عاشق الرومنسية مشرف عام
الجنس : السٌّمعَة : 16 الْمَشِارَكِات : 2394 النقاط/ : 4128 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: كلام في نظرية الأدب لتيري ايغلتون... الإثنين ديسمبر 20, 2010 2:56 pm | |
| كلام في نظرية الأدب لتيري ايغلتون...
* الغرب الحديث حوّل إنسانه إلى سلعة رخيصة من خلال العولمة وحاصرة بالدم والدموع ليظل هيكلاً عظمياً ساخناً على قارعة الطريق.
* في نظرية الأدب... على القارئ أن يتحوّل إلى فضيحة مسيّجة بالضوء والمعرفة ليقنع الآخر أنه ليس من حَمَلَة الإيديولوجيا.
* تيري ايغلتون.. عرّف النصوص القوية بكلمة واحدة فقط.. أن تكون قارئاً معرفياً على السواء.. وبعد ذلك, تصفية الحساب مع خطيئة مهنتها مطاردة الذين يحملون السكاكين الطويلة.
الأدب هو كتابة تخييلية, أي كتابة ليست حقيقية بالمعنى الحرفي, والأدب أصلاً يستخدم اللغة بطرائق غير مألوفة, فهو نوع من الكتابة التي تمثل عنفاً منظماً يُرتكب بحق الكلام الاعتيادي.
فأفضل تاريخ لنشوء هذا, هـو عـام 1917 م حيـن دمّرت الستالينية المذاهب الرمزية شبه الصوفية البدائية, مركّزة الاهتمام بـروح علمية وعملية على الواقع المادي للنص الأدبي ذاته.
فالشكلانية أساساً هي تطبيق للألسنية التي تعني (بناء اللغة).
يقول شكلوفسـكي: عـن رواية – لورنس ستيرن – تريسترام شاندي – إنها الأشد نموذجية
في الأدب العالمي, مع أن الأدب عند الشكلانيـين هو نوع خاص من اللغة, أي بخلاف اللغة الإعتيادية التي نستخدمها على نـحو شائع, لأنها تتخالف مع اللغة تبعاً للطبقة والدين والجنس والمنزلة!
الشكلانيون لا يركزون على الأدب, بـل عـلى الأدبية, لأنها ذاتها ليست معطاة إلى الأدب
حيث افترضت جدلاً أنّ التغريب هو جوهر الأدبي.
إن الـقـوة الـخفية بـحدودها البعيدة تشكّل وتبطّن أقوالنا الوقائعية , وهذا جزء مما نعنيه بالإيديولوجيا.
الإيديولوجـيا تعنـي الطرائق التي تربط بها ما نقوله ونعتقده مع بنية السلطة وعلاقات السلطة
في المجتمع الذي نعيش فيه.
ولإحكام القيمة في الأدب "هناك" علاقة وثيقة بالإيديولوجيا الاجتماعية.
إن الـمعنى الحديث لكلمة أدب, لم ينطلق إلا في القرن التاسع عشر, حيث أصبحت النفعية المادية الشديـدة, هي الإيديولوجيا المهيمنة للطبقة الوسطى الصناعية, لأنها اختزلت العلاقات الإنسانية كلّها, ونبذت الفن باعتباره زخرفاً لا ريح فيه!
لقد تحولت الحياة البشرية, إلى عبـودية مأجورة, انفرضت على الطبقة العاملة الحديثة التكوين سيـرورة عمل استلابـية, كل شيء سلعة في السوق الحرة, لذلك عمدت الدولة الإنكليزية إلـى قـمع سياسي وحشي حول انكلترا في المرحلة الرومانسية والتي شكّلت من نفسها دولة بوليسية في حقيقتها.
من هـنا, بـرز الأدب والإبداع التخييلي, فأصبح الشعر مثلاً, فوق الصيغة التقنية للكتابة.
ينطوي على تـضمينات اجـتماعية وسياسية وفلسفية, جعلت الأدب إيديولوجيا كاملة بديلة لهذه المرحلة التي شهدت نشوء علم الجمال, فصارت الاتجاهات فلسفية عقلانية قاحلة تتجاهل الأشياء المـحددة بخصائصها الحسيّة التجريبية, حيث الرمز هو حجر الزاوية لنوع من العقلانية التي أحبطت البحث النقدي المعقلن!
فالأدب هو إيديولوجيا أولاً, تربطه أشدّ العلاقات حميمية بمسائل السلطة الاجتماعية, وبما أن نمو الأدب والدراسات الانكليزية جاءت أواخر القرن التـاسع عشر, هذا يعنـي إخفاق الدين أمام النقد الفوكوي " نسبة إلى ميشيل فوكو".
الدين إذاً هو شكل من أشكال السيطرة الإيديولوجية , كما أن حقائق الدّين النهائية شأن تلك التي يتوسطها الرمز الأدبي " معلّقة عرفياً " في وجه البرهنة العقلانية بعد إخفاق الكنيسة, لذلك رفع جورج غوردن شعاره الذي يقول: على الأدب الانكليزي أن ينقذ انكلترا.
فالأدب؛ مـثل الدين, يعمل في المقام الأول من خلال الانفعال والتجربة, لذلك فهو مناسب تـمـاماً وبشكل باهر لإنجاز المهمة الإيديولوجية التي أقلع عنها الدين مع أنه شأن أي واحد آخر كان يعتبر قناعاته الخاصة بمثابة مواقف عقلانية وليست عقائد إيديولوجية.
لقد كانت طبيعة الأدب التجريبية ملائمة إيديولوجياً , ذلـك أن التجـربة لـيست مـوطن الإيديولوجية وإن لم تكن تملك المال والوقت لزيارة الشرق,اللهم إلا كجندي مأجـور لـدى الإمبريالية البريطانية, مع أن بـمقدورنا جميعاً أن نجرب هذه الزيارة بطريقة غير مباشرة بقراءة "كونراد أو كبلنغ".
لـقد فقدت الإيديولوجية الدينية قوتـها,لأن الأخلاقية بدت وكأنها حساسة جداً لكل نوعية الحياة ذاتها. فأصبح الأدب الإيديولوجي هو الأخلاقية النافرة للعصر الحديث.
إن حقبة الترسيخ الأكاديمي, هي أيضاً حقبة إمبريالية متطورة إذ ركّزت على شاعريين قوميين عظيمين هما: شكسبير وميلتون.
لذلك أصبح الـمسعى الأوروبي المتفوق يتطلع إلى دور انتقالي في رسم خارطة الأدب عموماً وما هذا الانتقاء إلا لظهور التجاذب الاجتماعي والاقتناع بصحة وحيوية هذه النتائج.
أي: نتائـج حضارة أظهرت أخطاء اجتماعية سابقة, لم تكن تدرك أن النهج الأدبي هو نهج اجتماعي أصلاً, لأنه أظهر النقد الطبيعي بكل شمولية ووضوح!
فالـنـقد الطبيعي الأدبي.. أكـدّ على تناول النصوص كل على حدة مع تسليط انتباه مركّز
على القصائد الكلاسيكية والقصائـد النثـرية المـعزولة عن سياقاتها الثقافية التاريخية,بالإتكاء
على الإفتراضات والتأكيد " الذي " داخل النصوص:
هنا يظهر دور الذوبان الفعلي الإجتماعي, لـمقاومة ردّات الأفعال الـمدمّرة للنفس,لأن هذه البدايات, هي في شكلها وجوهرها, من أجل تثبيت وتمكين العمل الأولي ومعالجته كموضوع في ذاته,وهذا ما تم واكتمل " لها " فـي النقد الأمريكي المعاصر والجديد, مع أن الصلة الرئيسة لهذه البدايات, كانت مابين كمبرج والنقد الأمريكي, فصار الأدب " كلّه " إيديولوجيا واعية من أجل إعـادة بـناء النظام الاجتماعي الصرف " لأن الشعر " على سبيل الـمثال,صار لغة انفعالية وليست مرجعية بدائية كما كان.
إن النقد الأمريكي الجديد, سارع إلى استيعاب الضربات القوية لكافة أنواع الأدب الذي كان يـحكمه الاقتصاد, فسمي عندئذ بالنقد الجديد, أمام هذا الموقف الضاغط تبلورت – نـظرية الأدب – من خلال التأكيد على نقد النصوص العظيمة مما أظهر – انتلجنسيا – مهزومة ومختلفة, (شأنها شأن القدر ذاته!)
النقـد الـجديد قصّر عن بلوغ ما بلغته الشكلانية المكتملة, لذلك جاءت من خلال التجريبية
مع قناعة أن أخطاء النص الأدبي اشتمل على الواقع الذي في داخله.
