الفعلية في العربية
د . عبد الوهاب حسن حمد
المقدمة
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على حبيب الحق محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
وبعد، فان موضوع هذا البحث موضوع مهم في الدراسات اللغوية والنحوية، فانه يبحث في دلالة الفعل وهو موضوع جدير بالبحث وبذل الجهد، أن نظرية العامل ومتاهات المنطق والفلسفة قد مدت بظلالها الكثيف على الدراسات النحوية فغفلت عن تلك اللمحات النادرة في الأسلوب العربي ومراميه وغطت درره وكوامن جماله وفتنته فأضحت هذه الدراسات تدور مع المنطق حيث دار تاركة البحث في أسرار الاختيار والتأليف في التراكيب العربية وما يعنيه السياق وطريقة الكلام إلا ما جاء هنا وهناك موزعا في بطون الكتب من المخزون العربي الثر، فجزى الله أصحاب تلك الثمرات المباركة عن العربية كل خير ونحن عيال عليهم ولولاهم لضاع الكثير من كنوز لغتنا الخالدة التي شرفها الله فانزل بها كتابه المجيد وقد استعمل القرآن الفعل بكل انواعه وبجميع لواحقه وسوابقه وازمنته استعمالا فريدا معجزا فكان باعثا على البحث في درره التي لا تنفد ومعاني الفعلية لا تقتصر على الفعل بصيغه المعروفة، وانما تتجاوزها الى المصادر والصفات، لانهاتعمل عمل افعالها، وفيها مادة الفعل، وهي الحدث الذي يطلب فاعلا ومفعولا ومحلا وعلة، لذلك اتسع ميدان البحث لاستخراج معاني الفعلية ومزاياها. يقع البحث في أربعة مباحث تناولت في المبحث الأول معنى الفعل في العربية وأهميته وفي المبحث الثاني الزمن في العربية وفي الثالث الصيغ الزمنية في العربية واستعمالاتها، وفي الرابع أحكام الفعل الدائم، أن هذا البحث محاولة متواضعة أولية للسير في هذا الطريق المضني وحسبي منه لفت النظر إلى أمر احسبه مهما في الدراسات اللغوية والنحوية.
وقل ربِ زدني علما إنه سميع مجيب الدعاء .
المبحث الأول
معنـى الفعـل في العربـية
الفعل لغة (( عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أولا ))([1])، إن تركيب الفعل يدل على إحداث شيء من العمل وغيره، وهذا يدل على أن الفعل أعم من العمل([2])، يقال : فلان يعمل الطين خزفا، ويعمل الخوص زنبيلاً، والأديم سقاءاً ولا يقال : يفعل ذلك، لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده في حال كان قبلها مقدورا والعمل : إيجاد الأثر في الشيء([3]) لذلك قال الجرجاني : ( قيل الفعل كون الشيء مؤثرا في غيره كالقاطع ما دام قاطعاً )([4]) فقدم له بـ ( قيل ) لضعفه، لأن إيجاد الأثر للعمل وليس للفعل قال تعالى (( والله خلقكم وما تعملون – الصافات 69 )) أي خلقكم وخلق ما تؤثرون فيه بنحتكم إياه أو صوغكم له([5])، وهو (( نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو نحوهما ))([6])، لأنه يدل على الفعل الحقيقي، ألا ترى أنك إذا قلت ( ضرب ) دل على نفس الضرب الذي هو الفعل في الحقيقة، فلما دل عليه سمي به، لأنهم يسمون الشيء بالشيء إذا كان منه سبب، وهو كثير في كلامهم([7]) .
والفعل اصطلاحا : (( كلمة تدل على معنى مختص بزمان دلالة الإفادة ))([8])، أو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة([9])، وقيل ما دل على حدث وزمان حاضر أو مستقبل نحو قام يقوم، وقعد يقعد وما أشبه ذلك([10])، يلاحظ اضطراب موقف ابن هشام في تقسيم الفعل فتارة يأخذ برأي البصريين القائل بتقسيم الفعل على ثلاثة : ماضي ومضارع وأمر وتارة يأخذ برأي الكوفيين، القائل بتقسيم الفعل على قسمين ( ماضٍ، ومضارع ) وان الأمر مضارع دخلت عليه لام الأمر فجزمته ثم حذفت حذفا مستمراً وتبعتها حروف المضارعة ويرجح قول الكوفيين بقوله : (( وبقولهم أقول، لأن الأمر معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهي، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمن، وكونه امرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولانهم قد نطقوا بذلك الأصل ))([11])، كما انه غفل عن القسم الثالث للفعل عند الكوفيين حيث جعلوا اسم الفاعل أو اسم المفعول قسما ثالثا من أقسام الفعل واصطلحوا على تسميته بالفعل الدائم([12]) وسيأتي تفصيل القول فيه والحقيقة أن ما ذكر من حدود للفعل قد أوجدت بونا شاسعا بين اللغة العربية، كما نطق بها أصحابها ومن ثم نزل بها الذكر الحكيم (( إنا أنزلناه قرآنيا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف 2 )) و(( بلسان عربي مبين – الشعراء 195 ))، وكما دونت بها آدابهم وعلومهم وأفكارهم وبين النحو العربي الذي كان تعبيرا لقوالب الفكر المتأثر بالمنطق والفلسفة فليست العربية قاصرة في الدلالة الزمنية على كلمتي ( ماض ) و( مستقبل ) ، كما ذهب إلى ذلك ( وليم رايتW. Right )([13]) أو ( إن الزمان ليس شيئا أصيلا، وإن اقتران الفعل العربي به حديث النشأة، بعد أن وجدت صيغة ( فَعُلَ ) المتطورة عن صيغة ( فَعِلٌ ) وهي الصيغة التي يسمونها Prmonsive أو الفعل الدائم في تعبير الكوفيين ، والتي يعدونها اقدم من الفعل الماضي )([14])، كما ذهب الدكتور المخزومي حيث استنتج أن العربية ( إذا أرادت التعبير عن الفعل الماضي المطلق، والماضي التام والماضي غير التام، لم تجد من الأبنية إلا بناء ( فَعَل ) للتعبير عما لا يعبر عنه في الإنكليزية إلا بعدة صيغ، وإذا أرادت التعبيرعن المستقبل باختلاف مجالاته الزمنية لم تجد الا بناء (( يفعل )) للتعبير عن الحاضر والمستقبلْ )([15]) وهذا يعني أن العربية قد اهملت المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد كالماضي مثلاً، ولم يكن لديها من الأبنية ما تعبر به عن تلك المجالات ويقرر أيضا([16]) أن مثال ( فاعل ) لا دلالة له على زمان معين إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول ويوافقه الدكتور السامرائي([17])على رأيه ويقول : (( وقول السيد المخزومي السابق صحيح وهذا وهم من المستشرقين ومن تبعهم من العرب المحدثين وسيأتي تفصيل القول في الدلالات الزمنية للفعل واشير إلى أن رايت ( wright ) نفسه قد تنبه إلى مسألة الاستعمال في اللغة بعيدا عن تقسيم النحاة لصيغ الفعل حسب زمانه – حين لاحظ أن ( قد فعل ) تدل على وقوع الحدث قبل قليل من زمان التكلم([18]) , ورأي الاستاذين لا يجعل للقرائن الحالية أي وزن ولا يعتدان إلا بالقرائن المقالية، كما أن الدكتور السامرائي اختار امثلته بحيث يغلب عليها أن تكون مجرد صفات واغفل ما يمكن عده دالاً على الحدث والزمان ومستحقا لأن يوصل بالمتعلقات([19])، فليست صيغة ( فَعَل ) وحدها تدل على الزمن الماضي، بل قد لا تدل عليه أو قد تكون الدلالة مطلقة عامة فيحددها السياق وكذا صيغة ( يفعل ) و ( افعل ) و ( فاعل )، لأن الزمن الصرفي غير الزمن النحوي الذي يتعين من مجرى السياق، إن تعيين الزمن بدلالة اللفظ عليه بوضعه له وتقسيم الفعل على الأزمنة الثلاثة رأي بدأه سيبويه([20])، وتبعه النحاة([21]) وبخاصة البصريين حيث قال : ( واما الفعل فأمثلة اخذت من لفظ احداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع )([22]) ويقول في موضع آخر : ( ويتعدى إلى الزمان، نحو قولك ذهب، لانه بني لما مضى منه وما لم يمضِ، فإذا قال سيذهب، فانه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان، ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه، كما أن فيه استدلالا على وقوع الحدث )([23]). ويثير حده هذا جملة قضايا :
الأولى : اصل الاشتقاق ودلالة الفعل على الحدث .
