ابــن الاسلام إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 101 الْمَشِارَكِات : 12744 النقاط/ : 22644 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: المنهج الانطباعي في النقد: الأحد يناير 23, 2011 2:20 am | |
| يعرف قاموس (لاروس) الانطباعية (Impressionnisme) بأنها "مدرسة فنية تشكيلية ، ظهرت – تحديدا – بين 1874 و1886 ، من خلال ثمانية معارض بباريس ، وقد جسدت قطيعة الفن الحديث مع الأكاديمية الرسمية"، وأنها اتجاه فني عام يسعى إلى "تقييد الانطباعات الهاربة وحركية الظواهر بدلا من المنظر الثابت...". وهي تحصر وظيفة الفنان في اقتناص انطباعاته البصرية أو العقلية بخصوص موضوع ما ، وليس في تصوير ذلك الواقع الموضوعي(1). تنسب الانطباعية إلى لوحة فنية تشكيلية مغضوب عليها ، عنوانها (انطباع : Impression). نسجتها ريشة الرسام الفرنسي كلود موني (C. Monet) سنة 1872 ، ولم تعرض إلا سنة 1874؛ وفي قاعة "النتاج المرفوض" (Salon desrefusés) ، مع لوحات أخرى لـ 20 فنانا ، رفضت جماعة الحكام عرضها في البدء على أساس عدم أحقيتها لذلك. ويمكن أن نذكر من أقطاب هذه المدرسة الفنية التشكيلية : بيرث موريسو (B. Morisot) ، وإدوارد دوغاس (E. Dougas) ، وألفريد سيسلي (A. Sisley) ، وأوغست رونوار (A. Renoir) ، وكاميل بيسارو (C. Pissaro) ، ... ، ثم انتقلت الانطباعية من الفن التشكيلي إلى النقد الأدبي على أنها منهج ذاتي حر ، يسعى الناقد خلاله إلى أن ينقل للقارئ ما يشعر به تجاه النص الأدبي ، تبعا لتأثره الآني والمباشر بذلك النص ، دون تدخل عقلي أو تفكير منطقي صارم ، وسيلته الأساسية في هذا المسعى هي الذوق الفردي الذي يعكس تأثر الذات الناقدة بالموضوع الإبداعي. إذ يتخذ الناقد من النص الأدبي مناسبة للحديث عن ذاته وأفكاره الخاصة وما يتداعى في ذهنه من مشاعر وذكريات ، محتكما في نقل انطباعاته حول النص على الذوق أساسا(2). من زعماء النقد الانطباعي الغربي : سانت بيف/Ch.A.Sainte -Breuve (1804-1896) الذي كان يكتب النقد بلغة الشعر! ، وأناطول فرانس / A. France (1844-1924) الذي اتخذ من النقد وسيلة لسرد مغامراته ، وجول لوماتر/ J. Lemaitre (1853-1914) الذي كان يصدر في نقده عن إيمانه بأننا "لا نحب المؤلفات الأدبية لأنها جيدة ، بل تبدو جيدة لأننا نحبها" ، والناقد الحقيقي – في نظره – هو من يستميل قارئه ويستهويه ويجذبه إليه حتى ينسيه نفسه وكل ما حوله، وينقله إلى عالم خاص. وكذلك أندري جيد A. Gide (1869-1951) الذي جعل من العملية النقدية اعترافات ذاتية ، وتعبيرا عن الأفكار الخاصة؛ يتخذ من النصوص المدروسة داعيا لذلك ، وغوستاف لانسون / G. Lonson (1857-1934) الذي ظل – مع انتمائه التاريخي الواضح – مؤمنا بأن الانطباعية هي المنهج الوحيد الذي يمكننا من الإحساس بقوة المؤلفات وجمالها شريطة استخدامها بحذر شديد (3) . انتقلت الانطباعية إلى النقد العربي بتسميات مختلفة (كالمنهج التأثري أو الذاتي أو الذوقي أو الانفعالي...) ، وقد أجمعت جملة من الدراسات (كـ "دراسة الأدب العربي" لمصطفى ناصف ، و"المرايا المتجاورة" لجابر عصفور ، ...) على أن طه حسين (1889- 1973) هو زعيم النقد الانطباعي ، حتى وهو في عز التحامه "التاريخي" بالنص الأدبي؛ لأنه أدرك أن طبيعة النص الأدبي ليست في يد المؤرخ ، وأن الحضور الانطباعي ضرورة يقتضيها النقص الذي يواجه الناقد / المؤرخ. وبمثل ذلك يؤمن تلميذه الدكتور محمد مندور (1907-1965)الذي تظل "الانطباعية" الثابت النقدي الكبير في تحولاته المنهجية المختلفة (اللغوية ، التاريخية ، الإيديولوجية ، ...) ، لاعتقاده أن "المنهج التأثري الذي يسخر منه اليوم بعض الجهلاء ، ويظنونه منهجا بدائيا عتيقا باليا ، لا يزال قائما وضروريا وبديهيا في كل نقد أدبي سليم ، ما دام الأدب كله لا يمكن أن يتحول إلى معادلات رياضية أو إلى أحجام تقاس بالمتر والسنتي أو توزن بالغرام والدرهم". وقد وقع صراع حاد بين محمد مندور وزكي نجيب محمود ، سنة 1948 ، كان موضوعه : هل يقوم النقد على "الذوق" أو على "العلم"(1). فبينما كان مندور يرى أن النقد ليس علما ، وما ينبغي أن يكون ، وأن قوام النقد ومرجعه كله إلى التذوق ، وأن للذوق الشخصي الكلمة العليا في نقد الفنون ، وأن الذوق المقصود هو الذوق المدرب المصقول بطول الممارسات القرائية والتحليلية والفهمية ؛ أي "الذوق المعلل في حدود الممكن ، وإن كانت ثمة أشياء (لا تؤديها الصفة) .." ؛ وفي ذلك إحالة واضحة على عبارة إسحاق الموصلي القديمة "إن من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة(2)". كان زكي نجيب محمود (في مقاليه الشهيرين : "الناقد قارئ لقارئ" ، و"النقد الأدبي بين الذوق والعقل") يرى أن النقد علم (والعلم عنده هو منهج البحث؛ أي مجموعة القوانين التي تفسر الظواهر) مرجعه إلى العقل لا الذوق ، وأن الاحتكام المطلق إلى الذوق هو إشاعة للفوضى النقدية ، وأن في كلام مندور خلطا بين قراءتين : فالقارئ (الذي سيصبح ناقدا) إنما يقرأ القراءة الأولى فلا يسعه إلا أن يحب ما قرأه أو أن يكرهه ، ثم يهم بالكتابة ليوضح وجهة نظره أي ليعلل رأيه ، والتعليل عملية عقلية لأنه رد الظواهر إلى أسبابها ، ومعنى ذلك أن الذوق خطوة أولى تسبق النقد ، وليس هو النقد ، إذ النقد يجيء تعليلا له ، فهناك – إذن مرحلتان : مرحلة أولى ، يميزها ذوق يختار ما يقرأ (يحب أو يكره) ، لا يتجاوز دوره إعداد المادة الخام للعملية النقدية.(3) ومرحلة ثانية ، يميزها عقل (والعقل عند زكي نجيب محمود معناه المنهجية العلمية) يحلل ويعلل ويفسر ويستعين بكل ما أمكن من علوم .. . وبعد نحو 16 عاما من تلك المعركة بين الناقدين ، رأينا محمد مندور يميز – في نطاق النقد التأثري (الانطباعي) – بين مرحلتين أساسيتين : مرحلة (الذوق الفردي) ثم مرحلة (التبرير والتفسير الموضوعي) ، معربا عن أن الناقد الذي يقف على عتبة "المرحلة التأثرية مكتفيا بأن يقول : هذا جميل وذاك قبيح ، وهذا أسود وذاك أبيض ، فإنه في الحقيقة لا يعتبر عندئذ ناقدا على الإطلاق ، بل يعتبر معتوها أو مستهترا لا يعبأ بما يقوله أحد ولا ينبغي أن يعبأ". وقد عاود الإعراب عن القناعة ذاتها في كتابه المتأخر (معارك أدبية) الذي يتصدره مقال عنوانه "مذهبي في النقد" يلخص فيه انطباعيته الراسخة: ".. والنقد التأثري لا زلت أعتقد أنه الأساس الذي يجب أن يقوم عليه كل نقد سليم ، وذلك لأننا لا يمكن أن ندرك القيم الجمالية في الأدب بأي تحليل موضوعي ولا بتطبيق أية أصول أو قواعد تطبيقا آليا ، وإلا لجاز أن يدعي مدع أنه قد أدرك طعم هذا الشراب أو ذاك بتحليله في المعمل إلى عناصره الأولية ، وإنما تدرك الطعوم بالتذوق المباشر ، ثم نستعين بعد ذلك بالتحليل والقواعد والأصول في محاولة تفسير هذه الطعوم وتعليل حلاوتها أو مرارتها على نحو يعين الغير على تذوقها والخروج بنتيجة مماثلة للنتيجة التي خرج بها الناقد بفضل ملكته التذوقية المدربة المرهفة السليمة التكوين".(1) ثم يختم مقاله بالإشارة إلى أن "مذهبه النقدي" قد استقر في صورته المنهجية الأخيرة على أساسين اثنين : "أساس إيديولوجي ينظر في المصادر والأهداف وفي أسلوب العلاج ، وأساس فني جمالي ينتظم في مرحلتين أحاول دائما أن أجمع بينهما في كل نقد تطبيقي أقوم به وهما : المرحلة التأثرية التي أبدأها دائما بأن أقرأ الكتاب المنقود قراءة دقيقة متأنية لأحاول أن أتبين الانطباعات التي خلفها في نفسي ، ثم مرحلة التعليل والتفسير وهي المرحلة التي أحاول فيها تفسير انطباعاتي وتبريرها بحجج جمالية وفنية يمكن أن يقبلها الغير وأن تهديه إلى الإحساس بمثل ما أحسست به عند قراءتي للكتاب المنقود".