لقـد أدرك الـنقاد الجدد مواقفهم الملحّة على تحويل النص إلى موضوع مُكتَفٍ بذاته, هكذا تشرّبت النظرية الجديدة سلطتها الصوفية المطلقة والتي لم تعد تحتمل أيّة مناقشة عقلانية.
فأمام الأزمة الإيديولوجية الضارية, تضاءل العلم, وظهرت الفلسفة الـممزّقة,وتفشّت بعض أشكال النسبية واللاعقلانية.
فبعد الحرب العالمية الأولى سعت الفلسفة إلى تطوير منهج فلسفي جديد كتب عنه الكثير الكثير لذلك المطلق.
ديكارت مـثلاً: ابـتدأ بـرفض مؤقت لما أسماه بالموقف الطبيعي,لأنه اختزل العالم الخارجي
إلى محتويات وعينا, هذه النقلة تدعى "الاختزال الظاهراتي الموازية بل المرادفة لكلمة "ماهية" أو كما يقول "هوسرل" بعبارتـه الشهيـرة – العودة إلى الأشياء ذاتها لاختبار الزمان والمكان
- هذه الأفكار المركزية قد يتم التعبيـر عن معانيها الداخلية بحرية, أما اللغة فإنها ليست سوى فعالية ثانوية تعطي أسماء للمعاني التي نمتلكها مسبقا أمّا كيف يمكننا امتلاك معانٍ دون أن نمتلك لغة فهو سؤال يعجز نظام النقد الحديث عن الإجابة عليه.
وأن نتخيـل كلمة لغة – يعني أن نتخيل شكلاً كاملاً من الحياة الاجتماعية , فالنقد الظاهراتي يبدأ وينتهي كرأس دون علم للتضحية بالتاريخ البشري ذاته كمعاني البشرية التاريخية حتماً. لأن الموقف من العالم يبقى تأملياً ولا تاريخياً.
ولإدراك الـمعنى التاريخي, صارت القطيعة بين مارتن هيدغر, وأستاذه هوسرل, حيث أكدّ هيدغر أن الوجود الإنساني غير قابل للاختزال.
نظرية الأدب.. أو كينونتها, هـي إنسانيـة نـوعياً,لأن الوجود الإنساني تشكّل قبل الزمن
وهو مصنوع من اللغة, واللغة بمعناها الفلسفي, هي البعـد الحقيقي الذي تتحرك فيه الإنسانية والحياة على السواء,واللغة أيضاً, وجدت قبل الذّات الفردية, أيضاً المكان الذي يكشف فيه الواقع عن ذاته.
هذا الموقف يتحاذى مـع نظريات البنيوية الأولى, فأنت بلا مشروع أنت بلا وجود حضاري!
هذا الكـلام يـرجعنا إلى التأويل البنّاء للاوعينا,حيث نظرية الأدب الآن " تقبع ماوراء اللغة" وإلـى الأبد ستظل داخل الخطاب, ومتطابقة مع الموضوع الذهني الذي يحمله المؤلف.... في عقله أو يقصده وقت الكتابة. وهذا ما يؤكّد التأويل: ليظلّ مصاناًُ وثابتاً أمام الإشكاليات الواضحة والإدّعاء بأن هذا, هو معنى قطعة ما " من الكتابة ".
ليس ثمّة سبب من حيث المبدأ. لأنْ يكون معنى مفضّلاً على القراءة التي يقدمها الناقد, فما بين المعنى والدلالة يوجد مشاريع يمكن لأي عمل أن يعني شيئاً ما ليوم ما وشيئاً آخر ليوم ما.
فأي تأويل لعمل ماضٍ يؤلف جداراً بين الماضي والحاضر.
نحن نعرف جميعاً, أن التقليد يشكّل العمل الأدبي جزءاً منه, بينما التنوير هو ما أدّى إلى ما نراه حديثاً, من تحّزب ضدّ نفسه, وضد التمييز, ثم لو كان هناك مطابقة ما بين السنن التي تحكم الأعمال الأدبية وبين السنن التي نستخدمها في تأويلها " لخلا " كل أدب من الإلهام.
إنّ أي نظرية تـمِسّ الأدب, تستـند إلى إيديولوجيا إنسانية مؤكدة تماماً, وإلى نموذج قراءة " يؤلم الأجزاء معا كلّها " على نحو متين.
يقـول رولان بارت:إن أي تـجربة في الأدب هي خصوصية لا اجـتماعية بل هي فوضوية
في جوهرها.
