منتدى غارداية شبكة للتعليم نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


, لديك: 378 مساهمة .
آخر زيارة لك كانت في : .
 
الرئيسيةصـــفحة قرأنيةالمنشوراتأحدث الصوردخولالتسجيل
مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Fb110

 

 مكملة الوحدة الثالثة السنة 2

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
????
زائر
Anonymous



مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Empty
مُساهمةموضوع: مكملة الوحدة الثالثة السنة 2   مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Emptyالجمعة ديسمبر 25, 2009 3:54 pm

الدرس السادس:

جمع القرآن الكريم وترتيبه

1) معنى الجمع:

يطلق الجمع على معنيين:

ـ المعنى الأول : جمعه بمعنى الحفظ في الصدور ، وهذا المعنى ورد في قوله تعالى: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) القيامة 16/17.

ـ المعنى الثاني: جمع القرآن بمعنى كتابته في السطور، أي الصحائف التي تضم السورة والآيات جميعها.

2) مراحل الجمع:

مرّ جمع القرآن الكريم على مرحلتين هما:

ـ المرحلة الأولى: الجمع الأول في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

*) حفظه في الصدور:

* حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن عن ظهر قلب لا يفتر لا سيما في الليل، حتى إنه ليقرأ في الركعة الواحدة العدد من السور الطوال.

ولزيادة التثبيت كان جبريل يعرض القرآن عليه كذلك.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن …

وقال أبو هريرة: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه …

* حفظ الصحابة للقرآن الكريم:

توفرت للصحابة العوامل التي تجعلهم قادرين على حفظ القرآن وتسهل عليهم هذه المهمة ومن تلك العوامل:

1 ـ قوة ذاكرتهم الفذة التي عرفوا بها واشتهروا، حتى كان الواحد منهم يحفظ القصيدة من الشعر بالسمعة الواحدة.

2 ـ نزول القرآن منجماً.

3 ـ لزوم قراءة شيء من القرآن في الصلاة.

4 ـ وجوب العمل بالقرآن، فقد كان هو ينبوع عقيدتهم وعبادتهم، ووعظهم وتذكيرهم.

5 ـ حض النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن، والترغيب بما أعد للقارىء من الثواب والأجر العظيم.

6 ـ تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بتعليم القرآن: فكان الصحابة تلامذة للنبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون منه القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخهم، يتعاهدهم بتعليم القرآن، فإذا أسلم أهل قبيله أرسل إليهم من القراء من يعلمهم القرآن، وإن كان في المدينة ضمّه إلى حلق التعليم في جامعة القرآن النبوية.

*) حفظه في السطور:

وهو لون من الحفظ يدوم مع الزمان، لا يذهب بذهاب الإنسان، فلا بد أن يتحقق ما تكفل الله بحفظه: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) سورة الحجر الآية 9.

لقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن عناية بالغة جداً، فكان كلما نزل عليه شيء منه دعا الكُتّاب، منهم: علي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، فأملاه عليهم، فكتبوه على ما يجدونه من أدوات الكتابة حينئذ مثل:

الرقاع، اللِّخاف، والأكتاف، والعُسُب . وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم جهد هؤلاء الكتاب في كتابة القرآن فمنع من كتابة غيره إلاّ في ظروف خاصة أو لبعض أناس مخصوصين.

فتحقق بذلك توفّر طاقة كبيرة لكتابة القرآن وترتيبه، كما أخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن في الرَّقاع… ومقصود هذا الحديث فيما يظهر أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم .

ـ المرحلة الثانية: الجمع الثاني في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه.

عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر، مقتلَ أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتّبع القرآن فأجمعه، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال: والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر.

فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب و اللِّخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، ولم أجدها مع غيره: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ... ) سورة التوبة الآية 128/ 129. حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم.

وبهذا جمعت نسخة المصحف بأدقّ توثّق ومحافظة، وأودعت لدى الخليفة لتكون إماماً تواجه الأمة به ما يحدث في المستقبل، ولم يبق الأمر موكلاً إلى النسخ التي بين أيدي كَتّاب الوحي، أو إلى حفظ الحفاظ وحدهم.

وقد اعتمد الصحابة كلهم وبالإجماع القطعي هذا العمل وهذا المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتتابع عليه الخلفاء الراشدون كلهم والمسلمون كلهم من بعده، وسجلوها لأبي بكر الصديق منقبة فاضلة عظيمة من مناقبه وفضائله. وحسبنا في ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله.

* منهج زيد بن ثابت في جمع القرآن:

تتبّع زيد في جمع القرآن من العُسُب واللِّخاف وصدور الرجال، فكان منهجه أن يسمع من الرجال ثم يعرض ما سمعه على ما كان مجموعاً في العُسُب والأكتاف، فكان رضي الله عنه لا يكتفي بالسماع فقط دون الرجوع إلى الكتابة، وكذلك من منهجه في جمع القرآن أنه لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد عليه شاهدان، وهذا زيادة في التحفظ، مع أن زيداً كان من حفظة القرآن .

وبهذا التثبت والتحفظ تم جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق في مصحف واحد مرتب الآيات والسور.

