بحث في الأدب المقارن الرواية والفيلم
المقدمــــة
مما لا شك فيه أن النتاج الأدبي لكل أديب هو بمثابة انعكاس حي لبيئة
ومجتمع هذا الأديب ، وحينما يتحول هذا المنتج الأدبي إلى عمل فني فإن
المخرج يعتلي منصة الفنان ويمسك بريشة المبدع الذي يصوغ بأنامله ورؤيته
ملامح الشخصيات التي هي محور ومحرك للأحداث بشكل يجعلها أكثر وضوحاً وهكذا
تلتقي فنية الإخراج مع إبداع الأديب ويتفاعلان سوياً ويكون نتاج ذلك
الالتقاء و التفاعل ظهوراً لائقاً للعمل الأدبي من خلال شخصيات تجسده
وأماكن تصوره وأحياناً إشارات وإيماءات تعطي للعمل الأدبي حوارات صامته لا
يمكن للنص الأدبي أن يصرح بها جهرة ومن ثم فإن اللغة في العمل الفني هي
التقاء فكري بين كل من المخرج والروائي0
التمهيــــــد
أسباب الاختيار :
يكمن في هذا الموضوع من الأهمية ما يدفع المرء دوماً نحو التحقيق في
هذا المجال وقد وقفت عند هذا الموضوع أملاً في المقارنة بين دور الروائي و
المخرج وتأثيرهما في العمل الفني حتى يظهر المنُتَج الفني بالصورة التي
يراها المشاهد 0
منهج البحث :
سيتم الاعتماد في هذا البحث على المنهج
الاستقرائي، حيث أستعرض الرواية وهي رواية ( زقاق المدق ). للكاتب المصري
الحائز على جائزة نوبل 1988م الأستاذ / نجيب محفوظ. يتبع ذلك مشاهدة
الفيلم للرواية نفسها؛ مع المقارنة في أداء كلٍ من الفيلم والرواية
للرسالة، وتناول أدوات الروائي و المخرج؛ وكيف أسهمت تلك الأدوات لديهما
في إجلاء وجهة نظره سواء في الرواية أو الفيلم ثم نقف في الأخير على بعض
الجوانب النقدية 0
الأدب المقارن
الأدب المقارن نمط من أنماط الأدب؛ يتيح للأديب و الناقد و القارئ رؤية
أشمل للأدب؛ حيث يراه من عدة جوانب؛ لأن رؤية الأديب أو الناقد للأدب من
ناحية واحدة لا يسمح بتحديد العلاقة بينه وبين أي نتاج أدبي آخر ينتمي
لآخر. و قد يكون منتميا لنفس البيئة؛ أو قد يكون في مجتمع آخر أو لغة
أخرى؛ وقد قدم طه حسين في بعض كتبه الأدب العربي قال : "لا يدرس الأدب
العربي إلا مقارناً" .ومنذ القدم كان التواصل الحضاري مستمر. ومن ثم فإن
الأدب المقارن يسمح لنا بإدراك العلاقات الثقافية الحضارية وحينما نتحدث
عن العولمة في هذا الآن فإننا من خلال الأدب المقارن نستطيع رؤية العالم
ونحن في بيوتنا. ومن ثم فإننا نحتاج إلى رؤية الآخر من خلال المقارنة وهذا
مهم جداً في الحياة ( 1 )
وبالتالي فإن الأدب المقارن يدعو للانفتاح والإطلاع على الآخر ، فلو
انغلقنا على أنفسنا فإن الصورة تبدو غير واضحة ولا نستطيع التفاهم معها.
