبر الدولة من الأمور
الطبيعية و الواقع أن استقرار التاريخ يجعلنا نميز بين نظامين: نظام حكم
فردي يعتمد على الفصل بين السلطات و آخر جماعي يدافع عن الديمقراطية فإذا
علمنا أم المذهب الليبرالي يتبنى الديمقراطية السياسية و أن الاشتراكية
تؤمن بفكرة المساواة الاجتماعية فالمشكلة المطروحة *هل تستطيع الديمقراطية
السياسية تحقيق الاستقرار السياسي؟ أم أنه لا يمكن تصور الديمقراطية إلا في
ظل المساواة الاجتماعية؟
الأطروحة الأولى:
ربط أنصار المذهب الليبرالي بين الديمقراطية و فكرة الحريات الفردية و هذا
المذهب هو نظرية في السياسة و الاقتصاد كما ذهب إلى ذلك ماكس فيبر و
أصحابها ينظرون إلى العمل السياسي من زاوية المشاركة السياسية و حق
المعارضة و هذا ما عبر عنه هانري مشال بقوله (الغاية الأولى للديمقراطية هي
الحرية) و من الناحية الفلسفية ترتبط الديمقراطية السياسية بفلسفة التنوير
تلك الفلسفة التي رفعت شعار (لا سلطة على العقل إلا العقل) و تجسدت هذه
الفكرة بوضوح في فلسفة هيقل الذي قال
الدولة الحقيقية هي التي تصل فيها
الحرية إلى أعلى مراتبها ) و القصد من ذلك أن جوهر الديمقراطية قائم على
حرية إبداء الرأي و احترام الرأي المخالف وواجب السلطة هو حماية الحريات
المختلفة ( السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية) و في هذا السياق
تظهر أفكار سبينواز الرافضة لفكرة التخويف التي تعتمد عليها الأنظمة
الاستبدادية و هو يرى أن السلطة الحقيقية هي التي تحمي حرية الفكر و تضمن
المشاركة السياسية للأفراد و من الناحية التاريخية تعتبر الثورة الفرنسية
1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملت لواء الديمقراطية
السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب جفرسون في صياغته
للدستور الأمريكي إلى المطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد في
الحياة و التفكير و يمكن القول أن الديمقراطية السياسية تتميز بجملة من
الخصائص أهمها :حرية الصحافة بجميع أشكالها و كذا تبني خيار التعددية
الحزبية و الحق في المعارضة السياسية ،و ترقية و حماية الحريات الفردية
المختلفة و الدفاع عن حقوق المرأة و الطفل باعتبار الإنجاب الوسيلة الوحيدة
للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها كل هذه المبادئ، اختصرها كليسونفي
مقولته: إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة في الإديولوجيا الديمقراطية و
ليست المساواة.
نقد: إن فكرة الحرية السياسية التي دافع عنها المذهب الليبرالي محدودة ما دامت السلطة السياسية في أيدي أصحاب النفوذ الماليو الإعلامي.
نقيض الأطروحة:
ذهب أنصار مذهب الاشتراكية إلى اعتبار المساواة الاجتماعية أساس
الديمقراطية، و هذا المذهب ظهر كرد فعل ضد التطرف الإديولوجيا الليبرالية و
في هذا المعنى قال فريدير أنجلر
الاشتراكية ظهرت نتيجة صرخة الألم و
معاناة الإنسان ) و ذلك أن الديمقراطية السياسية لم تنجح في خلق عدالة
إجتماعية و بدل الدفاع عن المساواة بين الأفراد جسدت الطبقية في أوضح صورها
بين من يملك و الذي لا يملك مما دفع أناتول فرانس إلى القول
الذين
ينتجون الأشياء الضرورية للحياة يفتقدنها و هي تكثر عند اللذين لا ينتجونها
) و من هذا المنطلق رفع كارل ماركس شعارا(يا عمال العالم اتحدوا) و ما
يمكن قوله أن الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار هذه الأطروحة
ترمي إلى ربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية، يمكن القول أن
الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار الأطروحة ترمي إلى الربط بين
العمل السياسي و العدالة الاجتماعية و من أجل تحقيق هذا الهدف اعتمدت على
مجموعة من المبادئ أهمها الاعتماد على سياسة الحزب الواحد و هذا الحزب يلعب
دور الموجه و المراقب و مهمته الأساسية خلق الوحدة الوطنية من خلال تركيز
جميع الجهود في مسار واحد بدل تشتيت القوي كما هو حاصل في الديمقراطية
السياسية و من المنطلق أن الاشتراكية خيارا لا رجعة فيه (يسمح بوجود معارضة
سياسية ) بل كل ما يعارض فكرة الديمقراطية الاشتراكية يصنف في خانة أعداء
الثورة. إن جوهر العمل السياسي هو خدمة الجماهير و إزالة الفوارق الطبقية
من خلال إلغاء الملكية الفردية و تجسيد فكرة التملك الجماعي فالديمقراطية
الاجتماعية تهدف إلى ضرورة الانتقال من المرحلة الاشتراكية إلى المرحلة
الشيوعية التي تتجسد فيها المساواة الكاملة و في هذا المعنى قال لينين في
بيان الحزب الشيوعي (الاشتراكية نظام لا طبقي له شكل واحد الملكية العامة
لوسائل الإنتاج و المساواة الاجتماعية الكاملة بين الأفراد و ملخص الأطروحة
أن الديمقراطية الاجتماعية ترى أن المساواة الاجتماعية هي التي يجب أن
تحتل الصدارة في العمل السياسي و ليست فكرة الحرية.
نقد: ما يعاب على الديمقراطية الاشتراكية الفصل بين النظرية و التطبيق فبدل
تحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية تحول العمل السياسي إلى خدمة أفراد
الحزب الواحد مما عجل سقوط الأنظمة الاشتراكية.
التركيب:
ذهب لاكومب في تحليله لمسألة الديمقراطية أنها تتضمن الحرية و المساواة
لأن الحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع دون استثناء
فالمسألة هنا يجب النظر إليها من زاوية الكيف و ليس الكم و هذا ما أكد عليه
مبدأ الشورى في الإسلام و الذي جاء القرآن الكريم بصيغة الأمر قال تعالى:
(وشاورهم في الأمر) فالشورى تشترط الحوار و الحوار يدل على الحرية (و أمرهم
شورى بينهم) و من الناحية التاريخية تضمن مفهوم الديمقراطية منذ نشأته
مفهوم المساواة و الحرية قال بريكليس (إن السلطة عندنا ليست مسيرة لصالح
الأقلية بل هي لصالح الجماهير و منه أخذ نظامنا اسم الديمقراطية) .
الخاتمة:
و مجمل القول أن الديمقراطية من حيث الاشتقاق اللغوي تتضمن فكرة الإرادة
الجماعية لأنها حكم الشعب نفسه بنفسه فهي تتضمن مفهوم الرضا و القبول لأن
السلطة الحاكمة تمارس وظيفتها باسم الشعب غير أن هذا المفهوم يتضمن إشكالية
فلسفية حول الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الممارسة الديمقراطية هل هو
الحرية أم المساواة و من ثمة كانت هذه الإشكالية جدلية في المقام الأول و
هي تعبر عن التضارب الفكري بين الإديولوجيا الليبرالية و الاشتراكية غير
أنه من خلال التحليل الفلسفي الذي قمنا به توصلنا إلى هذا الاستنتاج:
الديمقراطية الحقيقية هي التي تأسس على منطق المساواة و الحرية معا .