ـ المرحلة الثالثة: الجمع الثالث في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن حُذيفة بن اليمان قدم عَلى عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق.

ـ السبب الداعي للجمع:

السبب الدافع لهذا العمل الذي قام به عثمان وهو اختلاف الناس في وجوه قراءة القرآن

حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخُشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخت تلك الصحف في مصحف واحد مرتباً لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش.

3) ترتيب آيات القرآن وسوره:

ـ تعريف الآية:

لغة: أصلها بمعنى العلامة، ومنه قوله تعالى: ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ ) سورة البقرة الآية 248.

اصطلاحاً: فهي قرآن مركب من جمل ولو تقديراً، ذو مبدأ ومقطع، مندرج من سورة.

ـ تعريف السورة:

لغة: من سور المدينة، أو من السورة بمعنى المرتبة والمنزلة الرفيعة.

اصطلاحاً: قرآن يشمل على آيٍ ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات.

4) حكمة تقسيم القرآن إلى سور وآيات:

منها: أن القارىء إذا ختم سورة أو جزأً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له، وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله.

ومنها: أن الحافظ إذا حَذَق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة، فيعظم عنده ما حفظه، ومنه حديث أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلّ فينا.

5) مصدر ترتيب القرآن الكريم:

* ترتيب سور القرآن:

هذه المسألة موقع خلاف. إذ كان للعلماء فيها عدة آراء وهي:

ـ الأول: وهو للجمهور إذ ذهبوا إلى أن ترتيب سور القرآن الكريم اجتهاد من الصحابة، وقد استدلوا على ذلك باختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور.

فمنهم من رتّبها على النزول، وهو مصحف علي رضي الله عنه، فقد كان أوّله سورة اقرأ، ثم المدّثّر، ثم ن، ثم المزّمّل، ثم تبّت إلى آخر السور المكية ثم المدنية.

وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وهكذا..

ـ الثاني: ذهب فيه بعض العلماء إلى أن ترتيب السور أمر توقيفي لا علاقة للاجتهاد أو إعمال الرأي فيه.

* ترتيب الآيات:

اتفق جميع العلماء أن ترتيب آيات القرآن الكريم في السور توقيفي. بمعنى أن الآيات من حيث ترتيبها في مختلف سور القرآن كانت توقيفيا من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الذي كان يأمر صحابته من كتبة الوحي أو يضعوا الآية أو مجموعة الآيات في موضعها المعين من السور وذلك بناء على توجيه من الوحي الذي يتلقى عنه النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة أقواله وأفعاله وممارساته.

والأحاديث في إثبات التوقيف في ترتيب الآيات في السور كثيرة جداً تفوق حد التواتر، إلا أننا سنذكر أمثلة منها:

أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) سورة البقرة الآية 234، قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال: يا أبن أخي لا أغيرّ شيئاً منه من مكانه.

وأخرج الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شَخَص ببصره ثم صوَّبه، ثم قال: " أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى... ) سورة النحل الآية 90، إلى آخرها ".



الدرس السابع:

السنة ومكانتها في الشريعة

1) تمهيد:

السنة مصدر آخر للتشريع الإسلامي بجانب القرآن الكريم، تقوم ـ مثل القرآن الكريم ـ بتحليل بعض الأشياء وتحريم أخرى، وتضع مقاييس الفرض والواجب والمستحب والمباح والمكروه، كما تقوم بتفصيل مجمل القرآن وتفسير مبهمه وتخصيص عامّه وتقييد مطلقه.

فالقرآن والسنة مصدران تشريعيان متلازمان، لا يمكن لمسلم أن يفهم الشريعة إلا بالرجوع إليهما، ولا غنى لمجتهد أو عالم عن أحدهما.

فالسنة من حيث وجوب العمل بها، ومن حيث إنها وحي هي بمنزلة القرآن الكريم، وإنما تلي القرآن بالمرتبة من حيث الاعتبار، لأنه مقطوع به جملة وتفصيلا، والسنة مقطوع بها على الجملة لا على التفصيل، ولأنه هو الأصل، وهي الفرع، لأنها شارحة ومبينة له، ولا شك في أن الأصل مقدم على الفرع، والبيان مؤخّر عن المبيّن.

2) أدلة حجية السنة:

نوجز في ما يلي الأدلة التي تثبت أن السنة مصدر من المصادر التشريعية التي تستنبط منها أحكام الشريعة وآدابها في الإسلام: وهذه الأدلة هي:

* الإيمان: من لوازم الإيمان بالرسالة وجوب قبول كل ما يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الدين، فقد اجتبى الله عز وجل الرسل واصطفاهم من عباده ليبلغوا شريعته عليهم: قال الله تعالى: ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ ) سورة الأنعام الآية 124.

وهناك آيات تنصّ على الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي أَنْزَلَ مِن قَبْلُ ) سورة النساء الآية 136.

قال الله تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمُنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) سورة النساء الآية 65.

* القرآن الكريم: في القرآن الكريم آيات كثيرة تنصّ على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم منها قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمُنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ) سورة النساء الآية 59.

وقوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) سورة المائدة الآية 92.