ويـقول تيري ايغلتون: إن الأدب متحول, بينما القيم الأدبية هي أقل حصانة ممّا نعتقد, أمّا التأمل الفكري فـي فهم الطبيعة, فإنـنا نحصل عليه من هذا المصدر, الذي هو تجريد للطبيعة أو تمثيل لها.
إن أي أدب يعنى بالتجريدات " ليس ثمة فاعلية لديه " مع التحفظ الشديد في هذا الصدد.
فـهل الفلسفة مستقبل "الأدب"؟ إذا كان ولا بدّ, علينا أن نجرّب الصياغات الضرورية لهذا الانبعاث, لأن الميتافيزيقية أصلها لغة, وأقوال مأثورة, وذهنية لا تدرك, وموقف مسبق
من الجوهر.
وقـبل أن تكون الميتافـيزيـقية من الجوهر.. " كانت. . هي أصلاً غائبة بل هي أصلاً إشارة
في الابتداء بعد أن قاتلت النظرية الأدبية الأمريكية ضد العلم الحديث والصناعة الحديثة.
إن المجتمع الأمريكي بحاجة إلى ديكتاتورية نقدية أكثر طموحاً لأن نظرية الأدب ليست نسخة بديلة عـن الدين كما تطرح السياسة الأمريكية, بل هي مجرد ناقد رديء يعيش في مجتمع حر لا طبقي, ومتمـدن بوحشية !. اللاطبقي هنا, هو القيمة الليبرالية للطبقة المتوسطة التي تعني تطبيق المنهجية الأخلاقية بحذافيرها.
وكما نعلم فإن "فردينانـد دوسوسير", هو الذي أسس الألسنية البنيوية الحديثة واعتبر اللغة نظاماً صارخاً من الأدّلة!
لذلك ينبغي دراسته تزامنياً , وليس تعاقـباً فـي التصور التاريخي. البنيوية عموماً هي محاولة لتطبـيق نـظرية الألسنية على موضوعات وفعاليات أخرى غـير اللغة ذاتها , وهذا ما جعلنا في محاولة إعادة التفكير بكل شيء من جديد ومن وجهة نظر الألسنية الحديثة.
السؤال الآن: فـي نـظرية الأدب ما هـي حصيلة البنيوية؟ ما هي حصيلة النص الأدبي؟
هل من الممكن رؤية الواقع كمجرد شيء خارجي أو نظاماً ثابتاً للأشياء؟
الجواب: إن اللغة لا تعكس الواقع, إنما تنتجه, لترتكزَ الأدلّة التي بين أيدينا, أو بدقة أشدّ الأدلّة التي نحن بين أيديها.. !
إن امـتلاك المفاهيم, هـي طرائق خاصة للتعامل مع الأدلة, لأننا نرى نقاداً يكاد الواحد منهم يعكس ما يراه من البنيوية..وهذه نقطة دلالية فـي صالح الشكلانية أي إن باختين المنظّّر الأدبي الـ روسي هـو من أشدّ نقّاد الألسنية السوسرية. إنه نقد نقداً مفحماً وتطبيقيّاً للعمل الأدبي
في حدود نظرية الأدب عرّف اللغة, بوصفها حوارية على نحو متأصّل!
إنّ نـظريـة الأدب وباخـتصار شديد, حقل نزاع إيديولـوجـي, وليست نظاماً سياسياً
أي إنها الوسط المادي الحقيقي للإيديولوجيا. لقد ألحّ باختين على أن ما من لغة إلا وهي واقعة في شراك العلاقات الاجتماعية الفضفاضة, هذه العلاقات هي بدورها جـزء من أنظمة سياسية وإيديولوجية و اقتصادية أوسع, النظرية الأدبـيـة, هي أيضاً علاقة " مجرّدة " بوصفها وسيلة إنتاج مادية!
إنّ القارئ المثالي لنظرية الأدب: هو شخص يمتلك فـي متناولـه,وتحت تصرفه, كل السنين التي تجعل العمل الإبداعي مفهوماً بصورة شاملة!
إذ لا بدّ للقارئ أن يكون متحرراًُ,أي بلا طبقة أو جنس, بعيداً عن الأثنية, وعن الافتراضات الثقافية المقيدة.
