طريقة التلقيح حول حقيقة سيّدنا المسيح
لقد كان عمران أبو مريم رجلاً عظيمًا بين العلماء في بني إسرائيل وقد حملت زوجته ''حنة'' بنت فاقوذا وتوفي زوجها وتركها حبلى فنذَرَت حبلها ذلك محرّرًا أي مخلصًا لخدمة بيت المقدس وكانوا ينذرون ذلك إذا كان المولود ذكرًا. وإطلاق المحرّر على هذا المعنى إطلاق تشريف لأنّه لمّا خلص لخدمة بيت المقدس فكأنّه حرّر من أسر الدنيا وقيودها إلى حرية عبادة الله تعالى.
فلمّا وضعت تبيّنَت أن الجنين الّذي انفصل منها أنثى، وكانت ترجو أن يكون ذكرًا ليخدم في بيت الله. فتوجّهت إلى الله تعالى كالمعتذرة أو الآسفة قائلة: {ربِّ إنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإنِّي أَعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عمران:86، ولكن الله تعالى تقبّل تلك المولودة {بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} آل عمران:.36
ومنهم مَن ذهب إلى أن عمران قد توفي وابنته صغيرة تحتاج إلى مَن يكفلها ويقوم بشأنها. فلمّا قدمتها أمّها إلى رعاة الهيكل اختلفوا فيمَن يقوم بكفالتها، وألقوا على ذلك قرعة. فكان الكافل لها ''زكرياء'' والد ''يحيى'' عليهما السّلام.
كان زكرياء زوجًا لخالة مريم. وفي أثناء رعايته لمريم كان يجد عندها رزقًا من رزق الله لم يأتها به ولا وجود له عند النّاس في ذلك الوقت فيسألها قائلاً: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} آل عمران:36، فتجيبه قائلة: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عمران:.36
وكانت ملائكة الله تأتي إلى مريم وتخبرها باصطفاء الله تعالى وإجابته إيّاها وتطهيرها من الأرجاس والأدناس وتحثّها على الاجتهاد في العبادة والقنوت لله... قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطـَفَاكِ عَلـَى نِسـَاءِ الْعَالـَمـِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} آل عمران:42ـ.43 وهل يعقل أن تطهّرها اليد الإلهية من الأرجاس المعنوية وتحميها من مسّات الشيطان وهمزاته وتترك في بطنها نطفة تقلّصت ثم نفخ فيها الروح فصارَت مولودًا يُدعى المسيح؟؟ فالطهارة شاملة لخلقها ولخلقها، والبركة تحفّها من كل جانب ورضوان الله لا يغادرها لحظة!!.
نشأت سيّدتنا مريم عليها السّلام نشأة طُهر وعفاف وبعد عن الإسفاف إلى رذيلة، مكلوءة بعناية الله، محروسة بحراسته، فلمّا بلَغَت مبلغ النساء وجدَت وقتًا في خلوة وحدها، فلم ترع إلاّ بالملك جبريل عليه السّلام الّذي أرسله الله إليها جاءها على صورة فتَى، فأخذها الرعب وظنته يُريد بها سُوءًا فاستعاذت منه ووصفته بعدم التقوى قائلة: {إنِّيَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًا} مريم:17، فأعلمها أنه مرسل من الله تعالى ليهب لها غلامًا زكيًا، فأخذها العجب من ذلك إذ كيف يكون لها ولد وهي لم يمسّها أحد من النّاس؟ فهوَّنَ عليها الأمر وأحال على قدرة الله تعالى وهو الإله الّذي لا يعجزه شيء ونَفَخَ في جيب درعها فإذا هي حامل.
المصدر :الشيخ الطاهر بدوي.