ولكن حينما ننفتح على ثقافة الآخرين. ونحاول أن نفهم الآخر .فإننا نفتح
الطريق أمام الآخر ليتعرف علينا. و لنا أن نقول بأننا مازلنا مقصرين في
هذا النوع من الدراسات. فمن المعروف مثلاً أن ( ألف ليله وليله ) نجد لها
تأثيراً واضحاً في الآداب الأوروبية ممتد من القرون الوسطى في أدب (
بوكاتشيو ) الإيطالي. كما نجد مصادر اسلامية كثيرة عند ( دانتي ) ( 1 )
ومن بين الدراسات المقارنة الناجحة ما نشر عن المصادر الإسلامية في
( الكوميديا الإلهية لدانتي ) فقد ( كشفوا في اسبانيا 1948 م نصاً من ثلاث
لغات : اللاتينية و الفرنسية القديمة والقشتالية بعنوان ( قصة المعواج )
وهذا النص من المؤكد أن دانتي قد قرأه لأن أستاذه واسمه ( لاتيني ) كان
موجوداً في طليطة آنذاك وقدمه إليه ، فهناك تأثير عربي إسلامي مؤكد على
دانتي ومن هنا فإن مجال الأدب المقارن ودراساته ما زال مفتوحاً امام
الدارسين وقد أسست في السنوات الأخيرة الجمعية المصرية للأدب المقارن وسوف
تصدر هذه الجمعية مجلة متخصصة باسم ( مقارنات ) ومن ثم فإن الأدب المقارن
يخدم وينمي النتاج الأدبي بشكل عام وكذا يوضح الصلة بين الآداب في كافة
المجتمعات ( 1 )
المبحث الأول
( أ )من الأدب إلــــى الســــينما
القسم الأول
من الأدب إلى السينما:
لا يمكن عرض ومشاهدة أي فيلم مأخوذ من
رواية أدبية دون أن يتم التساؤل عن ماهية الفرق بينهما، وإن كان الفيلم
بعيدا عن النص أو مخلصا له. إذ إن الأعمال التي ينجح معدوها في التعامل
الحميم مع الأصل الأدبي قليلة، وغالبا ما يكون على صانعها إيجاد معادل
بصري للشكل اللغوي بحيث يمكن تحويلها إلى عمل سينمائي .
ولا يمكن لأحد فينا أن يقرأ رواية دون أن يدخل إلى قاعة العرض السينمائية
وبجعبته الكثير من الأسئلة أولها يتعلق فيما إذا كان المخرج قد استطاع مع
الطاقم أداء وتجسيد روح الرواية .
وفي معظم الأحيان، أو ربما في الغالب، يتم الانحياز إلى العمل الأدبي في
أصوله الأولى، إذ إن الرواية تظل أكثر غنى وتعددا من الأحادية التي يفرضها
تحويل الأدب إلى سينما .
الكاتب الروائي : نجيب محفوظ :
سيتم تناول أسلوب نجيب محفوظ ولغته ووسائل التعبير لديه من خلال عمل
من روائع كاتبنا وهي رواية ( زقاق المدق ). من المعروف عن معظم النتاج
الروائي لنجيب محفوظ أنه تصوير لرحلة الحرمان الاجتماعي الذي تعاني منه
الفئة البسيطة في المجتمع المصري بما في هذا المجتمع من اضطراب له علاقة
بالحياة اليومية و الحياة العامة من أحداث وأفكار وفلسفات ونزاعات. ومن
هنا فإن نجيب محفوظ إنسان نبع من صميم الشعب واهتم بهمومه ، كتب عن هذه
الفئة من الشعب لأنه ينتمي إليها. ولا شك أن هموم شعبه حركته إلى الكتابة
الجادة حيث كان يعي الظروف القاسية السائدة في المجتمع المصري آنذاك وهموم
شعبه وهذا ما نراه مجسد في رواية زقاق المدق والتي سنحاول دراستها بشقيها
الروائي والإخراجي 0
لغة نجيب محفوظ :
إن أهمية اللغة تكمن في حيويتها وذلك باستخدام الكاتب للأسلوب المليء
بالحيوية وألا يكون هذا الأسلوب حافلاً بالزخارف و التكلف وانه يمكن
استخدام بعض الزخارف الأسلوبية أو بعض الألفاظ والتعبيرات العامية ، إذا
كان يخدم موقفاً فنياً في الرواية ويساعد على رسم الشخصية فيها لذلك فإن
معرفة اللغة أمر ضروري للقاص ولكل كاتب لأنها الشكل المادي الذي تكسب به
الرواية وجودها الواقعي وحينما نقف عند لغة نجيب محفوظ في رواية زقاق
المدق نجده بنطق شخوصه ألفاظاً فصحى. إلا أن دلالتها وتراكيبها من حيث
تأخير الكلمات وتقديمها أقرب إلى العامية ، أما من ناحية مقدمة الرواية
فهي اقرب ما تكون إلى لغة المقالة. التي قدم بها لعمله الروائي ( 1 )
ونجد هذا الأمر واضحاً في مقدمة ( زقاق المدق ). حيث نجده يقول
( تنطبق الشواهد الكثيرة بأن زقاق المدق كان من تحف العهود الغابرة وانه
تألف يوماً في تاريخ القاهرة المغرية كالكوكب الدري ، أي قاهرة أعني ؟
الفاطمية ؟ المماليك ؟ السلاطين ؟ علم ذلك عند الله وعند علماء الآثار
ولكنه على كل حال اثر ، واثر نفيس 000 ) ( 1 )
وحينما يصل كاتبنا إلى الشخصيات نجده بالفعل يعتمد على أسلوب وصفي رائع.