فـي نظرية الأدب يضعنا تيـري ايغلتون أمام المستوى التاريخي للدلالات,بل الأعقد من ذلك يضعنا أمام كمية هائلة من المعاني!وعندما نمتلك هذه الكمية الهائلة من هذه الـمعاني فإن ذلك يزيدنا أكثر من الدلالة للوصول بـشكل نهائي إلـى ما بعد البنيوية.فكل دليل في سلسلة المعنى يتبادل التأثير مع كل الأدلة الأخرى, ولكي تؤلف الكلمات معنى متماسكاً " يمكن القول هنا" أن الـمعنى لا يتطابق مع ذاتـه أبداً, لأنه نتاج سيرورة انفصال أنتجت أداة ليست ذاتها لأنها ليست غيرها.
فالعلاقة مع نظرية الأدب لا تحدث إلا مرة واحدة فقط, وهي إحدى الطرائق التي قد يقتنع بها أي ناقد يظن أنه
أنه امتلك المعنى.
فالفلسفة الغربيـة متمركزة على النص الأدبي الفذّ والشديد الارتياب "من التدوين" وهي تؤكد في هذه الأيام وبالمعنى العريض: مـنطقية التمركز "مستسلمة إلـى حكمة مطلقة بقوة حضور القوة و الجوهر " والعمل بهذه المركزة كأساس لكل تفكيرنا ولغتنا وتجربتنا.
يرى أحد نقاد الغرب "النص الشعري" بمثابة نظام لا يوجد فيه المعنى إلا سياقاً ومحكوماً بعدة معايـ رات مـن الـتشابه والتقابلات,وهذه الاختلافات في النص هي ذاتها مصطلحات نسبية لا يمكن إدراكها إلا في علاقة بعضها ببعض وفي الشعر على الأخص.
ومع أن هناك نماذج الصوت والإيـقـاع التـي تشكلها العلاقات ذاتها في النص,يكون النّص الشعريّ مشبعاً دلالياً, ويكشف معلومات أكثر من أي خطاب آخر!
ولو توقفنا قليلاً أمام النقد الجديد الذي نراه الآن, فإنّ ثمة بوادر حقيقية بإخراج النص الإبداعي من دائرة ضيقة مغلقة, إلى دائرة ضيقة ناتجة عن حوار ما, قد يؤدي إلى دلالة أو تأويل ويأخذ حيزاً جمالياً على معيار القيمة كواقع مستمر!
مّما سبق, يـتسائل البعض فـي أحاديثهم عـن الأدب,فيما إذا كان التاريخ يمرّ الآن بشكل أسرع من قبل,وإذا كـان لأحـدهم هـذه القناعة, من يستطيع أن يجيب على هذا السؤال؟
يقول اوكتافيوبات: إن تسريع الزمن التاريخي, يمكن أن يكون وهماً وإن التغيرات التي حدثت في التاريخ, يمكن أن تكون أقل عمقاً وحسماً مما اعتقدنا بكثير !.
إن ما هو حديث, يـمارس القطيعة مـع الماضي, بل وينكره بشكل تام وكامل, على الرغم
من أن الجديد يمكن أن لا يكون بالتأكيد حديثاً !.
الحداثة ليست كلّاً مطلقاً, إنـها دائـماً الآخـر لأن الماضي الذي كان, ليس واحداً إنه كل الأشكال المتعددة, إذا كان الماضي إيديولوجيا,أو ما يـمارس مهنة الثورة إن أراد أن يكـون ثورياً, لأن هوية الزمن الحقيقي يـجب أن تكون وراء زمن حقيقي فأحد أهم الأسئلة في بداية هذا القرن هو التالي: ما هو الاسم الذي سيطلق على الأدب في المستقبل؟
إن الحداثة , هي أصلاً – وحصراً – مفهوم غربي بحت. لا يظهر في أي حضارة أخرى.
حيث أن الحضارات الأخرى قد سلمتنا نماذج أصلية من المستحيل , ومن الصعب جداً أن نستنتج منها فكرتنا عن الزمن. هل الأدب الحديث حديث؟ إذا كان ذلك (صح) فإن الحداثة تكون كلمة غامضة, بـل تـرى نـفسها محكومة بمبدأ التغيير, لأن الفلسفات الأولى هي التي تحدث من خـلال أجـسادها عن الحداثة وما تعنيه..مع أن العصر الحديث, هو العصر الوحيد الذي يستطيع أن ينكر نفسه صراحة ودون ارتياب.
هل بالإمكان فـصل الفن عـن الشعر مثلاً.وعن الانتماء؟ هل بالإمكان فصل الـفن والشعر والانتماء, عن مصيرنا في هذا الكون؟ تقول الفلسفات: لقد وجد الفن عندما أصبح الإنسان إنساناً, وسيستمر إلى أن يـختفي الإنسان. إن الأبدية الوحيدة المعروفة للإبداع, هي أبدية المستقبل, من هذه النقطة بدأ العصر الحديث يفقد الإيمان بنفسه.
في مفهوم الحداثة الصرف النقي,يكون الشعر – وحـياً ينافس النصوص المقدسة – لأن الخيال الإبداعي, لـم يـعد مجرد معرفة, ولا يؤمن أبداً بالوسائط المعرفية فهو شكل ما من أشكال الوجود!.
يقول وليم بليك: إن جـميع البشر متساوون في العبقرية الشعرية, إذ ليست القصيدة الشعرية شيئاً كلامياً, إنما هي مهنة إيـمان, وأفعال,وعلى الشعر كأحد بـنيان الحداثة وأساساتها, إعادة احتلاله للبراءة... وهذا أقصى ما يريده الشاعر القوي من التاريخ والزمن على السواء
هل الحداثة أسطورة العصر الحديث أم سرابه؟ ماذا يعني أن تكون حديثا..."ولم يمسسك سوء"؟ بودلير سأل وهو يكتب الشعر... ماذا يجري هناك؟ بل ما هو الذي أبـحث عـنه؟ يقول: إنني أبحث عن شيء يمكن أن أدعوه الحداثة, مع أن الحداثة الأصلية وحدها تميز بين أعمال اليوم, وأعمال البارحة, وتجعلها مختلفة, والجميل دائماً يعيش في غربة أو يكون هناك.
الحداثة هي علامة الموت القوية, وأيضاً هي الوحيدة التي تمنح الإنسان الحياة, لأنها التجربة الوحيدة لهذا العصر الحديث.
إن غموض الشعر أحياناً إزاء العقل النقدي وتجسداته التاريخية " وخاصة في الحركات الثورية "ينبئ أنه وجهي العملة... الـوجه الآخـر هو غموضه إزاء الـمعتقدات, مع أن أكثر الشعراء العظام.."متدينون" لكن هناك بعض التساؤلات في هذا المنحى لا تقرّ بذلك "مثلاً" ماهـي الـمعتقدات الأكيدة بل الفعلية, - لهولدرين -, وبليك, وكوليريدج, وهوغو, ونرفال؟ هذا السؤال نفسه يمكن طرحه على أولئك الذين صرحوا بشكل علني أنهم " متدينون".
الشاعر الـحداثوي,يبتكر أساطيره الخاصة به, وإن كل المثولوجيا التي يتمثلها, إنما هي مزيج من معتقدات مختلفة.. وعلى الأخص – أساطير أُعـيد اكتشافها,وأُعيد تشكيلها بـما يتوافق "الشاعر" مع أشيائه, أي الأشياء الضرورية التي تحتوي – الأشياء كلها.
وباسم الحرية, نكتب جميعاًَ أن التاريخ بإلغائه الزمن, هو أحد ضروب الحداثة, وهذا ما يعيدنا إلى ما قاله جماعة الرومانسية, بالعودة إلى أمّنا الطبيعة !
ففي نهاية القرن التاسع عشر, ونهاية القرن العشرين, بدأت بعض الأصوات الشابّة تفكر بتغيير هائـل للمفاهيم المعرفية مع أنهم كانوا يجهلون بعضهم بعضاً, ومبعثرين عبر القارة الأوروبية..
كـ "هـافـانا – مكسيكوستي – تشيلي – الأرجنتين – نيويورك" وأهـم هـؤلاء الشبان ومركزهم, ضابط في الجيش, وصانع حركة الحداثة ومبعثها " اسمه روبين داريو " الذي أشتق بل نحت هذا المصطلح الذي نحن بصدده. يقول داريو:
- الحدائة هي أسطورة العصر, وبصورة أدق سرابه -
وأن تكون حداثوياً, هذا يعني أن تغادر منزلك, وبلادك, ولغتك, بحثاً عن شيء لا يُعرف ولا يُحـظى بـه,لأنه مختلط بالتغيير... وفي هذا الصدد يقول بودلير: الشاعر يمشي, يبحث ما الذي يبحث عنه؟ أجاب بودلير على سؤاله: إنه يبحث عن شيء يمكن أن ندعوه الحداثة.