وبين الله تعالى أن طاعة الرسول طاعة الله تعالى: ( مَّنْ يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) سورة النساء الآية 80.

وقال عز وجل: ( إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللهَ فَسَنُوتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) سورة الفتح الآية 10.

وقال عز وجل: ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) سورة النور الآية 56.

* أدلة حجية السنة من الحديث: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ) أخرجه الإمام مالك.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ) رواه أبوداود.

وقال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ) رواه أبوداود.

ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بالحث على التمسك بسنته، بل ذم من يترك حديثه متذرعا بالاعتماد على ما جاء في القرآن الكريم فقط، فقال: ( يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه. ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ) رواه ابن ماجه والبيهقي وأبوداود.

3) منزلة السنة من القرآن الكريم:

* تفسير القرآن:

نقرأ كل يوم في صلاتنا سورة الفاتحة ونتضرع إلى الله تعالى بأن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ومع أن صفة المغضوب عليهم وصفة الضالين صفتان عامتان فهناك حديث شريف يقول: « فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضُلاّل »، وهكذا يقوم الحديث بتفسير القرآن. فاليهود استحقوا الغضب منذ تاريخهم الماضي المظلم وفي أثناء العهد النبوي، وهم أول من يتبادرون إلى الذهن في هذا الخصوص على قاعدة أن مطلق الذكر ينصرف نحو الكمال، لأنه لا يوجد أحد مثلهم يستحقون الغضب، وذلك بقتلهم الأنبياء وبأخلاقهم الخسيسة وعاداتهم السيئة وعبادتهم للمال وكونهم حتى الآن ممثلي المادية في القرن العشرين، لذا فلا يملك الإنسان إلا الموافقة على هذا التفسير النبوي الشريف. ولاشك أن هذا الغضب الإلهي يشمل كل من اتصف بهذه الأخلاق اليهودية.

ومن جانب آخر فإن النصارى الذين ساروا في أول الأمر على الهدى وعلى الصراط المستقيم واستمسكوا بكل شجاعة بدينهم الذي لم يكن سوى الدين الإسلامي الحنيف.. هؤلاء النصارى ضلوا الطريق لأسباب عديدة، أي سقطوا في الضلالة، لذا دخلوا ضمن صفة ( الضالين) لذا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم بحقهم « وإن النصارى ضُلاّل » لأنهم قلبوا التوحيد إلى التثليث وغيروا الكتاب وحرفوه، لذا انطبقت عليهم صفة ( الضالين ) انطباقاً تاماًّ. وسواء أكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد بهذا التفسير أقواماً معينين أم سلوكاً خاصاًّ، فلو لم يقم بهذا التفسير ما كان باستطاعتنا معرفة هذه الحقيقة المبهمة. وهكذا قام الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا التفسير بتوجيه الأنظار إلى بعض الأقوام وكذلك إلى بعض الحالات النفسية المنحرفة، وبين من وقع ولماذا وقع وبأي الأعمال استحق الغضب أو استحق الضلالة بياناً واضحاً.

ويُروى عن أمنا عائشة رضي الله عنها وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن " الصلاة الوسطى" الواردة في الآية: ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى ) سورة البقرة الآية 238، هي صلاة العصر إلى درجة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقرأ هذه الآية كما يلي: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَصلاة العصر وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ ) وقال أبو يونس مولى عائشة رضي الله عنها: أمرتني عائشة رضي الله عنها أن أكتب لها مصحفاً فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنّي (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى ) فلما بلغتها أذنتها فأملت عليّ ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى ) وصلاة العصر ( وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ ) وقالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* قيام السنة بتفسير مجمل القرآن:

إلى جانب قيام السنة بتفسير مبهم القرآن قامت بتفصيل مجمله أيضاً.

مثلاً يأمر القرآن الكريم فيقول: ( أقيموا الصلاة ) ولكنه لا يوضح إقامة الصلاة ولا أوقاتها. صحيح أن بعض المفسرين رضي الله عنهم استنبطوا الصلوات الخمسة من الآية التالية: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) سورة هود الآية 114، إلا أن السنة هي التي حدّدت أوقات هذه الصلوات التي يذكر الله تعالى بأنها مرتبطة بأوقات معينة: ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُومِنِينِ كِتِاباً مَّوْقُوتاً ) سورة النساء الآية 103. فهناك حديث يبين أن أوقات الصلاة عينها جبريل عليه السلام، أي أن مصدرها سماوي وإلهي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أمّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشِّراك وصلى بي العصر حين كان ظلُه مثله، وصلى بي - يعني المغرب - حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إليّ فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين. ))

فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم أمته بأوقات الصلاة فهو المرجع الوحيد لأمور كثيرة متعلقة بالصلاة مثل أقسامها من فرض أو واجب أو مستحب أو مكروه وما يفسدها، وشرح ركوعها وسجودها وقراءة التحيات فيها والخروج منها بالسلام. أجل، فهو المفسر الوحيد للصلاة التي جاء الأمر بها في القرآن الكريم بصيغة مجملة وهي أقيموا الصلاة، إذ قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولو قام القرآن بإعطاء كل تفاصيل الصلاة لزاد حجمه مرتين على الحجم الحالي، لذا ترك إيضاح هذه التفاصيل إلى صاحب الفطنة الكبيرة الذي هو أفضل من فهم عن ربه، وقام فعلاً بنقل هذا الوحي غير المتلو إلينا بالتفصيل المطلوب، وقد أنجز هذا بالفطنة التي تعني تجاوز العقل بالعقل والاستعانة بالإلهام في المواضيع التي يقف فيها العقل.

