بواسطة (لسان هُدهُد يتيم) أو ملعقتين من مسحوق (رُكَبْ النمل) !!
السحر العجيب في جلب الحبيب!!
(1)
من المألوف جداً أن تجد مُشعوذاً يفرش (العروق) على قارعة الطريق، والعروق هي جذور أشجار ما، بعض الناس يتوسّمون فيها الخير، وهي غير معروف كنهها، وأتمنى أن أدخل كلية الزراعة مخصوص لأعرف من أين يأتون بها، ويدّعى المشعوذ أن لديه من (العروق) ما يعالج كل شيء، ابتداءً من (داء الإسقربوط) ومروراً بـ (حمى الضنك)، بل وحتى (مرض شاغاز) يعالجه الرجل، ومع كل ما سبق تجد عنده ذلك العرق المشهور والمُسمى بـ (عِْرق المحبّة)، وهذا (العِرْق) عبارة عن جزء مقطوع من جذر شجرة مجهولة الهوية، ولكن اجتهاداً مني ومن باب أخذ الأجر في المواطن اعتقد أنها من شجر (العرعر)، ومن يلبسه كـ تميمة يقال أنه سيصبح محبوباً من الجميع أو من شخص معين أو (شخصُوية) معينة – وهذه قد يكون معناها مؤنث (شخص) والله أعلم.!
(2)
الآن .. ونحن في القرن الحادي والعشرين، ومع مجاراة العولمة والكونية واقتصاديات السوق الحر والبحث عن الهوية، صار الأمر أكثر تقنيناً وتقنية، ومن الظاهر أن البعض قد تركوا المُشعوذين من الطراز الذي يطلب منك إحضار (ريش هدهد يتيم) أو (رجل نملة مصابة بالبواسير)، وانتشر على الإنترنت فُكياء جدد –جمع فكي- وصار بإمكانك أن تجد على شبكة الإنترنت من يدّعى أنه بإمكانه أن يجلب لك الحبيب خلال خمسة ساعات لا غير، أي أنهم – كما يدعون- يمتازون بسرعة في الأداء ودقة في العمل، وأنا شخصياً لا أقتنع بهذا، لأنه لو كان صحيحاً سيصير من المتاح لكل من يملك ثمن مقابلة هذا (الفكي) أن يتزوج ملكة جمال العالم بلا مؤخر صداق، أو أن تهواه واحدة من جميلات ومستحيلات الشاشة الفضية، ابتداءً من حسناوات هوليود غرباً، مروراً بجميلات الهند شرقاً- وبعدها تجد في موقع الروحاني أو (الفكي الإلكتروني) دعاية عن نفسه بأن لديه خبرة عشرون عاماً في جلب الأحبة إن جاروا وإن عدلوا، ومخاطبة الأرواح الهائمة في ملكوت الله وتسخيرها، بل ولديه (خُدّام) للبيع، وإذا أردت خادماً من الجن سيوفره لك في مدة وجيزة ولك تتصرف به كما تشاء، وبعد أن يُملّكُكَ الروحاني المزعوم خادمه المُفترض، تكون حراً في استخدامه وتسخيره، لست أدري هل يمكنه أن يجلب لك الخضار من السوق أم لا؟ ولكن يقولون أنه يمكنه أن يفيدك في أشياء كثيرة منها جلب الحبيب الذي نفر وولى بعيداً عن مدارات قلبك الولهان.!
وهذا يعتبر أسلوب متطور في تكنولوجيا الخزعبلات، والحمد لله لم يتوصل إليها فكيائنا، وإلا لكان هذا على مجتمعنا أنكى من السيف وقعةً، فنحن لم نستطع حتى التغلب على الشعوذة البدائية دعك من أن تدخلها العولمة، ولكن ينبغي أن تعلم أن الدخول في دائرة هذه الطلاسم هو في حدّ ذاته خطأ من النوع الذي لا يكفي الندم لإصلاحه.!
(3)
أعتقد أن العاشق الذي انتهت علاقته بمن يحب، سواء كان رجلاً أم فتاة، عندما يصل إلى مرحلة الاستعانة بقوى ميتافيزيقية خفية لإعادة الحبيب إلى أسوار قلبه، يكون قد انتقل من عاطفة الحب إلى غريزة التملك، التي هي في حد ذاتها شطط يشبه تقويم العصا المعوجّة حتى يؤدي إلى ثنيها للجانب الآخر، ولست أدري أين تذهب كرامة المُحب المهجور حتى يصل في جريه -وراء حبيب لا يهواه - إلى مرحلة (عرق المحبة)، وإلى الهرولة وراء المشعوذين لجعله يحبه عنوة لا عن طواعية، فـ الحب هو العاطفة الوحيدة التي لا تستطيع إجبار أحد عليها، من السهل جداً أن تُأّلب عليك العالمين جميعهم ليكرهوك قبل أن تقوم من مقامك، ولكن أن تجبر أحد ما أن يُحبك رغماً عنه؛ فهذا هو المستحيل ذاته، وإذا افترضنا حدوث ذلك بقوى مجهولة، سيكون بمثابة تخدير موضعي يزول بزوال المؤثر وتعود المشاعر القديمة أشدّ مِنْ وقع القدر.!
(4)
إذا فرّقت بينكم الأقدار، وتركك الحبيب، سواء أبدى أعذاره كما قال (معروف الرصافي):
وما والله هجرك باختياري - ولكن هكذا جرت الخطوب
أو هجَرَك على طريقة (أبو الفضل بن الأحنف) حينما قال:
هَجَرْتُكَ لمّا رَأيتُ الجَفَا - وإن كانَ هَجرُكَ عندي عَظيمَا
أو هجرك بأي أسلوب آخر، فما عليك أختي/أخي إلاّ أن تتبع منهج (الأعشى) وتودّع هريرة وتلحق بالركب الذي ارتحل من أمثال قيس وجميل وعنترة، ولا تحاول أن تفكر في تطبيق سياسة (السحر العجيب في جلب الحبيب) واللجوء للاستعانة بالجن أو الشياطين، ولا يوجد -حسب علمي- حتى الآن جن أو شيطان محترم تهمّه مصلحة ابن آدم لدرجة أن يجلب له حبيبه، ومن الأحسن أن تعتبر ما حدث قدر مكتوب، وتذكّر الأقدار ليست مهمتها الأولى تنفيذ أحلامك، وأن حركة انتقال الأحبة من عاشق لآخر لم تقف منذ عهد الجاهلية حتى يومنا هذا، وحتى لا تقعي أو تقع في حبائل من يطلب منك (سعابيل سحلية) فُسخت خطوبتها خلال أسبوع، أو دموع سلحفاة لم يسبق لها الزواج، حاول أن تداري أحزانك، وتتغلب عليها، وتأكد بأن الزمن كفيل بأن يمحو كل ألم كما يمحو سجود السهو غفلة من سها، وأعلم أن كل عاشق ذاق مرارة (الشاكوش) مرّ بما مررت به، أنا متأكد أنك سوف تسهر كثيراً، وستأكل ساندويتشات طعمية، وستعدّ النجوم كثيراً، وستعاني بعض الشيء من آلام الفؤاد وتباريح الهوى، ثم لا تلبث أن تُشفى من هذا كله فتشعر بالرضا عن الحياة مجدداً وتعاود مشوارك من جديد، وستكون على ما يرام، حتماً ستكون على ما يرام.!