والثانية : الزمان وتخصيص كل صيغة به والثالثة : التقسيم الثلاثي للفعل.
اما الأولى فهي مسألة خلافية ولم يقطع فيها برأي مثلها مثل اصل اللغة أهي توقيف أم اصطلاح؟ ثم إن للفعل الواحد ولا سيما الثلاثي مصادر متعددة فمن أي المصادر أخذ؟ وذلك كالفعل لقي – مثلا – فمن مصادره لقىً ولقاء ولقيان ولقيْ([24]). وقد أختص القرآن الكريم قسما من المصادر بمعنى معين كالصوم والصيام فقد اختص كلمة ( الصوم ) بمعنى الصمت قال تعالى (( إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا – مريم 260 )) ولم ترد كلمة الصوم في القرآن في غير هذا الموطن وكانها لما كانت بمعنى الصمت جيء بها على وزنه وخصها الله به، واما ( الصيام ) فقد وردت في تسعة مواطن من القرآن كلها بمعنى العبادة المعروفة([25])، واما دلالة الفعل على الحدث فهناك أفعال تخلو من الحدث وهي الأفعال الناقصة والأفعال الجامدة كليس ونعم وبئس، واما الزمان فدلالة الفعل عليه ليست بالصيغة وحدها ولا بمادته وانما بمقتضى السياق، ثم أن هناك أفعالا لا يراد بها الوصف ولا التحديد الزمني، كما سيأتي ؛ واما التقسيم الثلاثي ففيه عموم واطلاق وتخصيصه أو تحديده متوقف على مجرى السياق وطريقة تأليف الكلام، كما أن الماضي ليس قسيما للمضارع ولا المضارع قسيما للأمر من حيث الدلالة([26]). وقد رفضت مدرسة الكوفة أن يكون فعل الأمر قسما مستقلا بذاته، لأن دلالة الامر فيه عائدة الى اللام المحذوفة تخفيفا، وهي لام الأمر : ( واما صيغته فمن لفظ المضارع ينزع منه حرف المضارعة )([27])، وقال الفراء إن القسم الثالث هو اسم الفاعل العامل([28])، وزاد ابن جني على ( الحدث ) و( الزمان ) الدلالة على الفاعل، لأن كل واحد من الأفعال يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه، أو كونه بمنزلة الحداث عنه … ألا ترى إلى الفعل ( قام ) ودلالة لفظه على مصدره، ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله ؟([29]).
دلالة الفــعل
قال اللغويون : الاسم كلمة تدل على معنى من غير اختصاص بزمان([30])، وهو يفيد الثبوت، والفعل يفيد التجدد والحدوث، لأن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا بعد شيء وأما الفعل فموضوعه على انه يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء فإذا قلت : زيد منطلق فقد اثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا يقصد ههنا إلى أن تجعل الطول أو القصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط بوجودهما على الإطلاق كذلك لا تتعرض في قولك : زيد منطلق، لاكثر من إثباته لزيد وأما الفعل فانه يقصد فيه إلى ذلك فإذا قلت : زيد ها هو ذا منطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءاً فجزءاً وجعلته يزاوله ويزجَّيه([31])، لأن الاسم له دلالة على الحقيقة دون زمانها، فإذا قلت زيد منطلق لم يفد إلا إسناد الانطلاق إلى زيد، واما الفعل فله دلالة على الحقيقة وزمانها فإذا قلت انطلق زيد أفاد ثبوت الانطلاق في زمان معين لزيد وكل ما كان زمانيا فهو متغير والتغير مشعر بالتجدد فاذن الاخبار بالفعل بفيد وراء اصل الثبوت كون الثابت في التجدد والاسم لا يقتضي ذلك. ويشبه أن يكون الاسم في صحة الأخبار به اعم وان كان الفعل فيه اكمل واتم، لأن الأخبار بالفعل مقتصر على الزمانيات أو ما يقدر فيه ذلك والأخبار بالاسم لا يقتضي ذلك )([32])، وبذلك كان الاسم دالا على الثبوت والفعل دالا على الحدوث والتجدد قال تعالى (( سواء عليكم ادعوتموهم أم انتم صامتون – الاعراف 193 )) ففرق بين طرفي التسوية فقال ( ادعوتموهم ) بالفعل ثم قال : " أم انتم صامتون " بالاسم ولم يسوِ بينهما قال الزمخشري : ( فان قلت : هلا قيل أم صمتم ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية ؟ قلت لانهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون اصنامهم فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم فقيل إذ دعوتهم لم تفترق الحال بين احداثكم دعاءهم وبين ما انتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم )([33])، وذلك أن الحال الثابتة للإنسان هي الصمت وانما يتكلم لسبب يعرض له فلو رأيت إنسانا يكلم نفسه لا تهمته في عقله، فالكلام طارئ يحدثه الإنسان لسبب يعرض له ولذا لم يسو بينهما بل جاء للدلالة على الحال الثابتة بالاسم ( صامتون ) وجاء للدلالة على الحالة الطارئة بالفعل ( دعوتموهم ) أي أأحدثتم لهم دعاءً أم بقيتم على حالكم من الصمت([34])، وقال تعالى (( اولم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبضن – الملك 19 )) فقد فرق بين ( صافات ) و( يقبضن ) فلم يقل : صافات وقابضات أو يصففن ويقبضن، وذلك (( لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها واما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجيء بما هو طارئ غير اصل بلفظ الفعل على معنى انهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح ))([35])، نخرج من ذلك بان الفعل عبارة عن حركة الفاعل أو الحدث وهذه الحركة متأتية من حيث كونه يدل على الحدوث