الوحدة:العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم

أولا:اختلاف الدين:
إن
التعدد في المخلوقات و تنوعها سنة الله في الكون وناموسه الثابت، فطبيعة
الوجود في الكون أساسها التنوع والتعدد. والإنسانية خلقها الله وفق هذه
السنة الكونية، فاختلف البشر إلى أجناس مختلفة وطبائع شتى، و كل من تجاهل
وتجاوز أو رفض هذه السنة الماضية لله في خلقه، فقد ناقض الفطرة وأنكر
المحسوس. واختلاف البشر في شرائعهم هو أيضا واقع بمشيئة الله تعالى و
مرتبط بحكمته، يقول الله تعالى: (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء
الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله
مرجعكم جميعا)) [ المائدة: 48]، وقال تعالى: (( ولو شاء ربك لجعل الناس
أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)) [ هود:
118/119]. ولما كان الاختلاف والتعدد آية من آيات الله، فإن الذي يسعى
لإلغاء هذا التعدد كلية، فإنما يروم محالا ويطلب ممتنعا، لذا كان لابد من
الاعتراف بالاختلاف. وقد أدرك المسلمون أن هداية الجميع من المحال، وأن
أكثر الناس لا يؤمنون، وأن واجب الدعاة الدأب في دعوتهم وطلب أسباب
هدايتهم، فإنما مهمتهم هي البلاغ فحسب، والله يتولى حساب المعرضين في
الآخرة، قال الله مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : (( فإن تولوا فإنما
عليك البلاغ)) [ النحل: 82]


ثانيا: أسس علاقة المسلمين بغيرهم
1
ـ التعارف: فالتعارف بين المسلم وغير المسلم لا حرج فيها، فلعل هذا يقرب
قلبه منه، فتكون فرصة لكي يطلع على أخلاق الإسلام، قال الله تعالى: ((
ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم )) [ سورة الحجرات:13]


2
ـ التعايش: حث الإسلام على التعايش مع غير المسلمين وأوجب البر والقسط
معهم، طالما أنه لم تظهر منهم عداوة للمسلمين، قال تعالى: (( لا ينهاكم
الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم
وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)) [ الممتحنة:8]


3 ـ التعاون: أقر الإسلام التعاون بين المسلمين وغيرهم لأجل تحقيق المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني،
وقد
تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول وكان في الجاهلية فقال: (
لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو
أدعي به في الإسلام لأجبت) رواه البيهقي، وكان هذا الحلف يقضي بمساعدة
الضعيف وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج.


4
ـ الروابط الاجتماعية: خلق الله البشر وأقام بينهم روابط متعددة إنسانية،
وقومية، وعائلية، وإقامة بها يتعاونون على شؤون الحياة وحولها يتلاقون
مسلمين وغيرهم، والإسلام دين عالمي وواقعي لذلك أخذ في الاعتبار هذه
الروابط في مختلف أحكامه.


ثالثا: حقوق غير المسلمين

أولا: حق الحماية: وتشمل مايلي:
1 ـ حمايتهم من الاعتداء الخارجي: لأنهم أصبحون جزءاً من الدولة المسلمة ويتكفل المسلمون بأمنهم وحمايتهم.
2
ـ حماية دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم: فلا يجوز العدوان عليها بأي شك من
أشكال العدوان، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم معاهدا أو انتقصه
حقا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم
القيامة) رواه أبوداود والبيهقي.


ثانيا:
التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر: الإسلام صمن لغير المسلمين في ظل
دولته كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونه، لأنهم رعية للدولة
المسلمة وهي مسؤولة عن كل رعاياها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته ) متفق عليه من حديث ابن عمر.


ثالثا:
حرية التدين: لم يكره الإسلام غير المسلمين على اعتناق الاسلام فلهم
الحرية في البقاء على دينهم، قال الله تعالى: (( لا إكراه في الدين قد
تبين الرشد من الغي)) [ البقرة:256)، بل أباح لهم ممارسة شعائرهم، وحافظ
على أماكن عباداتهم.


رابعا:
حرية العمل والكسب: لغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم ،
أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما
يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.

خامسا:
تولي وظائف الدولة: وذلك إذا توفرت فيهم الكفاءة والأمانة والإخلاص
للدولة، إلا أنه يستثنى من الوظائف ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة
ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على
الصدقات ونحوذلك.


رابعا: واجباتهم في بلد الاسلام
على
غير المسلمين واجبات نحو الدولة الإسلامية، تقتضيها طبيعة الانتماء إليها،
والحفاظ على مقاصدها ونظامها العام، ومن ذلك الامتناع عن الإساءة إلى
الإسلام والمسلمين، من سبّ الله أو كتابه أو الرسول أو الدين، أو ارتكاب
جرائم أمن الدولة، أو الاعتداء على أعراض المسلمين وأموالهم، والامتناع عن
إظهار بيع الخمور والخنازير في أمصار المسلمين.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ
اختصار العنصر الأول: جاءت نصوص القرآن الكريم تقرر أن الخلاف باق بقاء
الإنسان على هذه الأرض ، وأن التعدد والتنوع في أخلاق وسمات البشر مما مضى
به القدر الإلهي فسنة الله تعالى في خلقه أن تنوعت أجناسهم وألسنتهم
وألوانهم كما تنوعت دياناتهم ، ولذلك فإن عيش المسلم ينبغي أن يكون في ضوء
هذه الحقيقة التي تزخر بها آيات عديدة كقوله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ
رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } ، وقوله: {
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا
يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ
خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }