النور القادم المدير العام
الجنس : السٌّمعَة : 7 الْمَشِارَكِات : 1213 النقاط/ : 2290 العـمــر : 34 الدولة :
| موضوع: مفهوم النفس عند أبي حيان التوحيدي الأحد ديسمبر 19, 2010 5:46 pm | |
| [center]مفهوم النفس عند أبي حيان التوحيدي
النفس تمام الجسم وهي جوهر الإنسان، والإنسان إنما هو إنسان بالنفس والإنسان له صورة بحسب قبوله من النفس، والنفس نفس بحسب ملابستها للبدن أو تدبيرها فيه. والنفس وإن كانت تحلُّ في الجسم فهي قائمة بذاتها، وغير ملابسة للجسم كملابسة الدهن للماء، ولا تابعة للمزاج، أي أنه لاعلاقة لها مع الجسم ولاصلة ولا فعل ولا انفعال ولاتحريك ولا تصريف، وإنما نقول إن النفس في الجسم بمعنى أن قواها هي السابحة فيه، والبادية عليه" وإن كانت النفس هي التي تحيي الإنسان وتحرّكه، وكان كل محرك يحّرك غيره حبّاً قائماً موجوداً، فالنفس إذاً حية قائمة موجودة.
فالنفس حية مادام الإنسان حيّاً، لأنها متصلة بالنفس الكلية، وهي التي تحيي الإنسان وتدبّره وتحرّكه، والنفس نافذة في جميع أجزاء الجسم الذي له نفس، فهي بهذه الحركة الدائمة حية.
يقول: إن النفس غنية بذاتها مكتفية بنفسها، غير محتاجة إلى شيء خارج عنها، وإنما عرض لها الحاجة والفقر إلى ما هو خارج عنها لمقارنتها الهيولى، وذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر والحاجة، والإنسان لما كان مركباً منها عرض له التشّوف إلى تحصيل المعارف والقُنيات.
فالنفس عارفة بالذات وهي مستقلة بجوهرها وغنية بحقيقتها، وغير محتاجة إلى البدن وعندما ارتبطت بالبدن افتقرت إلى المعارف والحقائق ولا يمكنها تحصيل ذلك إلاّ إذا تخلّت عن البدن.
يقول: النفس علاّمة بالذات، درّاكة للأمور بلا زمان، وذاك أنها فوق الطبيعة، والزمان إنما هو تابع للحركة الطبيعية، وكأنه إشارة إلى امتدادها، ولما كانت النفس فوق الطبيعة، وكانت أفعالها فوق الحركة، أعني في غير زمان، فإذاً ملاحظتها الأمور ليست بسبب الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، بل الأمر عندها في السواء، فمتى لم تعقها عوائق الهيولى والهيولات، وحُجُب الحِسّ والمحسوسات أدركت الأمور، وتجلّت لها بلا زمان. والإنسان لم يصبح إنساناً بالروح التي للحيوان وإنما كان إنساناً بالنفس ولو كان إنساناً بالروح لما كان بينه وبين الحمار فرق، يقول التوحيدي: ولم يكن الإنسان إنساناً بالروح بل بالنفس. ولم يكن الإنسان إنساناً بالروح، بل بالنفس، ولو كان إنساناً بالروح لم يكن بينه وبين الحمار فرق، أن كان له روح ولكن لانفس له، فأما النفسان الأخريان اللتان هما الشهوية والغضبية فإنهما أشدّ اتصالاً بالروح منهما بالنفس. وإن كانت النفس الناطقة تدبّرهما، وتأمرهما، وتنهاهما، فهذا أيضاً يوضّح الفرق بين الروح والنفس، فليس كل ذي روح ذا نفس، ولكن كل ذي نفسٍ ذو روح.
وهذه التفرقة تدلنا على أن التوحيدي قد فهم (الروح) على أنها مبدأ الحياة في الكائن الحي، وأن الحيوان له روح تشيع الحياة في أعضاء جسمه، بينما النفس الإنسانية جوهر قائم بذاته وهو مبدأ العقل في الموجود البشري، فوقف كلمة النفس على الإنسان فحسب دون المخلوقات.
يقول: والنفس لا تموت، لأنها أشبه بالأمر الإلهي من البدن، إذ كان يدبّر البدن ويرأسه. والله عزّ وجل المدبر لجميع الأشياء، والرئيس لها. والبدن أشبه شيء بالشيء الميت من النفس إذ كان البدن إنما يحيا بالنفس. فالنفس جوهر إلهي، خارجة عن الجسد على الرغم من خصوصيتها له، وهي التي تدير أموره، وحياة البدن مرتبطة بحياة النفس ودوام تدبيرها له.
وقال فيلسوف: النفس جوهر لا عَرَض، وحدّ الجوهر أنه قابل للأضداد من غير تغيّر، وهذا لازم للنفس، لأنها تقبل العلم والجهل، والبرّ والفجور، والشجاعة والجبن، والعفة وضدّها وهذه أشياء أضداد، من غير أن تتغيّر في ذاتها، فإذا كانت النفس قابلة لحدّ الجوهر وكان كل قابل لحدّ الجوهر جوهراً، فالنفس إذاً جوهر.
فالنفس جوهر الإنسان وهي قابلة للأضداد تقبل العلم والجهل والبر والفجور والشجاعة والجبن.... كل هذا يصيب النفس ولكنها لا تتغير في ذاتها. وإن كانت النفس بها قُوى وحياة الجسد، فيمتنع أن يكون قوامها بالجسد، بل بذاتها التي قامت بها حياة الجسد.فقوام النفس ذاتها، والجسد يستمد حياته منها، فهي المالكة والمدبّرة والمقومة والمتممة والمحركة للإنسان. يقول سقراط: والإنسان تابع لنفسه وليست النفس تابعة للإنسان، لأن الإنسان إنسان بالنفس، وليست النفس نفساً بالإنسان.إذاً للإنسان نفس أما الجسد فحامل لها، وعلاقتها مع الجسد علاقة تدبير وتصريف.
قوى النفس
الإنسان مركّب من الأخلاط الأربعة التي هي عناصره وأصوله، وكذلك فيه نفس ذات ثلاث قوى (الناطقة والغضبية والشهوية).
وهو كالواقف بينها تجذبه هذه مرة وهذه مرة، وبحسب قوة إحداها على الأخرى، يميل بفعله، فربما غلبت عليه القوة الغضبية، فإذا انصبغ بها، ومال بفعله إليها ظهرت قوته كلها كأنها غضب، وخفيت القوى الأخرى حتى كأنها لم توجدُ له، وكذلك إذا هاجت به القوة الشهوية خفيت آثار القوى الأخر. وأحصف ما يكون الإنسان، وأحسنه حالاً إذا غلبت عليه القوة الناطقة، فإن هذه القوة هي المميزة العاقلة التي تُرتّب القوى الأخرى حتى تظهر أفعالها بحسب ما تحدّه وترسمه. وقوى الإنسان نفسانية، لها من ذاتها حركات تزيد وتنقص، وأحوال تهيجها.
وبهذا النظر عرفوا قوى النفس وعرفوا مسكن كل قوى فالناطقة مسكنها الدماغ، والغضبية مسكنها القلب، والشهوية مسكنها الكبد، وجرت العادة بأن تسمى هذه القوى نفوساً وإن كان مرجعها إلى واحدة فنقول نفس ناطقة ونفس غضبية ونفس شهوية.
فللناطقة في الدماغ ثلاثة أماكن أحدها يكون به التخيل والإحاطة بالأشياء المبصرة والمسموعة على ما هي عليه، وهو المقدّم منه، والثاني يكون به التمييز لهذه الأشياء ومعرفة حقّها من باطلها، وصحيحها من سقيمها، وحسنها من قبيحها، وممكنها من مستحيلها، وهو الوسط؛ والثالث يكون به الحفظ لما وقع عليه التمييز. أما النفس الغضبية"فبها تكون الأنفة من العار، والإباء من الضيم، وطلب الاقتصاص من الظلم، والانتقام عند الغضب.وأما النفس الشهوية "فبها يكون حب المطاعم والمشارب واللذات.
وإذا أخذت هذه القوى مأخذها، وتعادلت على أوزانها كان الإنسان فاضلاً.
ومعلوم أن الحيوان مساوٍ للإنسان في جميع أجزاء التركيب إلاّ في النفس الناطقة، التي ومعلوم أن الحيوان مساوٍ للإنسان في جميع أجزاء التركيب إلاّ في النفس الناطقة، التي بها صار الإنسان مهيمناً على جميعها، وسائساً لها، ومن أجلها كان مكّلفاً موقّفاً ومثاباً ومعاقباً.
وعلى الإنسان أن يميّز بين الخير والشر فيتوخى محمودات الأمور، ويتوقى مذموماتها، لأن النفس قابلة للفضائل والرذائل، والخيرات والشرور، والأخلاق التي يعسر من وجه تهذيبها، ويتأتى ذلك من وجه آخر لعلة عجيبة، وذلك أن بالحيوانية للإنسان أخلاقاً، فهي لا تستحيل ولا تتغير.
وللناطقة أيضاً أخلاق يترقى بها ويكمل، فما أخذ من الأخلاق في طريق الطهارة والصفاء فهو من قبيل القوى الناطقة، وما صعب منها، فهو من قبيل القوى الحيوانية. فينبغي أن نجعل لطريق الخير معالم تهدي إليه لتتبعه النفس، ولطرق الشر معالم تنهى عنه لتجتنب.
فكل ما تفردت النفس الناطقة باستحسانه من غيرها فهو الخير، وكل ما استقبحته منه فهو الشر، والذي أصارها إلى هذه الحال ما يكتنفها من النفسين الشهوية والغضبية من شوائب فيها، فإنهما يجذبانها إلى الغلط في الأمر الخاص، ولا يجذبانها إلى الغلط في مثله من غيرها، ولن تسلم من معارضتهما إلا إذا كانت قوية صارمة والنفس الشهوية لها ضرورة لاجتذاب المطاعم التي بها قوام البدن، والارتكاب للطيب من المناكح التي بها بقاء النسل.
والنفس الغضبية كذلك لها ضرورة لدفع الظلم وإباء الضيم والذبّ عن الحريم والأنفة من العار، إلاّ أنه يجب أن تكون هاتان النفسان تحت طاعة النفس الناطقة.
فإذا ساست القوة الناطقة كلاّ من القوة الغضبية والقوة الشهوية حذفت زوائدهما، ونفت فواضلها ووفّت نواقصهما، وذيّلت فواصلهما أعني إذا رأت غُلْمةً في الشهوية أخمدت نارها، وإذا وجدت السّرف في الغضبية قصَّرَت عنانها، فحينئذ يقومان على الصراط المستقيم، فيعود السّفه حِلْماً أو تحالماً، والحسد غبطة أو تغابطاً، والغضب كظماً أو تكاظماً والغيّ رُشداً أو تراشداً والطيش أناة أو تأنياً، وصَرَّفت هذه الكوامن في المكامن إذا سارت سورتها... على مناهج الصواب، تارة بالعِظة واللطف، وتارةً بالزجر والعنف وتارة بالأنفة وكبر النفس وتارة بإشعار الحذر، وتارة بعلوّ الهمة. وقد تبيّن في المباحث الفلسفية أن للنفس قوتين معطية وآخذة: فهي بالقوة الآخذة تستثيب المعارف، وتشتاق إلى تعرّف الأخبار، وبها يوجد الصبيان أول نشوئهم محبين لسماع الخرافات، فإذا تكّهلوا أحبوا معرفة الحقائق. وهذه القوة هي انفعال وشوق إلى الكمال الذي يخصّ النفس.
وهي بالقوة المعطية تفيض على غيرها ما عندها من المعارف، وتفيده العلوم الحاصلة لها، وهذه القوة ليست انفعالاً بل فاعلة. وهاتان القوتان موجودتان للنفس بالذات لا بالعرض. فبالقوة الآخذة يسترجع الإنسان المعارف وتتوق نفسه إلى المعرفة وإلى تتبع الأخبار، فتبدأ منذ سن الصغر وتنتهي مع سن الكهولة، وكلما عاش الإنسان ساعة ازدادت معرفته وهذه المعرفة تتوق إلى الكمال دائماً، وبالقوة المعطية تفيض على غيرها بالعلوم والمعارف.
وقال أفلاطون: إن للنفس لذّتين: لذة لها مجردة عن الجسد ولذة مشاركة للجسد، فأما التي تنفرد بها النفس فهي العلم والحكمة، وأما التي تشارك فيها البدن فالطعام والشراب وغير ذلك.
واللذة المجردة عن الجسد هي لذة النفس الناطقة، أما اللذة المشاركة للجسد فهي لذائذ النفسين الشهوية والغضبية؛ وقال التوحيدي وينسب القول إلى أبي الحسن العامري:
القوة الشهوانية إذا أفرطت كانت شرهاً، وإذا نقصت كانت جموداً، وإذا توسّطت كانت عفة. والقوة الغضبية إذا أفرطت كانت تهوّراً، وإذا استخذت كانت جبناً، وإذا اعتدلت كانت شجاعة. والقوة النطقية إذا أفرطت كانت جهرةً، وإذا ضعفت كانت غباوةً، وإذا توسّطت كانت فطنة.فالاعتدال والتوسّط خير الأمور.
أقسام النفس:
قد تبيّن في المباحث الفلسفية أن النفس بالحقيقة واحدة، وإنما تكثّرت بالأشخاص، وإذا كان ذلك كذلك فالإنسان إذا رأى بغيره أمراً خارجاً عن الطبيعة من جرح، أو تفاوتٍ في الخلق أو من نقصٍ في الصورة عَرَضَ له من ذلك ما يعرِض له في ذاته، وكأنه ينظر إلى نفسه وجسمه، لأن النفس هناك هي بعينها النفس ههنا، فبحق ما يعرض هذا العارض....
لأن النفس هذه هي النفس الجزئية وهي صادرة عن النفس الكلية.
وإنما قيل إنها ثلاث لأن من شأن الشيء الذي يبدأ أثره ضعيفاً ثم يقوى غاية القوة أن ينقسم ثلاثة أقسام، أعني الابتداء والتوسّط والنهاية، أعني أن المضغة تستمد الغذاء، وتتصل بها عروق كعروق الشجر والنبات فيأخذ من رحم أمه بتلك العروق ما تأخذه عروق الشجرة من ترتبه، فيظهر فيه أثر النفس النامية، أعني النباتية، ثم يقوى هذا الأثر فيه، ويستحكم على الأيام حتى يكمُل وينتهي بعد ذلك إلى أن يستعد لقبول الغذاء بغير العروق، أعني أنه ينتقل بحركته لتناول غذائه فيظهر فيه أثر الحيوان أولاً أولاً...
فإذا كَمُل استعداده لقبول هذا الأثر فارق موضعه، وقَبِل أثر النفس الحيوانية، ثم لا يزال في مرتبة البهائم من الحيوان إلى أن يصير فيه استعداد لقبول أثر النطق أعني التمييز والرَّوية فحينئذ يظهر فيه أثر العقل، ثم لا يزال يقوى هذا الأثر فيه على قدر استعداده وقبوله حتى يبلغ نهاية درجته وكماله من الإنسانية ويشارف الدرجة التي تعلو درجة الإنسان فيستعد لقبول أثر الملك.. فالنفس عند التوحيدي تمر بثلاث مراحل يكمل بعضها بعضاً حيث تبدأ نباتية ثم حيوانية ثم ناطقة وتسعى هذه الناطقة إلى واجب الوجود بالمعرفة والفعل.
والنفس جوهر وعن طريق النفس الجزئية يتمكن الإنسان من الاتصال بالعقل الأول، لأنها صدرت عنه وهي تصله بالنفس الكلية التي تؤدي به إلى الواحد الأحد.
النفس والعالم
يقول التوحيدي مشيراً إلى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والآخرين من جهة وبين الإنسان والعالم من جهة ثانية:
إن نفسك هي إحدى الأنفس الجزئية من النفس الكلية لا هي بعينها، ولا منفصلة عنها، كما أن جسدك جزء من جسد العالم لا هو كله ولا منفصل عنه... ولو قال قائل: إن جسدك هو كل العالم لم يكن مبطلاً، لأنه شبيه به، ومسلول منه، وبحق الشبه يحكيه، وبحقّ الانسلال يستمدّ منه، وكذلك النفس الكلية، لأنها أيضاً مشاكِهة لها، وموجودة بها، فبحق الشبه أيضاً تحكي حالها، وبحق الوجود تبقى بقاءها، فليس بين الجسد إذا أضيف إلى العالم، والنفس إذا قيست بالأخرى فرق، إلا أن الجسد معجون من الطينة والنفس مدّبرة بالقوة الإلهية. فالنفس على قسمين جزئية وكلية والنفس الجزئية هي النفس الكلية وصادرة عنها ومشاكهة لها وموجودة بها، وإذا اتصلت النفس الإنسانية الجزئية بالنفس الكلية فإنها منها تستمد قدراتها وتكتسب علومها ومعارفها،
والنفس عارفة ومدركة ومدبّرة كما ورد في نص التوحيدي السابق عن :النفس علاّمة بالذات.... ولكن ما يعوقها هو عوارض الجسد وحجب الحس والمحسوسات، ومتى تخلّت عنها كشفت الحجب وأدركت الأمور خير إدراك.
لقد صدرت النفس عن العقل وصدر العقل عن العقل الأول الذي صدر عن واجب الوجود. يقول التوحيدي: استضاءة الجسد من النفس كاستضاءة القمر من الشمس، واستضاءة النفس من العقل كاتضاح النفس للنفس، واستضاءة الروح من الطبيعة كاستضاءة المركز من المحيط، واستضاءة العقل من العلة الأولى كاستضاءة العاشق من المعشوق.
فالنفس تستضيء من العقل والعقل جوهر بسيط مدرك للأشياء على الحقيقة، والنفس فوق الزمان والمكان، لأنها فوق الطبيعة. وإن هذه الروحانيات لا يدركها العقل الإنساني وهو يعيش في طينيته ويسعى وراء عالم مادي بمنطقه وحججه، وإنما يصل إلى شيء من علمها بالحدس والكشف، ويحيط بكنه علمها بمفارقة المادة.
ولكن النفس أمّارة بالسوء، يقول التوحيدي: فإن النفس أمارة بالسوء، والشياطين مستحوذة بالكيد، وقرين السوء متسلط بالإلف، والعادة جارية على سنَنَها، والإرادة جادّة على عَننها، والمعالجة عارضة بفتنها.
ويوضح التوحيدي للإنسان السبيل الذي يجب عليه سلوكه واتباعه، وذلك بأن يقبل عل النفس الشريفة ويدبر عن النفس الأمارة بالسوء.
أن تقبل على نفسك الشريفة بإدبارك عن نفسك، أعني أن تقبل على نفسك الشريفة الفاضلة المقتبسة من نور عقلك، الحائلة بينك وبين جحيم طبعك، وأعني بإدبارك عن نفسك الأمارة بالسوء. الإدراك النفسي وأقسامه
لما كانت الصور على ضربين: منها في هيولى ومادة، ومنها مجردة خالية من المواد، صار إدراك النفس على ضربين: أحدهما بالحواس وهو إدراكها لما كان في مادة، والآخر بغير الحواس، بل بالعين الباطنة الروحانية التي تقدم الكلام فيها في بعض المسائل المتقدمة.
فاسم العلم خاص بإدراك الصور التي في غير مادة، واسم المعرفة خاص بإدراك الصور ذوات المواد. ولعله قصد بالعين الباطنة الروحانية النفس الناطقة التي عدّها جوهراً.
وللنفس إدراكان إدراك حسي وإدراك عقلي، والمعرفة إدراك صور الموجودات بما تتميز به من غيرها ولذلك: هي بالمحسوسات أليق لأنها تحصل بالرسوم، والرسوم مأخوذة من الأعراض والخواص، والعلم بالمعقولات أليق لأنه يحصل بالحدود وبالمعاني الثابتة للشيء. فالكمال أليق بالأشياء المعقولة والتمام أليق بالأشياء المحسوسة. ولما كان الحس يجيد بالنفس الغضبية حتى يُرى صاحبه يفدي محسوسه بالحياة.... لم ينكر للعقل أن يشرف بالحق ويستنير بالخير، ويلتذ بالصدق، ويتملى بالصواب، وتتملى به النفس عند حقائق الموجودات، وتشرف به على عواقب المطلوبات والمقصودات، حتى تجد صاحبه يفدي معقوله بهذه الحياة المموهة الباطلة لينال بها حياة كاملة دائمة خالدة لا ألم فيها ولا تبعة ولا كد ولا مشقة.
ويعود اضطراب الحسّ إلى أن منشأه من الأعراض، أما ثبات العقل فلأنه يستملي من الحق :والحسّ محطوط عن سماء العقل، والعقل مرفوع عن أرض الحس، فمجال الحس في كل ما ظهر بجسمه وعرضه، ومجال العقل في كل ما بطن بذاته وجوهره. فمجال الحواس الأعراض ومجال العقل الجوهر والذات، يقول التوحيدي ذكر أبو سليمان: أن من شأن العقل السكون، ومن شأن الحسّ التهيجّ ولهذا يوصف العاقل بالوقار والسكينة، ومن دونه يوصف بالطيش والعجرفة. والحواس متبدّلة غير ثابتة لا استقرار فيها، بينما العقل ثابت الجوهر، يقول التوحيدي:
الحسّ ضيق الفضاء، قلق الجوهر، سيال العين، مستحيل الصورة، متبدل الاسم، متحول النعت، والعقل فسيح الجو، واسع الأرجاء، هادئ الجوهر، قار العين، واحد الصورة، راتب الاسم متناسب الحلية، صحيح الصفة.
فالحواس سريعة التبدّل والتقلّب، والعقل ثابت الجوهر، والحواس كلها حواس بالقوة وحينما تدرك محسوساتها تصبح حواس بالفعل.
العلاقة بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي
إن الحسيات معابر إلى العقليات... وذلك أنه في كل محسوس ظل من المعقول، وليس في كل معقول ظل من الحس، ومتى وجدنا شيئاً في الحس فله أثر عند العقل، به وقع التشبه، وإليه كان التشوق، وبه حدث القرار. والإنسان لا يمكنه التحلي بلبوس العقل ما لم يخلع عنه آثار الحس.
ومسلك العقل في تعرّف المعاني الطبيعية مقابل لمسلك الطبيعة في إيجادها، لأن الطبيعة تتدرج من الكليات البسيطة إلى الجزئيات المركبة، والعقل يتدرج من الجزئيات المركّبة إلى البسائط الكلية
إذاً العقل يتدرج من الجزئيات المركبة إلى البسائط الكلية.
والنفس تكمُلُ في هذا العالم بقبولها صور المعقولات لتصير عقلاً بالفعل بعد أن كانت بالقوة، فإذا عقلت العقل صارت هي هو، إذ من شأن المعقول والعاقل أن يكونا شيئاً واحداً لا فرق بينهما [/center] | |
|
djamele7892 إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 28 الْمَشِارَكِات : 9188 النقاط/ : 10349 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: رد: مفهوم النفس عند أبي حيان التوحيدي الجمعة مارس 11, 2011 11:36 pm | |
| | |
|