والتجدد وبناءاً عليها بتبيين السبب في عمل الفعل ،لان الفعل ايجاد الاثر في الشيء والفعل مقيد بزمن في حين أن الاسم غير مقيد بزمن من الأزمنة فهو اشمل وأعم واثبت (( ولكون الاسم دالا على الثبوت كان الوصف بالاسم أقوى من الوصف بالفعل فقولك ( هو مطلع ) اثبت واقوى من قولك ( هو يطلع )، و( هو متعلم ) اثبت من قولك ( هو يتعلم ) و( هو جواد ) اثبت من قولك ( هو يجود ) ))([36])، قال تعالى (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام – الذاريات 24-25 ))، فقد جعل السلام الأول بالنصب والثاني بالرفع ففرق بين الاثنين ولم يسو بينهما، وذلك ( لأن إبراهيم عليه السلام اراد أن يرد عليهم بالاحسن، فأتى بالجملة الاسمية فانها أدل على الدوام والاستمرار، لأن الفعل لابد فيه من الانباء عن التجدد والحدوث فلما قالوا : سلاما قال : سلام عليكم مستمر دائم )([37])، فسلام مصدر ساد مسد الفعل مستغنى به عنه واصله نسلم عليكم سلاما واما سلام فمعدول به إلى الرفع على الابتداء وخبره محذوف معناه عليكم سلام، لان الرفع دليل النسبة الى المحدث، ولا يكون إلا ثابتا معروفا، لانه لا يصح النسبة الى الفعل، لانه وصف للدلالة على ثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به آخذا بأدب الله تعالى([38])وعلى هذا فالفعل كلمة أنبأت عن حركة صادرة عن المسمى وهو الفاعل أو الحدث وهذا الانباء ناشئ من صيغته ومادته وهو المصدر وهذا بخلاف ما ذهب إليه الأصوليون حيث قالوا : ( فالفعل كلمة تنبئ عن ( حركة ) صادرة عن المسمى وهذا الأنباء ناشئ من صيغة الفعل لا من مادته )([39])، فقد أنبأ المصدر ( سلاما ) عن حركة الفاعل، لانه بتقدير فعل أي نسلم سلاما. وقال الدكتور مصطفى جمال الدين : (( ويبدو لي أن ربط الفعل بـ ( حركة الحدث ) اقرب إلى المدلول اللغوي لكلمة ( الفعل )، كما أن ( حركة الحدث ) اقرب إلى معنى ( التجدد والحدوث ) الذي يمتاز به الفعل الاصطلاحي عن المصدر والاسماء المشتقة ))([40])، فالفعل هو حركة المسمى أو الانباء عنه وليست الصيغة المجردة، لأن المصدر والاسماء المشتقة قد تنبيء عن حركة الحدث، لأن فيها رائحة الفعل ونتيجة لهذه الحركة كان الفعل اكثر تأثيرا في غيره، وقد عده النحاة اقوى العوامل فهو يعمل متقدما، كما يعمل متأخرا ويعمل مذكورا، كما يعمل محذوفا([41]) ولكونه اقوى العوامل فقد عملت بعض الاسماء لتضمنها معناه كاسم الفاعل واسم المفعول وعملت بعض الحروف، لانها اشبهته من حيث المعنى واللفظ كالحروف التي تنصب الاسم وترفع الخبر وهي ( إن، أن، ولكن، وليت، ولعل )([42])، كما أنه أحد الأركان الرئيسة التي يقوم عليها بناء الجملة وهو أيضا أحد الاقسام المهمة التي يقوم عليها الكلام، لانه يدل على معنى، وهو الحدث أو المصدر أو اسم الفعل والفعل مشتق منه ويتضمن الدلالة على الفاعل وحركته المتمثلة بدلالته على الزمن العام أو المطلق ويتخصص بالزوائد واللواحق والسوابق والتضعيف علاوة على الحركات. فاحرف المضارعة تنقله من التحقيق والوقوع في الماضي الى المتصور في الحال والاستقبال، وتغيير البنية بالضبط يحوله من المعلوم الى المجهول، واحرف الزيادة والتضعيف في الثلاثي المجرد الذي على وزن ( فَعَلَ ) و( فَعِلَ )، و(فَعُلَ ) تدل على معاني الدخول في الزمان والمكان. مثل اصبح وامسى واصحر، وللدلالة على وجود الشيء على صفة معينة نحو ابخلته أي وجدته بخيلا، وللدلالة على السلب نحو احصد الزرع أي استحق الحصاد ولدلالة على الكثرة نحو اشجر المكان أي كثر شجره وللدلالة على الصيرورة نحو اورقت الشجرة أي صارت ذات ورق، اما معاني التضعيف فتدل على التكثير والمبالغة نحو: طوّف اذا اكثر الطواف والتعدية نحو فرّحته وخرّجته، وللدلالة على التوجه نحو شرّق وغرّب اذا توجه شرقا وغربا وللدلالة على النسبة نحو كذّبته اذا نسبته الى الكذب وللدلالة على السلب نحو قشّرت الفاكهة اذا ازلت قشرتها وللدلالة على اختصار الحكاية نحو كبّر وهلّل اذا قال الله اكبر ولا إله إلا الله وللصيرورة نحو قوّس وحجّر اذا صار مثل القوس والحجر وكذلك تكون الدلالات لرباعي ( فاعَل ) والخماسي ( انفعل ) و( افتعل ) و( تفاعل ) و( تفعّل ) و( افعلّ ) والسداسي ( استفعل ) و( افعوعل ) و( افعال ) و( افعوّل ) ولمزيد الرباعي ( تفعلل ) و( افعتّلل ) و( افعللّ )، اما السوابق واللواحق فتحدد زمنه مع القرائن الحالية والاجتماعية والتأريخية والدينية وغير ذلك.
والتضمين يعير معنى الفعل الظاهر بدليل تغير التعدية ، وبالتالي تتغير دلالته الزمنية ، نحو قوله تعالى (( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة – البقرة 55 )) ، فقد تعدى
( نؤمن ) بالام ، لانه تضمن معنى الانقياد ، لا الايمان هو التصديق بالقلب ، اما اللسان فيتعدى اللام ، والاول يتعدى بالباء . وفي قوله تعالى (( الم نر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤوهم أزّا – مريم 83 )) ، تضمن ( أرسلنا ) معنى سلطانا ، ولذلك تعدى بعلى . وفي قوله تعالى (( وزوجناهم بجور عين – الطور 20 )) ، تضن (زوجناهم ) معنى قرناهم ، لذلك تعدى بالياء .