لا يمكن من خلاله أن تخرج تلك الشخصية حين تناولها فنياً عن نطاق ما يرسمه
لها بقلمه فنجده يصف لنا مثلاً شخصية ( عم كامل ) بائع البسبوسة رغم أنه
شخصية ليست محورية في البناء الدرامي لقصة زقاق المدق لكنه رغم ذلك رسم
بقلمه أدق تفاصيله قائلاً
دكان عم كامل بائع السمبوسة على يمين المدخل وصالون الحلو على يساره ومن
عادة عم كامل أن يقعد كرسياً على عتبة دكانه يغط يف نومه و المذبة في حجرة
لا يصحو إلا إذا ناداه زبون أو داعيه عباس الحلو هو كتلة بشرية جسمية
ينحسر جلبابه عن ساقين كقريبتين وتتدلى خلفه عجيزة كالقبة 0000 ) ( 2 )
ب – الحوار :
الحوار الفني حديث يسن شخصين أو أكثر و الناقد تشارلز مورغان Charles
Morgan يطلق كلمة محادثة على الكلام الذي يدور على ألسنة الناس في الحياة
أما كلمة حوار فيعتبرها خاصة بكلام الشخصيات في القصص والمسرحيات وهو عنصر
فني من عناصر الأسلوب القصصي أو الروائي وهذا العنصر في الرواية يوحي
بثقافة الكاتب وإدراكه لخطورة الدور الذي يؤديه الحوار في العمل الفني ( 1
)
وحينما تدخل إلى لغة الحوار لدى نجيب محفوظ فإنه يعتبر صورة من صور
الأسلوب ومن الوسائل التي أعتمدها في رسم الشخوص وتطوير الإحداث، ومن ثم
فهو يستعمل الحوار لتطوير موضوع الرواية و الوصول بها إلى النهاية، وفيه
تستحضر الحلقات المفقودة في الحديث، وبه يتم الكشف عن جوهر الشخوص ويدور
الحوار في رواية زقاق المدق حول فكرة معينة ، يحرص كاتبنا على ألا يصرح
بها مباشرة ،من ذلك ما نجده في الحوار الواقع بين أم حميدة و الست سنيه
عفيفي حول فكرة الزواج؛ التي تحاول أم حميدة ترويجها للست سنية عفيفي
صاحبة العقار ، نعم يا ست سنيه ، لذلك خلق الله الدنيا كان وسعه يملأها
رجالاً فحسب أو نساء فحسب ، ولكن خلق الله الذكر والأنثى ومنحنا العقل فلا
محيد عن الزواج فابتسمت الست سنيه عفيفي ، وقالت برقه : كلامك كالسكر يا
ست أم حميدة ! حلي الله دنياك ، وأنس قلبك بالزوج الكامل 0
ونجد لغة الحوار تتصاعد لدى نجيب محفوظ حينما يصور لنا موقف
" حميدة " ممن أغراها وهو " فرج إبراهيم " :
هيا يا عزيزتي فالوقت من ذهب 0
فصرفت وجهها إليه بعنف وقالت بحده : هلا أقلعت عن هذه العبارات السمجة ؟
هلا أقلعت أنت يا عزيزتي عن هذه الإجابات الجافة 0
فتهوج صوتها غضباً وهي تقول : أهكذا يحلو لك أن تخاطبني الآن ؟
فتظاهر بالملل وقال : أوه أنعود مرة أخرى إلى هذا الحديث المموج " أنت لا تحبني " " لو كنت بتحبني لما أعتبرتني سلعه "
المبحث الثاني
القســــــم الثاني
( أ ) اللغة والحوار في القالب الإخراجي :
السيناريو قصة تحكى
بالصور: السيناريو يتعامل مع الصور المرئية, مع تفاصيل خارجية. مع شخص
يعبر شارع مزدحم, سيارة تدخل شارع فرعي, باب مصعد يفتح, امرأة تشق طريقها
وسط الزحام. في السيناريو تسرد القصــة بالصور.
الرواية تختلف عن ذلك, الرواية عادة تتعامل مع الباطن, الحياة الشــخصية
لشخص ما, مع أحاسيس الشخصية وعواطفها وأفكارها, فالذكريات تأخذ حيّز في
الشرود الذهني للفعل الدرامي. الرواية عادة تأخذ مكان داخـــل رأس الشخصية.