ومـع أن بودليـر لا يـعرف تلك الحداثة الخادعة, فهو راضٍ تماماً أن يدعوها العنصر المتفرد
في كل شيء جميل.
وبفضل الحداثة...الجمال هنا ليس واحداً, إنما متعدد, أي أن الحداثة تميّز بجدارة, بين أعمال اليوم, وأعمال البارحة.. وتجعلها مختلفة.
فالجميل هو دائماً غريب "وإنه" ذلك العنصر الذي يـمنح الحياة للجمال الحقيقي من خلال جعله فريداً. الحداثة كما يقول بروتون: هـي العلاقة مع الموت, وهـنا تختلف هذه الكلمة
التي أغرت الشعراء الشبان في نهاية القرن الماضي.. عن تلك التي أغرت الشعراء الآباء.
إنـها لا تدّعي التقدم ,وليست تـجلياً خارجياً لـه,إنها تدّعي لهم الترف, والبهرجة اللفظية
في الكلام , والعلامة على ذلك, أشياء جميلة تراها ولا فائدة منها.
إن حداثـتهم جـمالية خارجية يتصل فيها اليأس "بالأحادية النرجسية", والشكل بالموت.
" فـالشعراء الذين لـم يقتلوا أو الذين لم ينتحروا أُسكتوا بطريقة أخرى" إن كلمة "أرض"
التي لا زالت تتردد على ألسنة شعراء الحداثة , لا زالت إلى الآن تتعذب لكثرة ما ذكرت "في الشعر"! هـنا تتجلى روعة الخطاب, ما بـين الشاعر الحداثوي,وبين المتلقي الذي هو نفسه يريد هذا النوع مـن الكلام. لقد سمّى بعض النقاد الاتجاهات الجديدة " ما بعد الحداثة " وهذا ليس صحيحاً.. إن ما بـعـد الـحداثة تلت الحداثة. لأنها في الحقيقة مجموعة من الأدباء سمت نفسها الطليعة, أو الحركة الطليعية حيث كانت هذه الحركة تنتقد الحداثة من داخلها.
إن ما بعد الحداثة – هو – غياب الزمن أولاً للوصول إلى النهاية, وثانياً للارتطام بكل شيء نـراه وأخطر ما يوجد داخل هذا المصطلح, التحول عن التزامن مع حركة الأجيال الجديدة. صحيح أن اتـجاهات الشعر الحديث تمتلك خصائص بُنيت على أمجاد الرومانسية لكن لا أحد فـي هذه الأيام يقتحم هذه الحالة دون الرجوع إلـى المصير – وهذا ما يعيد القارئ والمبدع
على السواء إلى جمالية الاستثناء – للنص.
الحداثة الآن, هي الجزء اللامرئي من المذهب الفلسفي الذي يقول:
من الممكن الحصول على معرفة العالم الواقعي فقط.
العالـم الواقعي هذا , هو مـجموعة كل الأشياء التي نراها, أمّا ما بعد الحداثة " فهي " تعني
أنه من غير الممكن الحصول على معرفة العالم الواقعي.
إن الحداثة وما بعدها – هي الـمعرفة الكلية لكل ما نـراه,مع أن المثقف لا يقابله اللامثقف.
هذه الكلمة السحرية لا تعني أن صاحبها يمتلك الحدّ الأدنى من الحداثة!
الحداثة هي كل الحريات, والحقوق, والديمقراطية, والكلمات, والفصاحة, فهل يحق للقارئ أو المبدع "بالتحدث" مع جثمانه؟!
أحـد الـمبدعين أجهش بـالبكاء نيابة عن أصدقائه,وامتلأ وجهه بالجثث, لأنه اعتمد كلياً
على اللاعقلانيات, وهذا ما أراده–جاك دريدا– من الحداثة وما بعدها!.
هامش:
- نظرية الأدب: تيري ايغلتون – مطبوعات وزارة الثقافة – سوريا – تر. د. ثائر ديب
- أطفال الطين: اكتافيوبات – دار الينابيع – سوريا – تر. أسامة اسبر
- قلق التأثر: نظرية في الشعر – هارولد بلوم – دار الكنوز الأدبية – تر. د. عابد إسماعيل
??
??
??
??
1295 ع 1078
عبد النور الهنداوي | |
|