(2) وواضح من خلال هذه الاستشهادات أن محمد مندور قد أخذ بفكرة (القراءتين) كما وردت لدى زكي نجيب محمود "دون أن يذكر الذي أوحى إليه بها ، ثم جاء الأنصار فحسبوها له" ... وقد نذكر من بين رواد النقد الانطباعي العربي كذلك الناقد الروائي المرحوم يحي حقي (1905- 1992) الذي دعا نقاد الجيل اللاحق لجيله – في مقدمة كتابه (خطوات في النقد)-"أن لا يحطوا على الفن كلاكل نظريات النقد المستوردة كلها فإنها تخنقه ..." ، معربا عن انتمائه المنهجي (الانطباعي) الواضح ، ومعللا ذلك الانتماء : لا أنكر أنني لم أخرج عن دائرة النقد التأثري ، فليس في كلامي ذكر للمذاهب ، لعل السبب أنني لم ألتحق بكلية آداب في إحدى الجامعات .. لم أدرس النقد دراسة منهجية تاريخية ، ولا يسعدني شيء مثل أن يفسح هذا الكتاب مجال القول في هذا النوع من النقد الذي أتقدم به للقراء". وقد عمق هذا الانتماء سنوات بعد ذلك ، إذ تمنى – قبل وفاته بثلاثة أعوام – أن يجد أتباعا لـ: "هذا اللون من النقد الذي أتشيع له وأدعو إليه ، ولا أتنازل عنه على الإطلاق ، وهو النقد الذي أطلق عليه لفظ (النقد التذوقي)، فلا يحكمون على الأعمال الأدبية المليئة بالمشاعر والأحاسيس والعواطف بالنظريات وبالقلم والمسطرة والتقسيمات النظرية الجافة". ومن الممكن أن نضيف إلى هذه الأسماء اسما نقديا انطباعيا آخر هو النقاد اللبناني الراحل إيليا الحاوي الذي يتميز بكثرة مؤلفاته النقدية التي تحتفي بالانطباع الذاتي واللغة الإنشائية ، وتدير ظهرها للمرجعية العلمية والتوثيق الأكاديمي ، شأنه في ذلك شأن الناقد الدكتور حسن فتح الباب في مجمل كتاباته النقدية (رؤية جديدة لشعرنا القديم ، شعر الشباب في الجزائر ، شاعر وثورة، ...) التي تعج بهذه الروح الانطباعية الطاغية التي قادته إلى دخول معركة (الانطباعية والعلمية) مع الناقد الجزائري الراحل أبو العيد دودو (1935 – 2004)(3). وعموما فقد تظافر النقد الانطباعي مع النقد الصحفي في شكل قراءة حرة وعابرة للنص ، عمادها الذوق الفردي ، تطبعها الخصائص الآتية : 1. محاربة القواعد العلمية والمعايير النقدية الأكاديمية ، والانتصار للذوق الذاتي الذي يشكل مركز الدائرة النقدية الانطباعية. 2.الإفراط في استحسان النصوص أو استهجانها ، على السواء ، أي ما يسميه جابر عصفور بثنائية (الحب والكره) التي يتوسل بها الناقد الانطباعي جاعلا من حالاته المزاجية معيارا نقديا متقلبا ! .... الذوبان في النصوص المعجب بها والتماهي في أصحابها . 3. العدول عن النصوص المدروسة إلى أجواء نائية من الهوامش والخواطر والذكريات الذاتية ، والتطويح بالقارئ في هذه الفضاءات القصية؛ إذ غالبا ما تحمل الناقد موجة تأثراته الذاتية بعيدا عن النص ، لتلقي به في لجة عواطفه الخاصة ، ويغدو "كمن تشغله التموجات الدائرية الممتدة على صفحة الماء عن الحجر الذي أثار هذه التموجات"؛ بمعنى أن الناقد – حينها – يركز على المعلولات دون العلة الأساسية التي ولدتها(1). 4. الإسراف في استعمال اللغة الإنشائية الشاعرية التي يطغى عليه ضمير المفرد المتكلم (أنا) ، وصيغة (أفعل التفضيل) وسائر الأساليب الانفعالية (2). | |
|
djamele7892 إدارة المنتدى
الجنس : السٌّمعَة : 28 الْمَشِارَكِات : 9188 النقاط/ : 10349 العـمــر : 34 الدولة : المتصفح :
| موضوع: رد: المنهج الانطباعي في النقد: الأحد يناير 23, 2011 10:34 pm | |
| | |
|