والسنة هي التي شرحت مناسك الحج أيضاً. صحيح أن القرآن تناول موضوع الحج في موضع أو موضعين وقدم بعض الشروح القيّمة، ولكن هذه الشروح تناولت جزءاً من مناسك الحج، لذا نرى أن السنة هي التي قامت بتفصيل وشرح جميع مناسك الحج، وهذه التفاصيل هي أضعاف ما ورد في القرآن الكريم. وقد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم الحج مرة واحدة، هذا الحج سمي بـ ( حجة الوداع ) لأنه ودّع فيه أصحابه، وأدى مناسك الحج وهو راكب على بغلته بحيث يراه الجميع. شرح كل شيء بكلامه ثم بأفعاله إلى درجة التصريح بكونه صائماً أم مفطراً، وبعد أن أتم هذا قال لهم: ( خذوا مناسككم ) مشيراً إلى موقع كلامه وأفعاله في الشريعة. ولا شك أن القرآن الكريم لم يأتِ ناقصاً ولكنه جاء مع مبلغه ومع شارحه ومفسره الرسول صلى الله عليه وسلم.

* قيام السنة بتخصيص بعض الأحكام:

تناول القرآن الكريم الميراث بشكل عام فقال: ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ ) سورة النساء الآية 11. وهذا الحكم عام يشمل الجميع سواء أكانوا أنبياء أم أولياء أم أصفياء أم من المقربين أم من الناس الاعتياديين، غير أن فاطمة رضي الله عنها عندما راجعت أبا بكر رضي الله عنه بعد وفاة والدها لأخذ ميراثه قرأ أبو بكر رضي الله عنه هذا الحديث الذي سمعه عن والدها النبي صلى الله عليه و سلم: ( إنا معشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة ).

كما أن حديث ( القاتل لا يَرِث ) يحرم القاتل من الميراث، فمن يقتل والده يحرم من ميراثه ومن يقتل عمه يحرم من ميراثه وكذلك من يقتل أخاه. وهكذا قامت السنة بتقييد الحكم العام الذي جاء به القرآن في موضوع الميراث.

* تقييد السنة لبعض الأحكام:

تقوم السنة أحياناً بتقييد بعض الأحكام العامّة الواردة في القرآن الكريم، فمثلاً يقول القرآن الكريم: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ ) سورة المائدة الآية 38، هذا أمر مطلق، ولم يتم شرح الشروط والظروف التي يجب توفرها لإجراء هذا العقاب ولا نصاب السرقة ولا مقدار ما يقطع من اليد، وبما أن اليد تمتد من الأطراف حتى المرفق حسب الآية التي تشرح الوضوء قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينِ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمُ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى المَرَافِقِ ) سورة المائدة الآية 6، لذا، قامت السنة المطهرة بتقييد الجزء الذي يقطع من اليد، أي قامت بتقييد حكم مطلق في القرآن. وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يد أحد السارق من الكف فقد قيد ما جاء في القرآن في هذا الخصوص من حكم عام.

ومثال آخر، يقول القرآن الكريم: ( يَأَيُّهَا الذِينِ آمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) سورة النساء الآية 29. وتأتي السنة هنا فتقيد هذه الآية في موضوع معين، إذ ورد حديث شريف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ).

وكما قلنا سابقاً فالسنة أساس مستقل في التشريع لكونها تضع أحكاماً غير واردة في القرآن. ومن الأمثلة على ذلك تحريمها لحم الحمر الأهلية، وتحريمها الزواج بخالة الزوجة وعمتها.

والسنة التي تعدّ أساساً مستقلاً في التشريع بدأت في إجراء عملها ومهمتها منذ بداية الوحي، والتحمت مع القرآن الكريم، وتم النظر إليها من هذا المنظار من قبل جمهور العلماء وجمهور الأمّة. ولكنها تعرضت إلى هجوم من قبل المعتزلة الذين تأثروا بالفلسفة اليونانية مثل النظّام، ومن قبل المستشرقين الحاقدين على الإسلام الذين حاولوا على الدوام تعكير هذا النبع الصافي. وفي القرنين الأخيرين تأثر بعض رجال العلم المسلمين بهؤلاء المستشرقين بسبب مركب النقص عندهم تجاه الغرب، وأصبحوا أداة بيد المستشرقين، وبدأوا باتهام السنة والتهوين من شأنها. غير أن جهود السلف الصالح وما خلفوه من كتب وآثار قيمة استطاعت أن تقف في وجه هذه الحملات، وحافظت على صفاء هذا النبع ونقائه.. نبع السنة النبوية المطهرة.