حينما ننتقل إلى جانب الإخراج؛ فإننا نلمح في اللغة التي تدور بها
أحداث الفيلم، و التي تحاور بها الشخوص داخل العمل، تكاد لا تبعد كثيراً
عن لغة نجيب محفوظ في روايته. حيث أن كاتبنا يعتمد دوماً كما سبق أن أسلفت
على اللغة الفصحى وليست الفصيحة بل الفصحى الأقرب إلى العامية ، ومن ثم
فهو لا يحمل السيناريست أو المخرج عناء التعامل مع اللغة وكذلك فإن اعتماد
كاتبنا على لغة الوصف تجعل ملامح الشخصية تبدو واضحة لدى المخرج ولكن نجد
هناك إضافات فنية رائعة. قد أضافها المخرج إلى النص الروائي؛ أضافت بالفعل
إلى الشخصيات ما يجعلها أكثر نطقاً وتوضيحاً للأحداث. ومما يسمح بتلك
المساحة من الإضافة و الحذف من المخرج لأعمال تنتمي إلى نوبل العرب (نجيب
محفوظ) كون كاتبنا قد تعامل مع عمالقة الإخراج مثل حسين كمال ، حسن الإمام
،ويوسف شاهين وآخرين وهؤلاء جميعاً لهم بصمة واضحة في الإخراج وقد أضيفت
إلى الحوار جملة جعل منها المخرج لازمة طوال الفيلم استخدم فيها الأسلوب
الرمزي وهي جملة" سكة حميدة أخرتها تأبيده " ويكاد المستمع لهذه العبارة
التي يرددها أحد شخوص العمل طوال الفيلم يتفهم منها معاني كثيرة 00
ونلمح كذلك تأثير الإخراج على لغة بعض الشخصيات و النزول بها إلى لغة تجعل
الشخصية تلامس أرض الواقع من ذلك لغة الحوار في شخصية المعلم حسين كرشه ـ
زيطه ـ عوكل بياع الجرائد ـ جعده زوج حسنيه الفرانه ، ونلحظ أن لمسات
المخرج على لغة وحوار تلك الشخصيات لم تضع مقياساً لكون هذه الشخصية التي
تحتاج إلى تعديل لغتها أهي شخصية محورية أم شخصية ثانوية وكذلك استخدم
المخرج بعض من الألفاظ العامية بشكل أكثر وخاصة مع الشخصيات النسائية مثل:
أم حميدة ـ حميدة ـ الست سنية عفيفي ـ حسنية الفرانه ـ أم حسين زوجة
المعلم كرشه ، وإن كان نجيب محفوظ في لغته الروائية مع هذه الشخصيات نزل
إلى سوق العامية ببعض المفردات التي تنتمي إلى هذه الشخصيات على أرض
الواقع.
من أروع الإضافات التي أضافها المخرج إلى الرواية؛ الحوار الذي دار بين
حميدة و فرج إبراهيم ، حيث ارتفعت لغة الحوار بشكل كبير يتناسب مع
الموضوع، وخاصة في المفردات التي تقولها حميدة لفرج إبراهيم الذي اخذ
يتحرش بها ، ومما لا شك فيه أن أدوات المخرج ووسائله أكثر من الكاتب ومن
ثم فقد استطاع مخرج فيلم " زقاق المدق " من استخدام الموسيقى في زيادة
الصورة وضوحاً
دخول ( الصوت) إلى الفيلم منح البناء الدرامي للفيلم قوة تعبيرية جديدة،
وضاعف من دور(الحوار) في تصعيد الصراع الدرامي للأحداث في الفيلم. وخاصة
في مواقف تتعالى فيها النبرة الدرامية كالحوار الذي دار بين " حميدة " و "
عباس الحلو " حينما تقابلا سوياً بعدما عثر عليها. ومن أروع المقاطع
الموسيقية؛ التي أضافها المخرج من خلال الموسيقى كإحدى أدواته إلى الرواية
الموسيقى التي صاحبت صوت الترام ونظرات كل من " حسين كرشه " و "عباس الحلو