الزمن في العربية
ربط الكثير من النحاة الزمن بالأفعال غير أن الزمن يلحظ في غيرها من نحو اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر واسماء الأفعال والصفة المشبهة في تراكيب بعينها، كما انهم قسموا الفعل بحسب حركات الفلك لا بحسب مراد المتكلم ومجرى السياق (( ولما كانت الأفعال مساوقة للزمان والزمان من مقومات الأفعال توجد عند وجوده وتنعدم عند عدمه انقسمت بأقسام الزمان ولما كان الزمان ثلاثة ماضٍ وحاضر ومستقبل وذلك من قبل أن الأزمنة حركات الفلك فمنها حركة مضت ومنها حركة لم تاتِ بعد ومنها حركة تفصل بين الماضية والآتية كانت الأفعال كذلك ماضٍ ومستقبل وحاضر ))([43]) وهذا يعني انهم اعتمدوا الزمان الفلسفي أساسا لتقسيم الفعل، وهو تقسيم عام يفتقر إلى الدقة فحقيقة استعمالات العرب غير ما ذكروا في حين أن تقسيمهم لا يستند على النحو بوصفه علما قائما على دراسة التراكيب المتآلفة في الأساليب المختلفة حسب اختلاف المقامات والأحوال ودواعي المتكلمين ومرادهم بل جاء موافقا لفلسفة المنطق وفيه متاهات لا يمكن الخروج منها إلا بنتائج ظنية لا تخدم النحو في شيء، لأنهم خلطوا بين منهجين مختلفين هما المنهج النحوي والمنهج الفلسفي في تفسيرهم لمعنى ( الزمن )، وقد فرق المحدثون بين الزمن والزمان وعندهم : أن الزمن تعبير لغوي والزمان مقياس فلسفي، أي انهما ليسا مترادفين، لأن الثاني لا علاقة له بالحدث والكلمات المستعملة لإفادة الزمان المجرد لا تحمل مدلولا على الحدث في صيغه وامثلتها : أمس – اليوم – غداً – البارحة – الضحى – الليل – العصر – الصبح – المساء([44]) وهذا يؤكد ماذهب إليه اللغويون في قولهم : (( إن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فان كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلا لا يحتاج إليه ))([45])، لقد اتهم بعضهم([46]) اللغة العربية بالعقم، لأن وضعية الفعل فيها وضعية ضعف : أشكال الفعل العربي قليلة جدا إذا ما قورنت بعدد أشكال الفعل في اللغات الأخرى، الفعل في اللغة العربية، لا يتعدى شكلين أساسين، الماضي والمضارع أما الأمر فانما هو صورة من المضارع تدل على معنى خاص .
قال المستشرق زيجس بلاشير : (( إن تصريف الفعل العربي فقير إذا ما قورن مثلا بتصريف الفعل في اللغات الهندية الاوربية، وينبغي أن نلاحظ، أولا، إن لمفهوم الزمان وضعا غير متين ))([47])، لا يخفى على كل ذي حجا ما في هذا الرأي من ضعف، لانه لم يقم على استقراء صحيح لأساليب العربية وخصائصها المميزة وشرع المستشرق برجشتراسر يبين تلك الخصائص بقوله : (( ومما يزيدها – أي العربية – تمييزاً عن سائرها – ويعني اللغات السامية – تخصيص معاني أبنية الفعل وتنويعها، وذلك بواسطتين إحداهما : اقترانها بالأدوات، نحو ( قد فعل ) و ( قد يفعل ) و ( سيفعل ) وفي النفي ( لا افعل ) بخلاف ( ما فعل ) و ( لن يفعل )بخلاف : ( لا يفعل ) و ( ما يفعل ). والاخرى : تقديم فعل ( كان ) على اختلاف صيغه، نحو ( كان قد فعل ) و( كان يفعل ) و( سيكون قد فعل ) إلى آخر ذلك، فكل هذا ينوع معاني الفعل، تنويعا اكثر بكثير مما يوجد في أية لفة كانت، من اللغات السامية ))([48])، وإن سياق الكلام هو الذي يحدد نوعية الزمن المقصود من صيغة الفعل فقد تكون الصيغة الفعلية مهيأة، لأن تكون زمنا متى دخلت التركيب أما وهي صيغة مجردة فهي مجرد كلمة لا يصح أن ينسب إليها زمنا ما إلا على المجال التحليلي، كما تنسب معنى الظرفية للحرف ( في ) وهو منعزل عن السياق وذلك، لأن الزمان وظيفة للسياق والسياق معناه ملاحظة وظائف الكلمات واللغوي يهتم بالكلام وبصيغه([49])، لان النحو : هو القصد إلى أساليب العرب في الكلام([50])، وهو منهج علمي لدراسة العلاقات بين الأبواب النحوية[51] وعند استقراء الأساليب العربية استقراءاً سليما يتوضح أن كل فعل قد لا يقتصر على الزمان الذي حدده النحاة بل قد يتعداه بحسب ما يتطلب السياق، وقد لفت المحققون من العلماء انظار الدارسين الى قيمة العلاقات في النظم ودعوا الى استنباط اللمحات النادرة في الدلالات وغلى الأخذ بالاختيار والتأليف في الكلم وذلك (( أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك ))([52])، وواضح أن الترتيب بين الكلمات في السياق هو أساس التماسك فيما بينها، وهو مبني على المعنى الذي يدور حول وظيفة الكلمة في التراكيب وعلى هذا فالزمن النحوي ليس هو دلالة الصيغة وحدها وانما راجع إلى السياق، وما تدل عليه الصيغة ليس إلا اتجاها شكليا لا وظيفياً (( والزمن النحوي خير مثل لخروج اللغة عن دائرة المنطق ))([53]) وهذا ما ذهب إليه المحدثون فقد تناولوا الفعل من حيث ما يؤديه من وظائف لغوية في أثناء الجملة إذ أنه يدل على الاحداث وعلى أزمانها، ثم هو احد مقومات الجملة المهمة ولا سيما الجملة الفعلية إذ منه يستمد الاسناد، وهو اكثر اقسام الكلام شيوعا في العربية([54])، فالفعل كلمة قد تدل على الحدث، لأن منه ما لا يدل عليه، وانما يختص بالزمن كافعال الكينونة والمقاربات وقد لا يدل على زمن بعينه بل يدل على العموم الزمني ويحتاج إلى سوابق ولواحق وزوائد للتخصيص ولا يشترط وقوعه في أحد الأزمنة الثلاثة، لأن ذلك يخرجه من المنهج النحوي الذي يهتم بوضع الكلمة في التركيب، فالزمن النحوي إذاً وظيفة تؤديها الصيغة في اثناء الجمل وسياق الكلام، وتحدده احوال وظروف المتكلم والمخاطب، فالافعال تدل على الحدث من حيث الاشتقاق وعلى الزمن المطلق من حيث صيغها الصرفية .
المبحث الثاني
الأفعال الناقصـة
وهي كان واخواتها وكاد واخواتها وقد عالجها النحاة جميعا في باب واحد نظرا لاعمالها وجعلوا وظيفة كان وما يتبعها محصورة في أثرها الإعرابي وهو النسخ، لأنها أشبهت ظن في العمل حيث لا تقتصر على المفعول الأول، فكذلك ( كان ) لا تكتفي بالاسم، وسميت بالنافصة، لأن كلا منها (( لا يجوز فيه الاقتصار على الفاعل، كما لم يجز في ظننت الاقتصار على المفعول الأول، لأن حالك في الاحتياج إلى الآخر ههنا كحالك في الاحتياج إليه ثمة ))([55])، فهي من العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر وتجري مجرى ظننت وأخواتها في كونها من عوامل المبتدا والخبر وتفيد اليقين أو الشك في الخبر وكان تفيد زمان وجود الخبر، فاشتركا في دخولهما على المبتدأ والخبر وتعلقهما بالخبر، أي أنها لا تتم بالمرفوع بها كلاما بل بالمرفوع مع المنصوب بخلاف الأفعال التامة، فإنها تتم كلاما بالمرفوع دون المنصوب([56]) ذهب المبرد([57])، وقد وافقه ابن الانباري وجماعة منهم الزجاجي([58])، إلى أن ( كان ) ليست فعلا على الحقيقة، وحجتهم في ذلك : انها لا تدل على الحدث بل دخلت لتفيد معنى المضي في خبر ما دخلت عليه، قال المبرد (( اعلم أن هذا الباب إنما معناه : الابتداء والخبر، وانما دخلت ( كان ) لتخبر أن ذلك وقع فيما مضى، وليس بفعل وصل منك إلى غيرك، وانما صرفن تصرف الأفعال بقوتهن، وانك تقول فيهن : يفعل، وسيفعل، وهو فاعل، وياتي فيهن جميع أمثلة الفعل، كما أن ( كان ) في وزن الفعل وتصرفه، وليست فعلا على الحقيقة، تقول : ضرب زيد عمرا، فتخبر بان فعلا وصل من زيد إلى عمرو، فإذا قلت : كان زيد اخاك لم تخبر أن زيدا اوصل إلى الاخ شيئا، ولكن زعمت أن زيدا اخوه فيما خلا من الدهر ))([59]) أي انها اقتصرت على الزمان والفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان، نحو قولك ضرب فانه يدل على ما مضى من الزمان وعلى معنى الضرب وكان انما تدل على ما مضى من الزمان فقط ويكون تدل على ما انت فيه أو على ما يأتي من الزمان فهي تدل على زمان فقط فلما نقصت دلالتها كانت ناقصة([60])، وذهب الازهري إلى انها متجردة للدلالة على الزمان([61])، وراي الجمهور أنها أفعال ناقصة وذلك لخلوها من الحدث واقتصارها على الزمان ولانها لا تكتفي، بأحد معموليها([62])، وذهب الرضي : إلى انها افعال تفيد الحدث العام والزمان، وذلك انها تشترك مع سائر الأفعال في دلالتها على الزمان المخصص وتختلف عنها في طريقة دلالتها على نوع الحدث، حيث قال : ( انما سميت ناقصة، لانها لا تتم بالمرفوع بها كلاما بل بالمرفوع مع المنصوب بخلاف الأفعال التامة، فانها تتم كلاما بالمرفوع دون المنصوب وما قال بعضهم من انها سميت ناقصة لانها تدل على الزمان دون المصدر ليس بشيء، لأن كان في نحو كان زيد قائما يدل على الكون الذي هو الحصول المطلق وخبره يدل على الكون المخصوص، وهو كون القيام أي حصوله فجيء اولا بلفظ دال على حصول ما، ثم عين بالخبر ذلك الحاصل فكأنك قلت حصل شيء ثم قلت حصل القيام فالفائدة في ايراد مطلق الحصول اولا ثم تخصيصه ))([63])، وفيما ذكره نظر وذلك : أن كان وغيرها من الأفعال ليست هي التي تعمل الرفع والنصب بل ذلك من فعل المتكلم العربي الذي يخضع لسليقة لغوية ونظام يتبعه في التعبير هو الذي جعل الاسم بعد ( كان ) يأتي مرفوعا بسبب هذا الاقتران لاداء معان مغايرة لتلك التي تستفاد اذا نصب ما بعدها، ولو تطلبت السليقة أن يكون اسم ( كان ) من اول الأمر منصوبا لم تقو ( كان ) على رفعه([64])، كما أن الكلام لا يتم إلا بمنصوبها، هو تفسير جمهور النحاة ذكره سيبويه([65])، وعلى هذا فالرضي قد رجح قسما مما ذكره سيبويه وضعف القسم الآخر، هو دلالة ( كان ) على الزمان دون المصدر فقد ذكر سيبويه (( تقول كان عبد الله اخاك، فانما أردت أن تخبر عن الاخوة وادخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى ))([66])، وهذا الرأي قد أخذ به ابن يعيش ايضا([67])، وتفسير مصطلح ( ناقصة ) بعدم تمام الكلام إلا بالمنصوب ليس بشيء، لأن ( أن ) واخواتها و ( ظن ) واخواتها أو ما ماثلها لا يتم الكلام باحد معموليها ولم يقولوا بانها ناقصة، كما أن المثال الذي اورده شاهدا وهو ( كان زيد قائما ) ليدلل به على وجود الحدث العام في ( كان ) إنما نظر فيه إلى خبرها المشتق والمشتق يدل على الحدث قبل دخول ( كان ) فلا حجة له فيه. خذ هذا المثال من غير محاولة لتأويل الخبر الجامد بالمشتق : كان زيد أباك فأنك لا تحس في ( كان ) غير الدلالة على الزمان([68])، ونخرج من ذلك بأن كان تفيد الزمن الماضي المطلق غالبا يحدده الخبر سواء كان مشتقا أم جامدا في تأويل المشتق ؛ أما سائر الأفعال الناقصة فدلالتها على الحدث اوضح منها ( فاصبح ) تدل على الوجود في الصباح و( أمسى ) تدل على الوجود في المساء ( وصار ) تدل على وجود الانتقال وما ( دام ) تدل على معنى الدائم و ( مازال ) تدل على معنى الاستمرار … الخ. أما ليس فقد اختلف فيه حيث ذهب قوم إلى انه حرف بمنزلة ( ما ) في دلالته على نفي الحاضر وحجتهم في ذلك انه لا يتصرف تصرف الأفعال، وذهب آخرون إلى انه فعل وحجتهم في ذلك انه يتصل بالضمير الذي لا يكون إلا في الأفعال، نحو قولك ( لست ولسنا ولستم ولستن )، ولان آخره مفتوح، كما في آخر الأفعال الماضية وتلحقه تاء التأنيث([69])، وذهب برجشتراسر إلى أن ليس مركبة من لا واسم معناه الوجود يحتمل أن يكون لفظه القديم ( iltai) أو قريبا من ذلك وهو ( ies ) في العبرية و ( itia ) في الآرامية العتيقة ويقاربها في الاكدية فعل وهو (isu ) أي يملك الشيء وهو له([70])، وهذا الفعل يستعمل في العربية لنفي الحال عند الإطلاق وإذا قيد فبحسب ذلك التقييد تقول : ليس زيد قائما أي الآن، وقال تعالى " الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم – هود 8 " أي في المستقبل وليس صحيحا ما ذهب إليه بعض النحاة من أنها لا تنفي إلا الحال([71])، بل هي كذلك إذا أطلقت فإذا قيدت فنفيها على حسب القيد([72])، ومن استعمالها في غير الحاضر قولهم ( ليس خلق الله مثله ) فهي في هذا للماضي واسمها ضمير الشأن وقوله تعالى " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه – البقرة 267 "، وهي هنا للاستقبال([73])، وكذلك ليس صحيحا ما ذهب إليه صاحب الزمن في النحو العربي في قوله (( أن ليس تفيد النفي ولا تفيد زمانا في حين تفيد الاخريات الزمان والإثبات ))([74])وذلك لأن الاستعمال العربي يخرج بها إلى دلالات زمنية تخالف ما ذكر، كما تقدم، والغالب في كان انها للماضي وفي يكون للحال وفي كن للمستقبل ولكن يخالف ذلك ما نجد في السياقات العربية، فقد تفيد كان الدلالات الزمنية الماضية المنقطعة، نحو قوله تعالى (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم – الأحزاب 40 )) وقوله (( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين – البينة 1 )) وبعد لما تفيد الزمان الماضي المتصل بالحال والمتوقع حصوله في وقت قريب من الحال نحو : ناديت قومي ولما يكن منهم مستمع([75]) ونحو : سمعت عنك ولما يكن منك لقاء، وبعد ( قد ) تفيد الماضي القريب من الحال، نحو قوله تعالى (( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد – ق 22 )) وقوله تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة – الاحزاب 21 )) وبعد الدعاء تنصرف جملتها للاستقبال نحو :
إن لم تزرني ميّ في ضحاك غدا
لا كـان صبحـك يايوم الـثلاثاء
وكذلك بعد الشرط، نحو قوله تعالى (( وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن – الطلاق 6 ))، وبعد أداة التحضيض نحو هلا كنت بوالديك برا رحيما، فهي تفيد الاستقبال أن قصد بها الحث وتفيد المضي أن قصد بها التوبيخ([76])، وفي مثل قوله تعالى (( وكان الله غفورا رحيما – النساء 100 ))، فان القرينة الدينية التي تؤكد بأن صفات الله ليست حادثة فلا يكون لها اول ولا آخر، وإن صدرت بـ ( كان ) التي يدعي النحاة انها فعل بدل على المضي، فهي تفيد الاستمرار وترتبط بالماضي والحال والاستقبال، وفي قوله تعالى (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله – آل عمران 110 ))، يقول الزمخشري ( كان عبارة عن وجود الشيء في زمان ماضي على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى (( وكان الله غفورا رحيما )) ومنه قوله تعالى (( كنتم خير أمة ))، كأنه قيل وجدتم خير أمة، وقيل كنتم في علم الله خير أمة، وقيل كنتم في الامم قبلكم مذكورين بأنكم خير امة موصوفين به )([77])، أي أن كان تفيد الاستمرار وتعني الوجود الخير المشروط بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله في الماضي والحال والاستقبال وهي على نوعين: تامة بمعنى حضر أو حدث او وقع، وهي ترفع الفاعل، وناقصة: ترفع الاسم وتنصب الخبر، وتقتضي ثبوت الخبر للمخبر عنه في زمانها، وقد تأتي بمعنى الدوام في مثل قوله (( وكان الله غفوراً رحيما )) وهو كثير في القرآن ومعناه: لم يزل ولا يزال موصوفا بذلك الوصف وقد يفيد الأمر من
( كان ) حكاية لحال ماضيه، والامر على رأي جمهور النحاة يفيد الحال والحاضر ففي قوله تعالى (( أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ))([78])، أي
( أنشأه بشرا كقوله (( ثم أنشأناه خلقا آخر )) فيكون حكاية حال ماضيه )([79]).
والاصل لو قال خلقه من تراب ، ثم قال له كن فكان ، لكنه وضع المصارع موضع الماضي ليصور في نفوس المخاطبين ان الار كأنه حاضر دائم ، يدل على ذلك قراءة الرفع على تقدير هو ، وكذلك قوله تعالى (( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكونُ – مريم 35 )) وعلى قراءة النصب بتقدير ( أن ) .
أفعال المقاربة
وهي كاد، وكرب، واوشك وتفيد قرب وقوع الخبر وعسى، وحرى، واخلولق وتفيد رجاء وقوع الخبر وطفق، واخذ، وجعل، وقام، وشرع ونحوها فتفيد الشروع في الخبر، تختص هذه الأفعال بمجيء خبرها كثيرا مقترنا بأن ويكون دائماً مع حرى، واخلولق وغالبا مع عسى واوشك([80])، نحو قوله تعالى (( عسى الله أن يتوب عليهم – التوبة 103 )) وقوله تعالى
(( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله ازواجا خيرا منكن – التحريم 5 )) قال سيبويه ( وتقول عسيت أن تفعل، فان هاهنا بمنزلتها في قولك : قاربتَ أن تفعل، أي : قاربت ذاك وبمنزلة : دنوت َ أن تفعلَ، واخلولقت السماء أن تمطر، أي، لأن تمطر، وعسيت بمنزلة اخلولقت السماء )([81]) وعلق ابن الناظم على قول سيبويه بقوله : (( فهذا نص منه على أن تفعل بعد عسى ليس خيرا ))([82]) ، ولا ارى في قول سيبويه نصا على ما ذكر وانما فسر الجملة وبخاصة معنى عسى فيها وليس التفسير كالأصل كما أن تفسير القرآن ليس قرآنا، وإلا اين خبر عسى في قوله ( عسيت أن تفعل ) ويجوز في ( قولك عسى أن يقوم زيد. أن يكون زيد مرفوعا بعسى وان يقوم في موضع نصب بأنه خبر مقدم ويكون في الفعل على هذا التقدير ضمير من زيد يظهر في التثنية والجمع، نحو قولك عسى أن يقوم الزيدان وعسى أن يقوموا الزيدون، لأن التقدير عسى الزيدان أن يقوما وعسى الزيدون أن يقوموا فيجوز لك في ذلك وما كان نحوه )([83])، فإذا كان ( أن يقوم ) خبرا لعسى وهو مقدم على اسمها فالاولى أن يكون ( أن تفعل ) خبرها، والحق: (( أن افعال المقاربة ملحقة بكان إذا لم يقترن الفعل بعدها بـ ( أن ) أما إذا اقترن بها فلا ))([84])، لقد حملت افعال المقاربة على باب كان، لأن الجامع بينهما دخولهما على المبتدا والخبر وافادة المعنى في الخبر ألا ترى أن كان واخواتها انما دخلت لافادة معنى الزمان في الخبر، كما أن هذه الأفعال دخلت لافادة معنى التقريب في الخبر([85])، وإنما (( فهم منعهم أن يستعملوا في كدتُ وعسيتُ الاسماء أن معناها ومعنى غيرها معنى ما تدخله أن نحو قولهم : خليق أن يقول ذاك وقارب أن لايفعل، ألا ترى انهم يقولون : عسى أن يفعل، ويضطر الشاعر فيقول : كدت أن، فلما كان المعنى فيهن ذلك تركوا الاسماء لئلا يكون ما هذا معناه كغيره، واجروا اللفظ، كما اجروه في كنتُ، لانه فعل مثله )([86])، فدخول ( أن ) للدلالة الزمنية وهي المستقبل ولا علاقة لها بالالحاق، لأن ( عسى كطمعٌ واشفاقٌ )([87])، أي طمع فيما يستقبل واشفاق أن لا يكون([88])، نحو قوله تعالى (( عسى الله أن يأتيني بهم جميعا – يوسف 83 )) وأما التزامهم في خبر عسى كونه مضارعا بان ومنهم من أن يكون مصدرا نحو عسى زيد القيام وكذا منعوا من عسى قيام زيد فلان المضارع المقترن بان للاستقبال خاصة و الطمع والاشفاق مختصان بالمستقبل فهو اليق بعسى من المصدر ومن ثمة قد يحمل لعل وان كانت من اخوات إن عليه نحو لعلك أن تقوم([89])، لقد اشترط النحاة([90]) أن يكون الخبر فعلا، لانهم ارادوا قرب وقوع الفعل فاتوا بلفظ الفعل ليكون أدل على الغرض، لذلك كان الاكثر في خبر كاد وكرب أن يجرد من أن، لأن المراد قرب وقوعه في الحال، نحو قوله تعالى (( يكاد البرق يخطف ابصارهم – البقرة 20 )) وقوله تعالى (( إن الساعة آتية اكاد اخفيها – طه 15 ))، وقوله تعالى (( كادوا يكونون عليه لبدا – الجن 19 ))، والمقاربة تنافي الاستقبال، واما اوشك فالامر فيها على العكس من كاد فالغالب فيه اقتران خبره بأن واما أفعال الشروع فلا يقترن الخبر بعدها بـ ( أن )، لأنها للإنشاء، فخبرها حال، فلا يجوز أن تصحبه ( أن )، لأنها لا تدخل على المضارع إلا مستقبلا([91]). نحو قوله تعالى (( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة – طه 12 ))، إن الدلالة الزمنية لهذه الأفعال هي السبب في اقتران خبرها بأن أو امتناعه أو ترجيحه، فأن تفيد الاستقبال إذا دخلت على المضارع ولبعد الأفعال في الزمن يلزم أن في خبره ثم تندرج الدلالة الزمنية إلى تجرد الخبر من ( أن )، لانه للحال، فهلهل مثلا اقرب الأفعال إلى الشروع لذلك جردوها من أن وافعال الرجاء الكثير فيها اقتران خبرها بأن، لأن الرجاء ممتد، واوشك الكثير أن يقترن خبرها بأن فهي في الاصل ابعد من كاد وكاد ابلغ في المقاربة من عسى، لانه اقرب والمراد قرب وقوعه في الحال فقولنا : كاد يغرق اقرب من كاد أن يغرق، ونحو قوله تعالى (( فذبحوها وما كادوا يفعلون – البقرة 71 ))، أي ما قاربوا الفعل حتى انتهت اسئلتهم ففعلوا. وعسى أبعد قليلا من كاد، لغلبة اقترانه بـ ( أن )، نحو قوله تعالى (( لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن – الحجرات 11 )) ومجيئه تاما مع فاعله وناقصا مع ( إن ) الشرطية الدالة على الاستقبال، نحو قوله تعالى (( عسى ربّهُ إن طلقكن أن يبدله ازواجا خيرا منكن – التحريم 5 )) وقوله (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض – محمد 22 )) ليفيد في هذا التركيب توقع حلول النصرة للنبي (ص) والمبالغة في التوبيخ للذين يتوقعون الولاية مع الافساد بدلبل خروج الخبر الى الخطاب ليسارعوا الى ابعاده، كما جاء في قوله تعالى (( وأن عسى أن يكون قد اقترب اجلهم – الاعراف 185 )) وفيه حث النظر في اقتراب آجالهم وتوقع حلولها، فيسارعوا الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل الموت ومفاجأته، والداخلة على جملة اسمية تكون ابعد قليلا في الزمن من التامة، وإن اتفقت معها في كون خبرها مصدرا مؤولا، نحو قوله تعالى (( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون – الاعراف 129 )). لانه لا يكون الايمان بعد انقضاء الاجل فكأنه قيل لعل اجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون قبل الموت وماذا ينظرون بعد وضوح الحق ، لذلك استعمل (أن) المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها عسى مع فاعلها الذي هو ان يكون واسم يكون ايضا ضمير الشأن والخبر قد اقترب اجلهم ، وليست (أن) المصدرية التي تنقل الزمن للمستقبل ، لان المصدرية لا توصل الا بالفعل المتصرف وعسى ليست كذلك .
المبحث الثالث
الصيغ الزمنية في العربية واستعمالاتها
لقد شاع استعمال الصيغ الثلاث : فَعَل، يفعل، افعل كحركات الزمان الثلاث، لانها مساوقة لها واطلقت هذه الصيغ، الماضي والمضارع والامر على الحيز الزماني فادى ذلك إلى اللبس والى اتهام العربية بالفقر والضيق، كما أن فعل الأمر إذا طرح من حقل الزمن، لانه وان دل على الطلب بالصيغة فلا يدخل في حقل الزمن، فان الماضي والمضارع لا يحددان بصيغهما الأزمنة النحوية التي تتجلى من خلال السياق، كما أن ( هناك الزمن الصرفي الذي يستثمر قيم صيغ الفعل للدلالة على الحقائق المتعددة والتي تحاول تحديد مفهوم ينساب ويتهرب كلما اردنا تعيينه )([92]) وان الزمن الصرفي بخلاف الزمن النحوي الذي وظيفته التفريق بين دلالات الأفعال في التراكيب وصيغها. إن النحاة لم يبنوا تقسيمهم للفعل وفق استقراء شامل لاستعمالاته ولم يتقصوا دلالاته، لانهم لم يتخذوا في دراسة النحو منهجا لغويا كما أن أبنية الأفعال لا تلازم زمنا بعينه لا تدل إلا عليه إذ أن لها استعمالات متنوعة تدل عليها صيغ مختلفة، فان الاستقراء اللغوي يدل على أن العربي لم يكتف بالصيغ التي أوردها النحاة للدلالة على الأزمنة المختلفة بطريقة جعلتها تدل على الزمن الذي يريد، لأن الزمن ليس قاصرا على الصيغ الثلاث، بل انه قد يكون للتلازم التجددي في الماضي أو الاستقبال، نحو قوله (( كلما جاء أمة رسولها كذبوه – المؤمنون 44 ))، وقوله تعالى (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم – النساء 56 ))([93]) واعتمادا على هذا الفهم لطبيعة الأفعال وصيغها في العربية يمكن دراستها على النحو الآتي :
أولا : صيغة ( فَعَلَ ) والزمن :
خصّ النحاة صيغة ( فَعَل ) للدلالة على الزمن الماضي دون تحديده، قال سيبويه ( أما بناء ما مضى فـ : ذهب، وسمع، ومكث، وحمد ) وقال أيضا : ( أن الفعل يتعدى إلى الزمان، نحو قولك ( ذهب ) ،لانه أتى لما مضى منه فإذا قال ( ذهب ) فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان )([94])، وقد تابع عدد من النحاة سيبويه، فقال الكسائي – ووافقه ابن فارس ( أن الفعل ما دل على زمان كخرج ويخرج دللنا بهما على ماضٍ ومستقبل )([95])، قال الزمخشري ( الفعل الماضي، وهو الدال على اقتران حدث بزمان قبل زمانك )([96]) وقال ابن الحاجب ( الفعل الماضي، وهو كلّ فعل دلّ على زمان قبل زمانك )([97])، وقال ابن يعيش ( فالماضي ما عدم بغير وجوده فيقع الأخبار عنه في زمان بعد زمان وجوده )([98])، فالملاحظ في هذه التعريفات أن الماضي زمن لا تفريق فيه بين ماضٍ بعيد أو قريب بل تعني حدود مطلقة أو عامة تخص جميع أزمنة الماضي مالم توجد قرينة تصرفه إلى زمن بعينه إن الصيغة لا تنبئ عن الزمن بكل مجالاته الا من خلال السياقات بمعونة القرائن مع السوابق واللواحق، وليست دلالة ( فَعَلَ ) وقفا على ما ذكر بدليل تحملها للمعاني الآتية:
1. الدلالة على وقوع الحدث في الزمن الماضي المطلق، وهذا الاستعمال هو الغالب على استعمالات ( فَعَلَ )، وهو الاصل دون ضبطه وتقييده، نحو قرأ الرجل الكتاب([99])، فقرأ : فعل حدث في الزمن الماضي، ولكن لا يعرف أي ماضٍ بالتحديد ونحو قوله تعالى (( عبس وتولى أن جاءه الأعمى – عبس 1، 2 )) وقوله (( قُتِل أصحاب الأخدود – البروج 4 )) وقوله (( فارسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا – مريم 17 )). فالاحداث قد وقعت في ازمنة مختلفة في الماضي، والذي يفهم من بعدها او قربها هو انها قد تحققت مصحوبة بقرائن اصحابها في التاريخ القريب او البعيد.
2. وقوع الحدث في الماضي مرات عدة، نحو : اشرقت الشمس، طلع القمر، اتفق المفسرون، اجمع النحاة، روت الرواة([100]).
3. وقوع الحدث في الزمن الحاضر : وذلك إذا اقترن الفعل الماضي بقرينة تدل على الحال، نحو قوله تعالى (( الآن جئت بالحق – البقرة 71 )) و(( الآن حصحص الحق – يوسف 51 )) و(( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ )) و(( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا - المائدة 3 ))، وقوله (( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا – الانفال 66 ))، وهذا يدل على أن الزمن لم يفهم من الصيغة، وانما يفهم من خارجها وهو السياق والقرينة([101]).
4. إن الحدث قد وقع في الماضي ولم يتكرر، نحو كنت نصحته فلم ينتصح، وهذا الفعل متغير بقرينة الانقطاع وهي ( كان ) فالحدث منقطع في الماضي نحو : كان كذب علي .
5. الدلالة على المستقبل : وذلك إذا كان الماضي للدعاء، نحو قوله تعالى (( قاتلهم الله انّى يؤفكون – التوبة 3 ))، وقوله (( رضي الله عنهم ورضوا عنه – المائدة 119 ))، وقولنا: رحمه الله ويعرب عن الزمان المستقبل وذلك بقرينة لفظية، نحو قوله تعالى (( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا – الإنسان 11 ))، فذلك اليوم صرفت زمن الفعل للمستقبل، وقد تكون القرينة حالية منصرفة للمستقبل، نحو قوله تعالى (( ونفخ في الصور – الكهف 44 ))، وقوله (( وفتحت السماء فكانت ابوابا. وسيرت الجبال فكانت سرابا – النبأ 19، 20 ))، وجاء الفعل بصيغة الماضي، لانه واقع لا محالة فجعل بمنزلة الماضي وقال الله (( ونادى اصحابُ الجنةِ اصحاب النار – الأعراف 44 )) وقال تعالى
(( وجاء ربك والملك صفا صفا – الفجر 22 )) وقال (( اقتربت الساعة وانشق القمر – القمر 1 )) وياتي ( فعل ) للدلالة على المستقبل، وذلك في الظرف الشرطي ( إذا )، نحو قوله (( إذا جاء نصر الله والفتح – النصر 1 ))، وقوله (( إذا السماء انشقت. واذنت لربها وحقت . وإذا الأرض مدت. والقت ما فيها وتخلت – الانشقاق 1-4 ))، وقد تكون القرينة وعدا أو وعيدا فيفيد المستقبل، نحو قوله (( وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد – ق 31 ))، وقوله
(( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا – الزمر 73 ))، وقوله (( وبرزت الجحيم لمن يرى – النازعات 36 ))، وقوله تعالى (( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا – الزمر 71 ))، وقوله
(( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين – الشعراء 4 ))، أي تظل بمعنى تدوم، فاستعمل الماضي بمعنى المضارع. بقرينة ( إن )الشرطية فجاء الماضي تحقيقا للوعيد، بدليل جمع الصفة جمع العقلاء الدال على الدوام، والخضوع في الحقيقة لارباب الاعناق، فجاء الجمع ( خاضعين )تغليبا لهم، لان الاظهر في الخضوع يكون للعنق.
6. ويأتي بناء ( فعل ) مسبوقا بفعل الكون المضارع فيحصل من هذا التركيب اعراب عن المستقبل في زمان ماضٍ وهو ما يدعى في الفرنسية Anterienr - Future ، نحو ما ذاك من شيء أكون فعلته([102]).
7. ويأتي بناء ( فعل ) بعد ( قد ) للتوقع، نحو قوله تعالى (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما – المجادلة 1 ))،قال الزمخشري إذا قلت : ما معنى قد في قوله قد سمع ؟ قلت : م