4) أسئلة المناقشة:

ـ ما الدليل من القرآن على حجية السنة النبوية ؟

ـ ما هي منزلة السنة النبوية من القرآن الكريم ؟



الدرس الثامن:

تاريخ التشريع الإسلامي

1) تعريف التشريع الإسلامي:

التشريع أو الفقه الإسلامي هو مجموعة الأحكام الشرعية التي أمر الله عباده بها.

2) مصادر التشريع الإسلامي:

ومما لاشك فيه عند علماء المسلمين أن المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي هما القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فهما المادة الأولية لكل ما انبثق عنهما من أحكام وتشريعات.

منها الثوابت التي لا مجال للرأي في تطويرها أو تبديلها: كالوضوء، والصلاة، وسائر العبادات، وحل البيع وحرمة الربا... وهذه الأمور تنحصر فيما كان من النصوص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ولهذا قال علماؤنا: ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ).

وأما ما كانت دلالته ظنية، وبالتالي يحتمل أكثر من وجه أو معنى، فقد عمل الفقهاء المسلمون من خلال طرق الاستدلال والاستنباط والاجتهاد حتى وصلوا إلى إيجاد مصادر أخرى هي في حقيقة الأمر راجعة إلى المصدرين الأساسيين، وهما الإجماع والقياس، وأصبحا من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي، واتفق العلماء على أن هذه المصادر الأربعة هي أصول الأدلة في تشريع الإسلام.

وقد خالف البعض في الإجماع والقياس، وألحق بعضهم مصادر أخرى كالاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها....

3) ضرورة التزام التشريع الإسلامي:

لقد أوجب الله تعالى على المسلمين التمسك بأحكام التشريع الإسلامي، وفرض عليهم التزامها في كل أوجه نشاط حياتهم وعلاقاتهم. وأحكام التشريع الإسلامي كلها تستند إلى نصوص القرآن الكريم والسُنَّة الشريفة. فإذا استباح المسلمون ترك أحكام التشريع الإسلامي، فقد استباحوا ترك القرآن والسُنَّة، وعطَّلوا بذلك مجموع الدين الإسلامي، ولم يعد ينفعهم أن يتسمَّوا بالمسلمين أو يدَّعوا الإيمان، لأن الإيمان في حقيقته هو التصديق بالله تعالى، و بما أنزل في كتابه، وفي سنَّة نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم.

والإسلام الحقيقي يعني الطاعة والامتثال لكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل مع الإذعان والخضوع والرضا.

وأحكام التشريع الإسلامي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مهما تبدَّل الزمن وتغيَّر، ولا يباح تركها بحال من الأحوال. فشرع الله صالح لكل زمان ومكان، والأدلة من القرآن والسنَّة كثيرة وعديدة. أما في الكتاب، فقد قال الله تعالى:

ـ ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ) سورة الأعراف الآية 3.

ـ ( فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) سورة النساء الآية 65.

ـ ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) سورة الحشر الآية 7.

ـ ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ) سورة الأحزاب الآية 36.

و أما في السنة فالأحاديث كثيرة أيضاً منها:

ـ ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ).

ـ ما رواه أبو داود والترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسُنَّتي ).

وبناءً على هذه النصوص يُعَدُّ من يختار من الأحكام غير ما اختاره الله ورسوله، قد ضلَّ ضلالاً بعيداً، قال تعالى: ( فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) سورة النور الآية 63.

4) أدوار تاريخ التشريع الإسلامي:

ينقسم تاريخ التشريع إلى ستة أدوار:

1 ـ الدور الأول: التشريع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 ـ الدور الثاني: التشريع في عصر كبار الصحابة ( من سنة 11 إلى سنة أربعين هجرية).

3 ـ الدور الثالث: التشريع في عهد صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين.

4 ـ الدور الرابع: تدوين السنة وأصول الفقه وظهور الفقهاء الأربعة الذين اعترف الجمهور لهم بالإمامة والاجتهاد المطلق، وأنه من اتبع واحداً منهم كان ناجياً عند الله تعالى إن شاء الله عز وجل.

5) أنواع الاجتهاد:

والاجتهاد له نوعان:

ـ أحدهما الاجتهاد الإنشائي: وهو استنباط حكم في مسألة من المسائل، سواء كانت قديمة أم جديدة، وهذا الاجتهاد غالباً ما يكون في المسائل المستجدة التي لم يعرفها السابقون ولم تكن في أزمنتهم.

ـ الثاني: الاجتهاد الانتقائي: ويكون باختيار أحد الآراء المنقولة عن الفقهاء السابقين، ليصار إلى الإفتاء به، أو القضاء بمقتضاه، ترجيحاً له على غيره من الآراء والأقوال الأخرى.

ويعتبر المجتهد الذي يمتلك نوعي الاجتهاد مجتهداً مطلقاً، بينما يُعدّ المجتهد في إطار الانتقاء والترجيح مجتهداً منتسباً، أو مجتهداً في المذهب أو في الفتوى.

إن الاجتهاد قضية مسلَّم بها، فقد اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض القضايا التي سئل عن حكمها، فكان صلى الله عليه وسلم يفتي السائل إذا تأخّر الوحي عن بيان الحكم. ولكن نقول: إن هذا الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم لا يعتبر مصدراً مستقلاً لأنه يرجع إلى الوحي في واقع الأمر، من بيان وجه عدم الصواب، أو الإقرار بالصواب.

