الأسرة المسلمة على طريق الجنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
فإن الله تعالى خلق الجنة وجعل لها ناسًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وجعل لها ناسًا وهم في أصلاب آبائهم
ولهذا سأل الناس رسول الله بقولهم يا رسول الله ؛ أنعمل في أمر قد فُرِغَ منه أم نستأنف ؟
فقال عليه الصلاة والسلام لأمر قد فرغ منه، فقال سراقة ففيم العمل ؟
فقال «كل عامل ميسر لعمله» رواه مسلم
وفي رواية توضح المعنى أكثر قال رجل يا رسول الله، ففيم العمل ؟
فقال إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل أهل النار فيدخله به النار» سنن أبي داود، وسنن النسائي، وصححه الألباني
فالله عز وجل بعلمه السابق علم ما سيفعله كل إنسان مختارًا قبل أن يُخلق، فكتب سبحانه ما سيستحقه ذلك الإنسان من جنة أو نار في اللوح المحفوظ، فإذا خُلق ذلك الإنسان وبلغ سن التكليف فإنه يعمل العمل الذي يوافق ما كُتب له من جنة أو نار
وقد سأل أحد الشباب سؤالاً هامًا
قال أليس هناك شيء يمنع النار عنا فلا ندخلها؟
ولقد وجدتُ هذا السؤال قد سُئله رسول الله من العديد من أصحابه، كلهم يسأله عملاً يقربه من الجنة ويبعده من النار، وقد دلهم رسول الله على أعمال كثيرة من البر وفعل الخير بعد أداء الفرائض لتكون خصالاً يتشبثون بها لتكون سببًا لرضا الرحمن ونيل جنته والفرار من عذابه، وكان يجيب كل إنسان بما يناسب حاله، فتنوعت الإجابات الكثيرة والأعمال الوفيرة التي يتنافس في فعلها العاملون
وكانت إجابات النبي تصديقًا للآية الجامعة التي قال الله تعالى فيها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الحج ، أي اعبدوه بطاعته في أمره ونهيه مع غاية التعظيم والذل له، وافعلوا الخير من كل ما انتدبكم الله لفعله ورغبكم فيه من صالح الأعمال والأقوال، لعلكم تفلحون وتفوزون بالجنة وتنجون من النار
الطريق الأول أداء أركان الإسلام والإيمان
قال أبو هريرة رضي الله عنه جاء أعرابي إلى رسول الله فقال يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال الأعرابي والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئًا ولا أنقص منه، فلما ولّى قال النبي صلى الله عليه وسلم
«من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» متفق عليه
وهنا أمره النبي بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ولما كانت العبادة شاملة لفعل الواجبات وترك المنكرات صح إثبات النجاة له من النار بمجرد ذلك، وقد علم النبي بالوحي أنه سيوفى ما التزم وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة
الطريق الثاني الإحسان وترك الغضب
قال أبو هريرة رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي ، فقال يا رسول الله، دلني على عمل إذا أُخذتُ به دخلت الجنة ولا تكثر عليَّ، فقال لا تغضب، وأتاه رجل آخر فقال يا نبي الله ؛ دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال كن محسنًا، قال وكيف أعلم أني محسن ؟
قال تسأل جيرانك فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسيء فأنت مسيء» النسائي وصححه الألباني
فأوصى الأول بترك الغضب، لأن الغضب من نزغات الشيطان، ولذا يخرج الإنسان عن اعتداله، فيتكلم بالباطل ويفعل المذموم ويأتي المفاسد ويركب المنكر، ولهذا قال الرجل السائل في رواية عند الخرائطي «ففكرت حين قال رسول الله لا تغضب ؛ فإذا الغضب يجمع الشر كله»
وكذلك قال النبي للآخر
«كن محسنًا» فسأله كيف أعرف أني محسن فأرشده إلى أنه إذا أثنى عليه جيرانه الصالحون للتزكية ولو اثنان بأنه من المحسنين المطيعين لله تعالى فهو محسن عند الله تعالى، وإذا أثنى عليه جيرانه أنه مسيء وشهدوا بأن عمله غير صالح ؛ فهو عند الله مسيء، وحاصله أن من شهد له جيرانه الصلحاء بخير فهو من أهله، وإذا شهدوا وذكروه بسوء فهو من أهله، لأنهم شهداء الله في الأرض، ولا عبرة بشهادة الكافر والفاسق والمبتدع
الطريق الثالث السلام والطعام والأرحام والقيام
قال أبو هريرة رضي الله عنه قلتُ يا رسول الله أنبئني بشيء إذا أخذتُ به دخلت الجنة ؟
فقال النبي «أفشي السلام وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام» أخرجه أحمد والحاكم من طريق قتادة عن أبي ميمونة، وإسناده صحيح
وعن مقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله ؛ حدثني بشيء يوجب لي الجنة، قال يوجب الجنة إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وفي رواية «حُسن الكلام» قال الهيثمي رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات
وكذلك قال أنس رضي الله عنه بأن رسول الله سأله رجل فقال علمني عملاً يُدخلني الجنة قال
«أطعم الطعام، وأفشي السلام، وأطب الكلام، وصلِّ بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام» صحيح لغيره، وانظر صحيح الترغيب والترهيب
قال العلماء «تدخلوا الجنة بسلام» جواب لمقدر، أي إن فعلتم ما ذُكر تدخلوا الجنة متلبسين بالسلام من الآفات التي تكون في غيرها، والمراد دخولها مع الناجين بدون عذاب في النار، وإلا فدخول الجنة لأهل الإيمان واجب بالوعد الذي لا يُخلف
وقول النبي «أطب الكلام» قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير أي تكلم بكلام طيب يعني قل لا إله إلا الله خالصًا، وأفشي السلام بين من تعرفه ومن لا تعرفه من المسلمين، وصل الأرحام أي أحسن إلى أقاربك بالقول والفعل، وتهجد في جوف الليل، فإذا فعلت ذلك ولزمته يقال لك «ادخل الجنة بسلام» أي مع السلامة من جميع الآفات
الطريق الرابع الزهد في الدنيا
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله ؛ دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره
الزهد في الدنيا من أسباب محبة الله تعالى لعبده، وهو أن يترك الإنسان من دنياه ما لا ينفعه في أخراه، فإذا فعل الإنسان ذلك فقد رغب فيما عند الله، وعمل ما يقربه من مولاه، لأن الدنيا والآخرة ضرتان فإذا رغب الإنسان فيما عند الله حرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر وترك النواهي، وكل هذا موجب لحب الله الذي يحب من أطاعه، وهذا السؤال من السائل يدل على علو الهمة، لأن محبة الله غاية المطالب، ومحبة الناس للمرء دليل على أدائه حقوقهم، والدين قائم على أداء حقوق الله وحقوق العباد، والهمة العالية أن يبلغ المرء أن يُحَب، أما أن يُحِب فالكل يدعي أنه يُحب الله، فعُبَّاد جميع الملل يحبون، لكن ليس الجميع عند الله محبوبين إلا إذا كان المحبُّ على ما يحبه الله من الأقوال والأفعال
فهذا الصحابي الجليل فَقِه وفهم أن محبة الله لعبده تكون بالعمل، وهذا خلاف ما يدعيه بعضهم أنه يكتفي بما يقوم في القلب وإن كانت الأعمال مخالفة لذلك، بل إنما يحصل حب الله جل وعلا للعبد بعمل قلبي وعمل بدني من العبد، قال تعالى
«فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» المائدة
وإذا أحب الله العبد وفقه في الدنيا ووقاه العذاب في الآخرة، قال جل وعلا في الحديث القدسي
«فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» رواه البخاري
الطريق الخامس إتْباع السيئة بالحسنة
قال أبو ذر رضي الله عنه قلت يا رسول الله، علمني علمًا يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها بعشر أمثالها، قلت يا رسول الله ؛ لا إله إلا الله من الحسنات هي ؟ قال هي أحسن الحسنات حديث حسن
الطريق السادس معاملة الناس بما تحب أن يعاملوك به
في حديث سعد بن الأخرم حين أخذ بزمام ناقة النبي بعرفة، وهو يريد أن يسأله، فصاح به الناس من أصحابه، فقال «دعوه، فَأَرَبٌ ما جاء به يعني ما أتى إلا لحاجة ، فقال يا رسول الله، دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال إن كنت أوجزت في الخطبة، فقد أعظمت وأطولت يعني إن كان السؤال موجزًا لكنه عن أمر عظيم فقال النبي
«تعبد الله، ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحب للناس ما تحب أن يؤتى إليك، وما كرهت أن يؤتى إليك فدع الناس منه، خل عن زمام الناقة» شرح البخاري لابن بطال، وانظر السلسلة الصحيحة ح