" يتابعان " " حميدة " ولكن دون تأكد من كونها هي أم لا. صاحب الحوار
الصامت تصاعد موسيقي رائع. ومن ثم فقد أضافت الموسيقى أيضاً جانباً رائعاً
من جوانب الإبداع إلى الرواية. التي هي في ذاتها قمة الروعة وتضم بين
جوانبها مفردات الإبداع الروائي 0
المبحث الثالث
( أ ) الشخصيات في الرواية:
تقوم الشخصيات على خدمة الفكرة؛ التي يريد الكاتب أن ينقلها إلى القارئ؛ حيث لا نجد بطلاً معيناً في القصة ( 1 )
إنما البطل هو الإنسان عامة بقضاياه فنجد في زقاق المدق " حميدة " بما
تحمل من آمال وتطلعات و " عباس الحلو " وعاطفته و " المعلم كرشه " ونزواته
وكذلك " عم كامل " وبساطته وخوفه من المستقبل و " الست سنية عفيفي "
ورغبتها الجامحة في الزواج و " السيد رضوان الحسيني " و الورع و التقوى
الذي يتصف به و " السيد سليم علوان " الفني ومشاكله مع زوجته إلى.. آخره
من شخصيات. نجدها جميعها تخدم فكرة الرواية، سواء كانت تلك الشخصيات
محورية أم شخصيات ثانوية. وقد استطاع كاتبنا العظيم أن يرسم ملامح كل
شخصية. وكاتبنا حينما يتناول في حديثه شخصية بعينها فإنه يقف عندها بدقة
متناهية. يرسم جميع ملامحها حتى يكاد يراها القارئ للرواية على السطور
تحاكيه وتتفاعل ويتفاعل معها. فنجده مثلاً يرسم لنا صورة إحدى الشخصيات
وهي شخصية " عباس الحلو " بكل دقة قائلاً عنه : " أما صالون الحلو فدكان
صغير ، يعد في الزقاق أنيقاً ذو مرآة ومقعد غير أدوات الفن 00 وصاحبه شاب
متوسط القامة ، ميال للبدانة ، بيضاوي الوجه ، بارز العينين ، ذو شعر مرجل
ضارب للصفرة على سمرة بشرته ، يرتدي بدلة ولا يفوته لبس المريلة اقتداء
بكبار الأسطوات " ( 1 )
وهكذا الحال في معظم الشخصيات التي رسمها نجيب محفوظ داخل الرواية " زقاق
المدق " سواء منها الشخصيات المحورية الرئيسية أم الفرعية الثانوية 0
( ب ) الشخصيات :
وبالنظر في الشخصيات التي في رواية زقاق المدق نجد بعضها شخصيات جاهزة منذ
بداية الرواية ولم يطرأ على مجريات حياتها تطور بعينه مثل شخصية " عم كامل
" بائع البسبوسة و " الشيخ درويش " و" سنقر القهوجي " جميعها شخصيات تسير
على وتيرة واحدة. إلا أنه هناك شخصيات نجدها تبنى من خلال العمل الروائي
نفسه مثل شخصية "حميدة" التي بدأت تتزايد فنجدها في البداية فتاة تعيش مع
أم لها بالتبني، ثم سرعان ما تتطلع لأحلام وطموحات أعلى من قدرتها. حتى
تصير هي محور الدراما، و المحرك الأساسي له بعدما هربت مع "فرج إبراهيم"
الذي أغراها بالزواج. ثم سرعان ما خلا بها وتاجر بجسدها وهذه روعة نجيب
محفوظ فهو لا يفرق في بنائه بين شخصية رئيسية أو فرعية 0
( ج ) التشخيص في الفيلم :
لنا أن نقرّ في بداية تناول هذا الجانب، أن نجيب محفوظ في رواية زقاق
المدق قد اهتم إلى حد كبير في رسم الشخصيات بالنواحي الداخلية و النفسية.
وبالتالي فقد ترك للمخرج مساحة كبيرة لوضع الرتوش الفنية على الشخصيات من
ملابس وإكسسوارات تسهم في الفيلم. من ذلك مثلاً شخصية " عم درويش " فقد
أهتم الكاتب ببيان صفاته الداخلية مثلاً: أنه يجيد اللغة الإنجليزية، وأنه
كان متمرداً إلخ 00 "
" كان الشيخ درويش على عهد شبابه مدرساً في إحدى مدارس الأوقاف، بل كان
مدرس لغة انجليزية وقد عرف بالاجتهاد و النشاط ، وأسعفه الحظ فكان رب أسرة
سعيدة ". وهكذا استطاع توضيح ملامحه الداخلية فقط. أما المخرج فقد قام
بوضع الشيخ درويش في صورة الشيخ الدرويش؛ أي الشيخ المعتاد عليه، في زي
قليل الهندام، وعصا يتوكأ عليها، وعمامة رأس، وعبارات يكررها دوما.ً وقد
كان التجديد في شخصية "الدراويش" في هذا الفيلم؛ أن معظم العبارات كانت
باللغة الإنجليزية ، وكذلك رسمه لملامح شخصية " سنقر " صبي القهوجي. وكذلك
صورة " عباس الحلو ". فرغم وضوح ملامحه في الرواية إلا أنه قد صُبغ من
خلال لمسات المخرج بأشياء أفادت العمل الروائي ككل، ومن ثم جعل الشخصية
تجسد المحتوى الفكري بشكل يبرزها وهنا نقول أن من الأمور التي تيسر على
المخرج إجلاء شخصيات نجيب محفوظ بهذا الشكل كون هذه الشخصيات من واقع
المجتمع المصري؛ يلتقي بها المرء دوماً في الشارع ؛ ومن ثم يستطيع بسهولة
ويسر رسم هيكلها بوضوح 0
التعليق والرأي الخاص :
دراسة أدب نجيب محفوظ فرصة سانحة للتعامل مع العالمية في الأدب. ومما يعطي
هذه الدراسة من الأهمية؛ كونها تتبع النتاج الأدبي حتى آخر مراحله، وهي
مرحلة الإبداع الفني " الفن السابع" . وما يمكن قوله بعد قرب انتهاء تلك
الدراسة، أن المخرج يمكن أن يضيف على الرواية ما يجعلها تظهر بشكل أوضح
وتكون لمساته واضحة في ذلك ويمكن أن يطمس معالمها إذا ما أساء فهم فكرة
الرواية. و من خلال تناولنا لرواية زقاق المدق نلحظ التقاء قممي بين قطبين
من أقطاب الإبداع، سواء في مجال الكتابة أو الإخراج. وهذا الأمر حينما
يحدث يكون النتاج بالفعل رائعاً، يستمتع به المشاهد أكثر مما يستمتع
القارئ ولنا أن نقر أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات في هذا الجانب
والغوص في أعماق الأدب والفن العربي 0
الخاتـــــــــــمة
في ختام تلك الجولة الفنية والأدبية بين أروقة النتاج الأدبي لنوبل العرب
وأحد لبنات البنيان الثقافي في مصر و المجتمع العربي نجيب محفوظ؛ الحائز
على جائزة نوبل في الآداب و الذي تمكن من إيصال الأدب العربي إلى
العالمية، وكأنه يحصل بجائزته هذه على شهادة عالمية الأدب العربي و على
اعتراف دولي بمناطق الفكر العربي ونتاجه لشتى الأفكار. ومن ثم فقد كانت
تلك الدراسة بمثابة إطلالة على إحدى روائع كاتبنا نجيب محفوظ "زقاق
المدق". و التي حاولت من خلال تلك الوقفة أمام هذا العمل؛ أن أبرز العلاقة
بين الرؤية القصصية للكاتب أو الروائي، وبين الرؤية الإخراجية للمخرج في
حال تحولت القصة إلى عمل سينمائي. ومن خلال الغوص في أعماق أعمال ونتاج
نجيب محفوظ الروائي و القصصي يمكن الوصول إلى حقيقة مؤداها أن كاتبنا
حينما يرسم بريشة الفنان ملامح الشخصيات التي تدور في فلك الرواية فإنه
يبرز أدق ملامح ومن ثم فإنه يجعل نتاجه الأدبي حينما يتحول إلى عمل فني
محتفظاً إلى حد كبير جداً بصورته الأولى التي كانت تحتضنها الأوراق 0
المصادر والمراجع
محفوظ ، نجيب زقاق المدق مكتبة مصر
دار مصر للطباعة 0
1- عثمان ، أحمد قضايا الأدب المقارن في الوطن العربي
مركز الدراسات اللغوية والأدبية ـ جامعة القاهرة 0
2- فريد جورج يارد ، ايفلين نجيب محفوظ والقصة القصيرة 0
دار الشروق للنشر و التوزيع ـ ط1 1988م 0
3- النساج ، سيد حامد تطور فن القصة القصيرة
القاهرة ـ دار الكتاب العربي 0
4- مورغان ، تشارلز الكاتب وعالمه ، ترجمة شكري عياد
مؤسسة مسجل العرب ـ القاهرة
قد يكون هناك بعض الزلل فاعدلوه... وليس عندي حقوق محفوظه فإن شئتم انقلوه