ومن أمثلة اجتهاده صلى الله عليه وسلم أنه شاور أصحابه في مسألة أسرى بدر فأشار أبو بكر بالفداء، وأشار عمر بالقتل، واختار النبي صلى الله عليه وسلم رأي أبي بكر، فنزلت الآيات تؤيد رأي عمر، قال تعالى: ( مَا كَانَ لِنَبِيئٍ اَنْ يَّكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الاَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة الأنفال الآية 67.

ولقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم قضية الاجتهاد حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قاضياً، قال له: ( كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال: فبسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وهذا الحديث يُعَدُّ أصلاً في اعتبار الاجتهاد والأخذ به.

6) من أسباب الاختلاف في الاجتهاد:

من المُسَلَّمَات في تاريخ التشريع الإسلامي أن الخلاف في الرأي كان قائماً في عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فما انقضى عصر النبوة، حتى تفرَّق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاد يحملون ما أخذوه من العلم من الكتاب والسنة، فسئلوا فأجاب كل واحد حسب ما حفظه واستنبطه، فعند ذلك وقع الاختلاف في الرأي بينهم في بعض المسائل.

وإزاء اختلاف مذاهب الصحابة رضي الله عنهم وجدت مذاهب مختلفة أيضاً للتابعين، ووجد في كل بلد إمام مجتهد: مثل سعيد بن المسيِّب في المدينة المنورة، وعطاء بن أبي رباح في مكة، والشَّعْبي في الكوفة، والحسن البصري في البصرة، وطاووس في اليمن.. وغيرهم ...

واختلف الفقهاء من بعدهم، فمنهم من أخذ بالرأي، ومنهم من أخذ بالرواية، وقامت على هذه الأصول مدارس فقهية كثيرة.

إن تعدد الآراء يوصل إلى الحق، ويفتح أبواب اليسر والتسهيل على الناس.

ومن أسباب الاختلاف ما يلي:

1 ـ عدم الاتفاق على صحة نسبة حديث ما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.

2 ـ عدم الاتفاق على معنى كلمة أو جملة في كتاب الله تعالى أو حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام وذلك بسبب ورود لفظ يحتمل معنيين.

3 ـ اختلاف الفتوى بسبب الرأي: كانت ترد على الصحابة أقضية لا يرون فيها نصاً من كتاب أو سنّة وإذ ذاك كانوا يلجأون إلى القياس وكانوا يعبِّرون عنه بالرأي.

4 ـ قياس الفرع على الأصل: البعض يرى إنَّ هذا الفرع يشبه ما نص الله تعالى عليه في آية كذا.

7) أسئلة المناقشة:

ـ اذكر أهم مصادر التشريع الإسلامي.

ـ ما هي أنواع الاجتهاد ؟

ـ أضف أسباب اختلاف الفقهاء إلى ما ذكر في الدرس.





الدرس التاسع:

نشأة المدارس الفقهية وتطورها

1) نشأة المدارس الفقهية:

تعود نشأة المذاهب الفقهية إلى بداية الإسلام، وخاصة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم، حيث اجتهد صحابته وأتباعه والمسلمين عامة في تطبيق أقواله وأفعاله.

مع انتشار الإسلام وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة الدينية والتشريعية كانت هناك حاجة ملحة للخروج باجتهادات لهذه القضايا الفقهية المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من المتفقهين ( العالمين ) في الدين تُعلِّم الناس في كل إقليم شؤون دينهم ودنياهم .

إن التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر بها، وأيضا قابلية الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات أديا إلى نشوء مدارس فقهية منتشرة في الأمصار الإسلامية، وأصبح لكل عالم فقيه أتباع يعملون على نشر فتاواه وحتى العمل ضمن القواعد التي يضعها لإصدار فتاوى جديدة .

2) المذاهب الفقهية الأربع:

المذاهب الفقهية التي انتشرت بشكل واسع عند أهل السنة وأصبحت رسمية في معظم كتبهم هي حسب ظهورها:

ـ مذهب أبي حنيفة النعمان. ـ مذهب مالك بن أنس. ـ مذهب الشافعي. ـ مذهب أحمد بن حنبل.

وهذه المذاهب ما هي إلا مدارس فقهية ولا يوجد بينها اختلاف في العقيدة، كما أن هناك مذاهب فقهية أخرى غير هذه الأربعة لكنها لم تنتشر ويحصل لها الاشتهار مثل هذه المذاهب الأربعة.

3) قبس من سيرة الفقهاء الأربعة:

ـ أبو حنيفة النعمان:

هو النعمان بن ثابت بن النعمان المعروف بأبي حنيفة، ولد في مدينة الكوفة في سنة 80 هـ وتوفى في 11 من جمادى الأولى 150هـ حيث قضى معظم حياته متعلما وعالما.

التقى بكبار الفقهاء والحفّاظ، دارَسَهم وروى عنهم ويعتبر حماد بن أبي سليمان شيخه وبعد وفاته ترأس الحلقة الفقهية وهو في الأربعين من العمر، والتف حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه، ويعتبر أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم من أشهر تلاميذه الذين كتبوا عنه.

تكوّنت أصول المذهب الحنفي على يديه، حيث يقول ( إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيّب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا ).

يقع قبره في مدينه بغداد في منطقة الأعظمية على الجانب الشرقي من نهر دجلة.

فأبي حنيفة النعمان الأمام الأعظم هو أحد الأئمة الأربعة الذين اجتهدوا واستنبطوا الأحكام الفقهية الفرعية من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.

وهو من تابعي التابعين وإمام أهل الرأي وفقيه أهل العراق أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان الذي أخذه عن إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود واعتمد في مذهبه على الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا وله في علم العقيدة كتاب الفقه الأكبر.

* ومن أشهر تلامذته:

ـ الإمام أبو يوسف ( يعقوب بن إبراهيم ) ـ الإمام محمد بن الحسن الشيباني ـ أبو الهذيل ( زفر بن الهذيل ) ـ الحسن بن زياد اللؤلؤي.

* ومن أبرز المؤلفات في هذا المذهب:

ـ المبسوط لشمس الدين السرخسي ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ـ مختصر الهداية للمرغياني ـ حاشية ابن عابدين ( رد المحتار على الدر المختار ).

* مالك بن أنس:

هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن حارث، ينتهي نسبه إلى عمرو بن الحارث ذي أصبع الحميري من ملوك اليمن. العربي الصريح.

ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، ولا تربطه بالصحابي أنس بن مالك الخزرجي سوى صلة الإسلام.

* نشأته ومشايخه:

بدأ الإمام مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه له، فقد حكي أنه كان يريد أن يتعلم الغناء فوجهته أمه إلى طلب العلم .

انطلق يلتمس العلم وحرص على جمعه وتفرغ له ولازم العديد من كبار العلماء، لعل أشدّهم أثرا في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو أبو بكر بن عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ، فقد روي عن مالك أنه قال: ( كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل ).

وكذلك يعدّ مالك أكثر وأشهر الفقهاء والمحدثين الذين لازموا نافع مولى ابن عمر، يقضي معه اليوم كله من الصباح إلى المساء سبع سنوات أو ثماني، وكان ابن هرمز يجله ويخصه بما لا يخص به غيره لكثرة ملازمته له ولما ربط بينهما من حب وتآلف ووداد.

وأخذ الإمام مالك عن الإمام ابن شهاب الزهري و هو أول من دوّن الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة وقد روى عنه الإمام مالك في موطئه 132 حديثا بعضها مرسل.

وغيرهم، وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و600 من أتباع التابعين.

* من صفاته:

عرف عن الإمام مالك أنه كان قوي الحافظة، و جيد التحري في رواية الحديث مدققا في

ذلك كل التدقيق، لا ينقل إلا عن الإثبات ولا يغتر بمظهر الراوي أو هيئته .

عرف عن الإمام مالك احترامه للحديث وصاحب الحديث صلى الله عليه و سلم، حيث كان ( رحمه الله ) إذا أراد أن يحدّث توضأ وسرح لحيته وجلس متمكنا في جلوسه على صدر فراشه في وقار وهيبة وحدّث، فقيل له في ذلك ؟ فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولا أحدّث إلا على طهارة متمكنا. وكان يكره أن يحدّث في الطريق أو وهو قائم.

* وفاته:

بعد حياة عريضة حافلة توفي ( رحمه الله ) في ربيع الأول سنة 179 هـ، عن عمر يناهز خمسا وثمانين سنة، حيث صلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم العباسي وشيع جنازته واشترك في حمل نعشه ودفن في البقيع رضي الله عنه وأرضاه .

* آثاره:

أهم مؤلفاته وأجل آثاره كتابه الشهير الموطأ وهو الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده إلى عهد الإمام البخاري.

قال الإمام الشافعي: ( ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك ).

قال البخاري: ( أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر ).

* من أشهر تلامذته: ـ أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم المصري. ـ أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم. ـ أشهب بن عبد العزيز القيسي. ـ محمد بن إدريس الشافعي.

* من أبرز المؤلفات في هذا المذهب: ـ الموطأ للإمام مالك. ـ المدونة وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي. ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي. ـ مختصر الخليل، أهم مختصر عند المالكية وله شروحات كثيرة.

* محمد بن إدريس الشافعي:

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد الله بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكي يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

ولد في سنة مائة وخمسين وهي السنة التي توفي فيها أبو حنيفة. ولد بغزة، وقيل : بعسقلان، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين.

* سيرته:

نشأ يتيما في حجر أمه في قلة من العيش، وضيق الحال، وكان في صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يستفيده في العظام، ونحوها، حتى ملأ منها خبايا، وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر، وأيام العرب، والأدب، ثم اتجه نحو تعلم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد، وكان مفتي مكة.

ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصدا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، لما قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظا، فأعجبته قراءته، ولازمه، وكان للشافعي رحمه الله حين أتى مالكا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن.

واشتهر من حسن سيرته، وحمله الناس على السنة، والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة. ثم ترك ذلك، وأخذ في الاشتغال بالعلوم، ورحل إلى العراق، وناظر محمد بن الحسن، وغيره، ونشر علم الحديث، ومذهب أهله، ونصر السنة، وشاع ذكره، وفضله، وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنف كتابا في أصول الفقه فصنف كتاب الرسالة، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه، وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطان يعجبان به، وكان القطان، وأحمد بن حنبل يدعوان للشافعي في صلاتهما.

وصنف في العراق كتابه القديم، ويسمى كتاب الحجة، ويرويه عنه أربعة من جلة أصحابه، وهم أحمد، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي.

ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة، وقيل: سنة مائتين، ولعله قدم في آخر سنة تسع جمعا بين الروايتين، وصنف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس من الشام، والعراق، واليمن، وسائر النواحي للأخذ عنه، وسماع كتبه الجديدة، وأخذها عنه، وساد أهل مصر، وغيرهم.

* مصنفاته:

ابتكر كُتباً لم يسبق إليها، منها: ـ كتاب الأم. ـ رسالة في أصول الفقه. ـ كتاب القسامة. ـ كتاب الجزية. ـ قتال أهل البغي. ـ سبيل النجاة. ـ ديوان شعر.

* وفاته:

توفي بمصر سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمسين سنة قال تلميذه الربيع: توفي الشافعي رحمه الله ليلة الجمعة بعد المغرب، وأنا عنده، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وقبره بمصر.

* أحمد بن حنبل:

هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي ولد في بغداد وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق.

سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: " خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".

وعن إبراهيم الحربي، قال: " رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء ".

ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.

* مذهبه:

مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.

منهجه العلمي ومميزات فقهه: اشتُهِرَ أحمد أنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. ومن شدّة ورعه ما كان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط وذلك لأنه كان محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديث، وكان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين.

وهكذا فقد تميز فقهه أنه في العبادات لا يخرج عن الأثر قيد شعرة، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ويقول في الحج: " خذوا عني مناسككم ". كان الإمام أحمد شديد الورع فيما يتعلق بالعبادات التي يعتبرها حق لله على عباده وهذا الحق لا يجوز مطلقاً أن يتساهل أو يتهاون فيه.

أما في المعاملات فيتميز فقهه بالسهولة والمرونة والصلاح لكل بيئة وعصر، فقد تمسَّك أحمد بنصوص الشّرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير. وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى، نهاه وقال له: " لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك ؟.

* محنته:

اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.

فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.

وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون.

وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد، وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووُلِّيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.

وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً. ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق.

وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.

* وفاته:

توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة، وله من العمر سبع وسبعون سنة.

وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.

وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل أنه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.

و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البطل
عضو محترف
عضو محترف
البطل


الجنس : ذكر السٌّمعَة السٌّمعَة : 1 الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 1986 النقاط/ النقاط/ : 2417 العـمــر العـمــر : 32 الدولة : مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Jazaer10

مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مكملة الوحدة الثالثة السنة 2   مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Emptyالثلاثاء يناير 05, 2010 3:20 pm

مثل ما قتلك انا ادرس علوم بس والله معلومات مفيدة شكرا Mad Mad Mad I love you
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الامــل القادم
عضو نشيط
عضو نشيط
الامــل القادم


الجنس : ذكر السٌّمعَة السٌّمعَة : 1 الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 344 النقاط/ النقاط/ : 348 العـمــر العـمــر : 35 الدولة : مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Jazaer10

مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مكملة الوحدة الثالثة السنة 2   مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Emptyالثلاثاء أغسطس 02, 2011 5:08 pm

بارك الله فيك [ على ] الموضوع تستاهل تقييم و تشجيع [ على ]
المجهودات الرائعة
جزاك الله عنا كل خير
ننتظر
منكـ المزيد |
دمت مبدعا و بـــ الله

ـــاركـ
فيك
تح
ــياتي وشكري لك
دمت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جزائري أصيل
المدير العام
المدير العام
جزائري أصيل


الجنس : ذكر السٌّمعَة السٌّمعَة : 5 الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 4460 النقاط/ النقاط/ : 4544 العـمــر العـمــر : 42 الدولة : مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Jazaer10

مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مكملة الوحدة الثالثة السنة 2   مكملة الوحدة الثالثة السنة 2 Emptyالثلاثاء أغسطس 16, 2011 4:48 pm

عمل المعروف يدوم
و الجميل دائما محفوظ
لا تفكروا في يوم أنسى
أنكم وقفتم مع طلاب العلوم
عجزت الكلمات تعبر
عن مدى الجميل و العرفان
الذي بدر منكم تجاه طلاب غرداية
كل الجميل للعمل الذي
ما أظن ينساه إنسان
فبارك الله فيكم
وفي عملكم الموزون
دمتم بطيب النسيم
وعبق الرحيق المختوم
شكرا لكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مكملة الوحدة الثالثة السنة 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى غارداية شبكة للتعليم نت :: منتدى التعليم الثانوي :: قسم السنة الثانية ثانوي :: الثانية اداب وفلسفة-
انتقل الى: